
قد يبدو اسم هذا المرض “الاضطراب الوجداني ثنائي القطب” غريبا بعض الشيء، لكن هل سمعت من قبل لفظة “مانخوليا”؟ من المؤكد أنك سمعتها في الأفلام القديمة عندما يتحدثون عن شخص يتصرف بشكل غير منطقي، كناية عن الجنون. هذه الكلمة محرفة من المصطلح الطبي mania المقابل لكلمة الهوس في اللغة العربية. الهوس هو جزء من مرض طبي يسمى اضطراب ثنائي القطب، وعندما تنتهي من قراءة المقال ستتفهم الرابط بين هذه المصطلحات وكذلك أصل كلمة مجنون وسبب وصم المريض النفسي دائما بالجنون وبعدم الاستقرار النفسي.
نتحدث اليوم عن مرض ثنائي القطب، نناقش كيفية التعامل مع مريض الاضطراب الوجداني بالطريقة الأمثل، ونعرف هل يعالج نهائيا من البداية أم يتعرض لحدوث انتكاسة الاضطراب الوجداني ثنائي القطب.
اقرأ أيضًا: الشخصية القيادية – كيف أكون قائدًا ناجحًا في ثماني خطوات؟
ما هو الاضطراب الوجداني ثنائي القطب
هو مرض عقلي يؤدي إلى اضطراب في مشاعر المريض، فيظهر على المريض علامات تدل على عدم الاستقرار عاطفياً.
يعاني المريض من حالتين على طرفي النقيض من بعضهما البعض، فتارة تجده منتشيا يضحك ويرقص وينطلق في ربوع الحياة متفائلا، وتارة أخرى تجده هادئاً ومنعزلا، يرفض الانخراط بالناس، فاقدا الرغبة في الطعام وفي الحياة، راغبا في الانتحار أو محاولا فعلاً.
هذا التنقل بين الحالتين على فترات يجعل العامة يقولون عن من يتخبط في رأيه أو يأتي بأفعال غريبة أنه “ماناخوليا” وهو حالة الـ Mania، فقد كان الاسم الأول لهذا المرض هو Manic-depressive disorder أي الهوس الاكتئابي، أو الجنون، وتغير الاسم العلمي له مع الوقت.
للمزيد: أزمة منتصف العمر والزواج الثاني
أعراض مرض الاضطراب الوجداني ثنائي القطب

يمر المريض بمرحلتين متتاليتين هما الهوس والاكتئاب مما يجعل التعامل مع مريض الاضطراب الوجداني ثنائي القطب أمرا مربكا.
مرحلة الهوس
- يكون المريض سعيدًا سعادة غامرة، ومتفائلًا ذا روح معنوية مرتفعة.
- يؤدي أعماله بتفوق وعلى أكمل وجه.
- يتمتع المريض بالحماس الشديد لأي عمل يطلب منه.
- يكون مقبلًا على الحياة، ويضحك كثيرًا ويلقي النكات.
- تزداد رغبته في ممارسة الجنس.
- يعاني من الأرق وتقل رغبته في النوم جدًا.
- تتقافز الأفكار في ذهنه، فتجده مشتت الانتباه ينتقل بسرعة من موضوع لآخر لا يمتُّ له بصلة.
- يتحدث بكثرة وبسرعة شديدة.
- يأخذ قرارات غير مدروسة أحياناً.
قد يهمك: تعرفي على أسباب العصبية عند النساء
اضطراب الدورة الشهرية – لا داعي للقلق
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
مرحلة الاكتئاب
- يكون المريض في هذه المرحلة منعزلًا عمن حوله.
- يفقد الرغبة في عمل أي شيء أو أداء مهامه بالعمل.
- يفقد المريض الرغبة في تناول الطعام، وفي ممارسة العلاقة الزوجية، وفي الحياة نفسها.
- ينتابه كثيرًا الشعور بالذنب تجاه من حوله.
- يشعر المريض بالتشاؤم ،وقد يحاول الانتحار.
- يعاني من أرق شديد أو ينام لفترة طويلة.
- يشعر بفقدان قيمة الحياة والعمل.
- يفقد الطاقة للعمل، ولا يستطيع أخذ قرار وتفكيره مشوش.
يمر المريض أحياناً بنوبة مختلطة من الهوس والاكتئاب معاً. قد يختلط على الطبيب التشخيص، إذ أن المريض في نوبة الهوس يشعر أنه بخير، أنه ليس في حاجة لطبيب وأنه لا يعاني أي خطب.
أما في مرحلة الاكتئاب فإنه ومن حوله يشعرون أنه ليس على ما يرام وأنه ليس بحالته الطبيعية ويبحثون عن المشورة الطبية؛ لذا يعالج مريض الاضطراب الوجداني خطأً على أنه اكتئاب فقط في بعض الحالات.
الهوس الخفيف
تتشابه نوبات الهوس الخفيف مع نوبات الهوس إلا أن أعراض الهوس الخفيف أقل وطأة وحدة من الهوس.
أعراض الهوس الخفيف
تختلف أعراض الهوس الخفيف من شخصٍ إلى آخر، لكن توجد بعض الأعراض الشائعة، منها:
- سرعة توارد الأفكار على عقل المريض وعدم وحدة الموضوع أثناء الكلام.
- سرعة الكلام.
- قلة الرغبة في النوم.
- التهور في بعض المواقف، مثل شراء أشياء لا يقدر الفرد على تحمل سعرها.
- التصرف بشكلٍ غير ملائم أمام العامة.
- زيادة الرغبة الجنسية.
- الشعور بالارتباك والإثارة والعنف.
أسباب الاضطراب الوجداني ثنائي القطب
لا يُعرف السبب الأكيد للإصابة بهذا الاضطراب، لكن يمكن أن تؤدي إليه بعض العوامل، منها:
اختلافات في كيمياء المخ
توجد بعض الاختلافات البيولوجية في كيمياء المخ لأولئك المصابين بالاضطراب ثنائي القطب عن غيرهم بشكلٍ غير مؤكد.
العوامل الوراثية
تزداد احتمالية الإصابة بالاضطراب الوجداني ثنائي القطب عند الأشخاص الذين ينتشر تاريخ المرض في عائلاتهم، خاصةً إذا كان أحد الأقرباء من الدرجة الأولى.
عوامل الخطورة
توجد بعض العوامل التي تُزيد من خطر الإصابة بهذا الاضطراب، منها:
- إصابة أحد أفراد العائلة بالمرض.
- تعاطي الكحول أو المخدرات.
- فترات التعرض لصدمات شديدة وتوترٍ كبير، مثل: موت شخصٍ عزيز.
مضاعفات الاضطراب الوجداني ثنائي القطب
يمكن أن يتسبب الاضطراب ثنائي القطب في عدد من المضاعفات إذا لم يُعالج، مثل:
- تدهور العلاقات الاجتماعية.
- نشأة بعض المشاكل المالية والقانونية.
- تدهور الجانب الوظيفي.
- ظهور ميول انتحارية.
- التفكير في تعاطي المخدرات أو الكحول.
كيفية التعامل مع مريض الاضطراب الوجداني ثنائي القطب
يحتاج هذا الأمر إلى تفهم تام للحالة بدون السخرية منه، واستشارة الطبيب المختص لمعرفة التشخيص السليم ورسم خطة علاج له. كما يرشد الطبيب الأهل إلى أفضل طريقة للتعامل مع مريض الاضطراب الوجداني ثنائي القطب في النوبات المختلفة للمرض.
اقرأ أيضًا: علاج انقطاع الطمث المبكر | رحلة البحث عن الأمل من جديد!
علاج التردد | ست نصائح تساعدك على التخلص من ترددك
تشخيص الاضطراب الوجداني ثنائي القطب في البالغين

- تشخيص الاضطراب الوجداني هو تشخيص إكلينيكي في الأساس، ولكن قد يطلب الطبيب بعض الفحوصات المعملية والإشعاعية ليتأكد من خلو المريض من أمراض ذات أعراض مشابهة لمرض ثنائي القطب مثل أمراض الغدة الدرقية.
- الفحص الطبي الإكلينيكي؛ لاستبعاد أي مرض ذي تأثير مشابه.
- الأعراض: يحتاج تشخيص الاضطراب الوجداني إلى تأكيد مرور المريض بنوبة من الهوس ونوبة من الاكتئاب على الأقل.
- التقييم النفسي الذي يجريه الطبيب من خلال حديثه مع المريض عن مشاعره وسلوكياته.
- مخطط الحالة المزاجية للشخص: يكتب المريض شعوره يومًا بيوم بالإضافة إلى حالة نومه في مخطط للمتابعة.
تشخيص الاضطراب الوجداني ثنائي القطب في الأطفال
يشخص المرض في الأطفال والمراهقين بنفس طريقة تشخيصه في البالغين ولكن يحرص الطبيب على عدم الخلط في التشخيص بينه وبين فرط النشاط وتشتت الانتباه، أو التوحد أو الاضطرابات السلوكية المعروفة في الأطفال.
قد يهمك: فن التعامل مع المرأة – السهل الممتنع
علاج مرض الاضطراب الوجداني ثنائي القطب

هناك أربعة خطوط دوائية لعلاج الاضطراب الوجداني ثنائي القطب، وهي:
1. مهدئ المزاج (Mood stabilizer): للتحكم في نوبات الهوس.
2. مضاد اكتئاب (Anti-depressant): لنوبات الاكتئاب. يفضل أن يكون معه علاج من مهدئات المزاج في نفس الوقت، حتى لا يعالج الاكتئاب فيتحسن وينتقل مباشرة لحالة السعادة والتفاؤل وبذلك يدخل لمرحلة الهوس من جديد.
3. مضاد للقلق أو مهدئ (Anti-anxiety): ليساعد المريض على تنظيم النوم، ويفضل أن يكون لفترة قصيرة ثم يوقف حسب إرشاد الطبيب.
4. مضاد الذهان (Antipsychotic): في حالة فشل كل العلاجات السابقة في تحسين حالة المريض، يصف الطبيب مضادات الذهان للسيطرة على الحالة.
اقرأ أيضًا: إدمان المخدرات – كيف أنجو؟
السيروتونين أين يوجد؟ كيمياء السعادة
الوقاية من الاضطراب الوجداني ثنائي القطب
لا يوجد سبيل واضح للوقاية من الإصابة بالاضطراب الوجداني، لكن العلاج المبكر يفيد كثيرًا في تحسن الأعراض والحالة بوجهٍ عام.
هذا بالإضافة إلى أنه يقلل من احتمالية ظهور بعض المشاكل العقلية الأخرى أو عدم تدهورها إن كانت موجودة بالفعل.
إليك بعض النصائح التي يمكن أن تساعدك على السيطرة على الأعراض وعدم تفاقمها:
- انتبه للأعراض قدر الإمكان، وأخبر طبيبك الخاص إذا شعرت ببداية نوبات الاكتئاب أو الهوس.
- تناول أدويتك بانتظام وتجنب التوقف عن أيٍ منها من تلقاء نفسك إلا بعد الرجوع إلى الطبيب حتى لا تعاني أعراض الانسحاب أو تجعل الأعراض تسوء.
مسار مريض الاضطراب ثنائي القطب
يتابع الطبيب أعراض المريض ويقيم استجابة المريض للعلاج، بناء على هذا يمر المريض بالمسارات التالية:
الاستجابة Response
تعني استجابة حالة المريض للعلاج وتحسن الأعراض مما يشجع على استكمال رحلة العلاج بنفس الخطة، وتقيم حسب مخططات وعلامات يجريها الطبيب.
تخفيف المرض Remission
أي اختفاء الأعراض أو بقاء أعراض ضئيلة لكل من الهوس والاكتئاب لمدة أسبوع على الأقل.
خمود المرض المتواصل والتعافي Sustained remission or recovery
يكون المريض بلا أعراض تمامًا سواء من الهوس أو الاكتئاب لمدة تتراوح من 8 إلى 12 أسبوعًا متتابعًا، ثم تستمر حالة خمود المرض وتنتهي الأعراض تمامًا وهو الهدف من العلاج.
انتكاسة الاضطراب الوجداني ثنائي القطب Relapse
تعرف انتكاسة الاضطراب الوجداني ثنائي القطب بعودة ظهور أعراض للمرض في أثناء فترة خمود المرض وقبل الوصول للتعافي الكامل.
أما عودة المرض Recurrence فتعني ظهور نوبة جديدة من الاكتئاب الكبير Major Depression.
تحتاج الانتكاسة والعودة إلى التعامل مع مريض الاضطراب الوجداني بحرص وإعادة تقييم الحالة مع الطبيب المختص لبحث أسباب الانتكاسة وتعديل خطة العلاج مرة أخرى.
الفرق بين الاضطراب الوجداني والفصام الوجداني
يتساءل كثير من الناس “ما الفرق بين الفصام الوجداني والاضطراب الوجداني”، وللإجابة عن هذا السؤال نشير إلى الفرق بينهما كالتالي:
الاضطراب الوجداني هو حالة عقلية يعاني الفرد فيها من تقلباتٍ مزاجية شديدة بين نوبات الاكتئاب ونوبات الهوس.
بينما الفصام الوجداني هو مرض عقلي يفقد فيه المريض اتصاله بالواقع فيبدأ في الشعور ببعض الهلاوس والضلالات، مثل: سماع أصوات أو رؤية أشياء غير حقيقية.
الملخص
مرض الاضطراب الوجداني هو مرض عقلي لا يستقر فيه المريض على حالة مزاجية معينة، فهو في حالة من الهوس والسعادة، ثم يعقبها الاكتئاب الذي يصل به إلى أفكار انتحارية. يحتاج هذا المرض التعامل مع مريض الاضطراب الوجداني ثنائي القطب بحرص ومن خلال الطبيب المختص، وما أن يشخص بطريقة صحيحة، يصبح العلاج أسهل.
قد يهمك: الاستخفاف والاستهزاء بالآخرين