تجارب نفسية

أنواع الانفعالات في علم النفس

«هل لدينا المزيد من المحاضرات اليوم؟!»

سألتُ صديقتي بضجر! 

فمنذ الصباح الباكر ونحن نتنقل بين المدرجات من أجل محاضرات صماء لا معنى لها!

رفعت صديقتي عينيها عن كتابها، وابتسمت في وجهي برقة، ثم قالت بصوت هادئ: «نعم أيتها الملولة! محاضرة عن أنواع الانفعالات في علم النفس… صدقيني ستعجبك.»

إنها تتقن فن التعامل معي!

زفرتُ بملل… 

«أنا لم أحب علم النفس قَط، بل أنا لا أحب هذه الكلية!» 

غمغمتُ بضيق: «ما الذي أتى بي إلى هنا؟!»

ضحكت صديقتي، وجذبت ذراعي قائلة: «مجموع الثانوية العامة يا صغيرتي!»

شاركتها ضحكاتها، ودخلنا المدرج…

تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!

وعلى عكس توقعاتي أعجبتني المحاضرة، بل وكتبت مقتطفات منها!

دعوني أشارككم بها… 

ما تعريف الانفعال في علم النفس؟

سؤال طرحته أستاذة المادة بصوت هادئ، فأجابتها همهمات جماعية، تغاضت عنها بلطف وأجابت: 

“الانفعال في علم النفس يعرف بأنه حالة معقدة من الأحاسيس، ينتج عنها تغيرات نفسية وجسدية تؤثر في الأفكار والتصرفات.”

طالعتها وجوهُنا البلهاء، فواصلت شرحها: 

الانفعال هو الطريقة التي يتعامل بها الفرد مع الأحداث التي تؤثر فيه شخصيًّا؛ تعد تلك الأحداث مثيرًا لحدوث الانفعال.

إذًا، الانفعال يحدث نتيجة مثير خارجي؛ وكيفية تفاعل الفرد مع ذلك المثير هي الانفعال.

أرى التساؤلات تعلو وجوهكم عن الفرق بين الانفعالات والعواطف في علم النفس!

العواطف: هي التجربة الواعية لعملية الانفعال، وهي تتشكل بالتجربة الشخصية والذكريات والمعتقدات المرتبطة بنوع الانفعال.

وعلى عكس الانفعالات التي تتحكم فيها المراكز والموصلات العصبية، العواطف يتحكم فيها وعي الفرد ومعتقداته بخصوص الانفعال.

العواطف هي المعنى الواعي الذي يختلقه العقل للتجربة الانفعالية.

إذًا، يمكن تلخيص العلاقة بين الانفعالات والعواطف في علم النفس كالتالي:

مثير خارجي يؤثر في الفرد، فيُحدث انفعالًا يَنتج عنه عاطفةٌ ما.”

صمتَت قليلًا، ثم أردفت قائلة: “هل تعلمون ما مكونات الانفعالات؟”

مكونات الانفعالات

قبل أن نتحدث عن أنواع الانفعالات في علم النفس، فلنعرف مكونات الانفعال…
يتكون الانفعال من ثلاثة عناصر رئيسة، هي:

1- التجربة الشخصية

قالت الأستاذة: تبدأ كل الانفعالات بتجربة شخصية، وهي ما عرفناه باسم المثير.

سألتها طالبة: كيف تعتمد النظرية على شيء فردي؟!

أجابتها الأستاذة: لا يتفاعل جميع البشر بالطريقة ذاتها مع المؤثر نفسه؛ بمعنى: إذا قلت لكم الآن إنكم جميعًا أغبياء، هل تتخيلون أن انفعالاتكم تجاه الكلمة ستكون متساوية؟ 

بالتأكيد لا؛ فهناك من سيغضب جدًّا ويجادلني في ما قلت، وهناك من سيغضب ويصمت، وهناك من قد يحزن فقط من الكلمة، وهناك من سيغضب ويحزن فيما يعرف باسم الانفعالات المعقدة

وهذا هو تأثير التجربة الشخصية في الانفعالات.

2- الاستجابة الجسدية

سألتنا الأستاذة: بماذا تشعرون عند الخوف أو الغضب؟

أجاب أحد الطلاب: تزيد ضربات قلبي، وأشعر بالتعرق، وأحيانًا بتصاعد ألم في المعدة.

هزت رأسها مؤيدة، وقالت: نعم، هذا تحديدًا ما نتحدث عنه هنا. يلعب الجهاز العصبي اللا إرادي الدور الأكبر، ويحضِّر الجسم لحالة تسمى القتال أو الهروب، وهي أحد أنواع الاستجابة في علم النفس.
وفيها يحدث تسارع نبض القلب، وزيادة ضخ الدم للعضلات، والتعرق وغيرها من أعراض. 

كذلك درس العلماء الدور الذي يلعبه المخ في الاستجابة للانفعالات، فوجدوا أن جزءًا من المخ يسمى اللوزة الدماغية (Amygdala) يستثار، ويلعب دورًا في الاستجابة للمشاعر.

3-الاستجابة السلوكية

صمتت الأستاذة قليلًا، ثم قالت: هذا الجزء المرئي من عملية الانفعال كلها؛ الابتسامة أو التجهم أو التنهد… كلها استجابات سلوكية للانفعال.

إن قدرتنا على فهم ما ترمز إليه تلك التعبيرات وقراءة لغة الجسد هي جزء مهم من الذكاء العاطفي؛ فليس كل ابتسامة سعادة! 

فلربما يستخدم بعضنا الضحك للتفريغ عن الإحساس السلبي بداخله.

تلك كانت مكونات الانفعالات، فماذا عن أنواع الانفعالات في علم النفس؟

أنواع الانفعالات في علم النفس

أنواع الانفعالات في علم النفس

قالت الأستاذة: تنقسم الانفعالات إلى نوعين أساسيين، وهما: 

  • الانفعالات الأساسية.
  • الانفعالات المعقدة.

فما الفارق بينهما؟

  • الانفعالات الأساسية

حصرها العالم (باول إيكمان) أولًا في ستة انفعالات، وهي:

  • الحزن.
  • الغضب.
  • السعادة.
  • الخوف.
  • الدهشة.
  • الاشمئزاز.

ثم في عام 1999، أضاف بعض الانفعالات الأخرى، مثل:

  • الإحراج.
  • الفخر.
  • الخجل.
  • الحماس.
  • الازدراء.
  • التسلية.
  • الرضا.

ولكن لم يوافقه الكثيرون على قائمته الثانية.

دعونا نتحدث عن القائمة الأولى… ماذا يربط بين كل تلك الانفعالات؟

أجابت إحدى الطالبات: تظهر في الوجه.

هزت الأستاذة رأسها موافقة، وقال: “نعم، تظهر الاستجابة السلوكية لتلك الانفعالات في تعبيرات الوجه، كما درسها العالم (كارلوس دارين) وقال عن تعبيرات الوجه إنها استجابات عالمية، لا تختلف من شخص لآخر. 

سنتحدث في نظريات الانفعالات في علم النفس لاحقًا، لكن تلك القائمة اختلفت قليلًا بين تلك النظريات. 

لكن ماذا عن النوع الآخر من أنواع الانفعالات في علم النفس؟!

  • الانفعالات المعقدة

الرثاء، والغيرة، والندم… كلها انفعالات معقدة، فماذا يميزها؟

لم تجد إجابة هذه المرة، فاستأنفت كلامها قائلة: لا يظهر بوضوح، ومن الصعب تمييزها؛ فهي انفعالات ناتجة عن اتحاد انفعالين أساسيين أو أكثر. 

وقد شبهها العالم (روبرت بلوتشيك) بعجلة الألوان، فعندما نخلط أكثر من لون معًا يصعب تمييز اللون الأصلي، وما يظهر هو ظلال من تلك الألوان متحدة معًا.

لنأخذ الكراهية مثالًا: فالكراهية هي اتحاد لمشاعر الغضب، والخوف، والاشمئزاز.

ومن أمثلة الانفعالات المعقدة الأخرى:

  • الحب.
  • الإحراج.
  • الحسد.
  • الامتنان.
  • الذنب.
  • الفخر.
  • القلق.

تلك كانت أنواع الانفعالات في علم النفس.

وهنا، وجهت لها إحدى الطالبات سؤالًا حوَّل لون وجهها إلى الاحمرار: أليس الحب من المشاعر؟!

حاولت الأستاذة أن تهدأ حتى لا تصاب بأزمة قلبية (كان هذا ظاهرًا جليًّا في وجهها)، ولكنها تذكرت فجأة أنها لم تشرح لنا أن الانفعالات هي نفسها المشاعر!

ضحكنا كثيرًا وشاركتنا الضحك، فكلمة الانفعالات ليست دارجة في لغتنا العادية بمعنى المشاعر.

قالت الأستاذة بعدها بوجه بشوش: لنختتم محاضرتنا الشائقة بالحديث عن نظريات الانفعالات في علم النفس.

نظريات الانفعال في علم النفس

نظريات الانفعال في علم النفس

قالت الأستاذة: جهود علماء النفس في توضيح مفهوم الانفعال في علم النفس ضخمة، ولكن تلك النظريات الستة ترتكز على ثلاث نظريات أساسية، وهي:

  1. النظرية الجسدية

الاستجابة الجسدية هي المسؤولة عن المشاعر أو الانفعالات.

  1. النظرية العصبية

نشاط المخ هو المسؤول عن المشاعر.

  1. النظرية الإدراكية

الأفكار والأنشطة العقلية الأخرى هي المسؤولة عن الانفعالات.

لنتحدث الآن عن تلك النظريات الستة:

1- النظرية التطورية للانفعالات

اقترح العالم (كارلوس دارين) أن الانفعالات تطور، حتى يتكيف الإنسان ويتمكن من المقاومة والبقاء. 

تشجع المشاعر الإنسان على الاستجابة السريعة لمؤثرات البيئة مما يشجع على البقاء والشعور بالأمان.

2- نظرية جيمس-لانج للانفعالات

هي إحدى النظريات الجسدية في تفسير الانفعال في علم النفس، عرضها العالمان (ويليام جيمس) و(كارل لانج)، وتنص على أن الانفعالات تحدث نتيجة استجابة جسدية لمؤثر خارجي. 

أما عن كيف تنتهي تلك الاستجابة الجسدية، فيتوقف عليك أنت… كيف؟!

إذا أوقفك لص في الطريق؛ فسيثير ذلك جهازك العصبي ومن ثم يرد بزيادة ضربات القلب وزيادة التعرق، وقد يرتجف جسدك، حينها ستقول لنفسك: «ضربات قلبي مرتفعة، وأنا أرتجف؛ إذًا أنا خائف!»؛ وحينها ستشعر بالخوف.

قد يتعرض شخص آخر لموقفك نفسه ولكنه يقاوم اللص، فقط لأنه قال: «أنا لست خائفًا… أنا أقاتل!».

إذًا، تفسيرك الشخصي لاستجابتك الجسدية كان سبب مشاعر الخوف.

3- نظرية كانون-بارد للانفعالات

عرضها العالمان (والتر كانون) و(فيليب بارد)، وهي نظرية جسدية أخرى من نظريات الانفعال في علم النفس، قامت على رفض نظرية جيمس-لانج في نقطتين، هما:

  • أن نظرية جيمس-لانج ترى أن الاستجابة الجسدية مصدر الانفعالات دون إحساس حقيقي من الفرد بها، فهل يعني ذلك أن تسارع ضربات القلب في أثناء التمرين يعد خوفًا؟!
  • الانفعالات تحدث أسرع من الاستجابة الجسدية، فعند حدوث شيء خطر تشعر بالخوف أولًا قبل ازدياد نبضات قلبك… بذلك تكون نظرية جيمس-لانج خطأ.

اقترح (كانون) أن الانفعالات تنشأ عندما يرسل المهاد أو الثالمس (Thalamus) رسالة إلى المخ استجابة لمثير ما؛ محدثًا الاستجابة الجسدية، وفي الوقت نفسه يستقبل المخ الإشارة المثيرة لـ”اللوزة الدماغية” التي تُحدث التجربة الانفعالية.

لذا، وحسب تلك النظرية، الاستجابة الجسدية تحدث جنبًا إلى جنب مع التجربة الانفعالية ولا تتبع إحداهما الأخرى.

4- نظرية شاختار-سينجر للانفعالات

تعد مثالًا للنظرية الإدراكية، وتفترض النظرية حدوث الإثارة الجسدية أولًا، ومن ثم يفسر إدراك الفرد أسباب حدوث تلك الإثارة، ثم يصنفها كانفعال.

تتفق هذه النظرية مع نظرية جيمس-لانج القائلة بأن الانفعال تحدثه الاستجابةُ الجسدية، إلا أن الفارق يكمن في الترجمة الإدراكية للموقف الذي يصنف نوع الانفعال.

كما تتفق أيضًا مع نظرية كانون-بارد، فنظرية شاختار-سينجر تفترض أن الاستجابة الجسدية الواحدة تتسبب فيها عواطف متعددة.

مثال ذلك: زيادة ضربات القلب والتعرق في أثناء الامتحان يفسر بأنه توتر، والاستجابة نفسها في أثناء موقف خطر يفسر أنه خوف.

5- نظرية التقييم الإدراكي للانفعالات / نظرية (ريتشارد لازرس) للانفعالات

تنص هذه النظرية على أن التفكير يحدث قبل التجربة الانفعالية.

حسب النظرية، عند تعرض الفرد لمثير فإنه يفكر، ومن ثم تحدث الاستجابة الجسدية والتجربة الانفعالية.

مثال ذلك: عندما تتعرض لخطر ما، فإنك تفكر: «يا للهول! إنني في خطر!»، ومن ثم تنشط الاستجابة الجسدية والتجربة الانفعالية التي تتمثل في الخوف مثلًا.

6- نظرية رد فعل الوجه للانفعالات

وضعها العالمان (تشارلز داروين) و(ويليام جيمس)، وقد ربطا فيها بين تعابير الوجه والانفعال، اعتقادًا منهما أن الاستجابة الجسدية تؤثر في الانفعال، ولا تحدث فقط نتيجة التجربة الانفعالية.

لذا وبناءً عليه، اعتقدا أن تعبيرات الوجه هي التي تُحدث الانفعال وليس العكس، فعلى حد قولهما إن المشاعر مرتبطة بعضلات الوجه.

هنا توقفت أستاذتنا عن الكلام، وتنهدت قليلًا، ثم قالت: 

“أترون كم بذل العلماء في سبيل وضع نظريات الانفعال في علم النفس؟! ومع أن معظم تلك النظريات غير مؤكدة تظل الحقيقة ثابتة، وهي: أهمية المشاعر -أو الانفعالات- في تطور الجنس البشري وبقائه.

إن التحلي بالذكاء العاطفي يجعلنا قادرين على تحليل مشاعرنا ومشاعر الآخرين وفهمها والتعامل معها بطريقة أفضل.

أرجو أن تكونوا قد استفدتم من محاضرة اليوم، ولم تصابوا بالاكتئاب أو الملل!”

المصدر
Overview of the 6 Major Theories of Emotion Emotions and Types of Emotional Responses The Science of Emotion: Exploring the Basics of Emotional Psychology The Four Components of Emotion The 6 Types of Basic Emotions and Their Effect on Human Behavior
اظهر المزيد

Shaymaa Ali

شيماء علي صيدلانية كاتبة محتوى طبي. لا يزال العلم يبهرني بالجديد يوما بعد يوم، أغوص في بحره باحثة عن كنوزه، لأعود بما ينير العقول. أسعى لترسيخ الثقافة العلمية والطبية في مجتمعنا العربي بلغتنا الأم. أمزج في مطبخي "مقالاتي?" العلم بالأدب في خليط بطعم مميز جاهز لأجلك، فاستمتع به.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى