ترياق الأمراض النفسية

اضطراب التصرف “Conduct Disorder” | هل يحتاج طفلي إلى الطبيب؟

الساعة الآن الحادية عشرة صباحًا.. يرن جرس الهاتف!

تهرع الأم الشابة لتجيب، فيأتيها صوت المتحدث من الناحية الأخرى، كما توقعت تمامًا، إنها مدرسة طفلها البالغ من العمر 10 سنوات. 

” احضري إلى المدرسة فورًا، لقد تشاجر طفلك مجددًا مع زملائه، وهذه المرة تسبب في إصابة زميله بجرح غائر في جبهته!”. قال المتحدث تلك الكلمات المقتضبة بلهجة حادة، ثم أغلق الهاتف. 

في المدرسة، أخبروا الأم المسكينة أن ولدها مصاب باضطراب التصرف، وأن عليها الذهاب به إلى طبيب نفسي. 

وقعت الأم في حيرة، يا تُرى ما هو هذا الاضطراب؟ وهل يحتاج طفلي فعلًا إلى الطبيب؟ 

هذا ما سنتعرف عليه سويًا في السطور القادمة من هذا المقال. 

ماذا يعني اضطراب التصرف “Conduct Disorder”؟

اضطراب التصرف هو نوع من الاضطراب النفسي والسلوكي يصيب الأطفال والمراهقين.

 يُظهر الطفل المصاب به نمطًا سلوكيًا عدائيًا وتخريبيًا، كما يكون لديه مشاكل في اتباع القواعد. 

من الطبيعي أن يمر الطفل في مرحلة ما من حياته ببعض المشاكل السلوكية، لكن متى نعد تلك المشاكل اضطرابًا في التصرف يستحق التدخل الطبي؟ 

يكون سلوك الطفل العدواني أمرًا مقلقًا عندما:

  • يستمر فترة طويلة. 
  • ينتهك حقوق الآخرين. 
  • يخالف القواعد المجتمعية المعروفة والمقبولة.
  • يؤثر بالسلب في حياة الطفل وعائلته. 

إذن كيف أفرق بين مشاكل طفلي السلوكية الطبيعية وبين تلك التي تستلزم التدخل الطبي؟ 

تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!

إلى كل أب وأم، إليكم بعض السمات الشخصية التي تعد بمثابة جرس إنذار، تنبئكم باحتمالية إصابة طفلكما باضطراب السلوك النفسي. 

علامات اضطراب التصرف

اضطراب التصرف

يستخدم الطبيب العلامات الآتية لتشخيص اضطراب التصرف “Conduct Disorder”.

1- عدوانية تجاه الأشخاص والحيوانات 

إذ يعمد الطفل إلى فعل الآتي باستمرار وبدون سبب:

  • تهديد وإخافة الآخرين
  • افتعال الشجار
  • إيذاء الحيوانات 
  • إيذاء قرنائه 
  • الاستيلاء على ممتلكات قرنائه بالإكراه

2- تدمير المباني والممتلكات

مثل:

  • تعمد إشعال الحرائق
  • تعمد التخريب 

3- السرقة والخداع 

مثل:

  • التسلل إلى البيوت والسيارات بغرض سرقتها 
  • السرقة من المحال التجارية
  • الكذب بهدف تحقيق المصلحة الشخصية

4- انتهاك القواعد العامة

مثل:

  • الهرب من المنزل 
  • الهروب من المدرسة
  • المكوث خارج المنزل فترات طويلة في وقت متأخر

إذا ظهرت على الطفل ثلاثة على الأقل من تلك العلامات خلال السنة السابقة للتشخيص، أو علامة واحدة خلال الستة أشهر السابقة، فهذا يعني أنه ربما يكون مصابًا باضطراب التصرف. 

أنواع اضطراب السلوك

تقسم أنواع اضطراب التصرف على حسب العمر الذي ظهرت فيه الأعراض على الطفل.

فهذا الاضطراب قد يظهر في: 

1- الطفولة: وفيه تظهر الأعراض على الطفل قبل بلوغه سن العاشرة. 

2- سن البلوغ: وفيه تظهر الأعراض على الطفل في بداية مرحلة المراهقة. 

3- وقت غير محدد: حيث لا يكون معلومًا لدى الوالدين أو المحيطين بالطفل الوقت المحدد الذي ظهرت فيه الأعراض لأول مرة على الطفل.

إذن ما الذي يجعل طفلي يسيء التصرف على هذا النحو؟ هذا ما سنجيب عنه سويًّا في الفقرة القادمة من هذا المقال. 

أسباب اضطراب السلوك عند الأطفال

لا يعلم الأطباء سببًا محددًا لهذا الاضطراب، لكنهم يعتقدون أن هناك مجموعة من العوامل البيولوجية والجينية والاجتماعية والبيئية والنفسية قد تؤدي دورًا في نشأته. 

1- العوامل البيولوجية

وجدت بعض الدراسات الحديثة ارتباطًا بين مناطق معينة في الدماغ -مسؤولة عن تنظيم السلوك والسيطرة على الانفعالات والعاطفة- وبين نشأة اضطراب السلوك، حيث لا تعمل دوائر الخلايا العصبية في تلك المناطق من الدماغ بشكل صحيح. 

إضافة إلى ذلك، فإن إصابة بعض الأطفال والمراهقين بمشاكل -مثل فرط الحركة وتشتت الانتباه أو صعوبات التعلم- قد يساعد في ظهور أعراض اضطراب التصرف عند هؤلاء الأطفال. 

2- العوامل الجينية

في أغلب الحالات، يكون في عائلات الأطفال المصابين باضطراب السلوك أفرادٌ لديهم مشاكل نفسية، مثل التقلبات المزاجية واضطراب القلق والاكتئاب، وهذا يجعل أطفال تلك العائلات أكثر عرضة للإصابة بالاضطرابات السلوكية والنفسية المختلفة. 

3- العوامل البيئية

تؤدي البيئة التي يعيش فيها الطفل في المنزل دورًا هامًّا في صقل مهاراته وضبط سلوكياته، فإذا كان الطفل يعاني في تلك البيئة عنفا أو انتهاكات أو صدمات، فهذا سيؤثر بالطبع على تصرفاته. 

4- العوامل النفسية

يعتقد علماء النفس أن إصابة الطفل باضطراب التصرف قد يكون انعكاسًا لمشاكل نفسية وأخلاقية أخرى، مثل عدم الشعور بالذنب أو الندم عند ارتكاب الأخطاء.

5- العوامل الاجتماعية

إذا كان الطفل يعاني من الرفض من قِبل أقرانه؛ نظرًا لتدني حالته الاجتماعية والاقتصادية مقارنةً بهم، فهذا قد يكون عاملًا مؤثرًا في اضطراب سلوكه. 

كيف يؤثر اضطراب التصرف على حياة الطفل؟ 

على الرغم أن اضطراب السلوك هو مشكلة تقض مضجع كل من يتعامل مع الطفل -كأسرته ومعلميه وقرنائه- فإن تأثيره على حياة الطفل نفسه يكون عميقًا وملحوظًا. 

غالبًا ما يعاني الأطفال والمراهقون المصابون باضطراب السلوك النفسي مشاكل في التحصيل الدراسي، ويتغيب معظمهم عن المدرسة، وقد يؤدي هذا في النهاية إلى رسوبهم. 

كما يعانون من صعوبة بناء العلاقات الاجتماعية والصداقات نتيجة لسوء سلوكهم وتصرفاتهم، وقد يواجه معظمهم في سن المراهقة مشاكل قانونية وأخلاقية قد تزج بهم إلى السجن، وتؤثر فيما بعد على حياتهم الاجتماعية والوظيفية. 

لذا كان من الضروري الانتباه لخطورة هذا الاضطراب، والسعي لإيجاد طرق العلاج المناسبة؛ لإنقاذ مستقبل الطفل من الضياع. 

اضطراب التصرف

علاج اضطراب التصرف

يعتمد علاج اضطراب السلوك عند الأطفال على عدة عوامل منها: عمر الطفل، وشدة الأعراض لديه، ورغبته ومدى استجابته لفكرة تلقي العلاج. 

غالبًا ما يعتمد الأطباء على جلسات المعالجة النفسية لتقويم سلوك الطفل. 

في تلك الجلسات، يساعد الطبيب الطفل على تعلم مهارات التعبير عن المشاعر والتحكم في الغضب وإدارته بطرق سليمة، كما يساعده على تنمية المهارات المتعلقة بحل المشكلات والتفكير المنطقي العقلاني. 

يلجأ الطبيب أيضًا في بعض الأحيان إلى تعليم أفراد العائلة كيفية التواصل السليم مع بعضهم البعض، ويدرب الوالدين على طرق التعامل المثالية مع سلوك طفلهم في المنزل. 

في النهاية، يجب أن يعلم الجميع -خاصةً الوالدين- أن العلاج من اضطراب التصرف ليس أمرًا سهلًا، وقد يأخذ شهورًا قبل أن يأتي بثماره. لذا؛ فإن الصبر والمثابرة والاستمرارية يجب أن يكونوا شعار هذه المرحلة، حتى تمر بسلام. 

الوقاية من اضطراب التصرف

يقولون إن الوقاية خير من العلاج، لذا؛ إليكم بعض النصائح التي قد تساعد في وقاية الطفل من الإصابة باضطراب السلوكيات:

  • الانتباه مبكرًا لسلوكيات الطفل  غير الملائمة، والعمل على إصلاحها.
  • البحث عن الأسباب التي تدفع الطفل لفعل تلك السلوكيات، وإزالتها إن أمكن. 
  • توفير بيئة صحية داعمة للطفل في المنزل. 
  • التعبير عن الحب غير المشروط للطفل. 
  • مساعدة الطفل في التعبير عن أحاسيسه ومشاركة مشاعره مع الآخرين. 
  • تعليم الطفل التعاطف مع الآخرين والشعور بآلامهم. 
  • إشراك الطفل في بعض الأنشطة التطوعية في مجتمعه.   

في الختام نقول إن أبناءنا هم فلذات أكبادنا، و إن رؤيتهم في أحسن حال هي أمنية كل أم وأب. لذا، كان ضروريًّا متابعتهم بعناية، والحرص على تعديل سلوكهم مبكرًا؛ كي نجنبهم مشاكل كثيرة في مستقبلهم -هم في غنى عنها-.

المصدر
Mental Health and Conduct DisorderConduct Disorder BasicsConduct Disorder in ChildrenConduct DisorderThe Warning Signs of Conduct Disorder in Children
اظهر المزيد

د. سارة شبل

سارة شبل، طبيبة أسنان وكاتبة محتوى طبي، شغوفة بالبحث والكتابة منذ الصغر، أسعى إلى تبسيط العلوم الطبية وأتوق إلى إثراء المحتوى العلمي العربي، لكي يتمكن يومًا ما من منافسة نظيره الأجنبي بقوة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى