أساليب السيطرة على الغضب الخمسة | تعرَّف عليهم

“كان شخصًا لطيفًا وحنونًا حتى يغضب” هكذا أصفُه وهكذا كانت ذكراه الباقية في بالي حتى بعد مرور أعوامٍ على انفصاله عنا.
أقعُ دائمًا في حيرةٍ من أمري كلما مرَّت الذكريات برأسي.
هل كان هذا الذي يغمرني بالهدايا والأحضان والقُبلات هو ذاته الشخص الذي كنا نختفي من أمامه عندما يغضب؟!
أتذكر جيدًا خسائر كل نوبة غضبٍ مرَّ بها؛ هذه كسر فيها عوينات أخي، وتلك حطَّم فيها زجاج غرفتي، وأخرى كسر فيها ذراع أمي.
والحقيقة أن ما كُسِر حقًا هو علاقتنا به؛ وكان مصير عائلتنا المحتَّم هو التفكُّك.
بعد مرور كل هذا الوقت وبعد النَّبْش والقراءة عن كل ما يخص الغضب، أتساءل دائمًا: لماذا لم يطلب أبي مساعدة مختص؟
لماذا لم يحاول حتى البحث عن أساليب السيطرة عن الغضب؟
هل كان من الممكن أن يتغير مصير أسرتي؟
لا أدري، ربما.
الغضب مشاعر طبيعية وحق أصيل
الغضب واحد من المشاعر الطبيعية والصحية التي خُلقنا بها، شأنه شأن الخوف أو الفرح، وله علينا فضل كبير؛ فهو:
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
- يُعَد رد فعل طبيعي يساعدنا في الدفاع عن أنفسنا من المخاطر المختلفة.
- يمنحنا الشعور بالقوة والحماية من هجمات الآخرين.
لكن احذر! فلِلغضب وجهٌ قبيح يمكنه أن يدمر صحتك وحياتك وعلاقاتك مع الآخرين، وهذا ما سنتحدَّث حوله في هذا المقال.
الغضب المفرِط… طريقُك للهلاك!
يؤثر الغضب المفرِط بصورةٍ كبيرة في شكل حياتك؛ إذ هناك الكثير من العواقب التي يجب عليك تحمُّلها بعد كل نوبة غضب.
ويمكن إجمال تأثيرات الغضب السلبية في النقاط الآتية:
- الصحة الجسدية
بفعل الهرمونات التي يفرزها الجسد في حالة الغضب سواء الأدرينالين أو غيره، يتأثر الجسد ويكون عُرضة للعديد من المشكلات، مثل:
- ارتفاع ضغط الدم.
- الإصابة بداء السكري.
- ضعف الجهاز المناعي.
- أمراض القلب.
- الصحة النفسية
يستنفذ الغضب الكثير من طاقتنا النفسية، إضافة إلى حدوث تأثيرات عدة مثل:
- ضعف التركيز.
- التشوش الدائم وضبابية الرؤية.
- الأرق المزمن.
- التوتر والاكتئاب.
- الحياة الاجتماعية

عدم القدرة على التحكم في الغضب له عواقب وخيمة على العلاقات الإنسانية؛ فقد يؤدي إلى تدميرها كما حدث مع بطل قصة هذا المقال، فبعض الجروح التي يسببها غضبك قد لا تُشفى حتى مع الوقت!
وتذكَّر أن مع غضبك الدائم قد يجد الآخرون صعوبة في الثقة بك أوالتعامل بحرية في وجودك.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ فهو يؤثر بشكل كبير أيضًا في حياتك المِهَنية، وقد يؤدي أحيانًا لخسارتك لوظيفتك وعملائك.
أساليب السيطرة على الغضب
إن كنت من الأشخاص الغَضوبين الذين يعانون المشكلات السابق ذكرها؛ فالخطوات الآتية من شأنها مساعدتك في التغلب على الغضب.
أولًا: تعرَّف إلى علامات غضبك
إن أول طرق التعامل مع الغضب معرفة مقدماته؛ إذ توجَد الكثير من العلامات التي تعد بمثابة جرس إنذار ينبِّهك لسرعة التعامل مع الموقف قبل أن تفقد السيطرة.
ومن أشهر علامات الغضب:
- التنفس السريع.
- ألم بالمعدة.
- تصلب في العضلات خاصة الكتف.
- التعرُّق واحمرار الوجه.
- زيادة معدل ضربات القلب.
- صعوبة في التركيز.
ثانيًا: إذا عُرِف السبب بَطُل العَجَب!
كم مرة كان غضبك بلا داعي؟
كم مرة ثارت ثائرتك لأمر تافه لا يستحق؟
إن أهم أساليب السيطرة على الغضب هي التعرف إلى جذور المشكلة من الأساس والبحث عن حل لها… فتلك الأسباب التافهة قد تكون غطاء لمشكلات دفينة ظلت فترة دون حل، فمثلًا قد يكون السبب:
- الشعور بالإحراج أو الخوف أو عدم الأمان، وبدلًا من التعبير عن تلك المشاعر بصورة واضحة تظهر على شكل غضب.
- القلق أو التوتر؛ فهما يحفِّزان الجسم على أخذ وضع الدفاع عن النفس، وقد يصاحبهما الغضب أحيانًا، والعنف أحيانًا أخرى.
- الترعرع في بيئة غير صحية، حيث الصراخ والعنف هما التعبير الوحيد المتاح للغضب.
- وجود مشكلة مَرضية مثل الاكتئاب أو التعرض لصدمة شديدة.
لمعرفة المزيد عن أسباب الغضب يمكنك قراءة: ما هي أسباب الغضب في علم النفس | كيف تتحكم في انفعالاتك؟
يمكن القول أن التعرف إلى مشكلتك ومواجهتها، ووضع خطة لحلها أو حتى التعامل معها، يساعدك في التغلب على الغضب بسهولة.
ثالثًا: راقِب وعيك
قد تكون المشكلة في بعض الأحيان في طريقة نظرك للأمور والمواقف المختلفة التي تمر بها، وأفكارك السلبية تجاهها… فمثلًا قد يكون السبب:
- التعميم؛ فتعتقد أن كل مَن حولك يتعمدون إيذاءك أو إثارة غضبك.
- استنتاجاتك الخاطئة، والتسرع في الحكم على المواقف والقفز إلى النتائج السيئة.
- تعمد النظر إلى المواقف والأمور بزاوية واحدة، ورفض سماع وجهات نظر الأطراف الآخرين.
لهذا فإن أحد طرق السيطرة على الغضب في علم النفس هو تغيير تلك الأفكار، وتعليمك تبني أفكار أكثر منطقية.
ويمكنك استبدال عبارات مثل:
لماذا يحدث لي هذا؟ كل شيء ينهار؟ لقد قُضي عليّ!
بأخرى أكثر إيجابية مثل:
أنا مرهَق ومحبَط جدًا، أنا أتفهم ذلك! إنها مجرد مشكلة لكنها ليست نهاية العالم! الغضب لن يُصلِح شيئًا، فقط اهدأ وستجد حلًا.
رابعًا: تعلَّم كيف تهدأ

يُعَد الاسترخاء خطوة مهمة من خطوات التعامل مع الغضب وتقليل حدته بشكلٍ كبير.
وتسهم الخطوات الآتية في الوصول لنتائج رائعة:
- حاوِل التنفس بعمق قدر الإمكان.
- ردِّد عبارات تساعدك في الاسترخاء، مثل: اهدأ، كل شيء على ما يرام، لا تقلق…
- حاوِل استخدام حواسك المختلفة؛ فمن الممكن أن تسمع موسيقى مفضلة لك أو تتناول مشروبًا مفضلًا أو حتى تتأمل في منظر محبَّب.
- استدعِ من ذاكرتك مواقف أو أماكن تبعث الهدوء في نفسك.
ولا تنسَ اليوجا فقد تفيدك بشكل كبير في الاسترخاء والتغلب على الغضب.
خامسًا: عبِّر عن غضبك بشكل صحي
تحدَّثنا في أول المقال عن أن الغضب حق أصيل لك شريطة التعبير عنه بشكل مناسب ودون إلحاق الأذى بالآخرين… تسأل كيف يحدث هذا؟ إليك بعض الخطوات المهمة:
- تمهَّل
قِف قليلًا وتأمَّل في تلك الأفكار التي تدور في ذهنك الآن، هل هي منطقية أم لا؟
- اصمت
ولا تنطق بتلك الكلمات التي تأتي على لسانك الآن؛ فغالبًا ما ستكون جارحة.
- استمِع
لما يقوله لك الطرف الآخر واعرف وجهة نظره جيدًا فربما تكون صحيحة.
- تجنَّب
اجترار الماضي والمشكلات التي حدثت سابقًا، وركز فقط على اللحظة الحالية قدر الإمكان.
- حدد أولوياتك
أيهما أكثر أهميةً بالنسبة لك؟ ربحك للجدال وإثبات وجهة نظرك والانتصار لها أم نجاح علاقتك بالشخص وكسب وُده؟
كانت تلك النقاط الخمس هي أحد أسرار السيطرة على الغضب في علم النفس التي لها مفعولٌ يُشبِِه السحر.
طرق السيطرة على غضب الأطفال

إن من أكثر المشكلات التي تواجِه الآباء والأمهات هو مشاعر الغضب العارمة التي تَصدُر عن أطفالهم. ويرجع ذلك لأن الأطفال غالبًا ما يجدون صعوبة في التعبير عن مشاعرهم بشكل صحيح ومناسب، ويجدون الغضب متنفسهم الوحيد أحيانًا.
في النقاط الآتية تلخيص بعض أساليب السيطرة على الغضب عند الأطفال:
- تحدَّث مع طفلك حول سلوكه ومشاعره ليفهم أن هناك مشكلة وأنه يحتاج لحلها.
- علِّمه طرق الاسترخاء السابق ذكرها، مثل العدِّ والمشي وترديد عبارات تساعده في الهدوء.
- احرص على اشتراكه في تمرين أو رياضة معينة؛ فهذا يساعد في التخلص من الطاقة الفائضة لديه.
- عامِل طفلك بلطف؛ اقضِ وقتًا كافيًا معه وشارِكه مشاعره، وقدِّر إنجازاته الصغيرة.
وأخيرًا إن فشلتْ كل أساليب السيطرة على الغضب المذكورة لا تتردد في الاستشارة وطلب المساعدة من طبيب مختص.