عام

التغلب على الخوف | هل تَرَى نهاية النفق؟!

ذات يومٍ استعنت بعبارة للكاتب الكبير “نجيب محفوظ” لأتركها كإهداءٍ لأحد زملائي في لحظة وداع، يقول فيها: “الخوف لا يمنع من الموت، لكنه يمنع من الحياة”…

هناك في دهاليز الخوف، تقبع محاولاتٌ نَمَتْ وتَكَسَّرَتْ، وأخرى لم تُكتَب لها ولادة بالأساس، مشروعات لم تكتمل، وعلاقات ربما كانت ستنجح، وثنائيات تفرقوا لأن أحدهم تملَّكه الخوف واستسلم له…

وأنت عزيزي القارئ، كيف هي علاقتك بخوفك؟ ربما ما أتى بك إلى هنا هو يأسك من الخسارة، وربما أمَلُكَ في تغييرٍ قد تأخر موعده كثيرًا.

لذا دعنا نتحدث عن التغلب على الخوف، أيًا كان مصدر خوفك؛ ربما الخوف من الناس أو المرض أو الموت أو غيرها، فهل هناك سبيل للتغلب عليه حقًا؟! هذا ما سنناقشه في الفقرات القادمة، فتابع معنا…

لماذا الخوف مهم؟

يمثل الخوف أحد أهم المشاعر الفطرية التي خُلِقنا عليها، فبدون الخوف لن تهرب من خطر النيران المشتعلة لتنقذ حياتك، وربما لن تبذل أقصى جهد تستطيعه للاستعداد للامتحان أو لمقابلة عمل؛ فهو رد فعل طبيعي وتلقائي للمخاطر التي تواجهها في الحاضر أو تلك المتوقع حدوثها في المستقبل.

القلق هو جزء من الخوف، ويمكن تعريفه أنه مشاعر الخوف الخاصة بما سيحدث في المستقبل، أي الخوف مما (تظنه) خطرًا، لذا ليس بالضرورة أن يكون خطرًا حقيقيًا، هو فقط متعلق بأفكارك عنه.

اقرأ أيضًا: الخوف… عدو أم صديق؟!

التغلب على الخوف والقلق

أصبح ما نعيشه اليوم في عالمنا من أخبار وكوارث متلاحقة، كفيلًا بإصابتنا جميعًا باضطراب القلق والتوتر، والتسبب في صدمات تصعب معها مواصلة الحياة اليومية.

ولعلك عزيزي القارئ قد وقعت فريسة لبعض تلك الضغوطات النفسية، وأصبح الخوف مسيطرًا على حياتك، دافعًا إياك إلى تجنب مواقف محددة، أو ربما التخلي عن فرص ستسبب لك خسارة كبيرة. 

لذا؛ ربما يكون الوقت قد حان للتغلب على الخوف والقلق، والبحث عن كيفية عيش حياة سوية، لذا دعنا نجيب عن السؤال الآتي:

تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!

كيف يمكن التغلب على الخوف والقلق؟

كيف يمكن التغلب على الخوف والقلق؟

تبعًا لدرجة الخوف لديك، ربما يمكنك التغلب على الخوف والقلق بطرق طبيعية، وربما تحتاج إلى تدخلات أكبر.

النقاط الآتية توضح كيف تساعد نفسك على محاربة الخوف بطرق طبيعية:

  1. واجه مخاوفك:

يتغذى الخوف والقلق على كونه يحدث في دائرة متصلة، فأنت تخاف شيئًا ما، فتخاف مواجهته وتحاول تجنبه، فتظل خائفًا لا تعرف كيف تواجهه. حينما تستطيع كسر تلك الدائرة، لعل تلك الخطوة تكون المنقذ لك من خوفك.

  1. راقب نفسك:

هذه الخطوة تعد بداية لإحدى طرق العلاج النفسي التي سنتحدث عنها لاحقًا، وتعتمد على مراقبة المواقف والأوقات التي تواجه فيها الخوف، فتفهم ما يثيرك، ويمكنك تحليل ما إذا كان هذا الخوف منطقيًا أم لا.

  1. جرب الاسترخاء:

تحدثنا من قبل في ترياقي عن أهمية التأمل واليقظة الذهنية، وكيف يمكن لاتصالك باللحظة الحالية وتمتعك بذهنٍ صافٍ أن يُعِيناك على التغلب على القلق والتوتر النفسي.

يمكنك قراءة ذلك الترياق من هنا.

  1. مارِس الرياضة:

تحتاج ممارسة الرياضة إلى تركيز، وتقلل مستوى التوتر والقلق، ما يساعدك على تشتيت ذهنك عما يخيفك.

  1. اتبع نظامًا غذائيًا صحيًا:

قبل أن تتأفف من تلك النصيحة المكررة، دعني أخبرك عزيزي القارئ أن الأطعمة الصحية ليست مهمة فقط لصحتك الجسدية؛ إنما هي ركيزة أساسية في صحتك النفسية أيضًا، فتقليل السكر الضار في غذائك، وكذلك المنبهات كالقهوة والشاي يقللان مستوى القلق والتوتر بشكل مباشر، لذا لا تستهن بهذه النصيحة أبدًا.

  1. اهتم بالروحانيات:

إيمانك بقدرة الله على تسيير أمورك، وأنه يرعاك في شأنك كله، يجعلك مطمئنًا أن ما يحدث لك خير، فيقلل من خوفك من المجهول، ويزيد ثقتك في بقاء الخير في الناس والحياة مهما ساءت الأحوال.

للمزيد، اقرأ: علاج التوتر والقلق النفسي.

ربما تساعدك النقاط السابقة على محاربة مخاوفك، وربما تحتاج معها إلى مساعدة أكبر، فتلجأ إلى طلبها من متخصصين، والتي قد تشمل:

  1. العلاج النفسي: يعتمد العلاج النفسي للخوف والتوتر على العلاج المعرفي السلوكي، أو العلاج بالكلام، وهما من الطرق الفعالة في تحديد مصادر خوفك وتحليلها وتغيير طريقة تفكيرك تجاهها، فتتمكن من التغلب عليها تدريجيًا.
  2. العلاج بالأدوية: إذا كنت مصابًا بأحد اضطرابات القلق والتوتر، فربما يناسبك استخدام بعض الأدوية لتساعدك على التخلص منه، تبعًا لما سيصفه لك طبيبك النفسي.

والآن دعنا نتحدث عن بعض أنواع الخوف المحددة وكيفية التغلب عليها.

التغلب على الخوف من الناس

التغلب على الخوف من الناس

طبقًا للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية-النسخة الخامسة، لا يُصنَّف الخوف من الناس كاضطراب نفسي، لكن يمكن أن يُدرج ضمن أنواع الرهاب المحدد؛ ويُقصد به الخوف من شيء بعينه.

عند تشخيص رهاب الخوف من الناس -ويسمى أيضًا الأنثروبوفوبيا-، يحتاج الأمر إلى دقة؛ فقد يرتبط رهاب البشر بأحد الاضطرابات النفسية الأخرى، فيكون ناتجًا عنها أو جزءًا منها، لكن لا يُطلق عليه في هذه الحالة أنه رهاب الخوف من الناس.

الأمثلة الآتية توضح الأمر بشكل أكثر دقة:

  • إذا قابلت شخصًا جديدًا ووجدتَ نفسك خائفًا منه لأن كل ما يسيطر عليك في هذه اللحظة أنه يرغب في أن يؤذيك،
    فربما تكون مصابًا بالاضطراب الوهامي (الضلالي)- (Delusional disorder)، وليس الخوف من الناس.
  • اذا كنت تتجنب مقابلة المواقف الاجتماعية، كالتحدث مع بائع أو مع أشخاص لا تعرفهم ظنًا منك أنهم سيسخرون منك أو يحكمون عليك، فربما أنت مصاب بالرهاب الاجتماعي (Social anxiety disorder)،
    أو رهاب التعرض للسخرية (Gelotophobia).
  • إذا قابلتَ أحدًا يذكرك بشخص آخر تسببَ لك في أذى أو استدعى ذكريات أليمة لموقف حدث معك في الماضي،
    فلعل خوفك منه هو أحد أعراض اضطراب كرب ما بعد الصدمة (PTSD)، وليس الخوف من الناس.

كيف يمكن التغلبُ على الخوف من الناس؟

ليس هناك علاج محدد للتغلب على رهاب البشر، لكن يمكن اللجوء إلى طرق علاج الفوبيا واضطراب القلق، فتبعًا لشدة حالتك، سيجرب معك طبيبك بعض أو كل تلك الطرق، التي تشمل:

  1. العلاج النفسي: 

إذا كان خوفك من الناس مرتبطًا بأحد الاضطرابات النفسية كالرهاب الاجتماعي، أو اضطراب كرب ما بعد الصدمة،
سيلجأ طبيبك إلى الاعتماد على جلسات العلاج النفسي؛ وتشمل العلاج بالتحدث، أو العلاج المعرفي السلوكي،
أو العلاج بالتعرض، وكلها تعتمد على تحليل أفكار الخوف المسيطرة عليك وتعلُّم كيفية التغلب عليها.

  1. تمارين الاسترخاء: 

كما ذكرنا سابقًا، تساعدك الرياضة على تشتيت ذهنك عن أفكار الخوف والقلق، لذا؛ يمكنك الاستعانة بتمارين التنفس،
أو ممارسة اليوجا، أو الانتظام على رياضة كالجري أو الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية.

  1. العلاج بالأدوية:

يتم اللجوء إليها في حال ارتباط الخوف من الناس بأحد الاضطرابات النفسية الأخرى، فيمكن وصف الأدوية الخاصة بتلك الاضطرابات للتغلب على الأعراض الذي يكون الخوف من الناس واحدًا منها.

التغلب على الخوف من المشاجرات

التغلب على الخوف من المشاجرات

قبل أن نتحدث عن التغلب على الخوف من المشاجرات، أريد أن أخبرك أنه من الطبيعي أن تخاف الشجار،
فلن نختلف في أن الشجار فعل سيئ. 

لكن أحيانًا يفرض عليك الواقع أن تدافع عن نفسك أو عن أحد آخر، أو ربما تكون ملاكمًا أو لاعبًا في أحد الرياضات القتالية، ويوقفك حاجز الخوف من الاشتباك عن تحقيق تقدم في مجالك.

فإذا كنت ممن يخافون الشجار أو الاشتباك، ستكون خائفًا من أن تتعرض للأذى إن تعرضت للضرب أو للحرج على خشبة التدريب أو أمام الجمهور، وفي كل تلك الأحوال، يبدأ الأمر من عقلك!

لذا؛ فأول خطوة في التغلب على الخوف من المشاجرات، هي بتغيير تلك الأفكار المسيطرة عليك، وزيادة الاتصال بين جسدك وعقلك. كما يمكنك اتباع النصائح الآتية:

  • تدرب جيدًا، فالتدريب يعطي عقلك فرصة للاستعداد الجيد للموقف، والتفكير في خطوات مواجهة خصمك،
    وعندما تحين اللحظة، تجد أنك تتصرف بتلقائية.
  • اكتب مخاوفك في ورقة، واستطرد تفاصيلها، فهذا مما يقلل من مقدار خوفك منها ويعطيك شعورًا بأنك ترى
    جميع جوانبها وبإمكانك السيطرة عليها.
  • تذكر أن خوفك من المشاجرات هو خوف لأمر سيحدث في المستقبل -فأنت تخاف خوض الشجار قبل بدئه-،
    لذا؛ توقف عن توقُّع الأسوء، وأخبر نفسك أن خوفك ليس حقيقيًا ولن يحدث ما تتوقعه.
  • تحلَّ بالثقة، اذهب إلى صالة الألعاب الرياضية وقوِّ بناء جسدك، كي لا تدع مجالًا للشك في قدرتك على مواجهة الموقف.

وتذكر أن خوفك من الاشتباك مع أحدهم هو أمر يمكن التغلب عليه، لكن قبل الاشتباك تأكد أنه لم يبق لديك خيار
أفضل كالتفاهم أو التسامح على سبيل المثال.

التغلبُ على الخوف من المرض

التغلبُ على الخوف من المرض

يُعَدُّ الخوف من المرض واحدًا من أنواع الفوبيا المحددة التي قد تجعل المصاب بها عاجزًا عن مواصلة حياته بصورة طبيعية. 

فإذا كنت تعاني الخوف من المرض، ستكون دائم البحث عن أعراض بعض الأمراض، دائم التركيز في كل عرض
يصيبك؛ فتنتبه إلى زيادة تعرقك، أو إلى صداع عارضٍ أصابك، وتتوهم أنه دليل على إصابتك بمرض خطير.

لذا؛ إذا كنت ترغب في التغلب على الخوف من المرض، ستحتاج مع طبيبك النفسي إلى اللجوء إلى أحد الطرق الآتية:

  1. العلاج المعرفي السلوكي:

ويعمل على التحكم في مستوى قلقك تجاه الأعراض الجسدية التي تشعر بها، وهذا يعد كفيلًا بتخفيف تلك الأعراض وحدها دون تدخل آخر في بعض الأحيان.

  1. العلاج الدوائي:

إضافة إلى العلاج النفسي، يمكن استخدام بعض مضادات الاكتئاب مثل مضادات استرجاع السيروتونين التلقائية،
ومن أمثلتها: سيرترالين، وباروكستين، وفلوكستين.

  1. تعلم كيفية التأقلم:

عن طريق السيطرة على مستوى قلقك بطرق طبيعية: مثل ممارسة تمارين التنفس العميق، أو تمارين الاسترخاء، أو تمارين التأمل. كذلك حاول تجنب المعلومات غير المفيدة لك التي تعزز قلقك وتوترك، واعتمد على أخذ المعلومات من مصادرها الموثوقة.

التغلبُ على الخوف من الموت

يعتمد علاج الخوف من الموت على تقليل مشاعر الفزع والرهبة من الموت ومن ثَمَّ التحكم في مستوى قلقك تجاهه. 

لذا يحتاج التغلب على الخوف من الموت إلى:

  1. العلاج بالتحدث: إذ يساعدك معالجك النفسي على إدراك جوانب خوفك، وكيفية التعامل معها.
  2. العلاج المعرفي السلوكي: وفيه يتم التركيز على وضع حلول للمشكلات، فيركز على تغيير طريقة تفكيرك في الموت، ما يخفف من قلقك وتوترك عند التحدث عنه.
  3. الانتظام على تمارين الاسترخاء: كما في مصادر الخوف الأخرى، تساعدك هذه التمارين على تقليل مستوى التوتر والقلق عمومًا.
  4. العلاج الدوائي: يمكن اللجوء إليه لعلاج التوتر والقلق إذا لم تأت الطرق الأخرى بالنتائج المرجوة في العلاج.

في النهاية عزيزي القارئ، تأكد أن التغلب على الخوف -أيًا كان مصدره- هو أمرٌ يمكن تحقيقه، لذا لا تستسلم،
واعرف متى تلجأ إلى المساعدة المتخصصة دون تردد، وحافظ على الاتصال بين جسدك وعقلك، ففيه يكمن السر كله.

المصدر
How to overcome fear and anxietyWhat Is Anthropophobia, and How Can You Manage Fear of People?How to deal with the fear of fighting What Is Illness Anxiety Disorder? (Formerly Hypochondriasis) Everything You Should Know About Thanatophobia
اظهر المزيد

د. آلاء عمر

آلاء عمر، صيدلانية، أم، وكاتبة محتوى طبي، أهدف إلى إيصال المعلومة الطبية للقارئ بسهولة وزيادة الوعي الطبي لدى الناس. مهتمة بمجال الصحة النفسية وما يخص الطفل والمرأة طبياً. مؤمنة بقدرة الإنسان على اكتساب الوعي والتغيير الإيجابي للإرتقاء بمستوى حياته للأفضل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى