الاكتئاب المبتسم | أُخفي أحزاني خلف ابتسامتي.

في صباح الحادي عشر من أغسطس عام 2014، أُعلِن خبر انتحار الممثل الكوميدي الشهير روبين وليامز،
أحد أشهر ممثلي هوليوود، والحاصل على جائزة الأوسكار.
مثَّل الخبر صدمة كبيرة لجمهوره ومحبيه على مستوى العالم، فلم يكن يتوقع أحد تلك النهاية التعيسة للشخص الذي عاش يرسم الضحكة على وجوههم سنوات عديدة!
لم يكن وليامز فقط من ضمن المشاهير الذين قرروا وضع حدٍّ لحياتهم، فمارلين مونرو وداليدا وتشستر بنينغتون وغيرهم، اختاروا أيضًا نفس النهاية!
فما الذي يجعل هؤلاء يقبلون على مثل هذا القرارات، برغم النجاح والشهرة والحياة المترفة والمال الوفير؟!
لماذا لم ينقذهم كل ذلك من الوصول إلى الثقب الأسود للاكتئاب حيث لا رجعة إلى الأبد؟!
في هذا المقال نسلط الضوء على مفهوم الاكتئاب المبتسم، والفرق بينه وبين الاكتئاب المعتاد، والدوافع وراء الإصابة بهذا الاضطراب، وأهم الأعراض المميزة له.
فتابع معنا القراءة…
ما المقصود بالاكتئاب السعيد؟
إذا سألتك ببساطة ما هو تخيلك عن الشخص المصاب بالاكتئاب، فإنه في غالب الأمر ستفكر في شخص مصاب بحزن شديد، وينام معظم يومه، ويبكي كثيرًا.
لكن، برغم أن تلك الأعراض هي الشائعة لمريض الاكتئاب، فإن هناك وجهًا آخر له على النقيض تمامًا.
وهو ما يُطلَق عليه الاكتئاب المبتسم، وفيه يستطيع المصاب بالاكتئاب التظاهر بالسعادة، والاختباء وراء ابتسامة زائفة لإقناع الآخرين بأنه سعيد وراضٍ.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
علامات وأعراض الاكتئاب المبتسم
على الرغم من قدرة الشخص المصاب بالاكتئاب المبتسم على إخفاء مشاعره، فإنه بداخله قد يعاني الأعراض الشائعة في الاكتئاب المزمن، مثل:
- تغيرات في الشهية إما بالزيادة أو النقصان، يصحبها تغيرات بالوزن.
- تغيرات في النوم، فقد يعاني بعض المصابين الأرق وعدم القدرة على النوم، وآخرون يقاومون من أجل النهوض من الفراش.
- فقدان الرغبة بالقيام بالأنشطة المعتادة.
- سيطرة مشاعر اليأس والحزن العميق والإحباط وتدني احترام الذات.
قد يظهر على الشخص بعض أو ربما كل هذه الأعراض السابقة بين الحين والآخر، ولكن غالبًا تجد المصاب بالاكتئاب المبتسم:
- شخصًا نشيطًا ومبتهجًا.
- يتمتع بقدر عالٍ من التفاؤل والأمل.
- يتمتع بحياة اجتماعية ومهنية وأسرية مستقرة.
نظرًا للنشاط العالي لهؤلاء الأشخاص، فقد يكون خطر الانتحار أعلى بكثير من الذين تظهر عليهم علامات الاكتئاب المزمن، وأولئك الذين قد لا يملكون الطاقة الكافية لتنفيذ الفكرة وإن جالت بخاطرهم!
ما هي الدوافع وراء إخفاء مشاعر الاكتئاب؟
هناك بعض الأسباب التي تدفع الشخص لإخفاء اكتئابه، نذكر بعضًا منها فيما يأتي:
- الحرص على مشاعر الآخرين
الأشخاص الذين اعتادوا على رعاية غيرهم، قد يجدون صعوبة في إظهار ضعفهم أو طلب العون، خوفًا من التسبب بإرهاق الآخرين.
الأم التي اعتادت طوال حياتها رعاية أبنائها وزوجها، وتحمل مسؤولية البيت والأسرة، ربما تعاني بعض الاكتئاب خاصة في حالة فقدان شريك حياتها وابتعاد الأبناء عنها.
قد لا تبوح هذه الأم بمشاعر الاكتئاب والحزن الشديد؛ لأنها لا تريد أن تثقل كاهلهم بمشكلاتها، وتفضل الابتسام وإخفاء حزنها!
للمزيد اقرأ عن: كيف تتغلب على الشعور بالوحدة بعد زواج الأبناء ؟
- الخوف من التسريح الوظيفي

يخشى بعض الأشخاص على حياتهم المهنية إذا عُرف بأنهم مصابون بالاكتئاب؛ فيشعرون بالقلق من أن صاحب العمل قد يشكك في قدرتهم على القيام بعملهم بالشكل الأمثل.
فيصبح الحل الأمثل من وجهة نظرهم الاختباء وراء الابتسامة والتظاهر بأن كل شيء على ما يرام!
- الأشخاص المثاليون
دائمًا ما يريد الساعي للكمال أن يكون الأفضل، لا يقبل إلا القمة في كل شيء، وتجده يتقن بشدة فن الظهور بأحسن صورة.
ونتيجة لذلك فإن الإعتراف بالاكتئاب يعني أن حياته أقل من الكمال، وهذا الشعور لا يمكنه تحمله مطلقًا، لذا ربما يلجأ إلى إنكار مشاعره الحقيقية خلف ابتسامة زائفة.
- الشعور بالذنب
يرى بعض الأشخاص عدم وجود داعٍ للاكتئاب ما داموا يتمتعون بحياة طيبة ومستقرة على المستوى المهني والأسري والاجتماعي.
ويلومون أنفسهم على مشاعر الضيق أو الاكتئاب ظنًا منهم أنهم في حال أفضل من غيرهم، لكن من المؤكد أن الاكتئاب لا علاقة له بالمستوى المادي أو الاجتماعي.
اقرأ أيضًا: الشعور بالذنب – منبه داخل عقلي لا يكفُّ عن الرنين.
- الخوف من الاستغلال
يظن بعض الأشخاص أن إظهار الضعف ربما يُستخدَم وسيلةً للضغط عليهم، فربما يستغلهم آخرون إذا علموا نقطة ضعفهم، لذا فهم يدعون القوة والصلابة بدلًا من المواجهة وطلب العون.
- وسائل التواصل الاجتماعي

تعطي وسائل التواصل الاجتماعي تصورًا زائفًا عن السعادة، تظهر عشرات الصور المليئة بالسعادة يوميًا أمام كل شخص يتصفح هاتفه.
فيتولد بداخل الشخص اعتقاد أنه الوحيد الذي يعاني مشكلة وربما يدفعه هذا الشعور إلى التصنع وادعاء السعادة حتى يهرب من إحساس الوحدة.
تشخيص الاكتئاب المبتسم
لا يوجد اختبار بعينه يسمَّى “اختبار الاكتئاب المبتسم” ولكن هناك تقييم شامل لتصنيف الاكتئاب.
سيطرح عليك المعالج النفسي بعض الأسئلة المتعلقة بحالتك المزاجية وسلوكك وأنشطتك اليومية، وسيطلب منك التاريخ المَرضي النفسي الخاص بعائلتك.
يُشخص المريض بالاكتئاب إذا استمرت حالة الحزن العميق باستمرار على مدار اليوم، ولمدة أسبوعين متتاليين على الأقل.
للمزيد اطلع على المقال التالي: اختبار الاكتئاب.
علاج الاكتئاب المبتسم

يوصى بتحديد موعد مع متخصص الصحة النفسية في أسرع وقت ممكن لإجراء التقييمات الخاصة بالاكتئاب وتحديد الخطة العلاجية المناسبة.
تشمل خيارات العلاج ما يأتي:
- تغيير نمط الحياة
- العلاج النفسي
- العلاج بالأدوية
تتضمن التغييرات في نمط الحياة: الانتباه إلى نظامك الغذائي، وممارسة التمارين الرياضية وتمارين التنفس والاسترخاء، والالتزام بنظام غذائي صحي.
اقرأ عن: العلاج الغذائي للاكتئاب | بين العلم والخرافة.
يتضمن العلاج النفسي أو ما يسمى بالعلاج المعرفي السلوكي القدرة على التحكم في أفكارك وسلوكاتك ومعرفة السبب الحقيقي وراء هذه المشاعر.
أما العلاج بالأدوية فيشمل وصف أدوية مضادات الاكتئاب مثل: مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية،
التي ترفع مستوى هرمون السيروتونين الذي يحسِّن حالتك المزاجية.
وتذكر أن الأمر سيستغرق وقتًا حتى تشعر بتحسن، فلا تستسلم واستمر على أدويتك كما وصفها لك الطبيب،
ولا تتوقف عن استخدامها من تلقاء نفسك؛ تجنبًا لأي آثار جانبية محتملة.
يمكنك قراءة المقال الآتي: التأثير المتوقَّع لمضادات الاكتئاب في الفترة الأولى.
وختامًا… لا يعد الاكتئاب السعيد تشخيصًا تقنيًا يستخدمه علماء النفس، بل هو مصطلح يستخدم لوصف الأشخاص الذين يخفون أعراض الاكتئاب لديهم وراء ابتسامة، ويبدون مبتهجين ونشيطين طوال الوقت.
يصيب الاكتئاب أكثر من 264 مليون شخص من جميع الأعمار حسب تقديرات منظمة الصحة العالمية،
وهو ليس مجرد حالة حزن عرضية، بل حالة مستمرة لمدة أسبوعين متتاليين على الأقل.
يخفي الناس اكتئابهم لعدة أسباب؛ إما خشية فقدان الوظيفة، أو لاعتقادهم أن الاكتئاب سيزول إذا تظاهروا بالسعادة،
وإما لا يريدون أن يثقلوا على الآخرين، وإما ببساطة لا يدركون أنهم مكتئبون.
ونظرًا لأن المصابين بالاكتئاب المبتسم لديهم القدرة على الذهاب للعمل، والقيام بالأنشطة المعتادة، فقد يكون لديهم الطاقة للتخطيط وإنهاء حياتهم بالانتحار.
لذا لا تقلل أبدًا من أهمية تلميحات الشخص عن الانتحار، وكن على تواصل دائم معه واستشر مختصًا.
إذا كنت تظن أن شخصًا ما يحاول إخفاء حزنه وراء ابتسامته، فإن أول شيء ينبغي القيام به هو تقديم القبول والدعم والاستماع دون الحكم عليه.
وذكره باستمرار بأنه ليس بمفرده، وأنه بالعلاج والوقت سيتحسن.
اقرأ أيضًا عن: إقناع شخص بعدم الانتحار| مهمة ليست مستحيلة.