عام

الاضطرابات السلوكية

فُوجِئتُ ذات يوم باستدعاء من حضانة الأطفال التي يرتادها ابني.

وعندما قابلتُ القائمين عليها، أخبروني بحاجة ابني إلى الانتقال إلى حضانة أخرى متخصصة في التعامل مع الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة!

وعندما سألتُ عن السبب، أفادوني بأن ابني يعاني مشكلات في التعلم وفي علاقاته بزملائه، لذلك يحتاج إلى رعاية ومعاملة خاصة!

ولمَّا رأوا علامات الفزع بادية عليَّ، طمأنوني بأن هذا النوع من الاضطرابات السلوكية وغيرها يمكن علاجه والسيطرة عليه.

وقد أعطوني نبذة مختصرة عن الاضطرابات السلوكية، أستعرضها معك -أخي القارئ- في السطور القادمة…

تعريف الاضطرابات السلوكية 

يُعَدُّ مصطلح “الاضطرابات السلوكية – Behavioral disorders” مصطلحًا جامعًا، وتندرج تحته العديد من الأمراض النفسية.

ومن هذه الأمراض: اضطرابات القلق (Anxiety Disorders)، واضطراب الهوس الاكتئابي (Manic-Depressive Disorder)، واضطراب التحدي المعارض (Oppositional-Defiant Disorder)، وغيرها.

وبحسب ما ورد في قانون تعليم الأفراد ذوي الإعاقة (IDEA)، يمكن تعريف الاضطرابات السلوكية -أو العاطفية- بأنها حالة تتميز بواحدة أو أكثر من السمات الآتي ذكرها لمدة طويلة، ودرجة ملحوظة من شأنها أن تؤثر بشكل سلبي في تحصيل الطفل ومستواه التعليمي. هذه السمات هي:

  • عدم القدرة على التعلم بشكل لا يمكن تفسيره بأسباب فكرية، أو حسية، أو صحية.
  • عدم التمكن من بناء -أو الحفاظ على- علاقات ملائمة مع الأقران والمعلمين.
  • ظهور سلوكيات شاذة أو مشاعر غير ملائمة للظروف المحيطة بها.
  • غلبة الإحساس بالحزن أو الاكتئاب بشكل مفرط.
  • الميل إلى إظهار أحاسيس بالخوف أو أعراض جسمانية بالتزامن مع المشكلات الشخصية والمدرسية.

وبحسب تعريف هذا القانون، يمكن إدراج الفصام (Schizophrenia) ضمن الاضطرابات السلوكية، غير أن ذلك لا ينطبق على الأطفال غير المتكيفين اجتماعيًا إلا إذا قُيِّمَت حالتهم بأنها اضطراب سلوكي.

خصائص الاضطرابات السلوكية

كما يتضح من التعريف السابق، فإن الاضطرابات السلوكية والعاطفية لا يقتصر تأثيرها في الجانب العاطفي فحسب، بل يتعداه إلى النواحي الصحية والاجتماعية والإدراكية كذلك.

تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!

ولذلك، فإن من أهم خصائص الاضطرابات السلوكية عند الأطفال ما يأتي:

  • فرط النشاط مع ضعف الانتباه، والاندفاع والتهور.
  • السلوك العدواني تجاه النفس أو الآخرين.
  • العزلة الاجتماعية، والإفراط في الخوف أو القلق.
  • ظهور أعراض تدل على عدم النضج، مثل: البكاء في غير محله، أو ثورة المزاج، أو عدم التعايش مع البيئة المحيطة.
  • صعوبات التعلم، وتردي الأداء التعليمي بشكل واضح.

وقد يعاني الأطفال الطبيعيون بعض هذه الأعراض خلال مراحل نموهم، إلا أن استمرارها لمدة طويلة وتأثيرها في مختلف مناحي حياة الطفل يعطيان مؤشرًا واضحًا على إصابته بالاضطرابات السلوكية.

أسباب الاضطرابات السلوكية

هناك العديد من الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى الاضطرابات السلوكية، من أهمها:

  • الأمراض والإعاقات الجسدية.
  • سوء التغذية.
  • إصابات المخ.
  • العوامل الوراثية.
  • المشاكل العائلية والعاطفية، مثل طلاق الأبوين أو انفصالهما.
  • العنف الأسري.
  • تعامل الآباء مع الأبناء بشكل غير تربوي.
  • قلة الاهتمام بالتعليم.

آثار الاضطرابات السلوكية

تنتج عن الاضطرابات السلوكية عدة آثار سلبية في مختلف مراحل العمر (عند الأطفال، والمراهقين، والكبار)، سواء على المدى القصير أو الطويل.

وتتفاقم هذه الآثار كلما طالت المدة بدون علاج، ومن أبرزها:

  • التعرض للإيقاف والإبعاد وغير ذلك من العقوبات نتيجة السلوكيات العدوانية من التنمر والتعدي على الغير ومقاومة السلطات… إلخ.
  • الطرد من العمل.
  • تدمير الحياة الأسرية بالطلاق والانفصال.
  • الاضطرار إلى نقل الأطفال من مدارسهم إلى مدارس أخرى، ومواجهة الصعوبات المترتبة على ذلك في كثير من الأحيان.

أنواع الاضطرابات السلوكية وعلاجها

فيما يأتي أبرز أنواع الاضطرابات السلوكية، وطرق علاجها بإيجاز:

1-  فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD)

يُعَدُّ من أكثر أنواع الاضطرابات السلوكية عند الأطفال شيوعًا، مع زيادة النسبة في الذكور عن الإناث. 

يعاني المصابون بهذا الاضطراب العجز عن أداء وظائفهم الحياتية والعائلية، وعدم الاستقرار، وعدم القدرة على التفكير المنطقي، وقد يصل الأمر إلى فقد الانتباه عمَّا يدور حولهم.

قد تخبو شدة هذه الأعراض بعض الأيام حتى يكاد الشخص يبدو طبيعيًا، وقد تشتد ضراوتها أيامًا أخرى حتى تؤثر في حياة المصاب والمحيطين به.

وقد يستمر هذا الاضطراب في أثناء مرحلة المراهقة، ومرحلة ما بعد البلوغ أيضًا.

ولعلاج هذا النوع من الاضطرابات، هناك العديد من الخيارات المتاحة، منها العلاج الدوائي، والعلاج النفسي والسلوكي.

2- اضطرابات القلق

يساورنا القلق جميعًا من آنٍ لآخر، ولكن الأمر يتفاقم عند بعض الناس ليصبح شديدًا، مستمرًا، لا يمكن التحكم به، وقد يدمر حياة الشخص المصاب به.

ويُعَدُّ الخوف غير المبرر من المواقف اليومية أحد أبرز الأعراض الدالة على الإصابة بالقلق.

يضم مصطلح “اضطرابات القلق” تحت مظلته العديد من الأمراض النفسية، ويكون الخوف الزائد هو القاسم المشترك فيما بينها.

ومنها اضطراب القلق العام (GAD)، واضطراب الوسواس القهري (OCD)، واضطراب الهلع (Panic disorder)، واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، والرهاب الاجتماعي (Social anxiety disorder)، وبعض أنواع الرهاب الأخرى.

وبحسب ما ذكرته جمعية اضطرابات القلق الأمريكية، فإن اضطرابات القلق تُعَدُّ أكثر أنواع الأمراض النفسية شيوعًا، وتصيب الأطفال والكبار، وهي -مع ذلك- قابلة للعلاج.

ولكن لسوء الحظ، فإن نسبة مَن يتلقون العلاج منهم لا تتجاوز الثلث. 

ويمكن علاج بعض الحالات الخفيفة عن طريق تغيير نمط الحياة، وبدون الحاجة للأدوية. أما الحالات الأخرى، فيمكن علاجها بالأدوية أو بالعلاج النفسي.

3- الاضطراب ثنائي القطب

ويُطلَق عليه أيضًا “مرض الهوس الاكتئابي – Manic-depressive illness”.

يظهر هذا الاضطراب على هيئة تغيرات مفاجئة شديدة التباين في الحالة المزاجية؛ من الفرح الشديد إلى الحزن الشديد، ومن قمة النشاط والحيوية إلى حضيض الخمول واليأس.  

هذه الحالات يتم علاجها غالبًا عن طريق الجمع بين الأدوية والعلاج النفسي.

4- اضطراب التصرف (Conduct disorder)

يتصف هذا الاضطراب بالعدوانية، والعنف، والميل إلى إيذاء النفس والآخرين.

يحتاج الطلاب المصابون بهذا الاضطراب إلى فصول تعليمية خاصة بهم، إلى أن يصح سلوكهم ويصبحوا مؤهَّلين للتعامل مع الآخرين في الفصول العادية.

5- اضطرابات الأكل

وتتصف هذه الاضطرابات بالتطرف الشديد في سلوكيات الطعام؛ إما بالإفراط أو بالتفريط، أو القلق الدائم من وزن الجسم وشكله، ويشيع هذا النوع من الاضطرابات في الإناث أكثر من الذكور.

وأكثر أنواع اضطرابات شيوعًا نوعان: فقدان الشهية العصبي (Anorexia nervosa)، والنُّهام العصبي (Bulimia nervosa)، وكلا الحالتين خطر على حياة الشخص.

يتميز فقدان الشهية العصبي بالتجويع الذاتي، والنقص الحاد في الوزن. وعلى النقيض من ذلك، يلتهم المصابون بالنهام العصبي الطعام، ثم يعمدون إلى إفراغ البطن بالتقيؤ أو بغيره.

لمزيد من المعلومات عن اضطرابات الأكل، يمكنك مطالعة مقال اضطرابات الأكل عند المراهقين.

6- التوحد

ويُطلَق عليه أيضًا “اضطراب طيف التوحد – Autism spectrum disorder”، ويُستعمَل هذا الاسم لوصف العديد من اضطرابات النمو العصبي.

يعاني المصابون بالتوحد مشكلات في التواصل والتفاعل الاجتماعي، ويتصفون بسلوكيات واهتمامات نمطية مكررة محدودة.

ولعلاج التوحد، هناك الكثير من الطُرق المتبَعة في ذلك، منها: العلاج السلوكي، والعلاج الوظيفي، وعلاج علل النطق، والعلاج الطبيعي.

7- الاضطراب اللغوي

يواجه المصابون بهذا الاضطراب صعوبات في التعبير عن أنفسهم أو فهم ما يقوله الآخرون، ويشيع ذلك في الأطفال الصغار.

وأهم طُرق العلاج هي علاج علل النطق، والعلاج النفسي. ويعتمد العلاج على عمر الطفل، وسبب إصابته بهذا الاضطراب، وشدة حالته.

ويمكن القول إجمالًا بأن هذه الاضطرابات -على اختلاف أنواعها وأعراضها- تحتاج إلى رعاية خاصة وتعامل احترافي، سواء في تشخيصها أو في مراحل علاجها المختلفة.

ويستوي في ذلك الأطفال والمراهقون والكبار، مع الفرق في احتياجات كل فئة وظروفها.

المصدر
Emotional and Behavioral Disorders in the ClassroomBehavioral Disorder Symptoms, Causes and EffectsEmotional DisturbanceThe Most Common Behavior Disorders in Children
اظهر المزيد

Mohammed Saad

صيدلي ومترجم طبي وكاتب محتوى طبي، أسعى إلى تبسيط وإثراء المحتوى العلمي العربي؛ لإلسهام في نشر الوعي والثقافة الطبية في العالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى