الاضطراب الانفجاري المتقطع | Intermittent Explosive Disorder

– عذرًا، أنت موقوف عن العمل.
– ماذا؟! موقوف؟ ما الذي يستدعي كل هذا؟ لقد كانت مجرد لحظة غضب عابرة، وَثِقْ أنها لن تتكرر!
– مجرد لحظة غضب! يا سيدي، لقد أطحتَ بطاولة غرفة الاجتماعات! وقمتَ بتهديد مدير الشركة! حتى ظننَّا أنك قاتلُه!
قد كنتَ أشبه بقنبلةٍ موقوتة قُذِفَت لتفجرنا جميعًا!
والآن -عزيزي القارئ- هل تعرضتَ لموقفٍ مشابه؟ هل رأيت أحدهم فجأةً يغضب غضبًا شديدًا، حتى بدا كأنه مصارعٌ يحاول أن يظفر بمنافسيه في حلبة المصارعة؟!
إذا كنتَ مصابًا بنوبات غضب كهذه، أو رأيت مَن يعاني هذه التقلبات، فلا تقلق؛ هذا ما يسميه العلماء “الاضطراب الانفجاري المتقطع” أو “Intermittent Explosive Disorder”.
لتذهب معي في جولة داخل المقال وستتعرف على ماهية المرض، وأسبابه، وطرق العلاج.
تعريف الاضطراب الانفجاري المتقطع
يقع الاضطراب الانفجاري المتقطع ضمن فئة من الاضطرابات النفسية تُعرَف بـ”اضطراب السيطرة على الاندفاع”
وهو مرض عقلي ونفسي يتعرض فيه المريض إلى نوبات مفاجأة من الغضب الشديد وفقد السيطرة على النفس.
ويمكن أن تتكرر هذه النوبات على فترات متقاربة، ويمكن أن تحدث كل بضعة أسابيع أو شهور، وتستمر في الغالب لمدة 30 دقيقة.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
ويتصف المريض خلال هذه النوبات بالعنف والسلوك العدواني تجاه الآخرين بقدر يفوق ما يقتضيه الموقف من انزعاج أو غضب، وقد يصل الأمر إلى التهديد أو التعدي اللفظي والجسدي على المحيطين.
ويُعَد الاضطراب الانفجاري المتقطع أحد الأمراض المزمنة، والتي قد تبقى مع المريض طوال سنوات حياته، إلا أن حدة الأعراض يمكن أن تنخفض تدريجيًا مع التقدم في العمر.
الأعراض
تكون نوبة السلوك الانفجاري مسبوقة دائمًا بالتوتر أو الإثارة، ويتبعه على الفور شعور بالارتياح.
وتتسم النوبات الانفجارية بالعديد من الأعراض واضحة المعالم كما ترى:
- الصراخ والتهويل.
- الهياج والتوتر.
- تكسير الأشياء وإتلاف الممتلكات.
- الغضب والشجار أثناء القيادة أو في المنزل.
- الاعتداء اللفظي والجسدي، مثل: الصفع أو الضرب.
- التهديد.
- الشتائم واختلاق المعارك.
- الرعشة والخفقان وضيق الصدر.
- تضارب الأفكار وتسارعها.

حيث يعجز المصاب بالاضطراب الانفجاري المتقطع عن مقاومة الدوافع العدوانية لديه، مما يؤدي به إلى الانخراط داخل نوبات من الغضب الشديد وفقد التحكم بسلوكه وأفعاله، ويسوقه ذلك إلى أعمال تخريبية قد تُفقِده العمل وتؤثر بشكل سلبي على علاقاته وممتلكاته.
وعادة ما يشعر المريض بالندم والإحراج وتأنيب الضمير بعد فترة من حدوث تلك النوبات.
أسباب الاضطراب الانفجاري المتقطع
وبينما لا يُعرَف إلا القليل حول أسباب هذا الاضطراب النفسي، إلا أن الدراسات الحديثة رشحت أن حوالي 3% إلى 7% من الأشخاص الطبيعيين قد يتعرضون إلى الإصابة بنوبات تفجيرية في مرحلةٍ ما من حياتهم.
وعادة ما تحدث الإصابة في المراحل المبكرة من العمر، وبشكل عام تحدث أثناء مرحلة البلوغ. وقد تصيب الأطفال الأكبر من 6 سنوات في بعض الأحيان.
وتحدث الإصابة بمرض الاضطراب الانفجاري المتقطع نتيجة اجتماع العديد من العوامل الجينية والبيئية كما يلي:
- عوامل جينية أو وراثية: إذ يُحتمَل وجود طفرات أو خلل بالجينات لدى الأشخاص المصابين، والذي يتطور بدوره ويؤدي به إلى مثل هذه الاضطرابات.
- عوامل بيئية: حيث ينشأ معظم الذين يعانون هذا الاضطراب داخل أسر ينتشر بها السلوك العدواني والعنيف.
إن التعرض لهذا النوع من العنف في سن مبكرة يجعل من المرجح أن يظهر لدى هؤلاء الأطفال نفس السمات التي لاحظوها أثناء نموهم.
- كما تلعب كيمياء المخ دورًا كبيرًا؛ حيث كشفت العديد من الدراسات عن ارتفاع نسبة الإصابة بمثل هذه الاضطرابات عند انخفاض مستوى السيروتونين في الدماغ.
عوامل الخطورة
كذلك أنت عرضة بشكل أكبر للإصابة بهذا الاضطراب إذا توافرت فيك إحدى عوامل الخطورة هذه أو جميعها:
- إذا كنتَ ذَكرًا، حيث أن نسبة الإصابة في الذكور أعلى بكثير منها في الإناث.
- عمرك أقل من 40 عام.
- نشأتَ في أسرة حيث كان الاعتداء اللفظي والجسدي شائعًا.
- إذا كنت تعاني أحد هذه الاضطرابات النفسية: اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، اضطراب الشخصية الحدية؛ فأنت مرشح محتمل للإصابة بالاضطراب الانفجاري المتقطع.
- إذا تعرضتَ للعديد من المواقف والأحداث الصادمة أثناء الطفولة.
فعلى سبيل المثال: أُجرِيَت إحدى الدراسات -على مجموعة كبيرة من الأشخاص من عموم السكان بالولايات المتحدة- عن العلاقة بين التعرض لصدمة أثناء الطفولة وبين الإصابة بالاضطراب الانفجاري المتقطع، ووجدوا أن مجرد التعرض لصدمة كبيرة في مرحلة الطفولة يُعتبَر واحدًا من أقوى المساهمين في تطوير النوبات الانفجارية في مرحلة البلوغ.

علاج الاضطراب الانفجاري المتقطع
مما لا شك فيه -عزيزي القارئ- أن العلاج يرفع من كفاءة حياة المصابين، ويساعدهم على عيش حياة هادئة دون التعرض للأضرار والخسائر.
وعادة ما يُستخدَم أكثر من علاج في نفس الوقت، حيث تتنوع وسائل العلاج بين العلاج النفسي والعلاج باستخدام الأدوية، بالإضافة إلى العلاجات البديلة.
العلاج النفسي:
- من خلال استشارة الطبيب أو الأخصائي النفسي والتحدث إليه، سواء بالمشاركة في مجموعة من الذين يعانون نفس الاضطراب أو في جلسات فردية.
- العلاج السلوكي المعرفي: وهو أحد طرق العلاج التي يستخدمها الطبيب النفسي لتعديل سلوك المصابين، إذ يحاول توجيه المريض إلى الطريقة المثلى والفعالة للتنفيث عن المواقف المزعجة والمشاعر السلبية، دون اللجوء إلى السلوك العدواني أو استخدام العنف.
العلاج بالأدوية:
لا توجد أدوية خاصة للاضطراب الانفجاري المتقطع، إلا أن هناك العديد من الأدوية المستخدمة لتقليل شدة الأعراض والحد من الانفعال أثناء نوبات الغضب. وهي كما يلي:
- مضادات الاكتئاب، وخاصة مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (SSRIs).
- مثبتات المزاج.
- مضادات الذهان.
- الأدوية المضادة للقلق، مثل: مجموعة البنزوديازيبين.
وعادة ما يستغرق الأمر قرابة ثلاثة أشهر لأدوية مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية حتى تصل إلى تأثيرها الكامل، ويتوقف التأثير تمامًا فور إيقاف استخدام الدواء.
وأثبتت دراسات أُجرِيَت في عام 2009 التأثير الفعال لدواء الفلوكستين -أحد مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية- في خفض السلوكيات الاندفاعية العدوانية لدى الأشخاص المصابين بالاضطراب الانفجاري المتقطع.
العلاجات البديلة:
لا شك أن اتباع وسائل علاجية بديلة يساعد في التحكم في النوبات الانفجارية ويخفف من حدة الانفعالات والغضب، وهذه العلاجات على سبيل المثال:
- اتباع حمية غذائية متوازنة؛ لا تحتوي على الكثير من الدهون.
- الحصول على وقت كافٍ للنوم والراحة.
- تجنب التدخين وشرب الكحوليات.
- تنظيم الضغوط والحد من مصادرها.
- العلاج بالإبر أو العلاج بالوخز أو التدليك.
- تخصيص وقت يومي للرياضة والاسترخاء، مثل ممارسة رياضة اليوجا.

مضاعفات المرض
يُعتبَر الأشخاص المصابون بالاضطراب الانفجاري المتقطع في خطر متزايد للإصابة بعدة أمراض عقلية ونفسية أخرى، ويؤثر هذا المرض على حياة المصاب بشكل عام، فيسبب على سبيل المثال:
- أمراضًا بدنية، مثل: ارتفاع ضغط الدم، وأمراض القلب، وحدوث جلطات.
- اضطرابات نفسية: كالقلق، والاكتئاب، والانطوائية.
- مشكلات بالعلاقات الاجتماعية نتيجة نوبات الغضب المتكررة وآثارها.
- مشكلات بالعمل أو المدرسة أو السكن.
- إدمان الكحوليات والتدخين.
ويأتي هنا دور الأهل أو الأصدقاء أو المحيطين، إذا لاحظوا ما ذكرنا من أعراض سابقة، أن يقوموا بتوعية المريض وإبلاغ الطبيب المختص في الحال منعًا لحدوث مضاعفات خطيرة.