هل التشاؤم مرض نفسي؟!

“البومة!”…
هذا هو اللقب الذي أطلقه عليَّ زملائي في العمل…
بالطبع لا ينادونني به، ولكن أسمعهم يتهامسون: “ها قد جاءت البومة…”، “أرأيت تلك البومة كيف أفسدت فرحتنا…”، وهكذا.
ولكنني لا أبالي بآرائهم؛ فأنا شخصية واقعية، و… هل أنا حقًا متشائمة؟!
اتصلت بي صديقتي الوحيدة منذ عدة أشهر، وأخبرتني بضرورة استشارة طبيب نفسي؛ كي يساعدني على التخلص من التشاؤم الذي يخيم على حياتي…
وهنا ضحكت كثيرًا، وكان ردي عليها: “وهل التشاؤم مرض نفسي؟!”…
فأنهت صديقتي حديثها بضرورة خلع تلك النظارة السوداء التي أنظر للحياة من خلالها، وأن كوني واقعية لا ينبغي أن يجعلني بالضرورة متشائمة لتلك الدرجة…
هل أنا حقًا متشائمة؟
أنا أخشى توقع الأشياء اللطيفة والأحداث السعيدة، حتى لا أتأثر حين تقسو عليَّ الحياة بضغوطاتها وتحدياتها، وأجد أن توقع الأسوأ هي الطريقة المثلى للحياة، بل الأذكى في مواجهة تحدياتها وصعوباتها…
يا إلهي! أنا بالفعل متشائمة… سأستشير طبيبًا نفسيًا فورًا… ولكن هل التشاؤم مرض نفسي؟!
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
دعنا نتحدث في هذا المقال عن التشاؤم وأعراضه والأضرار الناجمة عنه، وسنتطرق إلى علاج التشاؤم، وسنجيب -بالطبع- عن سؤالنا “هل التشاؤم مرض نفسي”؛ فتابع معنا هذا المقال.
لنتعرف -أولًا- إلى التشاؤم قبل الإجابة عن هذا السؤال “هل التشاؤم مرض نفسي؟”.
التشاؤم
التشـاؤم هو تلك النظرة السوداوية التي يرى الإنسان حياته وتجاربه من خلالها، وهو -أيضًا- تلك الأفكار السلبية التي تحتل عقل الشخص المتشائم ليتوقع الأسوأ دائمًا.
فالتشاؤم هو نصف الكوب الفارغ…
يميل الإنسان المتشائم إلى توقع أسوأ النتائج الممكنة في كل المواقف غير المؤكدة؛ فهو دائمًا يرى الجانب المظلم -فقط- لكل موقف.
تعد تلك النظرة السوداوية والمتشائمة تحديًّا صعبًا للمحيطين بالشخص المتشائم…
وبينما يراه الآخرون شخصًا متشائمًا يهوى التفكير السلبي وتعقيد الأمور وتوقع السيناريوهات الأسوأ، يرى الشخص المتشائم -نفسه- شخصًا واقعيًا، وأنه ينظر للحياة من زاوية أعمق…
ولكن، هل التشاؤم مرض نفسي أم سمة شخصية؟
هل التشـاؤم مرض نفسي؟

التشاؤم ليس مرضًا نفسيًّا، ولكنه يعد أحد أنماط التفكير التي ينتهجها بعض الأشخاص الذين يميلون إلى اجترار الأفكار السلبية، وتوقع الأسوأ يوميًا.
ولكنه -مع الأسف- قد يؤدي إلى الإصابة بالعديد من الاضطرابات النفسية.
يؤثر التفكير السلبي المتواصل، والانغماس في تلك الأفكار والمشاعر السلبية، والسماح لتلك النظرة السوداوية بالسيطرة على عقولنًا سلبًا في صحتنا النفسية والجسدية.
ومن ثَمَّ تنعكس تلك الأفكار المتشائمة والمشاعر السوداوية على سلوكاتنا…
عادة ما يؤدي العبوس والتشاؤم والتفكير السلبي المتواصل إلى الإصابة بنوبات القلق والاكتئاب، إضافة إلى صعوبات في النوم، وغيرها من المشكلات الصحية الأخرى.
والآن بعد الإجابة عن سؤالنا: “هل التشاؤم مرض نفسي؟”…
هل تشعر -الآن- بالحيرة؟! ولا تدرك الفرق بين كونك شخصًا واقعيًا وبين كونك شخصًا متشائمًا؟.
أعراض التشـاؤم
هل تميل إلى العبوس والتشاؤم؟ أم أنك شخص واقعي؟… أحجية يعجز عن حلها الكثير من المتشائمين؛ فهم يظنون أنهم الأفضل إثر توقعهم للأشياء السلبية، واستعدادهم النفسي لذلك.

ومن أمثلة أعراض التشاؤم التي تشير إلى استحواذ تلك الأفكار السوداوية على عقلك:
- الشعور بالدهشة عندما تسير الأمور على نحو جيد.
- التركيز على التفكير السيئ فقط، والانشغال به عن التفكير في حل المشكلات.
- التفكير المتواصل بأن المخاطر تفوق الفوائد.
- عدم السعي وراء الأهداف؛ وذلك بسبب ظنك بأنك لن تنجح أبدًا.
- تدني احترام الذات، والتقليل من قدراتك الشخصية وإمكاناتك.
- التفكير المتواصل في العيوب الشخصية ونقاط الضعف، وغض الطرف عن نقاط القوة، وطرق تعزيزها.
- الانزعاج من تفاؤل الآخرين وسعادتهم.
- التفكير بأن الأشياء الجيدة والأحداث السعيدة لها نهاية، ولن يبقى إلا الأشياء السيئة والتجارب الحزينة.
- الرغبة في التعايش مع الوضع المظلم الراهن عوضًا عن التفكير في كيفية تغيير مجريات الأمور نحو الأفضل.
أضرار التشـاؤم
التشاؤم لا يأتي بخير، وهو ليس سمة شخصية يتطلع البشر إلى التحلي بها؛ فنحن نحتاج إلى الأمل كي يعيننا في رحلة الحياة.
وتشمل أضرار التشاؤم:
- اجترار الأفكار السلبية الذي يضر بالصحة
رجَّحت إحدى الدراسات زيادة معدل الإصابة بالاكتئاب لدى السيدات اللاتي ينغمسن في مشاعرهن السلبية وأفكارهن السوداوية.
- الإصابة بالاكتئاب والقلق
لا يخفى علينا أن التفكير السلبي المتواصل يؤدي إلى الإصابة بالقلق والاكتئاب…
تخيَّل معي معاناة شخص لا يجيد سوى التفكير السلبي، واجترار الأفكار السيئة، وتوقع أسوأ السيناريوهات، وكيف تؤثر تلك الأفكار والسلوكات في صحته النفسية؟
بالطبع، تؤدي تلك الأفكار السلبية والمشاعر السوداوية إلى إصابته بالقلق، وتدهور حالته النفسية، وسيطرة مشاعر الحزن واليأس والإحباط عليه؛ وهو ما يجعل الاكتئاب هو النهاية الحتمية لتلك المشاعر المدمرة.
- مشكلات صحية أخرى
لا تقتصر أضرار التشاؤم على تلك الآثار النفسية فقط، ولكنه يؤثر سلبًا في الصحة الجسدية لمن يتخذ التشاؤم نهجًا لحياته.
يزيد التشاؤم من مستويات التوتر والإجهاد في الجسم؛ ولذا يعاني الكثير من المتشائمين ارتفاع ضغط الدم، والعديد من المشكلات القلبية، إضافة إلى كونهم أكثر عرضة للوفاة من جراء تلك الضغوط النفسية.
- عدم القدرة على التأقلم
يميل الشخص المتشائم إلى توقع السيناريوهات الأسوأ، ولكنه يفتقر إلى مهارات التأقلم مع الواقع، بل يستسلم لتلك النظرة السوداوية…
وينتهي الأمر بالشعور بعدم الرضا عن تلك الحياة، والانزعاج من سعادة الآخرين ونجاحاتهم؛ ولذا يعاني الشخص المتشائم أيضًا:
- العزلة الاجتماعية.
- الضغط العصبي.
- انخفاض مستوى الرفاهية.
ولعلك تفكر الآن “كيف يمكننا التخلص من التشاؤم؟”…

علاج التشـاؤم
هل مللت من الإشارة لك بأنك شخص متشائم أو “بومة”؟!
هل تود حقًا أن تخلع تلك النظارة السوداء التي تؤثر في نظرتك للحياة؟
هناك بعض الخطوات التي عليك اتباعها لتساعدك على التخلص من التشاؤم، ونذكر منها:
- تخلَّص من التفكير السييء
يعاني بعض الأشخاص تشوهات معرفية…
والتشوه المعرفي هو تلك الأفكار السلبية التي تؤثر في نظرتك إلى الحياة بما لا يتماشى مع الواقع.
فالأمر يشبه تحدي الأفكار التشاؤمية غير الواقعية…
مثال: عندما يظن شخص ما أن لا أحد يحبه! بالطبع عليه تحدي تلك الفكرة غير الواقعية المدمرة؛ فلا يوجد شخص لا يحبه أحد.
- اكتب قائمة بالإيجابيات والسلبيات
ينبغي لك عند مواجهة موقف ما، أن تكتب قائمة بالإيجابيات والسلبيات، فلا تكتفِ بالانغماس في الجانب المظلم فقط.
عليك أن تدرك أنك تحتاج إلى رؤية الجانب المشرق جنبًا إلى جنب مع ذلك الجانب المظلم.
واجعل شعارك “نأمل في الأفضل، ولكن نخطط للأسوأ”؛ وهو ما يتيح لك إيجاد خطط بديلة للتعامل مع كل ما هو غير متوقع.
- فكِّر قبل أن تتحدث
تنفَّس بهدوء… استغرق دقيقة في التفكير لمعالجة تلك الأفكار التي تسيطر على دماغك…
فكِّر فيما تقوله أو تفعله قبل أن تهم به.
وعليك أن تدرك أن كلماتك وأفعالك ما هي إلا انعكاس لأفكارك…
- كن ممتنًا
يمكنك أن تدوِّن تلك الأفكار السوداوية والمشاعر السلبية التي تستحوذ على عقلك، وتذكَّر -أيضًا- التجارب الجيدة والمواقف السعيدة والنجاحات التي ينبغي لك الامتنان لها.
وعليك أن تدرك أن الحياة لا تسير في اتجاه الأسوأ فقط؛ فبالطبع، هناك بعض المواقف والتجارب التي عليك تذكرها لتكون ذخرًا لك في المواقف السيئة.
- تأمَّل الماضي
تذكَّر كم مرة توقَّعت فيها السيناريوهات الأسوأ؟ وكم مرة تحققت تلك التوقعات السوداوية؟…
وتذكر كم مرة مرت الأمور على خير؟…
- كل مُر سيمر
تذكَّر تلك الحقيقة؛ فكل مُر سيمر…
ولذا، لا تنهك نفسك بالتفكير المتشائم، واجترار الأفكار السلبية… لا تحرق روحك!
وعليك أن تدرك أنه شتَّان بين توقع الأمور السيئة لحلها والاستعداد لها، وتوقع السيناريوهات الأسوأ والاستسلام لها…
- كن قادرًا على التحدي
عليك أن تدرك أن تحديات الحياة ليس من المفترض أن تشل حركتك، ولكنها الوسيلة التي تساعدك على اكتشاف من أنت.
ولذا، عندما تُقبِل على أداء مهمة كبيرة، لا تستسلم إلى العبوس والتشاؤم واليأس، ولكن يمكنك تقسيم تلك المهمة الكبيرة إلى العديد من المهام الصغيرة التي يسهل عليك إنجازها.
وتذوَّق طعم النصر عند نجاحك في أداء كل مهمة من تلك المهام الصغيرة…
هل التشاؤم مرض نفسي؟
لا، ولكنه يضر بصحتك النفسية والجسدية؛ وهو ما قد يؤدي إلى إصابتك بالعديد من الأمراض النفسية.
إذ يجعل التشاؤم المواقف العصيبة تبدو أسوأ مما هي عليه في الواقع؛ فلا تستسلم… وعليك اتباع النصائح -السابق ذكرها-؛ لتعينك على التخلص من التشاؤم…
ولكن، إن كانت تلك النظرة السوداوية المفرطة تضر حياتك الاجتماعية والعملية؛ فلا تتردد في استشارة الطبيب؛ كي يساعدك على علاج التشاؤم.