اختبار ستروب | مبارزة الألوان والكلمات!

«تحداني صديقي باختبار لن أتمكن من اجتيازه -على حد قوله، وعرض عليَّ قائمة من الكلمات التي تعبر عن ألوان مخالفة للألوان التي طُبعت بها، وطلب مني أن أسمي الكلمات بألوانها لا بمعناها…
أي تحدٍّ هذا؟! إنه سهل جدًّا!
بالتأكيد سخرت منه، وبدأت في تسمية الألوان. اجتزت أول لونين ثم بدأ لساني يتلجلج ولم أفهم لماذا خذلني تفكيري!
عندها شرح لي صديقي هذا الاختبار المُسمَّى بـ”اختبار ستروب”، فذُهلت من كم الحقائق التي لا نعلمها عن أدمغتنا وإدراكنا لما حولنا.»
ما اختبار ستروب؟
اختبار ستروب (Stroop test) هو اختبار نفسي عصبي، يستخدم أساسًا لأغراض تجريبية ودراسية.
يتطلب منك الاختبار النظر إلى قائمة من الكلمات التي تعبر عن ألوان، على أن تكون الكلمة مطبوعة بلون مختلف عن اللون الذي تشير إليه الكلمة.
على سبيل المثال: أزرق – أصفر – أسود.
كما تلاحظ، فإن ألوان الكلمات تتعارض مع معناها، والمطلوب منك في هذا الاختبار أن تسمي الكلمات بألوانها.
هل تجد هذا سهلًا؟ عليك التفكير مرة أخرى!
تجربة ستروب

في عام 1935، نشر عالم النفس الأمريكي (جون ريدلي ستروب) دراسة لقياس قدرة الأشخاص على تسمية الكلمات المعروضة أمامهم بألوانها، بغض النظر عن معنى الكلمة المقروء.
تضمنت الدراسة التجارب الآتية:
التجربة الأولى
طُلب من المشاركين في التجربة الأولى قراءة الكلمات المعروضة عليهم وتجاهل ألوانها التي اختلفت عن الكلمات المقروءة.
على سبيل المثال: تُقرأ كلمة “أزرق” كما هي، حتى وإن كانت مكتوبة باللون الأحمر.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
تبين من هذه التجربة أن الوقت المُستغرق لقراءة الكلمات المتعارضة مع ألوانها زاد بمعدل ٢,٣ ثانية لكل مائة كلمة، مقارنةً بالوقت المُستغرق لقراءة الكلمات المكتوبة باللون الأسود.
التجربة الثانية
على عكس التجربة الأولى، طُلب من المشاركين في التجربة الثانية تسمية الكلمات بألوانها، بغض النظر عن معناها.
على سبيل المثال: كلمة “أزرق” تُقرأ “أحمر”.
أثبتت هذه التجربة صعوبتها، إذ إن الوقت المُستغرق لتسمية الكلمات بألوانها عوضًا عن قراءتها زاد بنسبة ٧٤٪ عن الوقت المُستغرق لتسمية الألوان مطبوعة داخل المربعات (دون كلمات).
تسمى هذه الزيادة في الوقت المُستغرق أو الصعوبة في تسمية الكلمات بألوانها بتأثير ستروب (Stroop effect).
تكمن أهمية تأثير ستروب في أنه يلقي الضوء على الآليات البدائية للإدراك؛ أي أنه يعطينا تفسيرًا لكيفية معالجة الدماغ لبعض المؤثرات الخارجية.
كيف يعمل تأثير ستروب؟
ينتج تأثير ستروب عن استقبال العقل الباطن للمعطيات التي تُقدم له، من هنا نشأت نظريات تفسر هذا التأثير، منها:
- نظرية الانتباه الانتقائي
الانتباه الانتقائي هو تركيز الانتباه على شيء محدد مع تجاهل المؤثرات الأخرى. ومقارنةً بالقراءة، فإن تسمية الألوان يحتاج تركيزًا أكبر.
لذا، يحتاج الدماغ إلى مجهود أكبر لتركيز الانتباه على تسمية الألوان؛ فيستغرق وقتًا أطول.
- نظرية سرعة المعالجة
تشير هذه النظرية إلى أنه يمكن للأشخاص قراءة الكلمات أسرع من تسمية الألوان.
وعليه، فعند محاولة تسمية لون كلمة تعبر عن لون آخر، فإن الدماغ يقرأ الكلمة أولًا؛ الأمر الذي يشوش على تسمية اللون فيستغرق الشخص وقتًا أطول.
- نظرية التلقائية
لفهم هذه النظرية، فكر في قيادة سيارتك في الطريق نفسه الذي تسلكه يوميًا إلى العمل. هل يتطلب منك هذا مجهودًا ذهنيًا شاقًا؟
الإجابة بالتأكيد: «لا».
يطلق على قيادة السيارة في هذه الحالة “عملية تلقائية”؛ فقد تحولت إلى ممارسة معتادة تحدث بسرعة ولا تحتاج إلى تركيز الانتباه.
لا يقتصر الأمر على سهولة الأداء، لكن يمكنك أيضًا التفكير في شيء آخر في أثناء هذا الفعل.
يعد فهم معاني الكلمات عملية تلقائية نتيجة لاعتياد القراءة، على عكس تسمية الألوان الذي يصاحبه تردد يسير.
لذا، فعند محاولة تسمية الكلمات بألوانها يصبح الدماغ أمام عمليتين، إحداهما تلقائية والأخرى ليست كذلك.
عندها، يستغرق الشخص وقتًا أطول للتركيز على العملية غير التلقائية.
- نظرية المعالجة المتوازية الموزَّعة (Parallel distributed processing)
تشير هذه النظرية إلى أن لكل مؤثر خارجي مسارًا للمعالجة دماغيًا، وتكون بعض هذه المسارات أكثر قوة من غيرها.
وفي حالة اختبار ستروب، فإن مسار قراءة الكلمات أقوى من مسار تسمية الألوان؛ وذلك استنادًا إلى اعتياد الشخص على القراءة أكثر من تسمية الألوان.
استخدامات اختبار ستروب للانتباه والإدراك
يستخدم اختبار ستروب لتقييم مستوى قصور الانتباه والأداء العقلي للشخص، ويستخدم أيضًا لتقييم القدرات الإدراكية للأشخاص الذين يعانون بعض الأمراض النفسية والعصبية، مثل:
- الاكتئاب.
- الاضطراب الوجداني ثنائي القطب.
- انفصام الشخصية.
- مرض الألزهايمر.
أراد العلماء توسيع دائرة استخدامات اختبار ستروب، وتوقعوا تأثير مشاعر الإنسان وعواطفه في تسمية الألوان، لذا ابتكروا شكلًا آخر من اختبار ستروب، وهو “اختبار ستروب الانفعالي”.
اختبار ستروب الانفعالي
يتضمن هذا الاختبار رؤية الشخص لكلمات وتسميتها بألوانها، ولكن في هذه الحالة تنقسم الكلمات المقدمة إلى:
- كلمات مرتبطة بحالات انفعالية، مثل: كراهية – انتحار – موت.
- كلمات حيادية، مثل: شجرة – نهر – طاولة.
ينتج عن هذا الاختبار أن الأشخاص يستغرقون وقتًا أطول في حالة تسمية ألوان الكلمات ذات الطابع الانفعالي عن الكلمات الحيادية، وتتباين ردود الفعل في الحالات النفسية المختلفة.

يمكننا القول بأن بعض الكلمات تضرب على الوتر الحساس عند بعض الناس، فالشخص الذي لديه أفكار انتحارية -على سبيل المثال- سيتوقف قليلًا عند كلمة (الانتحار) قبل تسمية اللون.
يُستخدم اختبار ستروب الانفعالي في تقييم بعض الحالات النفسية، مثل:
- اضطرابات القلق.
- الرهاب الاجتماعي.
- السلوكات الإدمانية.
- الوسواس القهري.
- الاكتئاب.
وختامًا، قد يبدو لنا اختبار ستروب أداة يسيرة في الطب النفسي، لكنه يلقي ضوءًا على تعقيدات العقل البشري وعلى آليات التفكير التي نمارسها لا شعوريًا كل يوم.
ويستمر العقل البشري في إبهارنا دائمًا!
بقلم د. مي نادر