
الحياة رحلة، نطوف ما بين مراحلها المختلفة، ننضُج ونكبُر، ونعيش التجربة بأجسادنا وأرواحنا. وأحد أهم هذه التجارب الخاصة بالمرأة هي الدورة الشهرية؛ أول دورةٍ تُخبر ببدء مرحلة البلوغ، انقطاع الدورة وغيابها بسبب حدوث الحمل، ومرحلة ما بعد الولادة، ثم حملٌ جديد، أو منعُ حمل، إلى أن نصل لخط النهاية، لا نزيف شهري بعد الآن.
وبقدر ما للتجربة من خصوصيةٍ من أنثى لأخرى، يكون وقعُ انتهاء الدورة الشهرية والدخول في انقطاع الطمث مختلفاً أيضاً. فأنثى تحزن لأن انقطاع الطمث يعني انتهاء لفرص الحمل للأبد، وأخرى تجد فيها راحة وحرية، وانتهاءً لألمٍ دوريّ يمنعها من ممارسة حياتها لعدة أيام شهرياً. وما بين هذه وتلك، نشعر بأعراض تؤثر فينا نحن النساء، وفي أجسامنا، وصحتنا الجسدية والنفسية.
فدعينا عزيزتي نتناول هذه الرحلة بشيء من التفصيل، نتحدث عن أعراض انقطاع الطمث، والتفسير العلمي لها، وما هي مدة أعراض انقطاع الطمث، وكذلك المضاعفات الوارد حدوثها معه، فأحضري أمتعتكِ وتابعي معنا قراءة هذا المقال.
مرحلة انقطاع الطمث

يُعرف انقطاع الطمث بغياب النزيف الشهري وتوقف نزول الدورة الشهرية لاثني عشر شهراً على التوالي. يتغير في هذه الفترة مستوى هرمون الإستروجين -أحد أهم هرموناتك الأنثوية-. لفهم هذا الأمر دعينا نتابع هذا الهرمون على مدار الرحلة.
تبدأ رحلة هرمون الاستروجين في جسمك مع دخولك مرحلة البلوغ، فلو تخيلناه خطاً سنجده صاعداً تدريجياً، إلى أن تبدأ أول دورة شهرية لكِ، فيظل يرتفع وينخفض مستوى هرمون الإستروجين بشكل طبيعي مع كل دورة شهرية جديدة. إلى أن يحدث الحمل، فيرتفع مستوى الإستروجين في فترة الحمل أكثر من ذي قبل، ويعود لطبيعته بعد الولادة ومن ثم تعود الدورة الشهرية إلى نمطها الطبيعي.
وعلى مدى سنوات بلوغكِ يظل مستوى الإستروجين يصعد ويهبط شهرياً، إلى أن تَصلِي لمنتصف الأربعينيات أو منتصف الخمسينيات؛ وهو السن المتوقع لانقطاع الطمث، فتظهر أعراض انقطاع الطمث عليكِ نتيجة انخفاض مستوى الإستروجين عن معدله الطبيعي بدرجة كبيرة فيهبط الخط تدريجياً كما بدأ.
لكن لماذا ينخفض مستوى الإستروجين؟
هناك هرمون آخر يسمى الهرمون المنشط للحويصلة FSH، يُفرز من المخ ويؤثر في مستوى هرمون الإستروجين.
أنتِ الآن تنظرين من عدسة مكبرة تُريكِ قطاعاً عرضياً من المبيض، ترين فيها آلافاً من البويضات غير الناضجة، تنضج واحدةٌ منها شهرياً، فعن طريق الهرمون المنشط للحويصلة، تنشط إحدى هذه البويضات، وتنمو وتفرز هرمون الإستروجين.
وتخرج البويضة الناضجة من المبيض لتكمل رحلتها؛ إما بالتخصيب لتصبح جنينأً، أو بنزولها في صورة نزيف شهري أي الدورة الشهرية.
لذا فالهرمون المنشط للحويصلة يحفز إفراز هرمون الإستروجين. إلى أن نصل لمنتصف الأربعينيات، فنجد البويضات التي لديها القدرة على النمو قد انخفض عددها، ويقل تأثير هرمون المنشط للحويصلة فيها، فيقل إفراز هرمون الإستروجين، لتظهر بعض أعراض انقطاع الطمث، ومنها غياب النزيف الشهري لعدة أشهر أو عدم انتظامه.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
أعراض انقطاع الطمث

قد تتساءلين الآن: “كيف أعرف انقطاع الحيض؟ وهل هذه التغيرات التي أمّر بها طبيعية؟”
تختلف حدة أعراض انقطاع الطمث من أنثى لأخرى، وعادة ما تستغرق عدة سنوات. لكن انقطاع الطمث بشكل مفاجئ أو في مدة زمنية قصيرة، قد يزيد من حدة أعراض انقطاع الطمث التي ستمرين بها. وللإجابة على سؤالك “كيف أعرف انقطاع الحيض؟” فهذه أشهر الأعراض التي قد تمرين بها:
انقطاع الدورة الشهرية
فغياب الدورة الشهرية لعدة أشهر في هذه المرحلة يكون إشارة لقرب وقت انقطاع الطمث. كما قد تختلف طبيعتها، كأن تأتيكِ مرتين في شهر واحد، أو تغيب لشهرين متتاليين، أو تصبح أخف، أو أكثر كثافة عن ذي قبل.
لكن غياب الدورة الشهرية لمدة 12 شهراً متتالياً، تُعد أحد علامات دخولك مرحلة انقطاع الطمث.
هَبّات ساخنة
والتي تعني شعوراً مفاجئاً بحرارة تشع من جسمك، خاصة في وجهك ورقبتك، والتي قد تستمر لعدة دقائق، وقد تتكرر عدة مرات في الساعة، أو تحدث مرة أو مرتين أسبوعياً. وقد يزداد احمرار ظهركِ أو ذراعيكِ أو وجهكِ على إثرها، ليس خجلاً، ولكن لتغير مستوى هرمون الإستروجين بجسمك.
وتُخلِّف الهبات الحرارية شعوراً غير مريحاً، قد تؤثر على نومك، فتوقظك من النوم فيما يُعرف بالتعرق الليلي؛ وهو أحد أعراض انقطاع الطمث أيضاً. وقد تستمر الهبات الحرارية لعدة سنوات بعد انقطاع الطمث، وفي نسبة أقل من النساء قد تستمر معهم لعشر سنوات أو أكثر.
أعراض نفسية
وتشمل عدة أعراض تنتج عن تغير مستوى الهرمونات بجسمك في هذه المرحلة، فقد تعانين من:
وقد تكون التغيرات المزاجية أحد أكثر أعراض انقطاع الطمث تكراراً لديكِ، فمشاعركِ المختلطة في هذه الفترة، والتغيرات الكثيرة التي تعايشينها تكون أحياناً أكبر من قدرتك على استيعابها.
تغير شكل جسدك
ومن أكثر ما يُحزن المرأة ظهور بعض الترهلات والدهون المتراكمة في بطنها، أو ضعف عضلات ذراعيها، فنقص هرمون الإستروجين قد يزيد من تراكم الدهون، ويقلل الكتلة العضلية بجسدك. هذا بالإضافة لتأثير السن عليك أيضأً، ودخولك مرحلة عمرية جديدة بعد إرهاق تربية الأبناء، أو رعاية الأسرة، أو مسيرة عملية طويلة.
نقص كثافة العظام
إذا كان الإستروجين يلعب دور الحماية لعظامك، فنقص مستواه يؤثر بالطبع على كثافة العظام، وقد يصل مع بعض النساء إلى هشاشة العظام، فمع دخولها مرحلة انقطاع الطمث، يصبح تطور الهشاشة أسرع.
كما قد تعانين من آلام في المفاصل في هذه الفترة أيضاً كأحد أعراض انقطاع الطمث.
تغيرات مهبلية
يصبح المهبل أكثر جفافاً مما قد يزيد من الالتهابات أو فرص حدوث عدوى مهبلية، هذا بالإضافة إلى بعض أعراض انقطاع الطمث الأخرى مثل:
- شعور بالحَكّة.
- آلام عند الجماع.
- شعور بعدم الارتياح.
- ضمور المهبل.
ضعف الرغبة الجنسية
ففي هذه الفترة يزداد جفاف المهبل كأحد أعراض انقطاع الطمث، وتضعُف الطبقة المخاطية المبطنة له، مما يزيد من الآلام عند الجماع، فيؤثر على رغبة المرأة فيه، وهو أحد تأثيرات انخفاض مستوى هرمون الإستروجين؛ والذي يمكن علاجه ببعض المواد المرطبة.
وبالرغم من ذلك توجد العديد من الحلول والوسائل التي يمكنها معالجة التغيرات الخاصة بالمهبل وكذلك ضعف الرغبة الجنسية وأهمها وأشهرها هي تمارين كيجل التي تُنصح جميع النساء بها.
أعراض متعلقة بالجهاز البولي
فقد تتكرر معكِ التهابات المسالك البولية في هذه الفترة، هذا بالإضافة إلى:
- صعوبة التحكم في التبول؛ أو سلس البول.
- زيادة معدل حاجتك للتبول.
- الحرقة في أثناء التبول.
صعوبة في النوم
قد تجدين صعوبة في النوم عن ذي قبل، فإذا لم يكن هناك سببا محددا يخطف النوم بعيداً عن جفونك، فقد يكون أحد أعراض انقطاع الطمث لديك، والذي تتراوح أسبابه بين:
- القلق.
- التعرق الليلي.
- تكرار الرغبة في الذهاب للحمام.
ما هي مدة أعراض انقطاع الطمث؟
عادة ما تستمر أعراض انقطاع الطمث لمدة 4-5 سنوات مع أغلب النساء بعد آخر دورة شهرية، ويمكنك أن تتوقعي استمرار هذه الأعراض لسبع سنوات. كما أن هناك نسبة قليلة من النساء تستمر معهن هذه الأعراض لإحدى عشر سنة بعد انقطاع الطمث.
هل هناك مضاعفات لانقطاع الطمث؟
بعد انقطاع الطمث، قد تظهر بعض الأمراض ليس نتيجة لانقطاعه، وإنما لتغير مستوى هرموني الإستروجين والبروجستيرون بجسمك. فقد تعانين من:
- هشاشة العظام: إذ تقل كثافة عظامكِ، فقد تحتاجين لتناول فيتامين د، هذا بالإضافة لزيادة حصتكِ الغذائية من الأطعمة المحتوية على الكالسيوم وذلك لتعويض هذا النقص.
- أمراض القلب: فيؤثر نقص مستوى الإستروجين على الأوعية الدموية ويجعلكِ أكثر عرضة لأمراض القلب.
- سرطان الثدي: وهو لا ينتج بالضرورة عن انقطاع الطمث، لكن تغير مستوى الهرمونات قد يساهم في حدوثه لدى بعض النساء.
وما ينبغي لك فعله هو استشارة الطبيب إذا شعُرتِ بأي أعراض غريبة أو غير متحملة، وكذلك لوضع خطة مناسبة للتغلب على هذه الأعراض.

وأخيراً، فدخولك هذه المرحلة لا يعني بالضرورة نزول تتر النهاية، قد يكون نهاية رحلة استمرت معكِ لسنوات عديدة، لكنها يمكن أن تكون بداية لمرحلة جديدة بتحديات مختلفة، تتزامن مع كبر عمر أولادكِ، أو قد تكونين جدةً الآن تداعبين أحفادكِ، وربما كنتِ ذات منصب كبير في عملكِ.
وما يهم الآن يا عزيزتي هو كيف تحافظين على صحتكِ، وما الذي يمكنكِ فعله لتعويض النقص الحادث لبعض المواد بجسمكِ، ولتنعمي براحة أكبر. وأراكِ عزيزتي في رحلة جديدة.