التقييم الذاتي | تعرف على نفسك لأول مرة!

موظفٌ بسيط يعيش في الطابق الأول من منزل متواضع البناء والأثاث، في حي شعبي في طرف المدينة؛ لا تتعدى أحلامه باب منزله.
يستيقظ كالعادة في الصباح الباكر ليذهب إلى عمله، ثم يعود منهكًا في آخر النهار ليستقبله سريره بالترحاب.
يظل لسويعات قبل النوم محدقًا في سقف غرفته، تتناوب عليه الأفكار والأسئلة: “اقترب موعد سداد الجمعية، وليس لدي ما أسد به رمقي حتى نهاية الشهر، يا تُرى ماذا أصنع؟!”
تتكالب عليه الأسئلة والخواطر إلى أن يداعب نفسه ببعض الكلمات التي اعتاد أن يتمتم بها كي يهدأ ويستطيع النوم: “كفاك تفكيرًا وارضَ بما قسمه الله لك.”
ظل على هذه الحال مدة طويلة، حتى شاهد في أحد البرامج التلفزيونية رائد من رواد الأعمال الأكثر نجاحًا وشهرة، وقد وجَّه إليه المذيع سؤالًا عن ماهية قصة نجاحه.
بدأ رجل الأعمال بسردها، ثم تحدث عن أهم سبب من أسباب نجاحه في حياته؛ وهو اعتياد التقييم الذاتي لنفسه ولموظفيه فيما بعد.
وكانت كلمات ضيف البرنامج بمثابة الشعلة في الظلام الدامس التي أضاءت لصاحبنا الآفاق الواسعة، فبدأ يبحث عن مفهوم “التقييم الذاتي” وأهميته وكيفية أدائه.
ثم بدأ مسيرة نجاحه التي انتهت بانتقاله إلى مستوى معيشي مرتفع؛ لم يكن ليحلم به يومًا!
وأنت -عزيزي القارئ- ربما لديك من الأحلام الكثير، فهيا بنا نكتشف ما توصل إليه هذا الموظف البسيط كي يصل إلى هذا المستوى المعيشي الفارِه.
ما هو التقييم الذاتي ؟
إن التقييم الذاتي هو الطريق الفعلي للنجاح والحصول على أفضل النتائج والمستويات، وهو ليس مجرد كلمة تقال فحسب، إنما هو أسلوب حياة يجب أن يُنتهج ويُحافَظ عليه على طول مسيرة النجاح.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
ويُعرَّف التقييمُ الذاتي بأنه الطريقة التي تتضمن الملاحظة والتحليل والتقييم لكافة الأعمال التي تؤديها في حياتك والنتائج التي ترتبت عليها، ومن ثم تحسين الأداء وإصلاح الأخطاء وتجنب الوقوع فيها مرة أخرى.
أو بمعنى آخر هو أن تطرح على نفسك الأسئلة التالية:
- ما هو وضعي الحالي؟
- كيف وصلتُ إليه؟
- ما هي الأخطاء التي وقعتُ فيها كي أتجنبها؟
- ما هي الخطوة القادمة لتحقيق أهدافي؟
ولا يقتصر مفهوم “التقييم الذاتي” على الحياة المهنية الوظيفية فقط، ولكنه مصطلح شامل لكل جوانب الحياة العملية والشخصية والأسرية والاجتماعية… إلخ.
أهمية التقييم الذاتي

لا شك أن التقييم الذاتي ذو أهمية بالغة تنعكس على الشخص في مختلف الأصعدة الشخصية والعملية والاجتماعية، فتكاد لا ترى شخصًا ناجحًا إلا ويلزم عملية التقييم الذاتي بصفة دورية.
ونتحدث عن أهمية التقييم الذاتي على المستويين الشخصي والوظيفي فيما يلي:
التقييم الذاتي الشخصي
يحتاج كلٌ منا إلى التوقف بين الحين والآخر؛ لمراجعة آخر المستجدات وأثرها في حياتنا اليومية، وكذلك أثرها على المدى البعيد.
وتتجلى أهمية التقييم الذاتي الشخصي فيما يلي:
- تطوير الذات على المستوى الشخصي
فنجد أن الأشخاص المستمرين على أداء التقييم الذاتي الشخصي يتمتعون بأسلوب التفكير الواقعي، فغالبًا ما يُنحِّي هذا الشخص قلبه وعواطفه جانبًا ويُعمِل عقله؛ للحصول على أفضل النتائج الواقعية.
وبالتالي نجد أن الشخص المعتاد التقييم الذاتي يتمتع بالثقة العالية في النفس ويستطيع السيطرة على نفسه بشكل كبير، بخلاف من لا يعتاده. وقلَّما يقع هذا الشخص في فخ أحلام اليقظة أو فخ التسويف.
- تطوير الذات على المستوى المهني والوظيفي
فالتقييم الذاتي على المستوى المهني يجعل منك عملاقًا في مجالك العملي؛ فتخيل أنك تقف عند أخطاء الماضي وتحللها وتضع لها الحلول كي تتجنبها في المستقبل، ومن ثم تضع خطط تحسين الأداء، سواء بحضور دورات تدريبية أو حضور ورش عمل أو غيرها من الوسائل التي تطور نفسك بها في مجالك.
وكذلك للتقييم الذاتي على المستوى الوظيفي أثر كبير، فإذا كنت شاغرًا وظيفة ما وتحاول الحصول على ترقية فيها أو الوصول إلى مستوى معين، فبالتأكيد يأتي التقييم الذاتي في المقدمة لتحقيق مبتغاك.
- تطوير الذات على مستوى العلاقات المختلفة
فقد خُلق البشر على طبائع متباينة، إلا أنهم لا يستطيعون العيش من غير علاقات تربطهم؛ ومن أجل تحسين هذه العلاقات يجب على الشخص ملازمة التقييم الذاتي لعلاقاته أولًا بأول.
ونذكر هنا ثلاثة أنواع مهمة من العلاقات:
العلاقات العاطفية
فكم منا انخرط في علاقة عاطفية سامة تبدو جميلة وممتعة في بدايتها، لكننا لم نجد منها إلا الطعم المر في نهايتها!
فهنا يجب التوقف، وإعادة التقييم قبل فوات الأوان.
العلاقات الاجتماعية
نجد أن التقييم الذاتي على مستوى العلاقات الاجتماعية بزملاء العمل والأصدقاء يساعدك على التعامل مع مختلف الشخصيات، فهناك زميل العمل الخبيث، وهناك الطيب الساذج، وهناك صديق السوء الذي يجب قطع علاقتك به فورًا.
العلاقات الأسرية
لا شك أن التقييم الذاتي على المستوى الأسري عادة صحية؛ تقوي الروابط بين أفراد الأسرة، وتمنع تفككها على
المدى البعيد. لذا؛ لا بد من إجرائه دومًا.
- تطوير الذات على مستوى الصحة النفسية
تعد الصحة النفسية من أولويات الأمور التي ينبغي وضعها في بؤرة الاهتمام؛ فأثرها ينعكس على حياة الشخص كليًّا،
بما في ذلك صحته البدنية.
فالتزام التقييم الذاتي الشخصي على فترات متقاربة؛ يساعدك على التخلص من مسببات الأمراض النفسية كالاكتئاب والقلق.
ويساعد أيضًا على تحسين الحالة المزاجية للشخص؛ وبالتالي يوفر مساحة كبيرة من التفكير والمجهود المبذولين في العلاج.
تقييم الأداء الوظيفي
تُعد المؤسسات التي تضع معايير لتقييم الأداء الوظيفي، وتحث موظفيها على التقييم الذاتي الدوري؛ مؤسساتٍ ناجحة بكل ما تحمل الكلمة من معنى.
وتظهر آثاره فيما يلي:
- زيادة الإنتاجية؛ نظرًا لزيادة كفاءة العاملين.
- زيادة ولاء الموظف للمؤسسة؛ لما يجده من اهتمام بتطويره شخصيًا.
- توفير الوقت والمجهود.
- زيادة الفاعلية وارتفاع جودة المنتجات، وبالتالي المزيد من الأرباح.
كيف أُجري التقييم الذاتي وخطط التحسين؟

لا يختلف التقييم الذاتي الشخصي عن التقييم الذاتي الوظيفي كثيرًا، إلا أن الأخير له نماذج معينة
تتناسب مع المؤسسة التي يعمل بها الموظف.
استرخ قليلًا وأحضر كوب القهوة الخاص بك -إذا كنتَ تحب احتساء القهوة بالطبع-، واختلِ بنفسك ساعة من الزمن
تنفصل فيها تمامًا عن العالم من حولك.
أحضر ورقة وقلمًا وابدأ بالتقييم الذاتي ثم وضع خطط التحسين، وقد جئناك في «ترياقي» بأفضل تقنية للتقييم الذاتي،
ألا وهي (SWOT analysis).
فكل حرف في هذه الكلمة له معنى نشرحه بالتفصيل تاليًا، وتُستخدم هذه التقنية في كل العلاقات سواء الشخصية أو
المهنية أو العاطفية أو الأسرية أو غيرها.
ما معنى (SWOT analysis)؟
هي تقنية خططية استراتيجية، تعتمد على إظهار نقاط القوة والضعف والفرص المسموح بها للتغيير والتهديدات
والتحديات التي قد تواجهك، ونشرحها فيما يلي:
- نقاط القوة (Strength)
هي السمات والميزات التنافسية الإيجابية في شخصيتك، أو في عملك الخاص، أو في العلاقة القائمة.
- نقاط الضعف (Weakness)
هي العوامل السلبية التي تؤثر فيك أو في عملك بالسلب؛ وبالتالي تنتقص من قوتك. فعليك تحديدها بدقة كي تتخلص منها.
- الفرص (Opportunities)
هي عوامل خارجية في بيئة عملك أو في العلاقة، قد تساهم في نجاحك إذا استثمرتها جيدًا.
- التهديدات (Threats)
هي -أيضًا- عوامل خارجية لا تتحكم فيها، وتوضع كاحتمالات يجب إعداد الخطط للتعامل معها إذا حدثت بالفعل.
وفي الختام؛ ننصحك -عزيزي القارئ- بالتزام التقييمِ الذاتي أسبوعيًا لإصلاح ما سبق من أخطاء والوقوف على نقاط القوة لتعزيزها، ثم وضع الخطط المناسبة للمستقبل.
كن صادقًا مع نفسك في التقييم الذاتي عند كتابة إنجازاتك ونقاط ضعفك، ولا تنسَ أن هذا هو خير طريق للنجاح.