تجارب نفسية

التعامل مع الصدمة الثقافية | هل يراودك حلم السفر؟!

تحقَّق حلمي!

هل تعلم كم أشعر بالسعادة؟! فقد تحقق حلمي أخيرًا، وسافرت لإكمال دراستي في إحدى الجامعات الألمانية العريقة.

فأنا شاب بسيط، نشأت في إحدى قرى الدلتا، وتخرجت في كلية الهندسة، وكنت أسعى دائمًا لنيل إحدى البعثات لدراسة الماجستير في ألمانيا.

وعندما سافرت شعرت بالانبهار الشديد؛ فقد كنت مفتونًا، أسير في الطرقات مبتسمًا للجميع من حولي، وأود التعرف إلى كل زاوية وشارع.

ثم انتابني الشعور بالتخبط جراء اختلاف العادات والثقافات، ويطلق على تلك المشاعر المتباينة “الصدمة الثقافية”؛ فقد واجهت صعوبة في البداية نظرًا لاختلاف المجتمع عن بلدي الحبيبة.

وقد عانيت كثيرًا حتى تعلمت كيفية التعامل مع الصدمة الثقافية. 

وها أنا الآن، بعد مرور عدة أشهر منذ أتيت إلى أرض الأحلام، استطعت أن أمسك زمام أموري من جديد، وألا أنجرف وراء انبهاري، أو أشعر بالتخبط جرَّاء اختلاف العادات والثقافات.

سنتحدث في السطور القادمة عن مفهوم الصدمة الثقافية، وإيجابياتها، وسنتطرق إلى علم النفس الثقافي والصدمة الثقافية، وبالطبع سنُطلِعك على كيفية التعامل مع الصدمة الثقافية، فتابع معنا هذا المقال…

مفهوم الصدمة الثقافية

تشير الصدمة الثقافية إلى المشاعر والمخاوف والأفكار التي تجتاحك إثر انتقالك إلى مجتمع تختلف ثقافته عن الثقافة التي تألفها. ويطلَق عليها أيضًا “تأثير الانتقال من ثقافة مألوفة إلى ثقافة غير مألوفة”.

عادةً ما يشعر الإنسان بالارتباك عند سفره لبلد أجنبية تختلف عن وطنه في اللغة، والدين، والعادات، والتقاليد، والثقافة.

تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!

ولكن هل تقتصر الصدمة الثقافية على مشاعر الارتباك فقط؟ بالطبع لا؛ فهناك الكثير من المشاعر التي تجتاح الإنسان الذي يسافر إلى بلد تختلف ثقافتها عمَّا تربى ونشأ عليه. ونذكر من تلك المشاعر:

ويواجه الإنسان الصدمة الثقافية عندما يجتاحه الشعور بصعوبة التعامل وفق معاييره، أو عندما تواجهه مشكلات بسبب عدم إلمامه باللغة أو بقواعد هذا البلد المضيف.

ويحتاج الإنسان إلى تعلُّم كيفية التكيف مع تلك الظروف الجديدة، ومواجهة تلك التحديات، كي يتعلم كيفية التعامل مع الصدمة الثقافية، ويتغلب على الصراعات النفسية التي تشتعل داخله.

علم النفس الثقافي والصدمةُ الثقافية

علم النفس الثقافي هو أحد فروع علم النفس الذي يدرس تأثير العوامل الثقافية في السلوك الإنساني، ويتناول العلاقة بين الثقافة وعلم النفس، وكيف تؤثر في سلوك الإنسان.

ولقد زادت أهمية علم النفس الثقافي مؤخرًا نظرًا لرغبة كثير من الباحثين في دراسة كيفية اختلاف السلوك بين الثقافات المختلفة.

وتُعَدُّ الصدمة الثقافية مرحلة طبيعية يمُرُّ بها الإنسان للتكيف مع ثقافة جديدة؛ فهي الوقت الذي يحتاجه كي يدرك الصراعات والاختلافات في العادات والقيم بين ثقافة وطنه وثقافة البلد المضيف.

مراحل الصدمةِ الثقافية

قبل أن نتحدث عن كيفية التعامل مع الصدمة الثقافية، دعنا نتحدث أولًا عن مراحلها. وتشمل مراحل الصدمة الثقافية:

  • مرحلة شهر العسل

هي المرحلة الأولى من الصدمة الثقافية، وتنطوي على كثير من المشاعر الإيجابية، مثل: السعادة، والنشوة، والشعور بالحماس.

أنت الآن متحمس لرحلتك الدراسية أو هجرتك، وما زلت تتعرف إلى عادات وثقافات البلد المضيف.

تشعر -في هذه المرحلة- أنك مفتون بتلك الاختلافات التي تراها، ومتحمس لخوض تحدي الدراسة أو العمل.

مراحل الصدمةِ الثقافية
  • مرحلة الإحباط

تبدأ مشاعر السعادة والافتتان في الخفوت في هذه المرحلة، وتحل محلها مشاعر القلق والإحباط والارتباك.

ستدرك اختلاف هذه الثقافة عن ثقافتك التي اعتدتها، وقد تثير بعض المواقف البسيطة مشاعر الغضب لديك.

تخيل معي أنك عالق في وسط الطريق، ولا تعلم في أي اتجاه تذهب، لأنك تجد صعوبة في فهم اللافتات.

تشعر في هذه المرحلة بالتخبط بسبب اختلاف اللغة والعادات والقيم، وقد تبدأ بالشعور بالحنين لأهلك وأصدقائك.

  • مرحلة التكيف 

لا زلت تواجه الصعوبات في تلك المرحلة، ولكنك أصبحت أكثر قدرة على التعامل مع الصدمة الثقافية.

فأنت الآن تدرك الاختلافات بين ثقافتك والثقافة الجديدة، وتفهمها جيدًا، وتبذل المزيد من الجهد لتحقيق التوازن.

لقد أصبحت أكثر دراية بالاتجاهات، وقراءة اللافتات، ولا تشعر بالارتباك عند شراء احتياجاتك من المتجر.

  • مرحلة القبول 

ويطلَق عليها أيضًا “الثقافة الثنائية”، والآن نستطيع أن نقول هنيئًا لك عزيزي المسافر، لقد استطعت التعامل مع الصدمة الثقافية بنجاح!

فأنت الآن تشعر بالراحة في بلدك المضيف، ونجحت في التأقلم مع المشكلات والصعوبات التي واجهتك.

لم تَعُد تشعر بالعزلة والوحدة، بل ونجحت في تكوين العديد من الصداقات، ويمكنك أيضًا أداء الكثير من الأنشطة التي تشغل بها وقت فراغك.

تشعر في هذه المرحلة أنك استعدت السيطرة على حياتك من جديد…

  • الصدمة العكسية

وهنا تشعر بالصدمة الثقافية عند عودتك إلى أرض الوطن بعد العيش في الخارج فترة طويلة؛ فقد تشعر أن الأمور اختلفت كثيرًا عما كانت عليه وقت رحيلك، ويسيطر عليك الشعور بعدم الانتماء لأهلك وأصدقائك وكأنهم اعتادوا غيابك!

قد تشعر أنك في حاجة لأن تمُرَّ بالمراحل السابقة كي تتعلم كيفية التعامل مع الصدمة الثقافية التي تعرضت لها جرَّاء عودتك إلى الوطن.

أمثلة على الصدمة الثقافية

تعَدُّ تجربة السفر إلى بلد -تختلف ثقافته وعاداته عما نشأت عليه- تحديًّا كبيرًا، وقد تصيبك تلك العادات المختلفة بالصدمة الثقافية.

ونذكر من الأمثلة على الصدمة الثقافية التي تصيبك عند السفر إلى بلد مختلف:

  • اللغة: يعَدُّ اختلاف اللغة أول صدمة ثقافية تواجهك في السفر.
  • الطعام: تختلف عادات الطعام من بلد لآخر.
  • العادات: تختلف عادات الدول الأجنبية كثيرًا عن بلادنا العربية.
  • المناخ: يختلف المناخ من بلد لآخر، وقد يسبب تغير المناخ صدمة ثقافية عند بعض الأشخاص.

وتختلف الأمثلة على الصدمة الثقافية من بلد لآخر؛ فما تجده في أمريكا لن تواجهه في الهند!

إيجابيات الصدمة الثقافية

تنطوي إيجابيات الصدمة الثقافية على الأشياء أو العادات التي اكتسبتها جراء مرورك بالمراحل السابقة، مثل:

  • التمتع بنظرة أعمق للعالم.
  • التعرف إلى عادات وثقافات مختلفة.
  • تنمية روح المخاطرة لديك.
  • الثقة بالنفس واحترام الذات.
  • زيادة قدرتك على التكيف.
  • اكتساب لغات جديدة ومهارات جديدة.

التعامل مع الصدمةِ الثقافية

سواء أعجبك ذلك أم لا، عليك أن تدرك أنه عليك التعامل مع الصدمة الثقافية؛ فهي جزء من تجربتك في الخارج. ولذا، ينبغي لك أن تعترف بحتمية إعداد نفسك للتكيف في أسرع وقت ممكن.

هناك بعض النصائح والإرشادات التي عليك اتباعها لتساعدك على التعامل مع الصدمة الثقافية، وتشمل:

  • تذكَّر أن مشاعرك ومخاوفك أمر طبيعي؛ فلا تجزع وتشعر بأنك ضعيف أو مهزوم.
  • تعلَّم قواعد العيش في البلد المضيف لتشعر بالراحة والاطمئنان.
  • يمكنك تعلُّم رياضة جديدة أو هواية جديدة لتشعر بالاندماج في البلد المضيف.
  • تعلَّم لغة البلد الذي سافرت إليه كي تتمكن من التواصل مع جيرانك وزملائك في العمل.
  • كُن سائحًا، واستكشف المعالم السياحية لهذا البلد، واستمتع بوقتك.
  • اعتنِ بنفسك، وتناول طعامًا صحيًا، ومارس الرياضة بانتظام، واحصل على قسطٍ كافٍ من النوم.
  • ابنِ صداقات جديدة، وحاول التعرف إلى الناس من حولك، لتتمكن من التغلب على الاختلافات الثقافية، وتفهم عادات هذا البلد.
  • حافظ على علاقاتك مع أهلك وأصدقائك في أرض الوطن.
  • دون مشاعرك وأفكارك وتجاربك في مفكرة صغيرة، كي تساعدك على التعبير عما يعتمل في صدرك.
  • مارس إحدى الهوايات أو الأنشطة التي تُذكِّرك بالوطن.
  • تذكَّر أنك سافرت لتحقيق حلم أو السعي وراء هدف.

تذكَّر أن الصدمة الثقافية هي جزء من تجربتك في الخارج. لذا، كُن صريحًا وتقبَّل مشاعر الخوف والقلق والارتباك؛ فتلك المشاعر هي نتاج اختلاف الثقافات الذي واجهته.

واعلم أن الوقت هو أفضل ترياق للصدمة الثقافية، ولكن قد تساعدك النصائح -السابق ذكرها- على التغلب عليها والتكيف في وقت أسرع.

المصدر
Culture Shock Stages: Everything You Need to KnowCoping with culture shock Developing Cultural Competence: Benefits of Culture Shock The Focus of Cross-Cultural Psychology Culture Shock
اظهر المزيد

د. أمل فوزي

أمل فوزي، صيدلانية، أعمل في الهيئة القومية للرقابة والبحوث الدوائية. أعشق الكتابة، وأجيد البحث، أستمتع بكتابة المقالات الطبية بأسلوب سلس وبسيط، هدفي الارتقاء بمستوى المحتوى الطبي العربي، ونشر العلم من مصادره الموثوقة لينتفع به القارئ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى