ترياق الحياة الصحية

التعايش مع الألم المزمن | معركة مستمرة!

معركة مستمرة أخوضها كل لحظة تمر من حياتي… 

فأنا أعاني الفيبروميالجيا منذ عدة سنوات، ذلك المرض الذي يجعلني أعاني آلامًا مزمنة تعصف بجسدي، وتنهش روحي… 

أشعر بأن هذا الألم المزمن قد احتل جسدي كله، وسيطر على حياتي، وحرمني من الاستمتاع بها؛ فهو عبء يثقل كاهلي، ويؤثر في علاقاتي الاجتماعية، ويجعل أداء المهام اليومية تحديًا صعبًا.

“عليكِ التعايش مع الألم المزمن الذي تعانينه؛ كي تتمكني من استعادة السيطرة على حياتك” 

تلك هي نصيحة الطبيب الذي استشرته مؤخرًا؛ لأجد حلًا لمعاناتي اليومية.

سنتحدث في السطور القادمة عن كيفية التعايش مع الألم المزمن، والعلاقة بين الألم المزمن والاكتئاب، وكيفية التعايش مع الألم النفسي، وسنتطرق إلى ذاكرة الألم، وكيف يمكن علاجها؛ فتابع معنا هذا المقال.

ولكن قبل أن نتحدث عن كيفية التعايش مع الألم المزمن، لنتطرق -أولًا- إلى تعريف الألم المزمن.

الألم المزمن

الألم هو تلك الرسالة التي يبعثها دماغك ليخبرك أنك تعاني خطبًا ما…

بينما الألم المزمن هو ذلك الألم المستمر الذي لا يختفي لمدة تزيد عن ثلاثة أشهر، وينشأ عادة عندما لا تعمل آلية الألم في الجسم بشكل صحيح.

يصاحب الألم المزمن العديد من المشكلات الصحية، مثل: الصداع النصفي، وداء السكري، والروماتويد، وآلام الظهر، والألم العضلي الليفي.

تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!

وقد يكون سبب الإصابة بالألم المزمن غير معروف؛ وهو ما يسبب المزيد من الضغوط الجسدية والنفسية للمريض؛ الأمر الذي من شأنه أن يزيد مستويات الإجهاد، مسببًا المزيد من الآلام من جراء التوتر والإرهاق وعدم النوم الذي يعانيه المريض.

ولذا، يعد التعايش مع الألم المزمن الوسيلة التي تساعد المريض على التأقلم مع هذا الألم، واستعادة السيطرة على حياته.

الألم المزمن والاكتئاب

هل يمكنك تصور صعوبة العيش مع تلك الآلام المزمنة التي ترافقك في كل دقيقة من حياتك؟!

يُحوِّل الألم المزمن المهام اليومية والضغوطات التي تواجهها إلى عقبات وتحديات يصعب عليك أداؤها، ويؤثر في علاقاتك الاجتماعية، وقدرتك على الاعتناء بنفسك وعائلتك.

قد يعاني الكثيرون ممن يعانون الآلام المزمنة الاكتئاب، والقلق، وصعوبات في التركيز، والغضب، والإحباط، وقد يميلون إلى العزلة الاجتماعية من جراء ذلك الألم الذي يحتل أجسادهم، وينهك قواهم.

ولكن الخبر السار أن هناك العديد من الاستراتيجيات التي تساعد أولئك المرضى على التعايش مع الألم المزمن.

التعايش مع الألم المزمن

ليس سهلًا أن تعيش حياتك وذلك الألم المزمن يعصف بجسدك، ولكن ليس عليك الاستسلام لتلك الآلام التي تنهش روحك.

عليك أن تشحذ همتك، وتتسلح بالتقنيات والاستراتيجيات التي تساعدك على التعايش مع الألم المزمن، وتُمكِّنك من استعادة السيطرة على حياتك.

في البداية، عليك أولًا أن تتقبل حقيقة أنك تعاني ألمًا مزمنًا وأنه أصبح جزءًا من حياتك؛ كي تتمكن من التأقلم معه، والسيطرة عليه.

وتشمل الخطوات التي تعينك على التعايش مع الألم المزمن:

  • استرخِ

يزيد الألم المزمن الذي تعانيه من مستويات التوتر في جسدك، التي بدورها تزيد من حساسية جسدك تجاه الألم.

ولذا، قد يساعدك الاسترخاء على التغلب على ذلك الإجهاد الذي تشعر به، ويساعدك على التعايش مع الألم المزمن.

وتشمل تقنيات الاسترخاء التي يمكنك تجربتها:

  • مارِس الرياضة بانتظام

يفرز الجسم الإندورفين عند ممارسة الرياضة؛ وهي مواد كيميائية يفرزها الدماغ، وتحسِّن الحالة المزاجية، وتخفِّف الآلام الجسدية من خلال منع إشارات الألم.

تساعدك الرياضة أيضًا على:

  • تقوية العضلات.
  • الحفاظ على وزن مناسب.
  • تقليل مخاطر الإصابة بأمراض القلب.
  • الحفاظ على مستوى السكر في الدم.

ويمكنك استشارة الطبيب؛ كي يوصيك بالتمارين الرياضية التي تناسب حالتك الصحية، وخاصة إن كنت تعاني اعتلال الأعصاب السكري.

كن حذرًا… فليست كل التمارين الرياضية آمنة لحالتك الصحية.

  • احتفظ بمفكرة

عليك الاحتفاظ بمفكرة؛ ودوِّن بها مستوى الألم الذي تشعر به كل يوم على مقياس من واحد إلى عشرة.

ودوِّن أيضًا الأنشطة التي أتممتها في كل يوم؛ ستساعد تلك المفكرة الطبيب على تحديد كيف يمكنك التعايش مع الألم المزمن الذي تعانيه، وتُمَكِّنه أيضًا من تقييم مستوى أدائك البدني.

  • جرِّب الارتجاع البيولوجي

يساعدك الارتجاع البيولوجي على التحكم في بعض وظائف الجسم، مثل: توتر العضلات، ومعدل ضربات القلب.

يربط المعالج المختص أجهزة استشعار معينة في مناطق محددة في جسدك؛ ليقيس درجة حرارتك، ومعدل تنفسك، ومعدل ضربات قلبك، ويقيس -أيضًا- توتر العضلات لديك.

ثم يعلمك كيفية التحكم في استجابة جسدك تجاه الآلام والضغوط من خلال تغيير أفكارك ومشاعرك.

ولذا، إن كنت تبحث عن كيفية السيطرة على الألم؛ فعليك تجربة تقنية الارتجاع البيولوجي. 

  • اتبع نظامًا غذائيًا صحيًا ومعتدلًا

ينبغي لك اتباع نظام غذائي صحي ومعتدل يعتمد على تقليل الدهون والصوديوم، ويحتوي على المزيد من الألياف والفيتامينات والمعادن وأوميجا 3.

ولذا، عليك تناول الفواكه الطازجة والخضراوات، والحبوب الكاملة، والجبن قليل الدسم والحليب والزبادي، واللحوم الخالية من الدهون.

يساعدك النظام الغذائي الصحي على:

  • تحسين عملية الهضم.
  • تقليل خطر الإصابة بأمراض القلب.
  • الحفاظ على وزن مناسب.
  • الحفاظ على مستوى السكر في الدم.

يجب عليك أيضًا التوقف عن التدخين، وتقليل كمية الكافيين التي تتناولها؛ لتتمكن من الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم كل ليلة.

  • شتِّت انتباهك عن الألم

قد يسلبك الألم المزمن الذي تعانيه قدرتك على أداء العديد من الأنشطة والهوايات التي لطالما أحببتها.

ونصيحتي لك: لا تركز على الألم الذي يُنهِك جسدك، وابقِ نفسك مشغولًا، واملأ يومك بروتين معتدل يشتت انتباهك عن ألمك الذي تعانيه.

لذا؛ يمكنك تعلم هواية جديدة، أو لغة جديدة، أو الانخراط في أحد الأنشطة الاجتماعية التي تناسب حالتك الصحية.

  • كن إيجابيًا

تحدَّث إلى نفسك بطريقة إيجابية، وذكِّر نفسك أنه يمكنك التعايش مع الألم المزمن، وأنك قادر على استعادة السيطرة على حياتك،
بل الاستمتاع بها.

لا ترهق نفسك في التفكير في الألم الذي يثقل كاهلك، ولا تفكر في عدم قدرتك على السيطرة عليه.

  • انضم إلى مجموعة دعم

يمكنك الانضمام إلى إحدى مجموعات الدعم لمرضى الآلام المزمنة…

ستساعدك مقابلة أشخاص آخرين يمرون بالمعركة التي تخوضها على الشعور بأنك لست وحيدًا، ويمكنك أيضًا الاستفادة من تجاربهم في التعايش مع الألم المزمن.

  • ابحث عن العلاج المناسب

يمكنك تجربة العديد من الأدوية والعلاجات المناسبة -تحت إشراف الطبيب- التي قد تساعدك على السيطرة على الألم الذي تعانيه.

  • استشر طبيبًا

إن كنت تعاني الإرهاق الشديد من تلك الآلام المزمنة التي تهاجم جسدك، وتؤثر في قدرتك على أداء روتينك اليومي.

لا تتردد في استشارة الطبيب؛ ليتمكن من مساعدتك على التعايش مع الألم المزمن، والسيطرة على التداعيات النفسية والجسدية التي تعانيها من جراء ذلك الألم.

الألم النفسي

يطلق عليه أيضًا “الألم العاطفي” أو “الألم نفسي المنشأ”، وهو ذلك الألم الذي ينشأ من جراء الضغوطات النفسية التي يتعرض إليها المريض.

قد يؤدي الضيق العاطفي الذي يواجهه المريض إلى الإصابة بالألم النفسي، وقد ينشأ نتيجة الشعور بالحزن أو اليأس أو الإحباط.

قد تسبب العديد من الاضطرابات النفسية الإصابة بالألم النفسي، مثل: الاكتئاب والقلق.

التعايش مع الألم النفسي

يضر الألم النفسي بالصحة النفسية والجسدية للمريض؛ ولذا ينبغي للمريض تعلم كيفية السيطرة على الألم النفسي، والتغلب عليه.

قد يلجأ بعض المرضى إلى طرق غير صحية للتأقلم مع الآلام النفسية التي تنهش أرواحهم، مثل: تعاطي المخدرات والكحول؛ وهو ما يسبب المزيد من الضرر النفسي والجسدي.

وتشمل النصائح التي تعينك على التعايش مع الألم النفسي:

  • ابحث عن هواية جديدة؛ كي تشتت انتباهك عما يسبب لك ألمًا نفسيًا.
  • مارس الرياضة بانتظام؛ كي تحسن حالتك المزاجية.
  • لا تتجاهل المشاعر السيئة التي تشعر بها، ولكن لا تعذب نفسك بالتفكير المتواصل فيما يؤلمك، وتوقَّف عن جلد ذاتك ولومها.
  • كن ممتنًا للأحداث السعيدة والمواقف الجيدة التي لديك.
  • احتفظ بمفكرة، ودوِّن بها نجاحاتك؛ كي ترسخ لديك ثقتك بنفسك، ودوِّن إخفاقاتك؛ كي تتعلم منها وتتجنبها.
  • ابكِ، ولا تكبت رغبتك في البكاء؛ وعليك أن تدرك أن تلك الدموع التي ذرفتها ستقلل التوتر الذي تعانيه، وتخفف الضغط العصبي الذي تواجهه.
  • تحدث مع صديق، ولا تعزل نفسك، واحصل على الدعم النفسي الذي تحتاج إليه من عائلتك وأصدقائك.

لا تتجاهل المشاعر السلبية التي تعانيها، بل حاول التعرف إلى ما يسبب لك ألمًا نفسيًا؛ لتكون أكثر وعيًا بتلك المشاعر، وتتمكن من التحكم بها.

يمكنك ممارسة التأمل الواعي؛ ليساعدك على كيفية التعامل مع المشاعر السلبية التي تهاجمك، مثل: القلق والاكتئاب والغضب والحزن.

ذاكرة الألم

يستطيع دماغنا تذكر التجارب المؤلمة التي مررنا بها، بل يمكنه -أيضًا- الاحتفاظ بذكريات الألم؛ وهو الأمر الذي فتح آفاقًا جديدة للعلماء لعلاج ذاكرة الألم من خلال محو تلك الذكريات.

اقترح عالم الأعصاب (تيرينس كودير) “Terence Coderre” أن أفضل مثال على تأثير ذاكرة الألم هو ألم الأطراف الوهمية.

قد يتعرض أحد المرضى إلى بتر أحد أطرافه من جراء إصابته بالغرغرينا أو غيرها من الأسباب الطبية الأخرى المحتملة، ولكن يستمر الألم
الذي كان يشعر به في هذا الطرف -الذي اضطر إلى بتره- على الرغم من بتر هذا الطرف!

هل تتخيل؟! لا يزال المريض يشعر بالألم الشديد في الطرف الذي بُتِرَ!

ولكن، لِمَ؟

إنها ذاكرة الألم؛ فقد احتفظ دماغ المريض بتلك الذكريات المؤلمة، بل لا يزال دماغه قادرًا على إرسال إشارات الألم التي تكاد تُفقِد المريض عقله.

ورجحت العديد من الدراسات أن أي ألم يشعر به الإنسان دقائق معدودة؛ يترك أثرًا في الذاكرة.

علاج ذاكرة الألم

اقترح العديد من العلماء محو ذكريات الألم؛ وهو الأمر الذي أعطى بصيصًا من الأمل للعديد من المرضى الذي يعانون الآلام المزمنة.

إذ يمكن التخفيف من الآلام المزمنة التي تهاجم أجسادهم من خلال علاج ذاكرة الألم…

اقترح (كودير) وفريقه في أحد الأبحاث أن بروتين كيناز (PKMzeta) هو كلمة السر لفهم كيفية تخزين ذاكرة الألم في الخلايا العصبية.

إذ اكتشف (كودير) وفريقه ارتفاع مستويات (PKMzeta) باستمرار في الجهاز العصبي المركزي (CNS) بعد التعرض إلى تحفيز مؤلم.

واكتشف الباحثون أنه يمكن منع الحساسية المفرطة للألم التي نشأت من جراء تهيج الجلد إثر استخدام محفز خارجي وهو الكابسيسين (Capsaicin)، وذلك من خلال حجب نشاط (PKMzeta) على مستوى الخلايا العصبية.

ووُجد أن محو ذاكرة الألم تلك؛ يقلل الألم المستمر والحساسية المتزايدة تجاه اللمس.

ويرى (كودير) وفريقه أنه يمكن مساعدة المرضى الذين يعانون الآلام المزمنة؛ وذلك من خلال ابتكار طرق لاستهداف (PKMzeta) في مسارات الألم.

وتعد تلك الأدوية التي تستهدف علاج ذاكرة الألم أملًا جديدًا يُمَكِّن المرضى من التعايش مع الألم المزمن.

الألم المزمن قد يحيل حياتك إلى ساحة معركة…

إذ تبدو وكأنك تحارب آلامك التي تعصف بجسدك، وتحارب من أجل الاستيقاظ صباحًا، وتحارب من أجل أن تعيش حياتك وتستمتع بها…

فلا تستسلم، وتعلَّم كيفية السيطرة على الألم لتتمكن من التعايش مع الألم المزمن؛ كي لا تعاني آثاره السلبية في صحتك النفسية والجسدية.

المصدر
Coping with chronic pain11 Tips for Living With Chronic Pain8 Ways to Cope With Chronic PainTO TAME CHRONIC PAIN, ERASE BRAIN’S MEMORY
اظهر المزيد

د. أمل فوزي

أمل فوزي، صيدلانية، أعمل في الهيئة القومية للرقابة والبحوث الدوائية. أعشق الكتابة، وأجيد البحث، أستمتع بكتابة المقالات الطبية بأسلوب سلس وبسيط، هدفي الارتقاء بمستوى المحتوى الطبي العربي، ونشر العلم من مصادره الموثوقة لينتفع به القارئ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى