اضطراب التحكم في الاندفاع | صوت عقلي الذي لا يهدأ!

يشبه الأمر صوتًا ملحًا في عقلي، صوتًا يدفعني إلى الجنون، ولا يهدأ إلا إذا نفذت ما يطلب!
فتارةً يعدني بأن تلك هي المرة الأخيرة وإن فعلتها لا نعود، وتارةً يبرر لي أمري ويهونه في عيني…
وهكذا أعود إلى الفعل نفسه مرةً تلو الأخرى…
فهل هناك تفسير لهذا الصوت؟!
إنه اضطراب التحكم في الاندفاع -يا عزيزي- إذ تسيطر رغباتك على مسار حياتك.
في هذا المقال نجيب عن هذه الأسئلة:
ما المقصود باضطراب التحكم في الاندفاع؟
ما أسباب هذا الاضطراب؟
كيف يمكن تعديل سلوك الاندفاعية؟
ما المقصود باضطراب التحكم في الاندفاع؟
إن أهم ما يميز الكائن البشري عن باقي المخلوقات قدرته على التحكم في رغباته وشهواته وكبت جماحها.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
وعلى الرغم من أن معظمنا يعتقد -خطأً- أن تلك القدرة على التحكم أمر طبيعي مسَلم به وأنها لا تحتاج جهدًا؛ فإنها تمثل تحديًا كبيرًا عند بعضنا.
فتجد أن الاندفاعية والتسرع سمة رئيسة لديهم، وقد يتطور هذا السلوك ليصل إلى حد الإصابة باضطراب التحكم في الاندفاع.
ويعد هذا الاضطراب واحدًا من المشاكل النفسية التي يعاني فيها الشخص صعوبة شديدة في ضبط مشاعره وسلوكاته ورغباته.
وينتج عن هذا دخوله في صراعات دائمة، ما بين رغبته في الانصياع والاستسلام لها وبين محاولته رفضها وتحجيمها.
ومع أن الدراسات تشير إلى أن نسبة الإصابة بهذا الاضطراب لا تتجاوز 10 بالمئة؛ فإنه يتسبب في ظهور العديد من المشكلات النفسية الخطرة، مثل:

- هوس السرقة (Kleptomania).
- هوس إشعال الحرائق (Pyromania).
- اضطراب شد الشعر (Trichotillomania).
- هوس الشراء.
- إدمان الكحول.
- إدمان المواد المخدرة.
- اضطرابات الطعام بمختلف أنواعها.
- القمار القهري (Pathological Gambling).
كيف يحدث الأمر؟!
يبدأ الأمر بوجود رغبة داخلية ملحة بشكل مبالغ فيه لفعل شيء ما، ويصاحبها دائمًا شعور بالتوتر والضغط أو الإثارة.
من ثم يضطر هذا الشخص إلى الاستسلام والرضوخ لها، وعادة ما تقل مشاعر الضغط ويحل محلها شعور بالراحة والنشوة.
ولكن في النهاية…
تطفو مشاعر الندم والذنب وجلد الذات على السطح، مع كم من الوعود بالإقلاع عن هذا الفعل لتسكين الضمير…
والتي سرعان ما تتبخر، ويظل هذا الشخص يدور في دائرة مغلقة بين تلك المراحل الثلاث.
أسباب اضطراب التحكم في الاندفاع
إلى الآن لا يعرف السبب الرئيس وراء اضطراب التحكم في الاندفاع، لكن هناك عدة عوامل تسهم في ظهوره، أشهرها:
- عوامل جينية:
فتشير بعض الدراسات إلى أن هناك جينات تؤثر في حجم القشرة الجبهية التي تحتوي على مراكز التحكم في الرغبات أو في تكوينها.
- عوامل هرمونية:
يُعتقد أن الهرمونات تلعب دورًا فعالًا في ظهور هذا الاضطراب وشكله بنسبة كبيرة.
ويُستدل على ذلك بأن المشكلات النفسية الناتجة عنه يرتبط بعضها بالرجال (مثل: اضطراب إشعال الحرائق)، وبعضها الآخر أكثر انتشارًا في النساء (مثل: هوس السرقة).
كذلك يعتقد أن الإصابة باضطراب التحكم في الاندفاع ترتبط بوجود خلل بهرمون السيروتونين بالمخ.
- عوامل مرضية:

يرتبط هذا الاضطراب ببعض الأمراض النفسية أو العضوية مثل:
- الإصابة بسكته دماغية.
- اضطراب التشتت ونقص الانتباه (ADHD).
- اضطراب ثنائي القطب.
- المراحل المتأخرة من مرض باركنسون (Parkinson disease).
- عوامل نفسية:
إن التعرض لصدمة نفسية حادة -خاصة في مرحلة الطفولة- سواء نتيجة للعنف الجسدي أو الجنسي يعد أحد أسباب هذا الاضطراب.
- عوامل بيئية:
تعد البيئة غير الآمنة التي يعيش فيها الطفل أحد أهم العوامل المؤدية لظهور اضطراب التحكم في الاندفاع، ومن أشهر الأمثلة على تلك البيئة:
- الفقر والعيش في ظروف اقتصادية متدنية.
- انتشار العنف والجريمة في المجتمع المحيط.
- إهمال صحة الطفل الجسدية والنفسية.
- عوامل وراثية:
مثل وجود تاريخ مرضي للإصابة باضطراب التحكم في الاندفاع في العائلة.
علامات تشير إلى وجود بوادر سلوك اندفاعي
توجد بعض العلامات التي تعد جرس إنذار يشير إلى أن الشخص يعاني نزعة اندفاعية ربما تتطور إلى اضطراب.
من أشهر تلك العلامات في الأطفال:
- تجاهل الخطر: فيمكنك أن تلاحظ إقدامهم على فعل شيء يبدو شديد الخطورة دون النظر في عواقبه أو الخوف منها.
- الإصرار على مقاطعة كلام الآخرين، وخاصةً من أقرانه.
- الاستيلاء على ممتلكات غيره أو تخريبها.
- الصراخ الدائم والمستمر دون وجود داع.
- التسبب في أذى جسدي لنفسه أو للأطفال الآخرين من حوله.
ومن أشهر تلك العلامات لدى البالغين:
- الإفراط في عمل أشياء بعينها وقد يصل إلى حد الإدمان، مثل: الإفراط في تناول الطعام أو التسوق.
- الاعتداء على ممتلكات الآخرين وتخريبها؛ كرد فعل عند الغضب الشديد.
- الإصابة بنوبات غضب شديدة ومتكررة دون وجود مبرر قوي لها.
- اتخاذ العنف الجسدي وسيلة لتفريغ الغضب.
- إيذاء النفس، خاصة في أوقات الغضب أو الحزن.
- التحدث دون تفكير، والإصرار على مشاركة الآخرين أدق التفاصيل الشخصية.
- تصعيد المشكلات الصغيرة والتافهة والإصرار على إعطائها حجمًا أكبر من حجمها.
- محاولات كثيرة ومتكررة للبدء من جديد وتجاهل الماضي.
نصائح تساعد على تعديل سلوك الاندفاعية
إن كنت لاحظت أيًّا من السمات السابق ذكرها في الفقرة السابقة، فلا تنزعج يا عزيزي القارئ؛ فباتباع الخطوات التالية يمكنك تقويم سلوك الاندفاعية واستبداله بإرادة قوية على المقاومة:
تعديل سلوك الاندفاعية في الأطفال:
لمرحلة الطفولة أثر بالغ في تكوين شخصية الطفل؛ لذا فمن المهم الانتباه إلى تلك العلامات والبدء في علاجها، وهذا عن طريق:
- تعليم الطفل المهارات الاجتماعية المختلفة، مثل: مشاركة الآخرين واحترام دورهم في الكلام أو اللعب، والاستئذان قبل استخدام ممتلكات الآخرين.
- وضع روتين يومي والمحافظة عليه -قدر الإمكان- يساعد الطفل على التحكم في رغباته.
- وضع قواعد وحدود للأنشطة اليومية التي يفضلها (مثل اللعب أو قضاء الوقت أمام التلفاز).
- تعليمه مهارات التحكم في الغضب.
تعديل سلوك الاندفاعية عند البالغين:
- إجبار نفسك على الالتزام بروتين معين وثابت ليومك والالتزام به.
- الوعي بمشاعرك وأفكارك يساعدك على فهم سلوكات الاندفاع العاطفي ومعرفة طرق مقاومتها.
- كافئ نفسك في كل مرة تستطيع فيها مقاومة رغبة ملحة.
- وأخيرًا، يمكنك التحدث مع شخص تثق به حول ما تعانيه، وطلب مساعدته.
ما علاج الشخصية الاندفاعية؟
على الرغم من صعوبة هذا النوع من الاضطرابات، الشفاء منه ليس مستحيلًا.
ويعتمد نجاح علاج الاندفاعية على عدة عوامل، مثل: مدى شدة الأعراض، ومدى رغبة المريض في العلاج للتخلص من الاضطراب وتوابعه.
ويوجد محوران رئيسان يعتمد عليهما علاج الاندفاعية، وهما:
أولًا: العلاج الدوائي

يلجأ الأطباء إلى وصف بعض الأدوية لعلاج الشخصية الاندفاعية وتخفيف أعراضها، ومنها:
- مضادات الاكتئاب، مثل: مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs) -ومن أشهرها دواء فلوكسيتين- التي وجد أنه تخفف من حدة العدوانية.
- الأدوية المثبتة للمزاج (Mood stabilizers).
ثانيًا: العلاج النفسي
للعلاج النفسي الدور الأهم في علاج الاندفاعية والتعامل معها، ومن أشهر أنواع جلسات العلاج النفسي الفعالة:
- العلاج المعرفي السلوكي: يساعد هذا النوع من العلاج النفسي بشكل كبير على تعديل سلوك الاندفاعية وعلاج الكثير من الأمراض والاضطرابات النفسية المتسببة بها.
- العلاجُ الأسري أو الزوجي.
- العلاج باللعب أو الرسم للأطفال.
هذا بالإضافة إلى التمارين والرياضات التي تساعد المريض على الاسترخاء، مثل: التأمل واليوجا.
في الختام، نؤكد لك يا صديقي أن التخلص من الاندفاعية وصوتها المسيطر على حياتك ليس صعبًا، فقط يحتاج منك بعض الجهد والإرادة والكثير من الصبر… فلا تيأس.