التكيف الاجتماعي عند الأطفال

سافر المهندس (أمجد) -مصطحبًا أسرته- إلى إحدى الدول الأوروبية أول مرة منذ عامين، وقد فُوجِئ بالاختلافات الشديدة عن وطنه.
شملت الاختلافات كلًا من الطقس والتكنولوجيا والتعليم، ولكن الأشد عليه كان التباين في التصرفات عمَّا تربَّى عليه في وطنه.
واجهته مشكلة في تعامل أولاده مع الأطفال في المدرسة، وفي الحي مع أبناء الجيران. ظل السؤال يلح على تفكيره: كيف تحقق التكيف الاجتماعي لنفسك ولأطفالك يا أمجد؟
سأل صديقه الذي سبقه في السفر عن التكيف الاجتماعي عند الأطفال، لكي يتجانسوا مع المجتمع وفي المدارس.
تعال نتعرف إلى فلسفة التكيف الاجتماعي، وأنواع التكيف الاجتماعي، وكذلك سلبيات سوء التكيف الاجتماعي.
تعريف التكيف الاجتماعي عند الأطفال
التكيف الاجتماعي بصورة عامة هو إدخال بعض التعديلات على طريقة حياة الشخص، لتتوافق مع المعايير الاجتماعية والثقافية للمجتمع الذي يعيش به.
بينما التكيف الاجتماعي عند الأطفال تحديدًا هو تعوُّدهم على المجتمعات الجديدة التي يدخلون إليها، مثل: الحضانة، والمدرسة، والسكن الجديد.
أهمية التكيف الاجتماعي عند الأطفال
يحتاج الطفل إلى الشعور بالأمان والألفة لكي يندمج في المجتمع الجديد الذي دخل فيه، مما يساعده قطعًا على الإحساس بالثقة بالنفس والنجاح.
يترتب على هذا أن يكون التطور السلوكي والعلمي للطفل تطورًا سليمًا، مما ينعكس بالإيجاب على صحة وتعليم الطفل.
وكذلك يساعد التكيفُ الاجتماعي عند الأطفال على تكوين علاقات اجتماعية قوية ونافعة مع الآخرين، بالمكان الذي يعيشون أو يتعلمون فيه.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
يعود الأمر بالإيجاب على المستوى الدراسي والقدرة على اكتساب المهارات الاجتماعية. ويصل الطفل إلى التوازن النفسي الذي يقيه من الأمراض النفسية، مثل اكتئاب الأطفال.
أنواع التكيف الاجتماعي
يمكن تقسيم التكيفُ الاجتماعي -وظيفيًا- إلى: التكيف الاجتماعي الإيجابي (PSA)، والتكيف الاجتماعي السلبي (NSA).

التكيف الإيجابي
يتضمن التكيف الاجتماعي الإيجابي السلوكات التي يلبي الأفراد عن طريقها احتياجاتهم للبقاء أو التطور أو الأعراف الاجتماعية، وهي مرتبطة بسعادتهم وقوتهم ونموهم. ويشمل:
- تأكيد الذات.
- الميل المؤيد للمجتمع.
- الكفاية المؤثرة.
- التكيف النشيط.
التكيف السلبي
يتضمن هذا التكيف سلوكات لا تتوافق مع الرضا الذاتي الفردي أو المسؤولية الاجتماعية، وكذلك لا تساعد على بقاء الفرد أو نموه أو تطوره. ويشمل:
- الاضطراب الذاتي.
- الاغتراب الاجتماعي.
- الانتهاكات.
- الانسحاب الاجتماعي.
سوء التكيف الاجتماعي
إذا لم يستطع الشخص أو الطفل الاندماج في الوسط المحيط به بشكل جيد، فإنه سوف يشعر بالضغط والتوتر العصبي.
ينعكس هذا على صورة الشخص الذاتية (رؤيته ورأيه في نفسه)، وانعدام الثقة بقدراته، مما قد يصل به إلى الفشل.
يصبح الشخص بعيدًا عن زملائه ومنطويًا على نفسه، وكذلك يعجز عن تعلُّم الخبرات المطلوبة للنجاح في مكانه.
وهذا هو سوء التكيف الاجتماعي الذي يجعل الشخص أو الطفل في حالة سيئة نفسيًا واجتماعيًا وعمليًا.
يحدث سوء التكيف الاجتماعي -وبالأخص عند الأطفال- بسبب عدم نضج النظام الوظيفي للتكيف، مما يؤدي إلى مشكلات تعليمية وشخصية.
نذكر أضرارًا أخرى، مثل:
- اضطرابات في مشاعر الطفل.
- انحرافات سلوكية، مثل: العناد، ونوبات الغضب، ورفض المجتمع.
- اضطرابات في الشهية.
- عجز ورفض للتواصل مع المعلم والزملاء.
- تأخر في نمو المهارات الحركية للطفل.
- الشعور بالقلق والتوتر العصبي.
- اهتزاز الثقة بالنفس.
ليس بالضرورة أن يحدث هذا السيناريو مع كل طفل يلتحق بمرحلة دراسية جديدة، ولكنه يصيب الأطفال بدرجات متفاوتة.
لذا، فإن أهم التحديات التي تواجه المعلم في مراحل الدراسة المختلفة هو مساعدة الطفل على الاندماج في الجو المحيط به، وبذل كل الجهد لتجنب مساوئ سوء التكيف الاجتماعي لدى الطفل.
فلسفة التكيف الاجتماعي
يصل التكيفُ الاجتماعي بالشخص إلى اكتساب المهارات والتقاليد والقيم التي تجعل من اليسير عليه أن يصبح شخصًا فاعلًا في مجتمعه.
يحتاج المرء إلى التكيف في مراحل حياته المختلفة من الطفولة إلى البلوغ، وتزداد مهاراته في التعامل مع المجتمع بالتدريج.
وبالوصول إلى التكيف الكامل، يشعر الشخص بالسعادة، وتزيد إنتاجيته، ويختفي شعوره بالغربة.
ومن المهم أن يصل الطفل إلى حالة الاندماج في المجتمعات التي يدخل فيها في أثناء سنواته الأولى في الحياة؛ فإن هذا يؤثر في كامل حياته فيما بعد.
وينبغي التحلي بمهارات التواصل والتكيفُ الاجتماعي من أجل الوصول إلى هذه الحالة.
تصنَّف المهارات الاجتماعية على أنها مهارات تتعلق ببدء التفاعل والحفاظ عليه وإنهائه، وكذلك المهارات المتعلقة بالتعامل مع المواقف غير السارة وحل المشكلات والمغامرة.
بينما يعرَّف الافتقار إلى المهارات الاجتماعية على أنه عدم القدرة على الأداء وقلته، وعدم ضبط النفس، وعدم وجود مهارات العرض.
كيف تحقق التكيف الاجتماعي للطفل؟
يقع عبء ذلك على المعلم الذي لا بُدَّ أن يتفهم شعور الطفل، وأن يتعامل معه بحكمة وهدوء تقليلًا للقلق الذي يحسه.
من أفضل النصائح لذلك:
- إشراك الطفل في الألعاب الجماعية التي تتيح له بناء علاقات بالآخرين -من نفس الفريق أو الفريق المقابل- وتنمي مهارات التواصل.
- من الأفضل تقليل الأوامر والتدخلات من الكبار والمعلمين بين الأطفال في أثناء اللعب الجماعي، إلا عند الضرورة.
- إذا كان الطفل قد انضم لمجتمع غربي، فإنه سيحتاج مساعدة من والديه في احتواء مشاعره وقبول انفعالاته.
- وكذلك لا بدَّ من متابعة تصرفات الطفل من كثب، وتقويمها عند الحاجة.
- تقديم القدوة الحسنة: يكتسب الطفل بعض مهارات التكيف من متابعة الأشخاص الأكبر سنًا كقدوة له.
- يفضَّل أن يبحث الآباء عن التجمعات التي لها نفس الخلفية الثقافية من أجل تنمية ثقة الطفل بنفسه، ثم التعرف تدريجيًا إلى صفات المجتمع الجديد.
إن التكيف الاجتماعي عند الأطفال ذوي الإعاقة يكون صعبًا في الأغلب، ويحتاج لمجهود أكبر إذا كان الطفل منعزلًا ولا يرغب في الانخراط في المجتمع.

ليس المقصود بـ”الإعاقة” التأخر العقلي فحسب؛ بل تشمل أيضًا:
- الإصابة بأحد الأمراض المزمنة.
- أمراض الجهاز العصبي والحركي.
- العيوب الخلقية.
- مشكلات الحواس الخاصة، مثل الإبصار والسمع.
لابدَّ من استشارة الاختصاصي الاجتماعي أو الطبيب النفسي في مثل هذه الحالات، لكي لا تتشوه نفسية الطفل.
إذن، نوجه لك بعض النصائح
لن تستفيد شيئًا بانعزالك عن الجميع، أو إنهاء عملك وأنت مبتعد عن الزملاء والرؤساء.
يعاني بعض الأشخاص والأطفال عدم القدرة على الانخراط في المجتمعات التي التحقوا بها، ولابدَّ من بعض المرونة من أجل تخطِّي العقبات.
يجب الانتباه إلى الأطفال عند دخولهم لمجتمعات جديدة عليهم، سواء في الدراسة أو عند تغيير البلد الذي يعيش فيه الطفل.
الصعوبة التي يواجهها الأطفال تجعل من الضروري وجود دور إيجابي للأهل في هذا التكيف.
الآباء والمعلمون هم قدوة الطفل، لذلك لابدَّ من الحرص على إظهار المهارات الإيجابية للتكيف أمام الطفل، وكذلك تقديم الدعم المعنوي له.