التفكير التقاربي والتفكير التباعدي| ما بين المركزية والانتشار

كان السفر إلى الفضاء حلمًا ينتظره البشر بفارغ الصبر في أوائل القرن الماضي، فالإنسان بطبيعته يحركه الفضول نحو كل ما هو غامض؛ وهذا سبب الاكتشافات العظيمة التي لن تنتهي.
لم يعد السفر إلى الفضاء حلمًا في ستينات القرن الماضي، عندما بدأت روسيا خطواتها الأولى نحو الصعود إلى الفضاء.
ولأن روسيا وأمريكا كانتا القوتين العظمتين في ذلك الوقت، لم ترضَ أمريكا بأن تسبقها روسيا في هذا المجال الواعد، فشكلت “الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء NASA”.
اجتمع رئيس أمريكا (كينيدي) بـ (فون براون) -أحد رواد استكشاف الفضاء والأب الروحي لمشروع الفضاء الأمريكي- وسأله كيف يهزم روسيا في مجال الفضاء.
أجابه (فون براون) بعد الاطلاع على الحقائق والبيانات الخاصة بإنجازات كلا البلدين في مجال الفضاء قائلًا:
«لن تستطيع أمريكا بناء محطة فضائية، لكن يمكنها سباق روسيا في الوصول إلى الفضاء.»
استغل (كينيدي) كاريزمته وألقى خطابًا قويًا في شعبه بأنه مسؤول عن أمان الشخص الذي سيصعد القمر وعودته سالمًا.
نتيجة لذلك؛ تقدم ما يفوق٤٠٠ ألف موظف للعمل في ناسا “NASA”، وشارك المقبولون في أعظم إنجازات أمريكا في الصواريخ واكتشاف الفضاء.
استخدم كل من (كينيدي) و(فون براون) التفكير التقاربي والتباعدي في خطتهم للفوز على روسيا في مجال الفضاء.
ما هو التفكير التقاربي؟
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
وهل هناك أفضلية بين التفكير التقاربي والتباعدي؟
وهل يمكن تطبيقهما بالتوازي في حل المشكلات؟
ما هو التفكير التقاربي؟
التفكير التقاربي ما هو إلا البحث عن أفضل الحلول من بين حلول كثيرة، مع مراعاة الدقة والمنطق في اختيار الحل.
يرتبط التفكير التقاربي ببعض المهام التي لها إجابة واحدة، مثل: الاختيار من متعدد أو ملء الفراغ بكلمة واحدة.
يبدأ التفكير التقاربي من جمع البيانات والحقائق من كافة المصادر، وإقصاء المعلومات غير المهمة من خلال تحليل البيانات بمنتهى الدقة وفقًا لمعايير وأولويات محددة للخروج بحل واضح للمشكلة.
لذلك؛ أشار العلماء إلى أن التفكير التقاربي يقود صاحبه إلى اتخاذ القرارات وإطلاق الأحكام والوصول إلى الهدف دون التشتت عنه.
يُطلق أيضًا على التفكير التقاربي: التفكير النقدي، والتفكير التحليلي، والتفكير العمودي.
أنواع التفكير التقاربي… أساليب متنوعة تقود إلى أفضل الحلول

١. التجميع
من أبرز أنواع التفكير التقاربي، يرسم صورة واضحة للأفكار المتشعبة ويوجد ترابطًا بينها؛ الأمر الذي يُسهل على صاحبه الوصول إلى حل مناسب في أسرع وقت.
تُستخدم الخرائط الذهنية في إنشاء تلخيص للأفكار الكثيرة بطريقة مُبسطة.
٢. ترتيب الأولويات
وهو من أنواع التفكير التقاربي التي تأتي بعد تحليل البيانات؛ فالاهتمام بكافة الأفكار على حد متساو لا معنى له، بل ويؤخرك عن الوصول إلى الحل المناسب.
فهْم أولوياتك وأهدافك والظروف المحيطة بك؛ يوفر عليك الكثير في النوع التالي، ألا وهو “التصفية”.
٣. التصفية
إذ تستبعد كل الأفكار التي لا تناسبك، لإبراز الأفكار المتوافقة مع أهدافك وأولوياتك، ومن ثم الاجتهاد على فكرة منها للوصول إلى أفضل الحلول.
هل التفكير التقاربي خالٍ من الإبداع كليًا؟
تعتمد إجابة السؤال على طبيعة المفكر، والمهام الموكل بها.
إذا كانت المواقف المُكلف بها مجربة مُسبقًا؛ يلجأ أصحاب التفكير التقاربي إلى التقنيات المُجربة وتطبيقها وفقًا للمعلومات المتوفرة لديهم.
أي لا يحتاج الأمر منهم سوى اتخاذ قرار للاختيار ما بين التقنيات السابقة.
أما في حالة المرور بمشكلة جديدة؛ يلجأ الشخص إلى الخرائط الذهنية متخذًا معرفته السابقة في ترتيب الأفكار، ثم الفصل بين الحلول من خلال معايير مناسبة للمشكلة.
في هذه الحالة قد ينتقل الشخص إلى “التفكير التباعدي” في الحصول على أفكار جديدة.
التفكير التباعدي… أفكار إبداعية لا حصر لها من فكرة واحدة!

تدور فكرة التفكير التباعدي حول خلق اختيارات متنوعة لمشكلة ما مع البعد عن الأفكار التقليدية، لكن دون اتخاذ قرار باختيار حل واحد.
فالتفكير التباعدي يبدأ من موضوع واحد يتفرع إلى عدة مواضيع، أي يبدأ من الداخل إلى الخارج.
يتصف التفكير التباعدي بالمرونة، على نقيض التفكير التقاربي (إما أبيض أو أسود، ليس هناك وسط).
يُعرف التفكير التباعدي أيضًا بـ “التفكير الإبداعي” و”التفكير الأفقي”.
أهم مهارات التفكير التباعدي
١. العصف الذهني
هو أسلوب يعتمد على تنشيط الذهن لإخراج أكبر كم من الأفكار الإبداعية دون الاهتمام بتنظيمها.
لا يتجاهل الشخص أي فكرة تخطر بباله أو ينتقدها، وإنما يُسجل جميع الأفكار للرجوع إليها وتحديد مدى ملاءمتها لمشكلته.
٢. الاحتفاظ بمدونة
إحدى مهارات التفكير التباعدي التي تمكن صاحبها من تدوين ما يخطر بباله بشكل عفوي.
قد تأتي فكرة مميزة للشخص في أثناء مشاهدة التلفاز، أو ممارسة الرياضة، أو التنزه مع أصدقائه، لذلك الاحتفاظ بمدونة لتسجيل الأفكار الواردة على الذهن يمكنك من الاحتفاظ بأفكار مميزة.
٣. الخرائط الذهنية
أحد أبرز مهارات التفكير التقاربي والتباعدي.
في حالة التفكير التباعدي، تبدأ الخريطة الذهنية من الموضوع الرئيس ثم تتشعب إلى مواضيع فرعية، وكل موضوع فرعي ينقسم إلى مواضيع أخرى…
بحيث تشمل الخريطة الذهنية في النهاية كمًّا هائلًا من الأفكار المطروحة من مختلف الجوانب.
بعد أن تعرفنا إلى مهارات التفكير التقاربي والتباعدي، هيا لنفهم كيف استخدم (كينيدي) و(فون براون) كلًا منهما في سباق روسيا للوصول إلى القمر.
عندما سأل (كينيدي) (فان براون) عن طريقة للتقدم على روسيا في مجال الفضاء، لجأ (فان براون) إلى تحليل البيانات والحقائق للوصول إلى فكرة سباقهم نحو القمر بدلًا من بناء محطة فضائية، وهذا هو “التفكير التقاربي” .
عندما فكرا في حلول مبتكرة لتنفيذ المهمة من تصميمات لبدل الفضاء، ومعدات ووحدات قمرية، لجؤوا إلى “التفكير التباعدي” الذي أرشدهم إلى أفكار مبدعة مكنتهم من تنفيذ هذا العمل الفذ.
من أفضل: التفكير التقاربي أم التباعدي؟
ليس هناك أفضلية لطبيعة تفكير عن أخرى، فكل طريقة مناسبة في مواقف معينة، وذلك لأن لكلٍ منهما مزاياه وعيوبه.
فالتفكيرُ التقاربي يأتي بحلول واضحة -إما أبيض أو أسود-، لكنه يفتقد الإبداع والتميز في حل المشكلات؛ الأمر الذي يحرم صاحبه من الوصول إلى أفكار مميزة تصل به إلى نجاحات ساحقة.
والتفكير التباعدي يوفر لصاحبه كمًّا هائلًا من الأفكار المميزة، لكنه يبعده عن الوصول إلى أفضل حل للمشكلة؛ فتنوع الاختيارات والأفكار ليس بميزة دائمًا.
وقد أثبتت الأبحاث أن الاختيارات الكثيرة قد تأتي بنتائج عكسية وتسبب المزيد من التشتت والغموض. ليس هذا فحسب، بل وتعطله عن اختيار أفضل حل للمشكلة؛ نتيجة للحيرة وسط الاختيارات المتعددة.
إذًا ما الحل؟!
استخدام التفكير التقاربي والتباعدي بالتوازي.
التفكير التقاربي والتباعدي… هل يلتقيان سويًا؟

التنقل بين التفكيرِ التقاربي والتفكير التباعدي بما يتناسب مع الموقف الحالي يمَكن صاحبه من الحصول على أفضل الحلول وأكثرها إبداعًا في آنٍ واحد.
مثلًا، إذا كنت في بداية مشروع وتحتاج إلى الوصول إلى نقطة محددة للعمل عليها، سيوفر لك التفكير التباعدي كمًّا هائلًا من الأفكار من خلال جلسات العصف الذهني وتدوين كافة المعلومات الواردة على ذهنك.
ثم يحين بعد ذلك وقت التفكيرِ التقاربي لتنظيم أفكارك وتوجيهها نحو اختيار معين وفقًا لأولوياتك وأهدافك؛ للحصول على حل واحد يكون هو الأفضل لك.
مجمل القول:
لكل طريقة تفكير مميزاتها وعيوبها، وما يدفعك للاختيار بين الطريقتين طبيعة الموقف واستعدادك النفسي.
إذا تمكنت من الجمع بين التفكيرِ التقاربي والتفكير التباعدي في حل مشكلاتك… فهنيئًا لك بحلول مبدعة ومميزة!