الإيحاء الاجتماعي

يُخبرك صديقك قبل موعدك مع طبيب الأسنان أن الأمر سيكون مؤلمًا،
فتذهب وتجده تمامًا كما قال…
تخبرك والدتك أنك سوف تجتاز الاختبار بسهولة،
فتجتازه…
يخبرك كل من يكبرك سنًا أن مادة الرياضيات صعبة المذاكرة،
فتجدها كما قالوا…
عزيزي القارئ، عليك أن تتريث قليلًا قبل أن ترد قائلًا:
“لقد كان الأمر تمامًا كما قلت”
في هذا المقال، سنعرف ما الإيحاء الاجتماعي، وكيف نستفيد منه، وما الإيحاء النفسي السلبي والإيجابي، وتأثير كليهما في حياتنا؟
الإيحاء الاجتماعي
هو القبول اللا واعي لكلمات الآخرين، والتأثر غير المنطقي بآرائهم عن شيءٍ تجهله.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
قوة الإيحاء
تخيل أن أمامك ثمرة مانجو ناضجة باردة (أو أي فاكهة أخرى تحبها)، وتخيل أنك تقطعها وتأكلها، من المؤكد الآن أنك اشتهيت المانجو ولا عجب إن سال لعابك داخل فمك، فكيف لتفكير بسيط أن يسبب تلك التغيرات فيك!
لا يقتصر الأمر على تخيل الطعام؛ ولكن يمكن الاستفادة من هذا التأثير في أمورٍ أخرى ذات قيمة، منها على سبيل المثال:
العلاج المموَّه
وهو إيحاء المريض أن الدواء الذي يتناوله علاجٌ لمرضه، وهو في الواقع ليس كذلك!
في عام 1998، أجرى العالمان (كرش) و(سابيرستين) دراسة عن فاعلية مادة البروزاك (prozak) في علاج حالات الاكتئاب، ووجد أن العلاج المموَّه كان السبب في خمسين بالمئة من التحسنات المسجلة للحالة.
تحريف الذاكرة
يولي الباحثون أهمية كبرى لتأثير الإيحاء في الذاكرة، فمن الممكن تحريف ذاكرةِ شخصٍ ما بالكثير من الأسئلة وإيحاء المعلومات عن حدثٍ معين.
في عام 1988، اتهَمت طفلة والدها (بول إنجرام) بسوء المعاملة، ولكن (بول) ادَّعى أنه لا يتذكر أيًا مما هو منسوب إليه.
ولكن في أثناء استجوابه من الشرطة كان (بول) يخبر مرارًا وتكرارًا أنه لا بد أن يكون قد ارتكب تلك الجريمة،
وكان يُحث على تخيل الأحداث المزعومة، حتى اعترف (بول) بارتكاب تلك الجريمة!
وفيما بعد، طلب من الطبيب النفسي (ريتشارد اُوفشي) مقابلة (بول) والحصول على دليلٍ في تلك القضية،
اختلق (ريتشارد) قصة تُدين (بول) بأفعال إجرامية تجاه أفراد عائلته.
ومعتمدًا على الإيحاء، استطاع (ريتشارد) إقناع (بول) بقصته المختلَقة، وأدين (بول) بجرائم عدة قضى بسببها سنين عديدة في السجن حتى خلي سبيله في عام 2003.
قد يصعب عليك تصديق أنه يمكن إقناع شخص بالاعتراف بجريمة لم يرتكبها؛ ولكن الإيحاء الاجتماعي الذي تلقاه (بول) ممَّن حوله كان كفيلًا بإقناعه.
الإيحاء والخدع السحرية
اعتاد ممارسو الخدع السحرية الاعتماد على الإيحاء للنجاح في خداع مشاهديهم، فعلى سبيل المثال: عندما ينجح
الإيحاء اللفظي في تشتيت انتباه مشاهديهم يستطيع ممارسو الخدع السحرية تبديل أو تحريك الأشياء من أماكنها.
يَدَّعي المشعوذون أنه من السهل خداع غرفة مليئة بالعلماء عن فصلٍ مليءٍ بالأطفال؛ فالعقل العلمي يبحث عن السبب والمنطق بينما يصب الأطفال تركيزهم على ما يشاهدونه بأعينهم.
الإيحاء والتنويم المغناطيسي
غالبًا ما يقال أنهما واحد، ولكن هناك فرق بينهما؛ فالإيحاء هو خلق فكرة داخل عقلك الباطن، بينما التنويم المغناطيسي هو حالة ذهنية تشبه إلى حد ما النوم.
الإيحاء النفسي
هو استخدام الشخص لحالته النفسية وأفكاره للتحكم والتأثير في حالته الجسدية وسلوكه.
عندما تقول لنفسك “اهدأ” أو “ركز” فهذا ما يسمى بالإيحاء النفسي.
يعد الإيحاء النفسي من أسهل الطرق لبرمجة عقلك الباطن للإيمان بشيءٍ ما، وهو نوعان:
الإيحاء النفسي السلبي
في الواقع، يركز معظمنا على الأفكار السلبية بدلًا من الإيجابية، فعندما تقول “أنا متعَب” أو “أنا عديم الفائدة”
فلا عجب أن تشعر بذلك.
الإيحاء النفسي الإيجابي

يستطيع الإيحاء الإيجابي مساعدتك على إنجاز ما تريد، فعلى سبيل المثال: إذا اعتقدت أنك ستحصل على وظيفة ما،
فاعتقادك هذا سيجعلك تستعد لمقابلة العمل بالطريقة التي تضمن لك الحصول عليها.
تمارين الإيحاء
يمكنك اتباع الخطوات الآتية حتى تستطيع برمجة عقلك الباطن على ما تريد:
- امحُ كل الأفكار السيئة داخل عقلك، واستبدل أخرى إيجابية بها.
- استعن بأدلة إيجابية تعزز ثقتك بنفسك.
- كرر ما تود إقناع نفسك به في أوقات فراغك أو في أوقات المهمات المملة، مثل المواصلات والاستحمام.
- استخدم مشاعرك حتى يعطي الإيحاء تأثيره.
- اجلس في مكان هادئ واسترخ، اختر هدفًا لك وركز عليه بكل حواسك وتخيله يتحقق.
- كرر هذه الخطوات على الأقل مرة يوميًا مدة عشر دقائق.
نصائح “ترياقي” للاستفادة من الإيحاء الاجتماعي:
- عليك أن تركز على ما يحدث حولك، وأن يكون لديك من الوعي ما يكفي لتميز الرسائل التي تستقبلها من الآخرين؛ فيسهل عليك ملاحظة الإيحاء الإيجابي والاستفادة منه.
- عليك أن تحسِن اختيار الأشخاص الذين يَمُدونك بالإيحاء الاجتماعي، فإنك لا تتأثر فقط بكلمات الأشخاص
من حولك؛ وإنما تتأثر أيضًا بإيماءاتهم ونبرة أصواتهم ولغة أجسادهم. - ابقَ قريبًا ممَّن يؤمن بك ويشجعك ويمدك بطاقةٍ إيجابية.
- تمتع بتفكير مرن ولا تأخذ فشلك على محمل الجد، ولا تجعله مصدرًا لإيحاءٍ سلبيٍّ لك؛ وإنما طريقة للوصول لأهدافك وتحسين أدائك؛ فهذا يشجعك على الاستمرار.
- اعلم أن الإيحاء له تأثيرٌ فعال؛ فاعتقادك بحصول شيءٍ ما يسهم بشكل كبير في حدوثه؛ فإن الإيحاء الذي تستقبله -سواء كان من نفسك أو من شخصٍ آخر- يجعلك تتصرف بالطريقة التي تحقق ما توقعته.
قيل في النصوص القديمة: “قوة الحياة والموت تكمن في اللسان”! بمعنى أن الكلمات لديها ما يكفي من القوة لتدمرك أو تبنيك، فإذا قيل لك أنك قليل الذكاء وصدقت ما قيل؛ فستصبح كذلك وسيظهر في تصرفاتك ولغة جسدك.
وفي الختام…
تختلف عبارات الإيحاء من شخص لآخر؛ لاختلاف اهتماماتهم وأهدافهم في الحياة، فما يؤثر فيك قد لا يؤثر في غيرك.
فابحث بنفسك عن مصدر إيحائك…
كتبته د.هند عاشور