التشتت | كيف تحمي نفسك من التشتت؟

– “لقد نجوت اليوم -بفضل الله- من حادث على الطريق. لم أكن منتبهًا للسرعة؛ فكدت أنقلب بسيارتي.
أنظر لإرشادات الطريق ولكني لا أراها!
كنت أشعر وكأن عقلي لا يعي ما يراه، أو لا يستطيع ترجمة ما يشاهده إلى معلومات!
لا أخفيك سرًا…
فقد كنت أتحدث عبر هاتفي، وأستمع إلى نشرة الأخبار في المذياع، وأفكر في مقابلة أحد العملاء للاتفاق على صفقة جديدة.”
– “حفظك الله يا صديقي، يبدو أن لا بد لنا من البحث عن كتابٍ بعنوان (كيف تحمي نفسك من التشتت؟)!
فأنا مثلك، قد جاءت تقديراتي ضعيفة وكدت أن أرسب في إحدى المواد الدراسية.
يتطاير مني الوقت كالدخان، ولا أجيد إدارته!
لا ألبث أن أذاكر حتى يرن جرس هاتفي فأجيبه…
ثم أرى إشعارًا أن (ليفربول) قد أحرز هدفًا؛ فأهرول إلى التلفاز لأشاهده، فتثيرني المباراة لأكملها حتى النهاية.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
وفي طريقي لاستئناف المذاكرة أشعر بالجوع؛ فأذهب إلى المطبخ لإعداد بعض الطعام.
ولا يحلو الطعام إلا بمشاهدة حلقات برنامجي المفضل على (اليوتيوب)، ثم يغلبني الصداع فأنام.
كل هذا والكتاب لا يفارق يدي، لكني أنظر إليه ولا أراه -مثلك تمامًا-، كأن عقلي لا يستطيع معالجة ما به من معلومات!”

عزيزي القارئ، ربما سمعت حديثًا مشابهًا من قبل، أو ربما تكون أنت أحد هؤلاء.
على أية حال، إذا كنت ترغب في زيادة تركيزك، وتريد أن تعرف كيف تحمي نفسك من التشتت الذهني، وما هو علاج العقل المشتت؛ تابع القراءة لتبلغ مقصدك.
يكتظ العالم من حولك بالمؤثرات والمشتتات المختلفة: أضواء براقة، وأصوات صاخبة، رسائل ومحادثات، وصور وفيديوهات، نظرات خاطفة ومشتتة هنا وهناك…
كيف يستقبل عقلك كل هذا الضجيج؟!
في الحقيقة، لا يستطيع عقلك معالجة هذا الكم الهائل من المعلومات والمؤثرات التي يستقبلها كما تفعل أجهزة الحاسوب.
وإنما يفحص العقل بعضها فقط، ويحاول التخلص من الباقي؛ ليتجنب الحمل الزائد والضغط، وتزاحم الكم الهائل من المعلومات.
من ناحية أخرى، قد يتوقف جهاز الحاسوب عن الاستجابة تمامًا إذا زاد الحمل عليه، وكثرت الأوامر المتلقاة.
وجسمك أيضًا يحاول تنبيهك أن الضغط قد زاد على عقلك، وأنه لم يعد يعمل بمعدله الطبيعي كبقية وظائف الجسم.
وتخرج هذه التنبيهات في صورة الصداع والقلق وزيادة معدل ضربات القلب، وكلها آفات أصبحت سمة لعصرنا الحالي.
ما هو التشتت ؟
هو عملية صرف الانتباه عن الأمور الجديرة بالتركيز والاهتمام؛ فينتج عنه منع استقبال المعلومات المرغوبة أو تقليله.
بعض أسباب التشتت الذهني
- فقدان الشغف بالأمر موضع الاهتمام.
- كثافة المستقبلات أو كثرة المعلومات المتلقاة.
- الجاذبية لشيء آخر غير موضوع الاهتمام.
اقرأ أيضًا: أسباب التشتت وعدم التركيز عند الأطفال
عوامل التشتيت الذهني
هناك عوامل تشتيت خارجية، مثل: المؤثرات الصوتية والمرئية، والتفاعلات الاجتماعية، والرسائل النصية، والمكالمات الهاتفية.
وهناك أيضًا بعض عوامل التشتيت الداخلية، مثل: الجوع، والإرهاق، والمرض، والقلق، وأحلام اليقظة.

أثر التشتت في العمل
على الرغم من كل محاولاتنا الجاهدة للتركيز في العمل، إلا أنها تتبدد فور سماع إشعار هاتفنا المحمول معلنًا وصول رسالة بريد إلكتروني جديدة، ولا بد أن نفتحه سريعًا قبل أن تغلق أبوابه أو يمحى محتواه!
نتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، ونراجعها طوال اليوم؛ خوفًا من فقدان أي حدث جديد.
وتلك عادة ذميمة اكتسبناها جميعًا مؤخرًا، ولا شك أنها تؤثر سلبًا في إنتاجيتنا في العمل.
وتشير الإحصاءات إلى أن متابعة مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر؛ تسبب خسارة فادحة في الإنتاجية، لأن أغلب الموظفين يقضون 28% من أوقات العمل في مراجعة الإشعارات الواردة، التي تؤدي إلى مقاطعات غير ضرورية للعمل، ويستغرق الأمر وقتًا بعدها لاستئناف حالة العمل مرة أخرى.
لحظة الاختلاء بهواتفنا المحمولة أصبحت لحظة نشوة، تفوق في لذتها ومتعتها احتساء كوب من مشروبك المفضل في حديقة يداعب النسيم أزهارها؛ فترقص وتتمايل، ويتطاير عبيرها.
كيف تحمي نفسك من التشتت، وتستعيد السيطرة على وقتك واهتمامك؟
اكتشف مصدر تشتتك وقاومه
ابحث عن مشتتاتك وتخلص منها، وهيئ بيئتك وظروفك المحيطة لتساعدك على التركيز.
فعلى سبيل المثال: يعتمد الكثير منا على الحاسوب في عمله، لكنه من أكبر مصادر التشتيت خاصة إذا اتصل بالإنترنت.
فإذا وجدت نفسك تنساق باستمرار إلى مواقع الفيديو أو التسوق، فحاول استخدام أحد تطبيقات حظر مواقع الويب.
خطط لوضع “عدم التشتت”
اصنع عادات تشير إلى نفسك ومن حولك بأنك في وضع “عدم التشتت”، وتجنب أكبر قدر من الأعذار والمشتتات؛ لتحول انتباهك الكامل لمهمة واحدة.
وهناك طرق تساعد على التركيز في العمل، كأن:
- تغلق باب مكتبك.
- تضع سماعات حجب الضوضاء.
- تغلق هاتفك أو تضعه في الوضع الصامت، وتحركه بعيدًا عنك (حتى لا يمكنك حمله بسهولة).
- وإذا كنت تعمل في مكتب مفتوح، حاول الانتقال إلى مكان أكثر هدوءًا.
حدد ثلاثة أهداف لكل يوم
حين النظر إلى قائمة أعمالك ومهامك اليومية المزدحمة؛ حتمًا ستشعر بالإحباط والتعب، ويصبح من السهل الاستسلام للمشتتات.
لحل مشكلة التشتت الذهني؛ اسأل نفسك كل صباح: ما أهم ثلاثة أشياء عليَّ إنجازها اليوم؟
واكتبها في ورقة لاصقة، وضعها في مكان يمكنك رؤيته باستمرار.
ثم سجل أي مهام أخرى أقل أهمية في قائمة منفصلة، ويمكنك البَدْء في إنجازها بمجرد تحقيق الأهداف الثلاثة الأولى.
قد يساعدك الحد من عدد الأهداف اليومية، وتحديد ما تحتاج فعله بوضوح، على حل مشكلة التشتت الذهني، وإنجاز المهام بكفاءة أعلى.
امنح نفسك إطارًا زمنيًا أقصر لإنجاز المهام
في الواقع، المزيد من ساعات العمل لا يعني بالضرورة إنجاز المزيد من المهام؛ فعادة ما نملأ الوقت المتبقي بمزيد من المشتتات (كأن ننغمس في متابعة فيديوهات اليوتيوب، أو نجرب تطبيقًا جديدًا على الهاتف)، لأن عقولنا -كما ذكرنا سابقًا- تحافظ على طاقتنا كلما أمكنها ذلك.
من ناحية أخرى، عند اقتراب آخر موعد لإنهاء المهام؛ فإن مصباح التركيز يومض ويعطي إشاراته معلنًا حالة الطوارئ القصوى، لتجنب أي مشتتات بأي ثمن.
فإذا علمت أن عليك إنجاز شيء ما في وقت معين، ستسعى لفعله وإنجازه بشتى الطرق.
ولعل من أفضل طرق علاج العقل المشتَّت، أن تضع إطارًا زمنيًا أقصر لإنهاء عملك.
فأعطِ نفسك موعدًا نهائيًا مصطنعًا (Deadline)، ولكن قابلًا للمحاسبة والمراجعة في حالة التقصير.
وابحث عمّن يجسد دور الرقيب أو المحاسب الذي سيُلزمك بالإطار الزمني المستهدف، فيمكن -مثلًا- أن تخبر رئيسك أو عميلك أنك ستنهي مسودة المشروع آخر اليوم.
تعد كتابة مهامك الرئيسة وتحديد وقتٍ لإنهائها طرقًا تساعد على التركيز والإنتاجية في العمل أيضًا.
اقرأ أيضًا: التشتت وعدم التركيز في الأطفال وكبار السن
راقب عقلك وأفكارك
كشفت دراسة لجامعة هارفرد أننا نقضي ما يقرب من 50 % من وقت الاستيقاظ نفكر في شيء آخر غير ما علينا فعله، فتشرد عقولنا وتتشتت أذهاننا؛ تجنبًا لجهد التركيز على شيء ما.
ولكي تعرف كيف تحمي نفسك من التشتت؛ عليك بملاحظة متى يتشتت ذهنك ثم تعيد انتباهك مرة أخرى لما تفعله.
فلا تسمح لنفسك بالاستمرار في تصفح وسائل التواصل الاجتماعي، بل اكبس زر الفرامل وأنهِ ما تفعل واترك هاتفك بعيدًا.
كن يقظًا وانتبه لأفكارك.
لا تستسلم لتشتت ذهنك، وتترك شيئًا يعترض تركيزك؛ فتخسر إنتاجيتك.

درب عقلك على التركيز
عقلك كالعضلة، عليك بناءها وتمرينها باستمرار؛ لتعزز قدرتها على التركيز لفترات أطول.
سيساعدك في ذلك اتباع (طريقة بومودورو)، وهي أن تضبط ساعة إيقاف وتركز تمامًا على مهمة ما لفترة زمنية محددة -ولتكن 45 دقيقة متتالية-، ثم امنح نفسك استراحة لمدة 15 دقيقة.
وإذا صعب عليك الأمر؛ فابدأ بوقت قصير يسهل التحكم فيه، كأن تركز 25 دقيقة، ثم تمنح نفسك استراحة لخمس دقائق.
فلتجعلها لُعْبَة تتحدى بها نفسك للعمل بجد وتركيز لإنجاز مهمتك حتى ينتهي الوقت المحدد، ثم اسمح لنفسك بالاستغراق في أي وسيلة تشتيت تريدها، ولكن لفترة زمنية محددة.
وبعد الفاصل، عد إلى العمل مرة أخرى، وستندهش من مقدار ما يمكنك إنجازه باستخدام هذه الطريقة.
ملحوظة: طريقة بومودورو (Pomodoro Method) هي طريقة لإدارة الوقت، طورها العالم الإيطالي “فرانشيسكو سيريلو”، وتعد طريقة فعالة لعلاج العقل المشتت.
في النهاية، آمل أن تكون قد علمت الآن كيف تحمي نفسك من التشتت، وأن تجيد تطبيق الطرق التي تساعد على زيادة التركيز؛ كي تزيد من إنتاجيتك في عملك أو في دراستك.