الامتنان | أقدر كل ما تفعله من أجلي!

“أنا ممتنٌ!…
أولًا -وقبل كل شيء- لخالقي الذي وهبني نعمًا لا تعد ولا تحصى.
ممتنٌ لكل من حولي… لكل من قدم لي يد العون يومًا… لكل من اقتطع جزءًا من وقته لكي يسأل عني، ويؤازرني وقت شدتي… لكل من قال لي كلامًا أسعدني… لكل من يهتم لأمري.
وجودكم في حياتي يسعدني، وأقدر كل ما تفعلونه من أجلي.”
الامتنان هو ذاك الشعور الذي يجعلنا نقدر كل ما منحنا إياه رب العالمين؛ من صحة وعافية، وعلم وأخلاق، وأهل وأصدقاء.
كل تلك الأمور التي يعدها بعضنا مسلمات في حياتهم، هي -في الحقيقة- نعمٌ تستحق إظهار الشكر والعرفان لله.
وكما علمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حديثه الشريف: “لا يشكر اللهَ من لا يشكر الناس”، فإن إظهار التقدير لما يقدمه الآخرون لنا يعد ضرورة حياتية، تحسن من علاقات البشر بين بعضهم بعضًا، وتديم بينهم المودة وصنائع المعروف.
في هذا المقال، سنتعرف أكثر إلى شعور الامتنان، وما يعنيه في حياتنا، وكيف يمكن أن يؤثر في صحتك النفسية ويجعلك سعيدًا.
ما هو الامتنان ؟

الامتنان في علم النفس هو الشعور بالبهجة والتقدير تجاه ما يقدمه الآخرون لنا.
على الرغم من أن هذا الشعور في أغلب الأحيان يكون شعورًا عفويًا، لكن الدراسات أثبتت أنه من الممكن تَعَمُّد ممارسة ثقافة الامتنان والتعود عليها؛ لما في ذلك من فوائد عدة شخصية ومجتمعية.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
فالشخص الممتن والمقدر لجهود غيره في حياته، دائمًا ما ينظر إلى الحياة نظرة إيجابية محملة بالأمل والتفاؤل، وغالبًا ما يكون أيضًا من محبي تقديم الرعاية والعون للآخرين ومساعدتهم عند الحاجة.
كذلك يحسن الشعور بالامتنان من مزاجك ويجعلك سعيدًا، لأن أول خطوة فيه هي إدراكك أنك قد حصلت على أمر جيد يستدعي منك الشكر والعرفان.
كما يؤثر تعبيرك عن امتنانك وتقديرك في نفسية الشخص الذي قدم لك الخدمة، فتكون بذلك قد أثرت إيجابيًّا في حياته،
وربما غيَّرت يومه للأفضل.
تأثير الامتنان في الصحة النفسية
أُجريت -حديثًا- العديد من الدراسات والأبحاث في مجال علم النفس لدراسة تأثير الامتنان في تحسين الصحة النفسية،
خاصةً لهؤلاء الذين يعانون من القلق أو الاكتئاب.
في إحدى هذه الدراسات، قُسم المشاركون إلى ثلاث مجموعات:
- المجموعة الأولى: طُلب من كل فرد من أفرادها أن يكتب خطاب شكر وعرفان -كل أسبوع- إلى شخص ما قد ساعده أو أثر فيه إيجابيًّا.
- المجموعة الثانية: طُلب منهم تدوين مشاعرهم السلبية تجاه المواقف المختلفة التي تعرضوا لها.
- المجموعة الثالثة: لم يطلب منهم فعل شيء معين.
لاحظت الدراسة -بعد مرور أربعة أسابيع فقط- تحسن الحالة النفسية والمزاجية لأفراد المجموعة التي اعتادت على كتابة الخطابات مقارنةً بالمجموعتين الأخريين.
ليس هذا فحسب، بل بالتعمق في دراسة نتائج الدراسات المختلفة، وُجد أن الامتنان يؤثر تأثيرًا عظيمًا في عقول البشر وأجسادهم.
كيف هذا؟!
فوائد الامتنان

تستطيع طاقة الامتنان أن تغير -إلى الأفضل- الكثير من معتقداتنا ونظراتنا في هذه الحياة.
على سبيل المثال:
1- تحررنا من المشاعر السامة
في كل مرة تُظهر فيها الامتنان لأحد، فهذا يعني أنك تفكر في الأمور والمشاعر الإيجابية التي تشعر بها تجاه الشخص وما فعله من أجلك، بينما تُنحي جانبًا مشاعرك السلبية تجاه الأمور الأخرى.
إذا اعتدت على فعل ذلك، سيكون بإمكانك رؤية الجانب المشرق من حياتك، وستجد أن النعم التي تحيط بك أكثر من الصعاب والتحديات التي تواجهك، وبهذا تكون حررت نفسك من مشاعر التشاؤم والقلق والإحباط التي تسيطر عليك.
2- تقوي من العلاقات الإنسانية
من لديه القدرة على إظهار التقدير للآخرين، والاعتراف بجميلهم وحسن صنيعهم، يكون أكثر قدرة على المسامحة والتماس العذر.
لذلك؛ فإن علاقاته الشخصية بالآخرين تكون أكثر قوة واستمرارية، مقارنةً بغيره الذي لا يرى غير السيئ فقط في كل شيء.
3- تمنحنا التفاؤل
الامتنان يجعلك تعد النعم والمميزات في حياتك، فتدرك أن الحياة ليست شرًّا محضًا، وأن بها الخير كما بها الشر؛
فيمنحك هذا شعورًا بالتفاؤل والقدرة على تخطي التحديات والاستمتاع بما لديك من منح وهِبات عظيمة.
4- تمنحنا قدرةً على التحكم في النفس
إذا رأيت من أحد ما شيئًا تكرهه، لكنك تعلم أن هذا الشخص لطالما ساعدك وقدم لك الكثير من الإيجابيات،
فإن امتنانك وتقديرك لإيجابياته سيساعدك في التغاضي عن بعض السلبيات التي تراها منه. وبهذا سيكون الامتنان قد ساعدك في السيطرة على نفسك وعلى مشاعرك السلبية تجاهه.
يفيد ذلك كثيرًا في العلاقات الإنسانية التي لا مفر منها، مثل: العلاقة بين شركاء الحياة، أو علاقة الآباء بالأبناء والعكس.
ليس مطلوبًا أن يكون الرضا التام بين طرفي العلاقة هو ديدن تلك العلاقات، بل امتنان كل طرف لوجود الآخر في حياته ولما يراه منه من محاسن وخيرات، وغضه الطرف عما يكره منه هو المطلوب؛ لكي ينعم كلا الطرفين بالهدوء والراحة في علاقتهم.
5- تساعدنا على التمتع بصحة جيدة
إذ يؤثر الامتنان إيجابيًّا في نفسيتك، فيقلل من:
- التوتر والقلق.
- الاكتئاب.
- التشاؤم والنظرة السلبية للحياة.
كل ذلك يساعدك على تحسين صحتك الجسدية كذلك، فيمكنه أن يجنبك:
- تقلبات المزاج.
- صعوبات النوم.
- الالتهابات، والأمراض الناتجة عن الضغط العصبي.
كيف تدرب نفسك على التعبير عن الامتنان ؟

بعد أن استعرضنا فوائد هذا الشعور العظيم في حياتنا، يجب أن نعرف أن التعبير عنه ليس بالأمر الصعب،
وأنه بالتدرب عليه والحرص على ممارسته، سيصبح عادة في حياتك ويعود عليك بالكثير من النفع بلا شك.
نصائح ستساعدك في الشعور بالامتنان والتعبير عنه
- تعد الملاحظة أولى هذه النصائح وأهمها: فعوِّد نفسك دائمًا على البحث عن الجيد في كل موقف يمر عليك.
انظر ماذا استفدت من التجربة -حتى وإن كانت مؤلمة في بعض جوانبها-، ثم تذكر النعم الأخرى العديدة التي تغمرك.
كل ذلك سيمنحك شعورًا بالرضا.
- سجل اللحظات المبهجة والأشياء الجميلة التي تحدث لك كل يوم، واحرص على النظر إليها عندما تواجهك
لحظات صعبة؛ فهذا سيذكرك أن كل صعب سيمر، وسيمنحك شعورًا بالتفاؤل، وسيدربك على الشعور بالامتنان حتى في الأوقات الصعبة.
- احرص على شكر كل من يقدم لك شيئًا -حتى وإن كان هذا واجبه-، مثل: البائع وعامل النظافة وغيرهم.
واجعل الكلمة الطيبة على لسانك دائمًا، ولا تبخل بقولها في أي وقت.
- احرص على رد الجميل لكل من ألهمك أو ساعدك؛ ليس بالضرورة أن تفعل له شيئًا ما بالمقابل،
ولكن عن طريق مساعدتك لغيرك، ونشرك للإيجابيات في محيطك، واعترافك بفضل كل ذي فضل عليك.
في النهاية يا صديقي، تفكر قليلًا كيف ستكون حياتك بدون تلك النعم الكثيرة التي تملؤها، ربما اعتدتها في حياتك
ولم تعد تشعر بأهميتها، لكنك ستدرك -بلا شك- ما تعنيه لك إذا فقدتها.
لذلك؛ احرص دائمًا على تقدير كل ما تملك، وعوِّد نفسك على الامتنان، حتى تنعم بالرضا والسعادة في حياتك.
كالعادة، لا أستطيع قول شيئ إلا إنني ممتنة لك جدًا ولمقالاتك الرائعة. أنا حقًا أشعر بالامتنان والحمدلله ✨?❤️
شكرًا جزيلًا على كلامك الرائع ريان ❤️