أنواع الإدمان السلوكي | هل تعاني أحدها؟

لا أتذكر… لا أتذكر حقًّا!
أحك رأسي…
أعبث بطاولتي…
أرسم أشكالًا بقلمي…
فأنا لا أستطيع أن أكتب كلمة في ورقة اختباري!
أنا لا أتذكر أي شيء درسته!
انتهى زمن الاختبار، وخرجت مسرعًا كمن تأخر عن موعد هام.
أوقفني صديقي وسألني عن أحوالي؛ فهو لم يرني منذ مدة، حينها شعرت أني سأفقد عقلي وأنا أقف معه؛ فأنا أريد العودة للمنزل لألعب لعبتي الإلكترونية المفضلة!
تقول أمي عن تلك اللعبة أنها نوع من أنواع الإدمان أُصبت به، فأنا أقضي ساعات طويلة وربما أيامًا ألعبها دون توقف.
تأثر مستواي الدراسي، وصرت لا أريد شيئًا سوى قضاء الوقت في اللعب، والمزيد من اللعب!
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
فهل يوجد حقًّا ما يُسمى الإدمان الإلكتروني؟
الإدمان
كلمة كتبتها في محرك البحث (جوجل)، وظهرت لي الحقيقة…
كانت صورة الإدمان في ذهني؛ فتى ذو هالات سوداء تحت عينيه، يحقن نفسه بإبرة تحوي مخدرًا ما.
كنت مخطئًا!
عرَّف العلماء الإدمان بأنه مرض عقلي معقد، يحدث على مراحل متعاقبة، وهي:
1- التدخل في مركز المكافأة في المخ
عندما تفعل شيئًا ممتعًا، يفرز مركز المكافأة في المخ هرمون الدوبامين.
ويُعتقد أن الدوبامين نفسه لا يسبب إحساس السعادة، لكنه يصنع رابطًا في المخ بين الفعل والشعور؛ ما يدفعك لتكراره مجددًا للوصول لهذه النشوة.
2- الرغبة الشديدة
رغبتك الشديدة في إعادة إحساس السعادة يدفعك لتكرار الفعل المسبب لها مرارًا وتكرارًا.
يفرَز الدوبامين بكميات كبيرة وباستمرار من مركز المكافأة؛ ويتشبع المخ بالدوبامين، فتحتاج إلى زيادة الفعل -الإدمان- للوصول لنفس حالة النشوة الأولى.
3- فقدان الاهتمام بأي نشاط آخر
إذ يتوقف المخ عن إفراز الدوبامين استجابة للأشياء أو الهوايات الممتعة العادية -كالرسم مثلًا-.
وعندما يتطور الإدمان؛ تفقد رغبتك في نشاطاتك التي كنت تراها في السابق ممتعة!
4- فقدان السيطرة
لا تستطيع التوقف عن فعل الإدمان، الأمر الذي يهدد بفقدك لوظيفتك أو صحتك أو علاقاتك الاجتماعية.
ومهما حاولت التوقف؛ سوف تسقط مجددًا في الفخ وتحدث الانتكاسة.
كلمات أمي البسيطة أنني أعاني إدمانًا ما، كانت حقيقية!
كنت مثالًا للطالب المجتهد في دراسته؛ درجات نهائية هنا وشهادات تقدير هناك… وحين تفوقت في الثانوية العامة، أهداني قريب لي جهاز ألعاب إلكتروني رغم اعتراض والدي.
حين بدأت في استخدامه؛ أثارت أول تجربة لي معه سعادة جنونية بداخلي…
في البداية كنت أتقيد بوقت يحدده والداي، وبعدها بدأت أستخدمه ساعات أكثر دون علمهما. ثم أصبحت لا أبالي بصراخهما ونقدهما؛ فأنا لم أستطع إخفاء أنني ألعب بالأيام دون توقف إلا بضع ساعات أنامها وأنا ممسك بجهاز التحكم!
أمي محقة، أنا مصاب بنوع من أنواع الإدمان!
أنواع الإدمان
كتبت مجددًا، ووجدت شيئًا مذهلًا.
يوجد نوعان من أنواع الإدمان:
1- إدمان المواد الكيميائية كالمخدرات.
2- الإدمان السلوكي.
نعم، بإمكانك إدمان سلوك ما يسبب لك السعادة الشديدة!
إذًا، ما الفرق بين أنواع الإدمان؟
إدمان المخدر يعد إدمانًا لشيء مادي؛ يدخل المخدر المخ ويعمل مثل الدوبامين؛ أي أنه يحفز مركز المكافأة.
أما الإدمان السلوكي فهو إدمان معنوي؛ فلا يوجد مادة تؤثر في مركز المكافأة؛ بل إنه يحفز فقط إفراز المزيد من الدوبامين الذي يربط بين السلوك الإدماني والنشوة.
أنواع الإدمان على المخدرات

توجد مجموعة من المواد التي تقع تحت كلمة مخدر -أي تُذهب العقل بعد استخدامها-، ومنها:
- المواد الكحولية.
- الحشيش.
- الأفيون (المورفين والهيروين).
- النيكوتين (لفائف التبغ).
- الكوكايين.
- الأمفيتامين والميثامفيتامين (الميث).
وغيرها الكثير.
تمر أنواع الإدمان على المخدرات بمراحل الإدمان نفسها، فهي تتدخل بكيمياء المخ وتسبب الاعتماد عليها كمصدر للمكافأة. وكلما زاد إدمانك، تزداد الجرعة المطلوبة للوصول لنفس النشوة الأولى!
علامات تحذيرية تدل على الدخول في مرحلة الإدمان
إشارات تخبرك أن الأمور لم تعد مجرد سعادة لحظية تستطيع التحكم فيها؛ بل لقد خرجت الأمور عن نطاق السيطرة!
منها:
- لا تفكر بشيءٍ غير المخدر. كيف تحصل عليه، وكيف ستؤمن الأموال اللازمة، وأين ستأخذه.
- لم تعد نفس الجرعة كافية. تحتاج إلى زيادة الجرعة لتحقيق نفس الإحساس الأول الذي سحبك لهذا الطريق.
- أنت لست أنت عندما لا تتعاطى! لا تشعر بالراحة، وتبحث عن شيء ما باستمرار.
- تعريض نفسك أو غيرك للخطر في سبيل المخدر. القيادة تحت تأثير المخدر، أو الاعتداء على من يوقفك عن التعاطي.
- لا شيء غير الإدمان. توقف حياتك وعملك ودراستك وكل أنشطتك الحياتية الأخرى؛ فلا صوت يعلو على المخدر.
- أعراض انسحابية عند محاولة التوقف، وعدم قدرتك على التوقف.
أقول لك، احترس لظهور أي من هذه العلامات. فتلك الأعراض تعني أنك في دوامة الإدمان!
أنواع الإدمان السلوكي

يوجد خلاف على مفهوم الإدمان السلوكي، وهل يعد إدمانًا حقيقيًّا أم لا!
إلا أن الدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض النفسية -النسخة الخامسة- قد أدرج نوعين من أنواع الإدمان المعنوي أو السلوكي تحت قائمة الإدمان، وهما:
1- إدمان القمار.
2- الإدمان الإلكتروني.
تشمل أنواع الإدمان الإلكتروني:
- إدمان الألعاب الإلكترونية.
- إدمان ألعاب البث المباشر على الشبكة العنكبوتية (الإنترنت).
ورغم عدم ضمها في قائمة الإدمان لغياب المواصفات التشخيصية اللازمة؛ إلا أن هناك بعض أنواع الإدمان السلوكي قد يطلب المدمن عليها مساعدة طبيب مختص للتخلص منها، مثل:
- إدمان الجنس.
- إدمان العلاقات العاطفية.
- إدمـان التسوق.
- إدمان الأفلام الإباحية.
- إدمـان العادة السرية.
- إدمان الطعام، اضطراب الشراهة لتناول الطعام.
- إدمـان الرياضة.
- إدمان العمل.
- إدمـان دق الوشوم.
- إدمان المخاطر والمغامرات.
- بعض أنواع الإدمان الإلكتروني الأخرى، مثل:
إدمان تصفح الشبكة العنكبوتية.
إدمان مواقع التواصل الاجتماعي.
ومع التطور الذي تشهده جميع مجالات الحياة، وظهور نوع جديد من الشهرة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي -خاصة الانستجرام والتيك توك-، قد نضم أيضًا إدمان الشهرة وحب الظهور لقائمة أنواع الإدمان المعنوي.
كذلك تسبَّب التطور في العلم والطب، واختلاف مقاييس الجمال بسبب ضغوطات الكمال الجمالي؛ في ضم إدمان العمليات الجراحية التجميلية لقائمة أنواع الإدمان السلوكي.
علامات التحذير على أنواع الإدمان المعنوي المختلفة
لو عدنا لتعريف الإدمان: أنه فعل يتعارض مع نشاطاتك الحياتية فيوقفها، كذلك هو فعل لا تستطيع التوقف عنه ويستمر مدة طويلة في يومك؛ من هنا نستطيع معرفة العلامات التحذيرية على الإدمان المعنوي أو السلوكي، ومنها:
- تقضي وقتًا طويلًا في الفعل الذي أدمنته. أقصد بطويل أنه ساعات طويلة في يومك أو يصل لأيام متواصلة دون توقف، حسب نوع السلوك الذي أدمنته.
- رغبة عارمة في العودة لنفس السلوك. رغم معرفتك أنه يضيع وقتك ويقلل إنتاجيتك، ويؤثر في عملك أو دراستك.
- ممارسة هذا السلوك عند الشعور بالضغوطات والتوتر. مثل إدمان النساء للتسوق عند الشعور بالحزن.
- لأنك تشعر أنه سلوك خاطئ؛ تحاول إخفاءه عن الناس.
- صعوبة شديدة في التوقف عنه. بل قد تتعرض لبعض أعراض الانسحاب عند التوقف عنه، مثل: الاكتئاب والتوتر والقلق.
السؤال الآن، ما أصعب أنواع الإدمان؟

هل إدمان المواد المخدرة أم الإدمان السلوكي يعد أصعب أنواع الإدمان؟
لو حلَّلنا الأمر، نجد أن كليهما يؤثر بالسلب في حياة المدمن؛ إذ يتوقف عن ممارسة أنشطته اليومية ودراسته وعمله، ويفقد صداقاته وعلاقته بالآخرين، ويكون عبدًا للسلوك أو المخدر الذي أدمنه.
لو تحدثنا عن الجانب الطبي، نجد أن متطلبات علاج الإدمان السلوكي هي:
- العلاج المعرفي السلوكي.
- علاج نفسي لمعرفة سبب الإدمان السلوكي.
- ربما يتطلب بعض الأدوية البسيطة مثل مضادات الاكتئاب -إذا كان الاكتئاب متسببًا في الإدمان السلوكي-.
بينما يتطلب علاج الإدمان على المخدرات:
- علاج سحب المواد المخدرة من الجسم، الذي ينفَّذ في بعض المستشفيات والمراكز المتخصصة.
- العلاج النفسي لتحليل أسباب الإدمان.
- العلاج الجماعي والدعم المعنوي.
- بعض الأدوية للمساعدة على التغلب على أعراض الانسحاب، واكتئاب ما بعد التوقف عن التعاطي.
ربما لو اخترنا أحدهما ليكون أصعب أنواع الإدمان، سنظلم المرضى الآخرين الذين يعانون تحت وطأة النوع الآخر…
فقد يبدو لك إدمان المخدرات صعبًا، ولكن المريض الذي يعاني إدمان القمار مثلًا، يفقد ماله وحياته وأسرته وكل من حوله في سبيل إدمانه، وقد يفقد حياته أحيانًا.
أقول أن كل الإدمان صعب، فأنا كمدمن للألعاب الإلكترونية، كدت -لولا دعاء أمي- أن أفقد مستقبلي الدراسي وحياتي كلها.
أرى أن أصعب ما في الإدمان هو أنك لا تستطيع التوقف عنه، ولا تُمنح الفرصة لتنكشف لك الأمور؛ تمامًا مثل ما حدث معي!
كونوا واعين لجميع أنواع الإدمان السلوكي من حولكم؛ حتى لا تقعوا ضحية لها.
ودمتم سالمين.