أهمية مرحلة المراهقة بين الثقافات والمجتمعات المختلفة

ولدي كمرآتي؛ أرى فيه كل صوري وأفعالي…
يبصر العالم بعيني، ويزن الأمور بمكيالي…
أنا ريشته التي يرسم بها لوحة أفكاره، ومقياسه الذي يختبر به نتائج أفعاله…
إن زرعت خيرًا حصدت خيرًا، وإن رويت صغرًا جنيت رشدًا…
حديثنا في هذا المقال عن مرحلة المراهقة وأهميتها البالغة في حياة كل إنسان، وكيف تتغير خصائصها بين الثقافات المختلفة.
في البداية…
ما هو تعريف مرحلة المراهقة؟
تبعًا لمنظمة الصحة العالمية (WHO)، فإن تعريف مرحلة المراهقة هو أنها إحدى أهم مراحل النمو والتطور في حياة الإنسان، حيث ينتقل من الطفولة إلى البلوغ. والمراهق هو كل شخص يتراوح عمره بين 10 إلى 19 عامًا.
ما هي أهميةُ مرحلة المراهقة؟
تنبع أهمية مرحلة المراهقة من كم التغيرات الجسدية، والجنسية، والثقافية، والاجتماعية، والعاطفية التي تحدث للإنسان في أثناء هذه المرحلة.
وهو ما يحتم عليك أيها الأبُ وعليكِ أيتها الأم فهم تلك التغيرات جيدًا، كي يتثنى لكما تقديم الدعم المناسب.
وقد قُسِّمَت مرحلة المراهقة إلى ثلاث فترات كي يسهل فهم وتوقع التغيرات الواقعة، ولتعزيز النمو الصحي.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
مرحلةُ المراهقة المبكرة (من 10 إلى 13 سنة)
ينمو الأطفال بسرعة أكبر خلال هذه المرحلة، فتطرأ بعض التغيرات الجسدية، مثل:
- نمو الشعر تحت الذراعين وبالقرب من الأعضاء التناسلية.
- تطور الثدي عند الإناث.
- تضخم الخصيتين عند الذكور.
عادة ما تبدأ سمات مرحلة المراهقة المبكرة في الظهور عند الفتيات سنة أو سنتين قبل الصبيان، ومن الطبيعي أن تبدأ بعض التغييرات في وقت مبكر عند كل منهما (في عمر الثامنة للإناث والتاسعة للذكور تقريبًا).
وقد تبدأ الدورة الشهرية لدى العديد من الفتيات في سن الثانية عشرة تقريبًا (من 2-3 سنوات في المتوسط بعد بداية نمو الثدي).
لا شك أن هذه التغييرات الجسدية ستثير الفضول والقلق عند المراهقين، خاصة إذا كانوا لا يتوقعون هذه التغيرات، ولا يعرفون ما هو الطبيعي منها.
ومن خصائص مرحلة المراهقة المبكرة أيضًا:
- أن تفكير الأبناء في ذلك العمر دائمًا ما ينحصر بين لونين، هما الأبيض والأسود، ولا يستوعبون إمكانية وجود لون رمادي.
والأشياء عندهم إما صحيحة أو خاطئة، عظيمة أو سيئة، ولا مجال لاختيار ثالث بينهما.
- أن تفكير الأبناء ينصب في هذه المرحلة على أنفسهم، وهو ما يسمَّى بـ”إيثار الذات” أو “الأنانية – Egocentrism). وبناءً عليه، يهتمون بمظهرهم جيدًا، ويشعرون كما لو كانوا مراقَبين دائمًا.
- تزداد حاجة المراهقين للخصوصية والشعور بالاستقلال، وقد يتمردون بقوة على قيود الوالدين وأُولِي الأمر.

مرحلةُ المراهقة الوسطى (من 14 إلى 17 سنة)
يستمر حدوث التغيرات الجسدية خلال هذه المرحلة؛ فتظهر على الذكور بعض طفرات النمو، وتتغير أصواتهم، وقد يصاب بعضهم بحب الشباب.
كما يفترض أن تنتظم الدورة الشهرية عند معظم الإناث في هذا العمر.
إضافة إلى ذلك، ينمو المخ وينضج كثيرًا، ولكن هناك اختلافات كثيرة في طريقة تفكير مراهق المرحلة الوسطى مقارنةً بالبالغ.
والسبب في ذلك أن الفصوص الأمامية هي آخر ما ينضج من المخ، ولا يكتمل نموها حتى يبلغ الشخص العشرينات من عمره.
ملحوظة: يلعب الفص الأمامي دورًا كبيرًا في اتخاذ القرارات المعقدة، والتحكم في الانفعالات، والقدرة على التفكير في الخيارات المتاحة وعواقب الأمور.
ومن سمات مرحلة المراهقة الوسطى أيضًا أن يهتم المراهقون بالعلاقات الرومانسية والعاطفية، وتزداد تطلعاتهم نحو الجنس الآخر.
اقرأ أيضًا: حب المراهقة | شبح يطارد الآباء!
كما تزداد مكافحتهم من أجل الحصول على المزيد من الاستقلال، فتقل أوقات الجلوس مع العائلة، وتزداد مع الأصدقاء.
ويظل المراهقون في هذه المرحلة حريصين على مظهرهم، وتزداد درجة تأثرهم بأقرانهم.
مرحلة المراهقة المتأخرة (من سن 18 إلى 21 أو أكثر)
يكتمل نمو المراهقين البدني خلال هذه المرحلة، ويصبحون أكثر قدرة على التحكم في الانفعالات، وقياس الأمور بواقعية.
قد يهمك أيضًا: صحة المراهقين النفسية | تحدي الآباء الأكبر!
أهميةُ مرحلة المراهقة في مختلف الثقافات
لا شك أن جميع المراهقين في كل أنحاء العالم سيمرون بنفس التغيرات الجسدية والفسيولوجية، ولكنهم قد يواجهون تحديات اجتماعية ونفسية مختلفة، نظرًا لاختلاف الثقافات والتقاليد والأعراف بين المجتمعات.
فقد تركز كل ثقافة على جوانب مختلفة في تنمية المراهقين، وتختلف أهمية مرحلة المراهقة ومفهومها بين مجتمع وآخر.
إن الحياة الأُسَرية وثقافة الآباء والأمهات هما أساس بناء شخصية المراهق وهويته، وهما ما يغرسان القيم والأعراف الاجتماعية التي تؤثر بطريقة مباشرة في عملية صنع القرار والسلوك الاجتماعي للمراهق.
وتتأثر تربية المراهق بالتوجهات العرقية والثقافات الدينية والقيم والتقاليد التي ينتمي إليها، فضلًا عن وضعه الاجتماعي والاقتصادي.
اقرأ أيضًا: كيفية التعامل مع المراهق | ماذا حلَّ بطفلي المطيع؟

خصائص مرحلة المراهقة تختلف بين مجتمع وآخر
تُعَدُّ التغيرات السريعة من أهم مميزات مرحلة المراهقة، حيث تُتاح العديد من الفرص للتعبير عن السمات الفردية المختلفة وتطويرها.
ولكن ما يصنع الفارق بين المجتمعات هو:
- اختلاف التوقعات المنتظَرة من كل جنس على حدة (فمثلًا، في بعض المجتمعات لا يُنتظَر من الفتيات إنجازات أكاديمية كبيرة بسبب تقدم سن الزواج).
- اختلاف الصفات والأفعال التي تقدرها الثقافات وتروج لها.
- درجة الدعم والفرص المتاحة داخل المجتمع.
وقد نخطئ عند تقدير الإنجاز الفكري والاقتصادي على حساب السمات الشخصية الأخرى، متأثرين بالثقافة الغربية وتوجهاتها في التنمية البشرية.
فنظن أن المجتمعات التي تحقق نجاحًا اقتصاديًا -وتحرص على قيمة الإنجاز الأكاديمي- متفوقة بالضرورة ثقافيًا أيضًا، وأنها أكثر قدرة على تعزيز صحة المراهقين وتطورهم.
ولكن يجب معرفة أن العديد من هذه المجتمعات لديه تهديدات شديدة الخطورة بانهيار الهياكل الاجتماعية القائمة على احترام أُولِي الأمر، وتباين أدوار الصغار و الكبار، والرجال والنساء.
ويجب الانتباه إلى الأفكار المعاصرة التي تغزو ثقافتنا ومجتمعاتنا، وتشجع على الاستقلالية بدلًا من الدعم المتبادل بين الأجيال، والعمل الفردي بدلًا من النهج الاجتماعي لصنع القرار، والمنافسة بدلًا من التعاون.
فتنمية العلاقات الأسرية والتمسك بالقيم والتقاليد -التي قد تراها بعض المجتمعات قد أصبحت مفاهيم قديمة، وتشجع مراهقيها على الاستقلال والانفصال عن أهاليهم- سيعملان على زيادة التطور السليم في الجوانب العاطفية والاجتماعية والروحية.
هذا بالإضافة إلى التطور البدني والفكري، وهو ما لا يتعارض أبدًا مع الأهداف التعليمية والأكاديمية والاقتصادية.
تحديات مرحلة المراهقة
- إن نشأة المراهق في المجتمعات الفقيرة ستجعله يواجه تحديات مختلفة تمامًا عن النشأة بين عائلات أكثر ثراء.
- الضغط الأسري، والتركيز على التحصيل التعليمي والأكاديمي، وخلق بيئة تنافسية شديدة، كل ذلك يسبب ارتفاع معدلات الاكتئاب والقلق عند المراهقين.
قد يهمك أيضًا: تأثير البيئة التنافسية الشديدة على الطفل
- نشأة المراهق ضمن فئة أقلية -أو في محيط تختلف فيه طبيعة المراهقة والرقابة الأبوية والالتزامات العائلية عن تلك الخاصة بأقرانه- قد تجعله يواجه أزمة هُوِيَّة، وتخلق صراعات بينه وبين أسرته.
- تطلُّع المراهقين للاستقلال الذاتي واتخاذ القرارات وحرية التصرف يمكن أن يؤثر بشدة في صحتهم؛ فقد لا يجيدون الاختيارات الغذائية والرياضية مثلًا.

أهمية التغذية في مرحلة المراهقة
يمُرُّ المراهقون بتغيرات جسدية وتطورات سريعة في النمو، ومن هنا تظهر أهمية التغذية في مرحلة المراهقة.
في الغالب عندما يعاني المراهقون طفرة في النمو يصاحبها زيادة في الشهية، وعندها يصبحون في حاجة لأطعمة صحية تلبي احتياجاتهم.
نصائح عامة حول تغذية المراهقين
- من الضروري تنظيم أوقات الوجبات اليومية في ظل تجمع أفراد الأسرة، والحرص على التفاعل الاجتماعي.
- لا بُدَّ من إشراك المراهقين في اختيار الأطعمة وإعدادها بناءً على قيمتها الغذائية.
- يجب اختيار الأطعمة التي تحتوي على الكالسيوم والمغنيسيوم والبوتاسيوم والألياف قدر الإمكان.
- يساعد التحكم في مقدار الحصص الغذائية وتناول الأطعمة غير المصنعة على الحد من السعرات الحرارية الزائدة.
- يحتاج المراهقون إلى 60 دقيقة على الأقل يوميًا لممارسة النشاط البدني المعتدل إلى القوي، كي ينعموا بصحة جيدة ووزن صحي في أثناء النمو.
وفي النهاية، تذكَّر أن مفهوم أهمية مرحلة المراهقة يختلف تبعًا للثقافة السائدة في المجتمع، وأن تلك الثقافة لها تأثير قوي في تنمية المراهق وسلوكه وقيمه ومعتقداته.
وأن الآباء والأمهات هم أصحاب الفضل الأول في غرس القيم والمعتقدات الثقافية الإيجابية في أبنائهم، وتعليمهم كيفية احترام الذات، واحترام أولي الأمر، إلى جانب الدعم الأكاديمي.