مفاهيم ومدارك

البروباغندا.. فن التلاعب بالعقول والشعوب!

«عزيزتي… لم لا تُدخنين السجائر؟! 
ألستِ امرأة حرة وقوية بما يكفي لاتخاذ هذا القرار دون الرجوع إلى أحد؟! 
ألستِ كما يقولون: “Strong independent woman”؟!
ما رأيكِ بتلك الحسناوات اللاتي يظهرن على شاشات التلفاز، ليظهرن قوة شخصياتهن ومدى تحررهن من قيود المجتمع بينما يُدخنَّ السجائر؟!
ألا تتمنين أن تصبحي مثلهن، فتكوني محط إعجاب الجميع؟!»
هذا الأسلوب تحديدًا هو ما استخدمه “إدوارد بيرنيز” -رائد علم العلاقات العامة- ليقنع النساء بالتدخين
لقد دس السم في العسل، وأظهر بروباغندا هائلة للتأثير في المتلقي حتى وإن زُيفت الحقائق!

فما البروباغندا؟

تعريف البروباغندا

هي نشر المعلومات أو الحقائق أو الحجج أو الشائعات المضللة بغرض التأثير في الرأي العام، لدعم مؤسسة أو قضية أو شخص ما، أو بغرض التشويه.

وتعتمد البروباغندا على التلاعب بعواطف الأشخاص باستخدام شعارات رنانة، وصور باهرة، وانتقاء بعض المعلومات دون غيرها.

فالبروباغندا إذًا تعني “الدعاية”، ولكن بإبراز جانب واحد من القضية وكأنه الحقيقة المطلقة. 

لذلك، يراها بعض الناس ضربًا من ضروب الكذب أو الخداع أو التدليس، لأنها أنصاف حقائق وتتسم بالتحيز.

ومع ذلك، يمكن تطويعها في مبادرات إيجابية ولأهداف نبيلة، مثل: الحملات الدعائية للتطعيمات من أجل تحسين الصحة العامة.

البروباغندا السياسية

«اكذب واكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس!» 

قالها وزير الدعاية السياسية في ألمانيا النازية (جوزيف غوبلز)، عندما أراد إقناع الألمان وقتها أن (هتلر) هو المنقذ لهم.

فسياسيًا، يعني مصطلح البروباغندا “الترويج”، إذ تروج النظم السياسية لأفكارها ومبادئها من أجل خدمة أجندتها السياسية.

تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!

لكنك ستفاجأ حين تعلم أن الأنظمة الديمقراطية هي الأكثر استخدامًا للبروباغندا في التأثير في شعوبها! 

بينما تقمع الأنظمة الديكتاتورية مواطنيها وتكمم أفواههم، فلا يستطيعون المعارضة؛ خوفًا من السجن أو النفي… فما الداعي إلى البروباغندا إذًا؟! 

أنواع البروباغندا

البروباغندا البيضاء: 

معلومة المصدر والأهداف، إذ تقدم معلومات أقرب إلى الصواب فتشعر المتلقي بأن صاحب الرسالة هو الطرف الجيد وأن آراءه سديدة.

الهدف منها هو بناء جسور الثقة مع المتلقي ليصبح جاهزًا لاستغلاله لاحقًا.

البروباغندا السوداء:

النوع الأخطر، وهي التي لا يعلم المستقبِل لها جهتها المصدرة، لأنها تكون مجهولة المصدر أو منسوبة إلى مصدر وهمي أو زائف بهدف تلفيق الأكاذيب.

البروباغندا الرمادية:

نوع بين النوعين السابقين، وفيها يختار القائمون عليها الكشف عن جزء من أهدافهم.

أساليب البروباغندا

الشخصيات العامة أو التوصية من المختصين: 

يَستخدم هذا الشكل من الدعاية شخصيات معروفة وذات مصداقية للتأثير في الجمهور المستهدف.

مثل: إعلانات المشاهير التي ينصحونك فيها بشراء منتج محدد مُعددين لك مميزاته وكيف أنك لا تستطيع العيش من دونه.

التخويف:

يعتمد على تخويف الناس لاتخاذ الإجراء المطلوب.

الدعاية الشعبية:

هل شاهدت إعلان (نوتيلا)، وكيف يروج لها بأنها طعام الإفطار المثالي للأطفال والكبار لا مجرد حلوى، وأنها جزء من حياتهم اليومية؟

تلقي هذه التقنية الضوء على الأشخاص العاديين وهم يؤيدون منتجات أو خدمات ما، وكيف أن تجربتهم لها أثرت في حياتهم اليومية.

مهاجمة المنافس:

هل شاهدت إعلان (بيبسي) القديم الذي يظهر فيه ماكينة (كوكا كولا) يقف أمامها طفل لا يستطيع الوصول إلى زر طلب البيبسي، فيطلب عبوتي كولا ويقف عليهما ليصل إلى زر البيبسي فيطلبها ويغادر؛ تاركًا عبوتي الكولا على الأرض؟

تعتمد هذه التقنية الدعائية على إهانة الطرف الآخر، ويؤدي استخدامها عادة إلى بدء حروب العلامات التجارية. 

قد يكون الإعلان بصيغة رقيقة، لكن في بعض الأحيان قد يشتد العداء بين الشركات المتنافسة.

التلميع أو التألق:

هل شاهدت إعلانات السيارات الفارهة التي توحي بأن مقتنيها شخص مميز، فتتمنى أن تمتلك إحداها وتعيش التجربة بنفسك؟

توظف هذه التقنية كلمات براقة وشعارات رنانة لترك أثر عميق في الجمهور المتلقي للرسالة.

التكرار والتكرار:

هل شاهدت إعلانًا معينًا على شاشة التلفاز تكرر أمامك مرات كثيرة وبصيغ مختلفة إلى أن حفظته؟

يعتمد هذا النوع من الدعاية على قوة التكرار، فهو يستهدف ذاكرة الجماهير بوتيرة عالية جدًا، فكلما تكرر الإعلان ترسخ في الأذهان، فيبقى المنتج في بؤرة الاهتمام.

القولبة والتنميط:

تسلط طريقة الدعاية هذه الضوء على الصور النمطية، ثم تعززها أو تحطمها بالرسالة الموجودة في الإعلان.

تقنية الدعاية التحويلية:

مثل دعاية (إدوارد بيرنيز) التي وجهها إلى النساء لتشجيعهم على التدخين.

تعتمد هذه التقنية على تزييف الحقائق وإبراز الإيجابيات من وجهة نظر واحدة لخداع المتلقي والسيطرة عليه.

تقنيات البروباغندا الحديثة

مع التطور الهائل للتكنولوجيا وتصدر مواقع التواصل الاجتماعي، تطورت أساليب الدعاية التقليدية وبدأنا عصر “البروباغندا الرقمية”!

أصبحت الحملات الدعائية خلال وسائل التواصل تتبع أساليب جديدة، من بينها:

الذباب الإلكتروني:

إن كنت أحد “المؤثرين” على مواقع التواصل الاجتماعي ولديك قاعدة من المؤيدين، أو كنت تمتلك المال؛ فبإمكانك تسخير مجموعة كبيرة من الناس للترويج لفكرتك أو رسالتك، وإغراق الإنترنت بها وجعلها محور اهتمام الكثيرين.

غرف الصدى:

تمتلك مواقع التواصل الاجتماعي -مثل: (فيسبوك) و(تويتر)-، وكذلك محركات البحث -مثل: جوجل- خوارزميات تزيد تعرضنا للدعاية والمصادر المتماشية مع طريقة تفكيرنا.

خلق مصادر بديلة للأفكار:

يمكن إنشاء منصات كبيرة وممولة جيدًا تضخ الأخبار بطريقة قوية بحيث تصل إلى الناس في جميع أنحاء العالم.

في الواقع، يمكن أن يصبح شخص واحد مصدرًا بديلًا للأخبار، مثل: حساب (ترامب) -الرئيس الأمريكي السابق- على (تويتر).

التنميط النفسي والإعلانات:

أظهرت دراسة نشرتها الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة الأمريكية قدرة (فيسبوك) على التأثير في مزاج الأشخاص بطريقة دقيقة يمكن التنبؤ بها، بوضع كلمات معينة في المنشورات التي تظهر لهم.

ختامًا، عزيزي القارئ…

عليك الحذر من الاندفاع وراء كل خبر، والحرص على تقصي الحقائق بالبحث العلمي ومقارنة الآراء المقدمة؛ حتى لا تجعل نفسك عرضة للبروباغندا.

اسأل نفسك فقط: ما الهدف من وراء هذه المعلومة التي أتلقاها؟ ومن صاحبها؟ ولماذا يسعى إلى تصدير هذه الفكرة لي؟

بقلم د/ فاطمة نور الدين أحمد

المصدر
11 Types of Propaganda Techniques in Advertising (With Examples)Propagandapropaganda
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى