عاممفاهيم ومدارك

التأقلم مع الواقع (Adaptation) | الرقص تحت المطر!

ليس عليك انتظار العاصفة حتى تنقشع؛ ولكن عليك تعلُّم كيفية الرقص تحت المطر!

كانت تربطني بجدتي علاقة وثيقة، كانت صديقتي وحبيبتي وبئر أسراري، آلمني فراقها كثيرًا، وكأنني سقطت في بئرٍ سحيقٍ.

وعلى الرغم من مرور عدة سنوات على وفاتها، ما زلت أشعر بألم الفراق، ولم أعتد غيابها عن تفاصيل حياتي. 

لا تسير الحياة دائمًا وفق المخططات التي تضعها؛ فقد تتعرض إلى الكثير من الظروف الصعبة، مثل: وفاة شخص مقرب، أو الإصابة بمرض مزمن. 

فماذا تفعل؟!

هل يجب عليك الاستسلام والخنوع؟ أَمْ تقاوم وتكافح لمواجهة هذه الظروف؟ أَمْ أنه من الذكاء أن تتعلم كيفية التأقلم مع الواقع الذي لا يمكنك تغييره؟

سنصحبك -عزيزي القارئ- في السطور القادمة لتتعرف إلى التأقلم مع الواقع، وما هو التأقلم في علم النفس، وسنتطرق أيضًا إلى فن التأقلم، ومهارات التأقلم التي تحتاجها في رحلة الحياة؛ فتابع معنا هذا المقال…

التأقلم مع الواقع (Adaptation)

تتغير الظروف من حولك؛ فالتغيير هو سُنَّة الحياة، ولكن ما الذي عليك فعله؟ هل يجب عليك أن تتغير أنت أيضًا لتواكب تلك التغيرات التي تحدث في حياتك أَمْ تقاوم هذه الظروف؟

يشير التأقلم مع الواقع على قدرة الإنسان على التكيف مع المتغيرات الجديدة والتجارب الحياتية، سواء كانت إيجابية أو سلبية.

فقدرة الإنسان على التأقلم مع الحياة تُعَدُّ جزءًا من نموه العقلي وتطوره المستمر، وهي ضرورية كذلك من أجل الحفاظ على صحته النفسية والجسدية.

تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!

نحن -كبشر- يمكننا التأقلم مع الظروف الصعبة، لأننا قادرون على تعلُّم كيفية التصرف إزاءها، مما يمكننا من مواجهة الكثير من التحديات التي تلقيها علينا هذه الحياة.

ولكن هذا لا يعني أن التأقلم مع الواقع سهل، وخاصة إن كان مؤلمًا؛ فنحن بحاجة إلى التعرف إلى فن التأقلم لكي نجيده.

ولكن، لنتعرف أولًا إلى التأقلم النفسي، ثم لنتحدث عن أنواع التأقلم وأشكاله…

التأقلم في علم النفس

كما سبق وذكرنا، فإن التأقلم يشير إلى قدرة الإنسان على التكيف مع الظروف والتحديات التي تواجهه، وتقبُّل التجارب الجديدة والمعلومات.

ولكن يُعرف التأقلم النفسي بأنه ميل نحو سلوك محدد، أو نمط تفكير معين؛ فهو تلك السمات الوظيفية التي تزيد من قدرة الإنسان على التكيف.

ولذا، يُفسِّر التأقلم النفسي خوفنا من الأفاعي والهروب منها، إذ يساعدنا هذا السلوك على حماية أنفسنا والحفاظ على حياتنا.

كيف يحدث التأقلم مع الواقع في علم النفس؟

وفقًا لنظرية “جان بياجيه”، فإن التأقلم (Adaptation) أحد الوظائف المهمة التي تحدد التطور المعرفي للإنسان.

ويحدث التأقلم مع الواقع بطريقتين:

  • الاستيعاب

يتلقى الإنسان المعلومات من عالمه الخارجي، ويحولها لتتلاءم مع أفكاره ومفاهيمه.

يمتلك الإنسان الكثير من المخططات العقلية والبيانات في دماغه، والتي تُمكِّنه من فهم المعلومات الجديدة.

لذا، عندما تتوافق هذه المعلومات الجديدة مع البيانات الذهنية؛ يَسهُل استيعاب هذه المعلومات بسرعة، ولكن لا تتم هذه العملية بشكل مثالي في مرحلة الطفولة المبكرة.

كيف يحدث التأقلم مع الواقع في علم النفس؟

مثال:قد يرى الطفل الصغير كلبًا لأول مرة، في حين أنه يعرف القطة. لذا، يفترض الطفل -في البداية- أن ما رآه قطة؛ فهو ما يتناسب مع مخططه العقلي والمعلومات الذهنية في دماغه.

ولكن يمكن تصحيح الخطأ من خلال عملية التأقلم الثانية.

  • التكيف

يستوعب الإنسان المعلومات الجديدة من خلال تغيير البيانات العقلية في دماغه لتتلاءم مع هذه المعلومات الجديدة.

وكأنك تحاول إضافة معلومات جديدة إلى قاعدة بيانات الحاسب الآلي، ولكنك لا تجد فئة موجودة مسبقًا لتضيف إليها البيانات الجديدة. لذا، سيتعين عليك إنشاء حقل جديد تمامًا، أو تغيير حقل موجود.

بالنسبة للمثال السابق: سيبدأ الطفل في ملاحظة الاختلافات بين الكلب والقطة، وسوف يستوعب المعلومات الجديدة من خلال إنشاء مخطط عقلي جديد للكلاب، بينما يقوم في نفس الوقت بإجراء تغييرات على المخطط العقلي الحالي للقطط.

بالنسبة للبالغين، عادة ما يكون التكيف أصعب من الاستيعاب؛ فغالبًا ما يقاوم الأشخاص تغيير أفكارهم الخاصة ومعتقداتهم الراسخة. لذا، قد يواجه بعض الأشخاص صعوبة في التأقلم مع التغيير.

أشكال التأقلم مع الواقع

تتغير الأحداث من حولك؛ فقد تفقد شخصًا عزيزًا، أو تعاني الإصابة بمرض مزمن أو خطير، أو تنفصل عن شريك حياتك لتجد نفسك وحيدًا، أو تواجه الكثير من المشاكل والتحديات في بيئة العمل.

وقد نرى التأقلم مع الحياة في عدة أشكال، منها:

التأقلم مع الوحدة

قد تجد نفسك وحيدًا، سواء كنت بالغًا أو لا زلت طفلًا، إذ يعاني الكثير من الأشخاص الوحدة، ولكنهم يخشون التحدث عن ذلك.

أشكال التأقلم مع الواقع

يظن الشخص “الوحيد” أنه غير محبوب، وأن الوحدة وصمة سوف تلاحقه طوال عمره.

ولكن عدم التحدث بحرية عن هذه المشكلة، يزيدها سوءًا، ويعيقك عن اتخاذ خطوات جادة للتغيير أو التأقلم مع الوحدة.

في الواقع، فإن الشعور بالوحدة لا علاقة له بعدد الأصدقاء من حولك؛ فهو شعور ينبع من داخلك، ويعوق تواصلك مع الآخرين.

قد تعينك النصائح التالية على كيفية التأقلم مع الوحدة:

  • توقَّف عن جلد ذاتك، والحكم على نفسك كأنك خاسر. 
  • اعلم حقيقة أن معظم الأشخاص يشعرون بالوحدة في وقت ما.
  • تحميك الوحدة من مخاطر الانعزال، وقد تعينك -أيضًا- على تغيير سلوك معين، حتى تتمكن من التواصل مع الآخرين.

التأقلم مع المرض

يعيش عالمنا الحالي جائحة (كورونا)، واتجه الكثير منا لاتخاذ التدابير الآمنة للحفاظ على نفسه. 

لذا يُعَدُّ استخدامك للكمامات والكحول والمطهرات، واعتماد مسافة آمنة بينك وبين الآخرين، أحد صور التأقلم مع المرض.

عندما يُصاب الإنسان بمرض مزمِن؛ فإنه يستجيب بأحد الطُرُق التالية:

  • الاستسلام والاكتئاب واعتزال الآخرين. 
  • تعلُّم كيفية التأقلم مع المرض.

تشمل مهارات التأقلم مع المرض:

  • التوقف عن لوم نفسك.
  • التعرُّف على مرضك.
  • التخلِّي عن التوقعات.
  • عدم البقاء وحيدًا، والتواصل مع الآخرين.
  • تعلُّم كيفية التعايش مع ألمك.

التأقلم مع بيئة العمل

العمل ليس دائمًا مكانًا ورديًا؛ فقد تواجهك الصفعات في مكان العمل من المحيطين بك، أو قد تواجه ضغوط العمل، والتحديات اليومية التي يكلفك بها مديرك.

لذا يجب أن تكون إيجابيًا، وتتعلم كيفية التأقلم مع الظروف الصعبة التي تواجهها في العمل.

هناك بعض مهارات التأقلم مع بيئة العمل، نذكر منها:

  • كُنْ مرنًا في التعامل مع الآخرين. 
  • تعلَّم كيفية التأقلم مع متغيرات العمل.
  • كُنْ متعاونًا مع الآخرين.
  • كُنْ مستمعًا جيدًا.
  • كُنْ مستعدًا لارتكاب الأخطاء، والتعلم منها.
  • تعلَّم من زملائك.
  • حقِّق التوازن في حياتك.

يساعدك التأقلم مع بيئة العمل في أن تصبح موظفًا أفضل، ويؤهلك إلى الترقي في العمل، كما يساعدك على حل مشكلات العمل.

التأقلم مع التغيير

تتغير الظروف من حولنا، وقد يكون هذا التغيير سلبيًا أو إيجابيًا، وقد يجد بعض الأشخاص صعوبة في التأقلم مع التغيير.

لذا فإنك تحتاج إلى تعلُّم فن التأقلم مع التغيير: 

  • إن كان التغيير إيجابيًا، فاسعد به، ولا تُكثِر من التفكير إن كنت تستحقه أو لا، فقط كُنْ إيجابيًا.
  • إن كان التغيير سلبيًا، فلا تلُم نفسك وتقسُ عليها.
  • عندما يلوح تغيير سلبي في الأفق، ابدأ في البحث عن بدائل، وفكِّر في حلول -إن أمكنك ذلك.
  • تحمَّل المسؤولية تجاه تعلُّم كيفية التأقلم مع التغيير، ولا تتهرب منها.
  • إن كنت تواجه تغييرات هائلة في وقت واحد، فلا داعي لأن تتعامل معها وحدك؛ تحدث مع المقربين منك، واطلب الدعم منهم.
  • قد يصعب التعامل مع التغييرات العاطفية، ولكن حاول أن تكون موضوعيًا، وخذ الوقت المناسب الذي تحتاجه لمعالجة مشاعرك.

لقد أصبح عالمنا سريع الحركة، وقد تتغير الظروف بسرعة كبيرة. فإن كنت شخصًا يكره التغيير، فلا بأس، ولكن تعلَّم كيفية التأقلم مع الواقع.

وفي النهاية، اِعلمْ جيدًا أن الشجاعة ليست أن تزمجر بصوتٍ عالٍ، ولكن قد تكون هي ذلك الصوت الهادئ الذي يقول: “لا بأس، سأحاول غدًا مرة أخرى”.

فقد تحتاج بعض الوقت لكي تتقن فن التأقلم مع الواقع؛ فهو جزء من طبيعتنا الإنسانية.

المصدر
Adaptation for Coping With ChangeWHAT IS ADAPTATION?Accepting LonelinessAdapting to Change8 Ways to Live With a Chronic IllnessAdaptability in the Workplace: Benefits and Importance
اظهر المزيد

د. أمل فوزي

أمل فوزي، صيدلانية، أعمل في الهيئة القومية للرقابة والبحوث الدوائية. أعشق الكتابة، وأجيد البحث، أستمتع بكتابة المقالات الطبية بأسلوب سلس وبسيط، هدفي الارتقاء بمستوى المحتوى الطبي العربي، ونشر العلم من مصادره الموثوقة لينتفع به القارئ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى