الإرهاق الذهني | لقد استغاثت خلايا مخي مني!

قد تستيقظ -عزيزي القارئ- من نومك وتشعر بانعدام طاقتك تجاه أي شيء، وقد تشعر بأنك لا ترغب في التفكير بأي مشكلة تمُرُّ بها؛ فقط تريد المكوث دون فعل أي شيء، والاكتفاء بمشاهدة ما يدور حولك.
تجد نفسك -أيضًا- تٌثار بسهولة، فضلًا عن عدم القدرة على التحكم في غضبك مهما كان الأمر تافهًا. وتستمر هذه الحالة معك لأيام، وربما لأسابيع، ثم تسأل نفسك: “ما الذي أصابني؟!”.
كلنا نمُرُّ بإيقاع حياة سريع، أو ما يُعرَف بـ”دوامة الحياة”؛ من العمل ومواجهة المشاكل التي لا تنتهي، إلى العودة للبيت والتفكير في مشاكل الأولاد (من مصاريف المدارس والنوادي، وطلباتهم الشخصية، والتفكير في طُرُق تربيتهم)، ثم تنتهي رحلة اليوم بالخلود للنوم والعودة لنفس الدوامة في اليوم التالي مجددًا.
تجد نفسك -عزيزي القارئ- ملتفتًا إلى مشاكلك ومهامك المؤجلة، لكن آخر ما تلتفت إليه هو طاقتك الذهنية، ومدى استيعابها لكل ما تمُرُّ به، وكيفية شحنها. ومن ثَمَّ ينشأ الإرهاق الذهني عن كل ذلك.
كيف أستنتج أنني مُصاب بالإرهاق الذهني؟

يؤثر الإرهاق الذهني في كل من صحتك الجسدية والنفسية، وكذلك يأتي بتصرفات جديدة عليك.
تُصاب بالإرهاق الذهني مع انغماسك في الضغوط العصبية. وإذا استمرت هذه الضغوط فترة طويلة، تصبح فريسة للاستنزاف العاطفي.
إليك أبرز علامات الإصابة بالإرهاق الذهني
علامات نفسية
- القلق المبالَغ فيه.
- الغضب السريع.
- صعوبة التركيز.
- الاكتئاب.
- الشعور باللامبالاة.
- فقدان دوافعك الشخصية والعملية.
- التشاؤم.
- الشعور بالانفصال عمَّنْ حولك فكريًا.
علامات جسدية
- صداع.
- آلام المعدة.
- آلام جسدية ناتجة عن التعب النفسي.
- الإرهاق العام.
- اضطراب الشهية، سواء زيادتها أو نقصانها.
- الأرق.
- فقدان الوزن أو زيادته.
- ضعف الجهاز المناعي، ومن ثَمَّ، ارتفاع معدل الإصابات بنزلات البرد.
علامات سلوكية
- ضعف الإنتاجية في العمل، وتسويف مهامك اليومية.
- الميل إلى الهروب من المسؤوليات، سواء في الحياة الخاصة أو العملية.
- الانعزال عن الأهل والأصحاب.
علاقة الضغط العصبي علميًا بالإرهاق الذهني
يُعَدُّ الضغط العصبي من الأمور المعتادة في حياتنا؛ فهو رد فعل طبيعي من جسمك تجاه أي موقف تمُرُّ به، سواء كان مخيفًا أو مبهجًا، أو حتى جديدًا لم تمُرَّ به من قبل.
عند مرورك بالضغط العصبي، يفرز جسمك هرمونات التوتر -ألا وهي: الأدرينالين، والكورتيزول- والتي بدورها تساعدك على التصرف والتفكير السريع تجاه المواقف المسببة للتوتر. وبمجرد زوالها، تعود مستويات هرمونات التوتر إلى المعدل الطبيعي.
أما عن الإرهاق الذهني، فهو نتيجة لاستمرار ضغوطات الحياة لفترات طويلة، أي تظل هرمونات التوتر مرتفعة، ما يُفسر الأعراض النفسية والجسمانية من قلة نوم، وسوء هضم، وضعف جهاز المناعة.
ما هي أهم أسباب الإرهاق الذهني ؟
١.العمل لساعات طويلة.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
٢.وظائف تحمل الكثير من الضغط العصبي، كالقطاع الطبي والمعلمين.
٣.المرور بضائقة مالية، كالديون.
٤.عدم الشعور بالرضا الوظيفي.
٥.رعاية كبار السن، سواء كان قعيدًا أو يعاني اضطرابات نفسية.
٦.موت شخص عزيز عليك.
٧.الإصابة بأمراض مزمنة.
٨.رعاية طفل، وخاصة إذا كانت التجربة الأولى.
٩.عدم الموازنة بين الحياة العملية والحياة الشخصية.
التخلص من الإرهاق الذهني | خطوات لعلاج الإرهاق الذهني
جدد روتينك اليومي
الروتين قاتل، خاصة إذ تكرر اليوم تفصيليًا دون أي جديد، حتى إن الأسابيع تمُرُّ عليك دون الشعور بها! ما يُصيبك بالإحباط والحزن لمرور الأيام دون الاستمتاع بها.
للتخلص من هذا الشعور، خصص ولو ساعات بسيطة من إجازتك الأسبوعية لتحدٍ جديد، أو لممارسة هواية محبَّبة لك، أو حتى لزيارة صديق عزيز عليك كمحاولة منك للاستمتاع بأيامك، وفي نفس الوقت، إعطاء ذهنك هدنة من صراعاته الداخلية، مما يساهم في علاج الإرهاق الذهني.
ضع بجانبك ورقة وقلم
ربما تتذكر -عزيزي القارئ- عندما تشعر بالضيق، وتجد نفسك -تلقائيًا- ممسكًا بقلم وتخربش به على ورقة بيضاء بطريقة عبثية، وبعد الانتهاء تشعر بالراحة والهدوء!
هذا ما أنصحك به ولكن بطريقة منظمة؛ فبدلًا من الخربشة بلا هدف، اكتب كل مشاكلك وشعورك، ولا تلتفت للكتابة بطريقة منمقة، بل اكتب ما يخطر على ذهنك، وستشعر براحة نفسية نتيجة لإخراج همومك وطاقتك من ذهنك على الورق.
فضلًا عن دور التدوين في التخلص من الإرهاق الذهني، فهو يزيد من خيالاتك، ويجعلك مبدعًا، واثقًا من نفسك، فاهمًا ما يدور بداخلها، فلا تهمل هذه الخطوة.
خصص وقتًا للتأمل
خمس دقائق يوميًا للتأمل لا تقلل من وقتك المشغول، لكنها تعني الكثير لسلامتك النفسية والذهنية؛ فهي تقلل من التوتر اليومي، وتُحسِّن اضطرابات النوم، وتقوي المناعة، وتمنحك الراحة النفسية والسلام الداخلي.
تساعدك المواظبة على التأمل -لفترات طويلة- في مواجهة مشاكلك وهمومك بهدوء ورزانة.
مارس رياضتك المفضلة
قد تشعر بالتعارض من جراء هذه النصيحة؛ فالإرهاق الذهني يُصاحِبه إرهاق بدني، وربما تسأل: “كيف تنصحني بممارسة الرياضة؟!”.
إذا قارنت الإرهاق المصاحب للرياضة، فهو مختلف تمامًا عن الإرهاق البدني الناتج عن التعب النفسي.
ممارسة الرياضة تحفز إفراز هرمونات السعادة، المتمثلة في الدوبامين والسيروتونين، ما يُلهيك عن ضغوطاتك النفسية.
إلى جانب ذلك، تُحسِّن الرياضة من تدفق الدم للمخ، مما يساهم في تحسين المزاج، وتنشيط الذاكرة، وزيادة معدل التركيز.
انشغال وقتك بين مهامك اليومية لا يمنعك من ممارسة الرياضة؛ فلست مضطرًا إلى الذهاب للصالات الرياضية، فقط خصص ٢٠ دقيقة يوميًا -أو مرتين بالأسبوع- ومارِس تمارين خفيفة بالبيت.
كافئ نفسك بين الحين والآخر
لا تترك نفسك للغرق في دوامة الحياة، ضع نفسك أولوية أولى، فمثلًا إذا قضيت ساعات طويلة في العمل، أو ذاكرت لأولادك دروسهم، لا تبخل على نفسك بمكافأة بسيطة.
أعد تقييم علاقاتك الاجتماعية
أحد أهم أسباب الإرهاق الذهني هو مرورك بعلاقات سامة تستهلك من طاقتك، وتجعلك فريسة للاستنزاف العاطفي.
الأخطر من ذلك عدم معرفتك بخطورة هذه العلاقة، نتيجة لارتياحك الزائف معهم، ما يعميك عن النظر إلى الآثار النفسية الناتجة عن هذه العلاقات. لذلك، عليك أخذ هدنة بسيطة مع نفسك، وإعادة النظر في علاقاتك بمَنْ حولك.
تشوش الذهن… عندما أعجز عن إيجاد الكلمات!

هو عرض قد يصاحب الإرهاق الذهني نتيجة التعرض المستمر للضغوطات النفسية.
يتمثل تشوش الذهن في ضعف الذاكرة، وفقدان القدرة على التركيز حول نقاط محددة، مع صعوبة الإتيان بالكلمات التي تريد قولها، وذلك للنسيان المستمر.
أسباب تشوش الذهن
نقص فيتامين ب١٢
يلعب فيتامين ب١٢ دورًا حيويًا في صحة الجهاز العصبي المركزي، والذي يشمل الوظائف الحيوية بالمخ، ويُعَدُّ أحد أبرز أسباب تشوش الذهن. قد ينقص فيتامين ب١٢ نتيجة لسوء التغذية، أو ضعف امتصاصه نتيجة لتقدم العمر.
قصور الغدة الدرقية
انخفاض إنتاج هرمونات الغدة الدرقية -مثل الثيروكسين والتريودثيرونين- يؤثر سلبًا في الوظائف الحيوية بالجسم، بما فيها وظائف الدماغ كالذاكرة والتركيز.
اضطرابات الجهاز التنفسي
وأبرزها انقطاع التنفس الانسدادي، حيث ينخفض معدل الأكسجين الواصل للمخ ليلًا، ما يفسر انخفاض القدرات العقلية من قلة التركيز والنسيان، إلى جانب احتمالية الإصابة بالسكتة الدماغية.
عرض جانبي لبعض الأدوية
هناك أدوية تؤثر في بعض النواقل العصبية المسؤولة عن نشاط المخ -مثل مضادات الكولين- وأبرزها:
- الأوكسيبيوتينين، لسلس البول.
- الديفينهيدرامين، للحساسية.
- السيكلوبنزابرين، للتشنج العضلي.
كيفية علاج تشوش الذهن.
إذا كان السبب متعلقًا بالأمراض المذكورة بالأعلى، فبمعالجة هذه الأمراض سيتحسن تشوش الذهن. أما إذا كان الأمر متعلقًا بعرض جانبي للدواء، فيلجأ الطبيب إمَّا لإيقاف الدواء أو للتقليل من جرعته.
إليك عادات يومية تساهم في علاج تشوش الذهن:
١.التغذية السليمة، وخصوصًا الأطعمة الغنية بفيتامين ب (مثل الأسماك والبيض).
٢.النوم بمعدل من ٧ إلى ٨ ساعات يوميًا.
٣.ممارسة الرياضة.
وفي نهاية جولتنا، أود أن أوضح لك -عزيزي القارئ- أن كل ما تمُرُّ به من مشاكل وضغوطات سينقضي، فلا داعي لإرهاق ذهنك وتدمير خلايا مخك!
اعلم أنه لا راحة إلا في الجنة، لذلك تعامل مع مشاكلك بذكاء، ولا تجعلها تسرق من عمرك، حتى لا تندم قائلًا: “بينما انتظرت أن تمُرَّ الأزمة، مَرَّ العمر”!