التلصص على مواقع التواصل (Stalking).. غريزة أم جريمة؟!

فشلت خطبتي، وتخلت عني محبوبتي!
لا أعلم السبب… فالقصة في غاية العجب!
حاولت نسيانها، وقطعت كل موصل لها…
حرصت أن أجعل لحياتي هدفًا…
ولكن سرعان ما فقدتُ الشغفَ!
لا أتمالك نفسي، الماضي يطاردني، والحاضر لا يشبعني!
بدأت أراقبها، وأستل أخبارها…
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
قررت الامتناع وفرضت الحدود…
ولكن هيهات… فكل مرة أعود!
أكره الخسارة والهزيمة، مَن هذه لتفقدني الإرادة والعزيمة؟!
أشعر برغبة في الانتقام، وشعر من حولي أنني لست على ما يرام!
فذهبت إلى طبيب نفسي، وسردت له قصتي، فأوضح لي سبب تدهور حالتي…
إنه إدمان التلصص على مواقع التواصل الاجتماعي!
ما المقصود بـ”التلصص على مواقع التواصل”؟
المطاردات والمضايقات في العموم ليست أمورًا مستحدثة، ولكن منذ أن انتشر استخدام الإنترنت أصبح من السهل على أولئك الذين يمتهنون التلصص والمطاردة استخدام الإنترنت في ممارساتهم الخبيثة وإشباع رغباتهم السيئة.
فالمطاردة هي استخدام المعلومات على مواقع التواصل بهدف مضايقة الضحية وتخويفها.
لماذا نستمتع بمراقبة الآخرين على مواقع التواصل؟

لا شك أن مراقبة الناس غريزة فطرية، لكن درجتها تتفاوت من شخص لآخر، إضافة إلى الشعور بالفضول لدى كثير من الناس مع الميل إلى مقارنة النفس بالآخرين.
لهذه الأسباب وغيرها تنشأ الرغبة الملحة في التلصص على مواقع التواصل الاجتماعي التي قد تتحول إلى إدمان مع الوقت.
يوجد خط رفيع يفصل بين الفضول الطبيعي والتلصص، فمجرد متابعة منشورات شخص ما على مواقع التواصل لا يعد ملاحقة.
الخصائص النفسية للمتلصصين
المطاردة -كما علمنا- تكون بهدف تخويف المطارَد،
فإذا تعمقنا في نفسية المتلصص سنكتشف أن ذلك السلوك ناتج عن أحد هذه الأسباب:
- حقد أو غضب.
- حب السيطرة.
- الاضطراب العاطفي.
- الشعور بالظلم.
- الرغبة في الانتقام.
- العزلة الاجتماعية.
ويتضح من هذه الأسباب أن التلصص على مواقع التواصل ينتج -غالبًا- عن اضطرابات نفسية بسبب مشكلات عاطفية وليس بسبب هلاوس أو أوهام.
إذ يكون المتلصص قد مر بصدمة عاطفية في حياته سواء في شبابه أو في طفولته، ولا تكون المطاردة بهدف إنشاء علاقة عاطفية مع المطارَد، لكنها وسيلة لتفريغ رغبة الانتقام ومعالجة الشعور بالظلم ولكن بطريقة غير سوية.
كيف نعالج داء المطاردة؟

للتلصص أسباب مختلفة، يؤدي كل سبب إلى سلوك مختلف، فحسب طبيعة المطاردة تتحدد طبيعة العلاج، على سبيل المثال:
إذا أدى التلصص إلى ملاحقة الضحية بتكرار تصرفات، مثل:
- الاتصالات الهاتفية.
- إرسال الخطابات البريدية.
- مراقبة منزلها.
- طلب سلع أو خدمات أو إلغائها نيابة عنها.
وذلك بغرض إشعارها بالخوف؛ هنا يكون على الراجح أن المطارِد يعاني خللًا عقليًا واضحًا.
وعلاج مثل هذه الحالات يكون بالتناوب بين العقوبة القضائية مع العلاج الدوائي.
ويكون العلاج فرديًا، لأن من يمتهن المطاردة يعمل -غالبًا- في مجموعة ليتلقى الدعم الدائم والمعلومات.
أما إذا كان التلصص نابعًا من فشل علاقة عاطفية -وهو الأكثر شيوعًا-؛ فيزداد شعور الغيرة والكراهية وعدم تقبل الواقع، بالإضافة إلى التوهم والشعور بالنرجسية.
هذه الحالة يسهل علاجها، فعادة يكون مدخل العلاج هو شعوره بأهمية مصلحته الخاصة واستثمار حبه لذاته، فيُقال له ببساطة: «لماذا يضَيع شخص مثلك وقته وطاقته على شخص كهذا؟!»
مع محاولة تشتيت ذهنه لينسحب تدريجيًا من هذا السلوك.
ومن وسائل ردع المطارِد وتقويم سلوكه أيضًا تهديده ببعض التهديدات الخفيفة، مثل: إنذاره بفرض عقوبات قضائية.
كيف تعرف أنك مراقب؟
يرسل بعض الملاحقين رسائل بريد إلكتروني ونصوصًا وصورًا وروابط إلى ضحاياهم يوميًا.
لا يشترط أن تكون المطاردة عبر الإنترنت امتدادًا للمطاردة الجسدية، ولكنه احتمال وارد.
ولكن في أغلب حالات التلصص على مواقع التواصل الاجتماعي لا يعرف المطارِد الهوية الحقيقية لضحيته، ربما يكون قد شاهد ملفه الشخصي فقط فأصبح مهووسًا به.
المشاعر الطبيعية عند التعرض للملاحقة على مواقع التواصل

لا شك أن المطاردة عبر الإنترنت أمر مؤلم ومرهق للغاية، ومن الطبيعي أن تواجه واحدًا أو أكثر من هذه المشاعر:
- الارتباك والقلق والعجز.
- الغضب والاكتئاب وانعدام الثقة.
- العزلة عن العائلة والأصدقاء.
- الشعور بأنك بحاجة إلى مراقبة ما حولك طوال الوقت، وانعدام الشعور بالأمان.
- تجد صعوبة في التذكر أو التنظيم.
- تكافح من أجل أداء مسؤولياتك اليومية.
ماذا تفعل إذا كان طفلك يتعرض للتهديد؟
المطاردة تجربة مرعبة يمكن أن تصبح صدمة حقيقية للطفل، وقد يضطر ضحايا المطاردة إلى اتخاذ قرارات صارمة لتجنب مطارِديهم، مثل:
- تغيير المدارس.
- الانتقال إلى سكن آخر.
- تغيير أرقام الهواتف.
- تغيير عناوين البريد الإلكتروني.
- غلق حسابات وسائل التواصل الاجتماعي.
يظل المطارَدون وذووهم في خوف دائم، حتى عندما تتوقف المطاردة تمامًا، وقد يستغرق الأمر سنوات لتجاوز ما أحدثته هذه المرحلة من تشوهات نفسية للطفل.
إذا تركَت تجربة المطاردة ندوبًا أو صدمة للطفل، فينبغي اللجوء إلى طبيب نفسي لاستعادة صحته النفسية، حتى لو بدا لك أنه بخير.
إن الضحايا الذين يتعرضون لتهديدات الملاحِقين لهم أكثر عرضة للإصابة بأعراض اضطراب ما بعد الصدمة، ويحتاجون غالبًا إلى علاج الاكتئاب والقلق والهلع والتفكير الانتحاري.
4 نصائح في حال تعرضك للتلصص على مواقع التواصل
لا داعي للقلق؛ فالأمر يسير، عليك اتباع الخطوات الآتية فقط:
- احجب المتلصص.
- أبلغ عنه.
- قلل ما تنشره من معلومات شخصية.
- اضبط إعدادات الخصوصية.
وختامًا…
التلصص خُلُق مذموم، يبدأ بالفضول الغريزي الطبيعي وصولًا إلى جرائم معقدة، والصحة النفسية هي مفتاح كل سلوك قويم.
فلو صب المجتمع جل اهتمامه على سلامة نفسية أفراده، لَتنعَّم بالأمان وقَلت معدلات التحرش والمطاردات والجرائم، ولحظي أطفاله بنشأة سوية.
بقلم الصيدلانية/ فاطمة مدحت رشاد