الإعاقة العقلية | ما المقصود بها؟ وهل من الممكن تقليل نسب حدوثها؟

كان الجو قارس البرودة بالخارج، لم أستطع النوم تلك الليلة فقد كنت أشعر بالتعب الشديد، وفجأة بدأت أشعر أن الوقت قد حان.
ذهبنا إلى المشفى سريعاً، وبعد عدة ساعات وضعت ابنتي التي لم أستطع التعرف عليها للحظة الأولى، شعرت بالارتباك، لم تكن تشبهنا، لم تكن تلك الطفلة التي تخيلتها بداخلي، والتي كنت أتحدث إليها طيلة الأشهر التسعة الماضية.
نظرَت إلي وابتسمت، وجدت نفسي تلقائياً أبادلها نفس الابتسامة، وقعت في حبها حقاً بتلك اللحظة، وكيف لا؟ وهي طفلتي الرائعة المميزة.
هذه قصة لأم تعاني ابنتها من نوع من الإعاقة العقلية تُعرف بمتلازمة داون، فما هو تعريف الإعاقة العقلية؟ وكيف يمكن تشخيص الإعاقة العقلية؟ وكيف نحد من نسب حدوثها؟ هذا ما سيتطرق له مقال اليوم، فتابع القراءة.
تعريف الإعاقة العقلية
يمكن تعريف الإعاقة العقلية على أنها قصور في الوظائف الذهنية والنمو العقلي يبدأ منذ الطفولة، يعاني الطفل من صعوبات في الأداء الفكري والمهارات العلمية والاجتماعية بنسب مختلفة، ويصاب به حوالي 1% من سكان العالم

يمكن تقسيم فئات الإعاقة العقلية إلى أربع مستويات، بناء على معدل ذكاء الطفل ودرجة تكيفه اجتماعياً على النحو التالي:
الإعاقة العقلية الخفيفة: تمثل هذه الفئة 85% من الأشخاص المصابين، يتراوح معدل ذكاء هذه الفئة بين 50- 70، في حين أن معدل الذكاء الطبيعي يكون ما بين 80 إلى 120، ويمكن لأفراد هذه الفئة العيش بمفردهم فيما بعد مع الحد الأدنى من الدعم أو المساعدة من الآخرين.
غالباً ما يستغرقون وقتاً طويلاً لتعلم التحدث مقارنة بالأطفال في نفس الفئة العمرية، ولكن بمجرد أن يتقنوا اللغة يمكنهم التواصل والتعبير عما يريدونه بشكل فعال.
الإعاقة العقلية المعتدلة: يشكل الأشخاص المصابون ضمن هذه الفئة حوالي 10% من الحالات، ويتراوح معدل ذكاء هذه الفئة بين 36-49، قد يحتاج هؤلاء الأفراد إلى مزيد من الدعم في الحياة اليومية وقد يواجهون بعض الصعوبات في التواصل.
الإعاقة العقلية الشديدة: يمثلون حوالي 3.5% من الأشخاص المصابين بالإعاقة العقلية، ويقع معدل ذكائهم ما بين 20-35. يعاني أفراد هذه الفئة من ضعف حركي ملحوظ، كما يحتاج هؤلاء الأشخاص إلى إشراف يومي للحفاظ على صحتهم وضمان سلامتهم.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
الإعاقة العقلية العميقة: قد يكون لدى أفراد هذه الفئة معدل ذكاء أقل من 20، ويشكلون 1.5% فقط من حالات الإعاقة العقلية. يتميزون بعدم قدرتهم على فهم الآخرين، ويحتاجون إلى رعاية وإشراف مستمرين وذلك لتلبية احتياجاتهم الأساسية.
أعراض الإعاقة العقلية
إذا كان طفلك يعاني من الإعاقة العقلية فقد تلاحظ عليه الأعراض التالية:
- عدم القدرة على عيش حياة مستقلة تماماً؛ فلا يستطيع ارتداء الملابس، أو الحذاء، أو حتى إطعام نفسه.
- تأخر في الجلوس، أو الزحف، أو المشي عن المعدل الطبيعي.
- تأخر في الكلام، وصعوبة في التحدث بلغة مفهومة.
- عدم القدرة على التفكير المنطقي، وصعوبة في حل المشكلات.
- يعاني من صعوبات في التعلم.
- عدم القدرة على فهم عواقب الأمور.
- صعوبة في تذكر الأشياء.
يظهر على الطفل المصاب بالإعاقة الفكرية بعض المشاكل السلوكية مثل:
- السلوك العدواني.
- الاندفاع.
- الرهاب الاجتماعي.
- نوبات غضب متكررة.
- صعوبة في الانتباه.
- يميل نحو إيذاء نفسه.
- العناد الشديد.
- الإحباط والسلبية.
- يمر بفترات اكتئاب متكررة خاصة في أثناء فترة المراهقة.
يعاني الأطفال المصابون بدرجة شديدة من الإعاقة الذهنية من مشاكل صحية أخرى، مثل صعوبة أو حتى عدم القدرة على الحركة، ومشاكل في البصر أو السمع، وقد يعانون من التوحد ويصاب بعضهم بنوبات من التشنجات التي تختلف حدتها من طفل لآخر.

أسباب الإعاقة الذهنية
لا يمكن تحديد أسباب الإعاقة العقلية في كثير من الحالات المصابة، ولكن من ضمن الأسباب الأكثر شيوعا للإعاقة الذهنية.
- مشاكل في أثناء الحمل: مثل تعاطي الأم الكحول، أو المخدرات، أو سوء التغذية الشديد.
- مشاكل عند الولادة: إذا حُرم الجنين من الأكسجين أثناء الولادة، أو الولادة المبكرة.
- خلل في الكروموسومات: مثل متلازمة داون، أو متلازمة الكروموسوم x الهش.
- أمراض وراثية: مثل مرض الفينيل كيتون يوريا، وداء تاي ساكس.
- قد تؤدي الإصابة بالالتهاب السحائي، أو السعال الديكي، أو الحصبة إلى الإعاقة العقلية.
- التسمم بالزئبق أو الرصاص.
هل يمكن منع حدوث الإعاقة الذهنية؟
يمكن الوقاية من بعض أسباب الإعاقة الذهنية، والتي بدورها تقلل خطر إصابة طفلك بهذا المرض مثل:
- يوصى بإجراء اختبارات جنينة قبل الحمل؛ وخاصة إذا كان هناك تاريخ مرضي بالإعاقة الذهنية في العائلة، أو كان هناك صلة قرابة بين الزوجين.
- يجب على النساء الحوامل تجنب شرب أي مواد كحولية أو مخدرات، والاهتمام بالتغذية الصحية السليمة.
- تناوُل حمض الفوليك قبل وأثناء فترة الحمل يقلل من فرص حدوث الإعاقة العقلية.
- فحص حديثي الولادة جيداً لتحديد الحالات الوراثية القابلة للعلاج، والتي يفضل اكتشافها مبكراً للحصول على نتائج أفضل.
- أخذ الطفل لقاحات ضد بعض الأمراض المعدية مثل: الحصبة، وأمراض المكورات الرئوية.
- تجنب الإصابات الشديدة لمخ الطفل أو الاهتزاز العنيف وتوفير وسائل حماية مثل: خوذات الدراجات، وأحزمة الأمان، ومقاعد السلامة في السيارة.
- الحد من حالات الإصابة بمتلازمة راي؛ والتي تحدث نتيجة إعطاء الأدوية التي تحتوي على الساليسيلات كخوافض للحرارة.
استخدام أدوية أكثر أماناً مثل: الباراسيتامول؛ وذلك لتقليل تلف الدماغ الناجم عن متلازمة راي.
- تقليل التعرض للرصاص والزئبق والسموم الأخرى في البيئة، والمعروف أنها تسبب تلف للدماغ.
تشخيص الإعاقة العقلية
قد تتضمن عملية تقييم طفلك زيارة أكثر من مختص مثل: الطبيب النفسي، وطبيب المخ والأعصاب، واختصاصي التخاطب وغيرهم.
يعتمد تشخيص الإعاقة العقلية على ثلاثة محاور أساسية وهي: جلسات مع الوالدين وأخرى مع الطفل وبعض الاختبارات القياسية.
يستبعد الطبيب حالات أخرى مثل صعوبات التعلم، وبعض الاضطرابات العصبية، وأيضا فقدان السمع، والتي من الممكن أن تتداخل مع تشخيص الطفل بالإعاقة العقلية.
يحدد الطبيب معدل ذكاء طفلك من خلال إجراء بعض اختبارات الذكاء، وكذلك تقييم مهارات طفلك المعيشية اليومية، وسلوكه الاجتماعي مقارنة بالأطفال الآخرين من نفس الفئة العمرية، مع الأخذ في الاعتبار اختلاف البيئات والثقافات المختلفة للأطفال.
كما يمكن أيضاً إجراء بعض الاختبارات المعملية، والأشعات التصويرية حتى يتسنى للمختص اكتشاف أي خلل في دماغ الطفل، أو اكتشاف الاضطرابات الجينية إن وجدت.
التشخيص المزدوج
يعد الأطفال المصابون بالإعاقة العقلية أكثر عرضة للاضطرابات النفسية، ويشار إليها بالتشخيص المزدوج، وتحدث في حوالي نصف المرضى.
كما يعتبر الاكتئاب ومرض نقص الانتباه وفرط الحركة، والتوحد من أكثر الاضطرابات المصاحبة للإعاقة العقلية.
أما الفصام، واضطراب ثنائي القطب فَنسبة حُدوثهم أقل، وتزيد فرص الإصابة بهذه الأمراض إذا كان هناك تاريخ مرضي بالعائلة لتلك الاضطرابات.
علاج الإعاقة العقلية
ليس المقصود بعلاج الإعاقة العقلية شفاء الحالة تماماً من الإعاقة، ولكن الهدف الرئيسي هو تطوير إمكانات الشخص إلى أقصى حد ممكن، وتقليل المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها الطفل المصاب بهذا المرض، على سبيل المثال:
- ضمان سلامة الطفل داخل المنزل أو المدرسة.
- تجنب إيذاء النفس مثل ضرب الرأس، أو ابتلاع الأشياء الخطرة.
- تعديل سلوك الطفل: كالعدوانية، والعناد، وفهم الأسباب المؤدية لهذا السلوك.
- يحتاج بعض المرضى إلى جلسات العلاج الطبيعي؛ وذلك في حالة الإصابة بضعف في العضلات، وبطء في المهارات الحركية عمومًا.
- قد يعاني بعض الأطفال المصابين من صعوبة في النطق أو التعبير بلغة مفهومة، وهنا يجب إخضاع الطفل لخطة منهجية لتعزيز القدرة على النطق، وتعليم اللغة الصحيحة، حتى يتمكن الطفل من التواصل والتعبير عن مشاعره وأفكاره أمام الآخرين.
- إذا ثبتت إصابة الشخص بأي اضطراب نفسي كالاكتئاب وغيره، فقد يلجأ الطبيب إلى العلاج بالأدوية المخصصة لهذه الحالات.
في الختام عليك أن تعرف أن كل طفل مميز، وهو هبة من الله، ويجب عليك أن تتعلم وتعرف الكثير حتى تستطيع فهمه جيداً.
عليك أن تشجع طفلك على المشاركة في الأنشطة الاجتماعية المختلفة، وأن تدعمه بالكلام الإيجابي عندما يقوم بأي عمل جيد، وكذلك شجعه على الاستقلالية عن طريق تقديم التوجيه عند الحاجة فقط.
واعلم جيداً أن من حق هذا الطفل أن يعيش حياته باحترام، وكرامة، وبدون تمييز من المجتمع. وتقع على الدول مسؤولية تقديم الخدمات المثلى من الصحة، والتعليم، والرعاية الاجتماعية، لتلبية احتياج هؤلاء الأشخاص المميزين.