
أنت متهم بجريمة قتل مروعة..
يهتف ممثل الادعاء بصوته الجهوري:
“سيدي القاضي، إن هذا الوحش الكاسر الماثل أمامكم، قد ضرب بقواعد الإدارة الحكيمة عرض الحائط، ودفع الموظف المسكين دفعًا نحو نهايته الأليمة.
هذا الوحش، الذي لم يلتفت لأنين ضحيته وتوسلاته، مضى قدمًا في تنفيذ قراراته المجحفة، واستمر في التمييز وسوء المعاملة، مما أصاب الموظف بالإحباط الوظيفي، وحطم روحه المجتهدة، وأودى بحياته المهنية.
وإني أطالب عدالة المحكمة بتوقيع أقصى عقوبة ممكنة عليه، كي يرتدع أمثاله من المديرين قساة القلوب.”
في هذا المقال، نتابع سير محاكمتك بتهمة قتل موظفك بالإحباط الوظيفي؛ فما هو، وما هي أسبابه؟
وهل أنت حقًا المتهم الوحيد؟ وهل هناك أي سبيل لتبرئتك؟
ما هو الإحباط الوظيفي؟

تابع ممثل الادعاء كلامه:
“إن الإحباط الوظيفي جريمة شنيعة في حق الموظف المجتهد.
فهو مجموعة من المشاعر السلبية التي تملأ قلبه حينما لا يصل إلى هدفه المنشود، إما لسوء المعاملة -من وجهة نظره- أو لأن بيئة العمل المحيطة لا تلبي احتياجاته، ولا تعينه على تحقيق مسعاه.”
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
كيف يظهر الإحباط الوظيفي؟
يطلب محامي الدفاع الإذن في المقاطعة:
“سيدي القاضي، وكيف يتسنى لموكلي أن يعرف أن الموظف المذكور، من بين مئات الموظفين، يعاني من الإحباط إن لم يخبره بذلك.”
فيجيب ممثل الادعاء فورًا:
“هناك العديد من الشواهد والعلامات التي تشير لوجود الإحباط الوظيفي، فاسمح لي -سيدي القاضي- أن أذكر بعض أمثلتها:
نوبات الغضب
ربما كان الموظف هادئًا بطبعه ولا يعترض في كثير من الأحيان، ولكنه الهدوء الذي يسبق العاصفة؛ إذ تثور ثائرته عدة مرات فجأة. وتحمل تلك النوبات ما كان يكتمه في نفسه لفترة طويلة.
نقص الإنتاجية
كان موظفًا مثاليًا؛ يصل في موعده، ويبادر لتنفيذ مهام إضافية، ويعرض آراءه واقتراحاته ويشارك في جميع النقاشات.
وبدون سابق إنذار، بدأ ينسحب من المشهد وتذوي شعلة نشاطه. فصار يؤدي المطلوب دون أن يضفي عليه لمسته السحرية كالمعتاد.
ولكن أحدًا لم ينتبه للتغير الطارئ عليه، فضاعت علامات استغاثته اليائسة.
التذمر
أبدى ذلك الموظف تذمره مرة أو مرتين، وأخبر زملاءه أنه لا يرى فائدة من اجتماع لا يستمع فيه أحد له.
كان التذمر أحيانًا مساحة للتنفيس عن امتعاضه وتأففه، ولكن دون جدوى.
يستمر المدعي في مرافعته:
“إن ما ترونه أمامكم يا سادة جريمة كاملة الأركان، قتل فيها طموح الموظف، ودفنت فيها شكواه. أراد المسكين أن يحلق فما طال من التحليق سوى مصير عباس ابن فرناس.”
ما أسباب الإحباط الوظيفي؟
ينتهز المحامي الفرصة:
“إني أرى تجاهلًا متعمدًا لدور الموظف في الإحباط الوظيفي؛ أولم يكن عباس ابن فرناس طموحًا أكثر مما ينبغي؟
أولم يحاول الطيران على الرغم من عدم امتلاكه ما يكفي من الإمكانيات؟ إن ذلك يعد انتحارًا وليس جريمة قتل!”
يرد ممثل الادعاء:
“قد يكون الإحباط الوظيفي ناجمًا عن اختيار وظيفة غير مناسبة ولا تتلاءم مع أهداف الموظف، وقد يحتاج لترك العمل وإعادة تقييم وضعه، ولكن ذلك ليس السبب الوحيد، إليك بعض الأمثلة.”
الإدارة التفصيلية

يظن بعض المديرين أن التدخل في كل صغيرة وكبيرة هو الحل الأمثل لإتمام كل المهام بشكل جيد.
يضيق ذلك الخناق على الموظف؛ فيجد نفسه مضطرًا لاتباع الخطوات التي يمليها المدير، دون أن يُسمح له باتخاذ قرارات مهمة، أو استخدام طريقة مختلفة وإن كانت تؤدي للوصول لنفس النتيجة النهائية.
وقد يجد الموظف نفسه مضطرًا لإهدار الكثير من الوقت في اجتماعات وتقارير طويلة تهدف فقط لإحكام قبضة المدير على كل مفاصل العمل دون أن يسمح له بإبداء رأيه أو التعديل على طريقة سير العمل.
غياب الترقيات وانعدام التطور
لو سألنا موظفًا في أي مكان وزمان: لم تعمل؟ ستتضمن إجابته حتمًا كلمات مثل المال وتوفير حياة كريمة له ولأسرته.
ولكن هل يقتصر الأمر على المال؟
قد يصيب الإحباط الوظيفي أعضاء فريقك لأنهم لا يجدون فرصًا عادلة في الترقية، ولا خططًا زمنية واضحة تحدد مصير تطورهم الوظيفي.
وربما تميل للعمل بالطريقة الروتينية المعتادة، ولا تقبل أي محاولات للتجديد، ولا توفر فرصًا جديدة للتعلم وتطوير موظفيك؛ فتصبح الأعمال اليومية عبئًا على كل موظف طموح.
غياب المكافآت
يشعر الموظف بأهمية دوره حينما يقابل مجهوده بالتشجيع والتقدير.
ولا يقتصر الأمر على التقدير المادي فحسب، ولكنه يتضمن أيضًا التقدير المعنوي.
أما إذا تساوى الأمر بين موظف مجتهد وآخر متكاسل، فسيشعر المجتهد أن مجهوده الإضافي بلا قيمة ولا طائل منه طالما سيقف عند نفس النقطة التي يقف عندها زميله بمجهود أقل.
الإحساس بعدم الأمان
إن المحافظة على السلام النفسي في بيئة عمل غير مستقرة أمر شاق للغاية. فتسيطر الأفكار السلبية على الموظف مثل الخوف من التسريح أو تخفيض الرواتب.
وإذا اقترن ذلك بوجود قرارات تعسفية أو خصومات غير منطقية، فسيصبح الهروب من المكان الشغل الشاغل للموظف.
فقدان الثقة في الإدارة
قد يفقد الموظف ثقته في مديره المباشر لأسباب عديدة من ضمنها عدم كفاءته، أو تخبطه في اتخاذ القرارات، وينتقل ذلك التردد والتخبط بالتبعية إلى بيئة العمل.
سوء التواصل
لو نظرت لكل الأسباب السابقة لوجدت أن التواصل السليم مع الموظفين كفيل بتوضيح المشاكل للإدارة، ووأد شرارة الغضب والإحباط في مهدها.
فسوء التواصل يفتح الباب أمام الضغائن والشائعات، ويمنع الإدارة من اتخاذ القرارات الصحيحة قبل وصول الموظفين إلى مرحلة الغليان.
المشاكل بين زملاء العمل
يقضي الموظف الشطر الأكبر من يومه في عمله؛ لذا فإن التعامل مع بعض الزملاء المزعجين قادر على تعكير صفو يومه، وقتل رغبته في الذهاب إلى العمل.
الملل
قد يختلف الأمر باختلاف الفئة العمرية؛ إذ تميل الفئات الأصغر للانطلاق والبحث عن الهدف وراء العمل، وقد تمتلك مهارات متعددة تفوق الأعمال الموكلة إليها ولكن لا تجد الفرصة للمحاولة فيصاب الموظف بالملل.
القضاء على الإحباط الوظيفي

يرفع القاضي الجلسة، ويسأل الحضور كيف نمنع إحباط الموظف المجتهد؟ فيعتدل أكبرهم سنًا ويقول:
لو نظرنا للأسباب، لوجدنا الحلول، وربما نستطيع علاج المشكلة قبل وقوعها، فمثلًا:
خصص وقتًا للنقاش
إذا رأيت تصرفًا محبطًا، تحدث مع موظفك واسأله عن الأسباب، واترك له مساحة آمنة للتعبير، مهما كانت آراءه غاضبة.
كن أمينًا مع موظفيك
تجنب الوعود الزائفة، ووضح الخطط التي تعتزم اتباعها لعلاج المشاكل، واترك لهم الفرصة لإبداء الآراء.
احرص على توفير بيئة مشجعة
امنحهم فرصة للراحة بعد مشروع شاق، وامدح عملهم الجيد، واهتم بمشاكلهم لأنهم جزء لا يتجزأ من المكان.
امنحهم مساحة لاتخاذ القرارات
من الحكمة أن يشعر موظفك بثقتك في تفكيره، وقد يأتيك بأفكار لم تخطر على بالك إن منحته الفرصة.
وفر فرصًا للتطور
إن الوقت والمجهود الذي تنفقه في توفير تدريب مستمر للموظفين ينعكس بالإيجاب على إنتاجيتهم وقدرتهم على العطاء.
راجع سياسات العمل
تخلص من الروتينية العتيقة التي تؤثر على التوازن بين حياة الموظف العملية والشخصية؛ فمثلًا إن تمكنت من توفير مواعيد عمل أكثر مرونة -بناء على طبيعة العمل- سيصبح موظفك أكثر إنتاجية وإقبالًا على العمل.
أما بعد، عزيزي القارئ، فإني أحثك على أن تصبح الخصم والحكم في قضية الإحباط الوظيفي، وأن تنظر بعين حكيمة لمشاكل موظفيك؛ فهم أساس نجاحك!