اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع – Antisocial Personality Disorder

وقفت شاحنة رمادية اللون ذات زجاج معتم قرب منزل يطل على حديقة بها طفلتان؛ استأذنتا لتوِّهما للخروج للعب لبعض الوقت حتى موعد الغداء.
تنتبه الطفلتان لصوت الموسيقى الصادر من الشاحنة، وبعد مرور بعض الوقت يذهب أحد الوالدين للاطمئنان على الصغيرتين عندما انتبه لغياب صوتهما، ليتفاجأ بعدم وجودهما، فيردد قائلًا: “حسنًا، حيلة جديدة”.
“هيا اظهرا حالًا كفاكما مزاحا، أصبح الطعام جاهزًا وسيبدأ الاحتفال بعد قليل”.
بدأ الفزع يتسلل إلى قلبه، وانتبه الجميع لصياحه، وانتفضوا للبحث عن الصغيرتين في كل مكان، ولكن دون جدوى.
اختفت الطفلتان واختفت تلك الشاحنة!
مشهد من فيلم تدور أحداثه عن مدينة ظهرت بها مؤخرًا جرائم اختطاف من هذا النوع، تحاول الشرطة البحث عن الجاني، وتتتابع الأحداث حتى يظهر بالنهاية مشهد اكتشاف قبو منزل الجاني، وآثار تعذيب ضحاياه.
ويتضح لك في النهاية أن هذا الشخص المتأنق في ملبسه، مصاب بأحد الاضطرابات النفسية المعروفة باسم “اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع”.
فما هي طبيعة هذا الاضطراب؟ وما هو جرس الإنذار المبكر الذي يجب أن ننتبه له؟ وما هي أسباب الإصابة باضطراب الشخصية المعادية للمجتمع؟ وكيف يمكن علاجها؟ هذا ما سنتطرق له في مقال اليوم.
اضطراب الشخصية المعادية
يعد اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع أو ما يعرف بـ (Antisocial Personality Disorder)، أحد أخطر اضطرابات النفسية التي يمكن أن يصاب بها الفرد، ينتهج فيه الشخص سلوكًا يتميز بالاستهتار بحقوق الآخرين، ويقوم بانتهاكها بكل سهولة، دون مراعاة السلامة لنفسه أو لغيره، ودون إظهار أي ندم على هذا السلوك.
لا يُظهر الشخص المصاب بهذا الاضطراب أي مراعاة للصواب والخطأ، فله قانونه الخاص، قد يكذب أو يسرق أو يتصرف بعنف وعدوانية شديدة.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
كما أن الأشخاص الذين يعانون من هذا النوع من الاضطرابات لا يستطيعون الالتزام بمسؤولياتٍ متعلقة بالعائلة أو العمل في الغالب.
قد يتمتع المُصاب به بقدر كبير من الذكاء والجاذبية لاستدراج ضحاياه، ويستطيع إخفاء أدلة إدانته ببراعة، وفي حالات أخرى تجده يتلذذ بتعذيب الآخرين، بل ويقوم بتصوير هذه الانتهاكات وعرضها على الملأ.
وانتشرت في الآونة الأخيرة بعض المقاطع على وسائل التواصل المختلفة، التي تُظهر ذاك الشخص الذي يعذب القطط أو الكلاب أو حتى البشر بصورة وحشية، وبالمناسبة لا أنصحك بمشاهدتها؛ لما في ذلك من أثر نفسي جسيم قد لا تُدرِك توابعه الآن.
ويشيع اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع في الرجال أكثر من النساء بنسبة تصل إلى ثلاثة أضعاف تقريبًا. ويُلاحَظ هذا الاضطراب كثيرًا في الأشخاص داخل السجون.
ما سبب الإصابة باضطراب الشخصية المعادية للمجتمع؟

غير معروف على وجه التحديد الأسباب المباشرة التي تؤدي للإصابة باضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، ولكن قد تلعب العوامل الجينية والبيئية دورًا في ذلك، فأنت أكثر عرضة للإصابة بهذا الاضطراب في الحالات التالية:
- التشخيص باضطراب السلوك في أثناء مرحلة الطفولة (Conduct Disorder).
- التاريخ العائلي للإصابة بأي نوع من اضطرابات الشخصية، بما في ذلك اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع.
- التعرض لسوء المعاملة أو الإهمال في أثناء الطفولة.
- النشأة في ظل حياة أسرية غير مستقرة أو عنيفة.
الأعراض
هناك بعض الأعراض التي تظهر على المصاب باضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، منها:
- الكذب المستمر والخداع والتلاعب بالآخرين؛ لتحقيق مكاسب شخصية أو لمجرد الاستمتاع فقط.
- العدوانية وسرعة الغضب والعراك.
- رغبة آنية للسلوك السيئ دون التفكير بعواقب الأمور.
- التصرف ببراعة للحصول على ما يريد.
- الغطرسة والتعالي وهيمنة الرأي.
- انعدام المسؤولية، وعدم الوفاء بأي التزامات مالية أو أسرية أو حتى بالعمل.
- انتهاك للقواعد والأعراف وخرق القانون بشكل متكرر، وقد يسلك سلوكًا إجراميًا.
- الاستمتاع بتعذيب البشر أو الحيوانات.
- عدم إظهار أي ندم أو شعور بالذنب تجاه ضحاياه.
والجدير بالذكر، أن الأشخاص المصابين بهذا الاضطراب تتفاقم الأعراض لديهم خلال أواخر سنوات المراهقة إلى أوائل العشرينات، ويساعد العلاج في تحسُّن تلك الأعراض.
وقد لُوحظ أنه بتقدم العمر، قد تميل الأعراض إلى التحسن في بعض الحالات؛ مما يسمح لهم بالتصرف بشكل أفضل عند بلوغهم الأربعينات من العمر.
تشخيص اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع

الجدير بالذكر، أن بوادر هذا المرض تبدأ في سن المراهقة، ولكن لا يصح تشخيص اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع في الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 15 عامًا.
بل تصنف الأعراض المشابهة لهذا الاضطراب على أنها اضطراب في السلوك (Conduct Disorder)، وينبغي ملاحظة أي تغير في سلوك الطفل من قِبل الأهل أو المعلمين، والتعامل معها بشكل سليم من خلال استشارة المختصين.
يشخص اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع بناء على تقييم نفسي، إذ يُؤخذ في الاعتبار مدة الأعراض التي تظهر على الشخص.
ولتشخيص اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع يجب أن يتوفر شرطان:
- توثيق أو ملاحظة ثلاثة أعراض على الأقل من التي ذكرت سلفًا.
- أن يكون لدى الشخص مشاكل عاطفية وسلوكية في أثناء الطفولة.
المضاعفات

قد تشمل المشكلات المترتبة على الإصابة باضطراب الشخص المعادي للمجتمع ما يلي:
- إدمان الكحول والمخدرات.
- تدني الوضع الاجتماعي والاقتصادي وكثرة الديون.
- قد يلقى القبض عليه ويزج به في السجن؛ نتيجة العنف وتورطه في المشاكل.
- مشاكل أسرية كسوء معاملة الزوج أو الأطفال.
- الإصابة بالاكتئاب والقلق، وقد تؤدي هذه الأمراض إلى الانتحار.
- الوفاة المبكرة عادة نتيجة العنف والتَّهور.
يمكنك قراءة المزيد عن: كيفية إقناع شخص بعدم الانتحار.
يُعد اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع أحد أصعب اضطرابات الشخصية التي يجب معالجتها، وعادة لا يسعى الأشخاص المصابون بهذه الحالة إلى العلاج من تلقاء أنفسهم، وقد يضطرون إلى العلاج عند طلب المحكمة ذلك عند وقوعهم في مشاكل قانونية.
قد يوصي الطبيب بالإقامة في مستشفى للصحة العقلية، حيث يمكن للمريض تلقي العلاج المكثف، ويكون تحت إشراف الطبيب بشكل دائم.
يمكن للطبيب وضع خطة علاجية تمزج بين العلاج النفسي (السلوكي) والأدوية؛ إذ يساعد العلاج السلوكي المعرفي في الكشف عن الأفكار، ومحاولة فهم ما وراء السلوك السيئ الذي أدى إلى الإصابة باضطراب الشخص المعادي للمجتمع.
يمكن أن يزيد ذلك من وعي المريض وإدراكه بذاته؛ فيساعده ذلك على تغيير هذا النمط من السلوك، ومحاولة استبداله بسلوكيات ايجابية.
الأدوية
لا توجد أدوية معتمدة بشكل خاص لعلاج اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، ولكن قد يصف الطبيب الأدوية التالية -بناء على حالة المريض والاضطرابات الأخرى التي قد تصاحب هذا المرض:
- مضادات الاكتئاب ومثبتات المزاج.
- الأدوية المضادة للقلق.
- الأدوية المضادة للذهان.
اقرأ المزيد عن: مضادات الاكتئاب.
على الرغم من أنه لا توجد طريقة مؤكدة للوقاية من اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع في الأشخاص المعرضين للإصابة؛ نظرًا لأن جذوره ترجع إلى الطفولة، إلا أن محاولة تحديد علامات الإنذار المبكر التي تظهر على الطفل -مثل اضطراب السلوك- تُمكِّن المختصين من التدخل المبكر الذي يسهم بشكل كبير في السيطرة على هذا المرض.
وإذا كنت تعتقد أنك مصاب بهذا الاضطراب أو أي من أفراد عائلتك فلا تتردد في التواصل مع طبيبك أو اختصاصي الصحة النفسية؛ لمساعدتك على مواجهة هذا التحدي.