الأمراض العقلية والنفسية.. لماذا اعتلت روحي؟!

«أبي، أريد الذهاب إلى طبيب نفسي… أنا أحتاج إلى المساعدة!»
احمر وجه أبي غضبًا، وقال بثورة عارمة:
«هل تريد جلب العار لنا؟! ماذا سيقول الناس عنا؟! لدينا مجنون بالعائلة؟!»
بسبب هذه العبارة، ظللت سنوات كجسد بلا روح، تتلاعب بي أمواج الاكتئاب؛ تدفعني إلى القاع مرة بعد مرة حتى دفنت روحي هناك، لماذا تظل الأمراض العقلية والنفسية سبة على جبين صاحبها، وعارًا يجب إخفاؤه؟!
لذا؛ أخذت القرار، سألحق جسدي بروحي… وليغسل أبي عاره بدمي!
يأخذ العديد من الأشخاص ممن يعانون أمراضًا نفسية وعقلية قرار الانتحار في أسوأ لحظات يأسهم من أمراض تبتلع نفوسهم وعقولهم، وتنهك أجسادهم.
فأولى بنا أن نمد يد العون لهم، بدلًا من وصفهم بالعار أو وصمهم بالجنون!
تعريف الأمراض العقلية والنفسية
الأمراض العقلية والنفسية هي حالات مرضية تؤثر في مزاجك وتصرفاتك وأحاسيسك وطريقة تفكيرك.
قد تستمر هذه الحالات فترة قصيرة فتسمى “اضطرابات حادة”، أو فترة طويلة فتسمى “اضطرابات مزمنة”.
تعوق الأمراض العقلية والنفسية مسار حياتك الشخصية والمهنية.
تتسبب مشكلات الحياة وضغوطاتها التي تثقل كاهلنا في ظهور هذه الأمراض، وتنتشر بكثرة في عصرنا هذا تحت ضغط إيقاع الحياة السريع الذي نعيشه.
الفرق بين الأمراض العقلية والنفسية والضغط النفسي
من منا لم يعانِ يومًا ضغطًا نفسيًّا في المنزل أو العمل؟!
أصبحت الضغوط النفسية جزءًا أصيلًا من حياتنا، فمن وقت لآخر تظهر بعض الأعراض علينا؛ مثل التوتر والقلق وربما الغضب.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
فكيف نعرف الفرق بين الأمراض العقلية والنفسية والضغط النفسي؟
استمرار أعراض الضغط النفسي مدة طويلة متحولًا إلى عبء يعوق مسار حياتك اليومية -سواء في منزلك أو مع عائلتك أو مع أصدقائك أو في عملك-؛ كفيل بإطلاق صافرات الإنذار بأنك تعاني ما هو أكثر من مجرد ضغط نفسي.
يشعرك المرض النفسي بالتعاسة، وأن عالمك ينهار من حولك، ويحفر ثقبًا أسود في روحك.
يستمر هذا الإحساس خلال حياتك اليومية دون توقف.
أعراض الأمراض العقلية والنفسية

تختلف الأعراض باختلاف المرض النفسي، وعامةً تظهر الأعراض على الأحاسيس، والتفكير، والتصرفات، ومنها:
- الشعور بالحزن والإحباط.
- تشوش التفكير، وضعف القدرة على التركيز.
- الشعور الزائد بالخوف أو القلق أو الذنب.
- الابتعاد عن الأصدقاء والأنشطة التي اعتدت ممارستها.
- التعب الشديد، وانخفاض الطاقة، واضطرابات النوم.
- الانفصال عن الواقع عن طريق الأوهام أو الخوف الشديد (البارانويا)، أو الهلاوس.
- عدم القدرة على التكيف مع الضغوطات ومشكلات الحياة.
- عدم القدرة على تفهم الآخرين والتواصل معهم.
- إساءة استخدام العقاقير والإدمان عليها.
- تغيير شديد في العادات الغذائية متسببًا في زيادة الوزن أو نقصه.
- الغضب الشديد والعدوانية والعنف.
- التفكير الانتحاري.
إلى جانب تلك الأعراض، تظهر أعراض جسمانية، مثل:
- ألم في المعدة.
- ألم في الظهر.
- الصداع.
أسباب الأمراض العقلية والنفسية
تسبب العديد من العوامل الأمراض العقلية والنفسية، ومنها:
- العوامل الوراثية
يعتقد الباحثون بوجود جين متوارث يزيد احتمال الإصابة بالأمراض العقلية، عند التعرض للضغوطات التي تحفزه.
- العوامل البيئية
يُعتقد أن تعرض الأم في أثناء الحمل لبعض العوامل، مثل: التدخين والسموم وبعض الأدوية… يزيد احتمالية إصابة الجنين بأمراض عقلية ونفسية.
- كيمياء المخ
عند اختلال الموصلات العصبية داخل المخ؛ تظهر أعراض الأمراض النفسية.
- إدمان الأدوية أو الكحوليات.
- التعرض لصدمة نفسية في الطفولة.
أنواع الأمراض العقلية والنفسية

انتهى الباحثون إلى تصنيف الأمراض العقلية والنفسية إلى مجموعات رئيسة، تضم كل مجموعة رئيسة مجموعة من الأمراض العقلية والنفسية المتشابهة السبب أو الأعراض، وهذه المجموعات تشمل:
1. اضطرابات النمو العصبية
تضم مجموعة من الأمراض التي تبدأ في سن الطفولة، وهي:
- اضطراب طيف التوحد
- فرط الحركة وتشتت الانتباه.
- اضطرابات التعلم.
2. طيف الفصام واضطرابات ذهانية أخرى
هي مجموعة الاضطرابات الذهانية التي ينفصل فيها المريض عن الواقع، ويصاب بالهلاوس والأوهام، ويتخبط تفكيره وطريقة حديثه، مثل:
- الفصام (الشيزوفرينيا).
3. الاضطراب ثنائي القطب والاضطرابات المتصلة به
يتخبط المريض بين فترات الهوس (زيادة الطاقة والنشاط والحماسة) والاكتئاب، كما في:
- الاكتئاب الحاد.
- اضطراب ما قبل الحيض.
4. اضطرابات القلق
القلق مشاعر سلبية تتعلق بتنبؤات عن المستقبل أو سوء الحظ، ويصاحبه توتر شديد، ومنها:
- اضطراب القلق العام.
- الخوف الشديد (الفوبيا).
- نوبات الذعر.
- القلق الاجتماعي.
5. الوسواس القهري والاضطرابات المتعلقة به
يعاني المريض هواجس نفسية تدفعه إلى تكرير أفعاله، أو التفكير المستمر في الموضوع ذاته. ينتمي إلى هذه المجموعة:
- الوسواس القهري.
- اضطراب الاكتناز.
- اضطراب نتف الشعر.
6. الاضطرابات المتعلقة بالضغوطات والصدمات
وفيها يعجز المريض عن التكيف تحت ضغوط معينة أو بعد إصابته بصدمة، وتشمل:
- اضطراب الإجهاد الحاد.
- اضطراب ما بعد الصدمة.
7. الاضطرابات الانفصامية
يضطرب إحساس المريض بهويته. منها:
- اضطراب الهوية الانفصامية.
- فقدان الذاكرة الانفصامي.
8. اضطرابات تتعلق بالأعراض الجسدية
تسبب الأعراض الجسدية ضغطًا نفسيًا كبيرًا معطلةً حياة المريض اليومية.
قد تظهر الأعراض الجسدية نتيجة وجود حالة مرضية واضحة، أو دون تشخيص طبي واضح.
تندرج تحت هذه المجموعة:
- اضطراب الأعراض الجسدية.
- اضطراب القلق من المرض.
- افتعال المرض.
9. اضطرابات الشهية وتناول الطعام
تظهر في صورة زيادة الشهية أو نقصها، وفي كليهما يتأثر وزن المريض وصحته.
من هذه الاضطرابات:
- فقدان الشهية العصبي.
- الشراهة لتناول الطعام.
10. اضطرابات الإخراج
يُخرج المريض البول أو البراز بصورة لا إرادية، أو أحيانا بصورة متعمدة. منها:
- التبول اللا إرادي.
11. اضطرابات النوم واليقظة
اضطرابات شديدة في طبيعة النوم، تتطلب تدخلًا طبيًا لشدة تأثيرها في المريض. منها:
- الأرق.
- توقف التنفس في أثناء النوم.
- متلازمة تململ الساقين.
12. الاختلال الجنسي
اضطراب في الاستجابة الجنسية. من أمثلته:
- سرعة القذف.
- اضطراب النشوة الجنسية الأنثوي.
13. اضطرابات فقد السيطرة على الانفعالات والسلوك
يعاني المريض عدم قدرته على السيطرة على انفعالاته وسلوكه، ومنها:
- هوس السرقة.
- الخلل الانفعالي المتقطع.
14. اضطرابات متعلقة بـإدمان العقاقير والكحوليات
الاستخدام الزائد للعقاقير أو المخدرات أو السجائر، أو إدمانها. وتضم أيضًا “هوس القمار”.
15. الاضطرابات العصبية الإدراكية
اضطرابات مكتسبة -على عكس اضطرابات النمو- لكنها تؤثر أيضًا في الإدراك. قد تحدث بسبب إصابة في المخ أو مرض (مثل: الألزهايمر).
16. تقلبات الشخصية
يدخل المريض في سلسلة من التقلبات العاطفية والتصرفات غير العقلانية التي تؤثر في حياته، مثل:
- اضطراب الشخصية النرجسية.
- اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع.
- اضطراب الشخصية الحدية.
17. اضطرابات جنونية
تتضمن ميولًا جنسية غير سوية تدفع المريض إلى إيقاع الضرر بشخص آخر. من أمثلتها:
- السادية الجنسية.
- اضطراب التلصص.
- الاستغلال الجنسي للأطفال (البودوفيليا).
علاج الأمراض العقلية والنفسية

يتوقف علاج الأمراض العقلية والنفسية على نوع المرض وشدة أعراضه الظاهرة على المريض.
مثلًا: يحتاج بعض المرضى إلى دخول المستشفيات والمصحات النفسية عند تفاقم أعراض المرض النفسي الذي يعانونه، بينما يمارس مرضى آخرون حياتهم اليومية بالطريقة المعتادة إلى جانب الأدوية التي يصفها الأطباء المعالِجون.
أنواع علاج الأمراض النفسية:
- العلاج النفسي:
جلسات الاستشارة الفردية أو الجماعية -حسب الحالة، ومنها أيضًا “العلاج السلوكي المعرفي”.
- أدوية علاج الأمراض النفسية:
وهي كثيرة ومتنوعة، ويقررها الطبيب المعالج حسب الحالة، ومنها:
- مضادات الاكتئاب.
- الأدوية المضادة للقلق.
- أدوية علاج الذهان.
- أدوية لاستقرار الحالة المزاجية.
- تغييرات في أسلوب الحياة، مثل: ممارسة الرياضة والتأمل.
- علاجات أخرى، منها:
- التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة، لعلاج الاكتئاب.
- العلاج بالصدمة الكهربائية، لعلاج الاكتئاب.
- علاج إدمان العقاقير أو الأدوية التي أدت إلى ظهور الأمراض النفسية.
تتعدد أنواع الأمراض العقلية والعصبية، وتتنوع شدتها وأعراضها.
إن زيادة وعي المجتمع في ما يخص تلك الأمراض له شأن عظيم في تخفيف الضغط الذي يُمارس على الأسر التي يعاني بعضًا من أفرادها أيًّا من تلك الأمراض.
المرض العقلي والنفسي ليس عارًا، وإنما هو مرض يحتاج إلى علاج مثله مثل أي مرض عضوي. والعلاج الأهم هو الحب غير المشروط، والدعم الأسري للمريض، ومساعدته على السيطرة على أعراض مرضه ليمارس حياته طبيعيًّا.