عام

التمييز ضد كبار السن

“على ألا يزيد سن المتقدم على أربعين عامًا”، “على ألا يتجاوز سن المتقدم خمسة وثلاثين عامًا”…

تلك الجُمل القاتلة هي التي تُذيِّل كافة الإعلانات التي تناسبني! ولكن، لأُعرِّفكم بنفسي أولًا…

أنا الأُسطَى (عابد)، أو كما يلقبونني (عم عابد)، كنتُ أعمل سائقًا منذ سنوات طويلة في إحدى الشركات، ثم ترقيتُ إلى كبير سائقين.

ولكن استغنت الشركة عن خدماتي منذ عدة أشهر، أو أنهم -كما عرفت- قد استبدلوني بشاب يصغرني بأكثر من نصف عمري.

كم تألمتُ لهذا! فهل هذا جزاء خدمتي وإخلاصي طوال تلك السنوات؟! ولكنه التمييز ضد كبار السن الذي نراه جليًّا في كثير من إعلانات الوظائف!

يُفضِّل أرباب العمل الشباب الصغير، ويعاملوننا وكأننا قد أصبحنا مثل “خيل الحكومة”، ولكن ما الضير في استمراري في العمل ما دمتُ قادرًا على أدائه على أكمل وجه؟!

سنتحدث في السطور القادمة عن التمييز ضد كبار السن، والمشكلات الصحية التي تواجههم، وسنتطرق إلى كيفية رعاية المسنين، فتابع معنا هذا المقال.

ولكن قبل أن نتحدث عن التمييز ضد كبار السن، لنتعرف أولًا إلى تصنيفات المسنين…

كبار السن

كبير السن -أو المسن- هو الشخص الذي تجاوز عمره ستين عامًا، وليس بالضرورة أن يكون مريضًا، أو ضعيفًا، أو يعجز عن الاهتمام بصحته.

فقد يتمتع الكثير من كبار السن بصحتهم الجسدية والنفسية، وذلك بفضل زيادة الاهتمام بالوعي الصحي والرعاية الطبية.

تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!

إذ يتمتع ما يقارب واحدًا وأربعين بالمائة من كبار السن بصحة جيدة، تبعًا لِمَا أقرته مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC).

ولُوحِظ -أيضًا- ارتفاع متوسط الأعمار في جميع أنحاء العالم، ولكن هناك الكثير من المخاوف بسبب التمييز ضد كبار السن.

تصنيفات المسنين

هناك ثلاثة تصنيفات لكبار السن تبعًا للشريحة العمرية “أكبر من ستين عامًا”:

  • الأصغر سنًا: وهم الذين تتراوح أعمارهم بين ستين عامًا وأربعة وسبعين عامًا.
  • منتصف العمر: وتشير تلك الشريحة إلى كبار السن الذين تتراوح أعمارهم بين خمسة وسبعين عامًا وأربعة وثمانين عامًا.
  • الأكبر سنًا: الذين تزيد أعمارهم عن خمسة وثمانين عامًا.

وهناك الكثير من التحديات التي يتعرض لها كبار السن مع تقدُّمهم في العمر، وتختلف تلك التحديات من شخص لآخر تبعًا لظروفه الاجتماعية والبيئية، ومستوى التعليم والرفاهية.

وتختلف -أيضًا- تلك التحديات والصعوبات للشخص نفسه مع تقدُّمه في العمر، وبلوغه مرحلة الشيخوخة.

مشكلات كبار السن

هناك العديد من المشكلات التي يعانيها كبار السن مع تقدُّمهم في العمر، والتي تؤثر في صحتهم واستمتاعهم بخريف العمر. ومن أمثلة مشكلات كبار السن “الأكثر شيوعًا”:

  • التدهور المعرفي

تُعَدُّ صعوبات التذكُّر واختلالات الذاكرة أمرًا شائعًا بين كبار السن، على غرار مرض ألزهايمر.

ولذا، ينبغي لكبار السن وذويهم -أو مقدمي الرعاية الصحية- الانتباه إلى العلامات المبكرة التي تشير إلى الإصابة بالألزهايمر.

  • السقوط

السقوط من أكثر مسببات الإصابات الجسدية لدى كبار السن، لذا ينبغي لكبار السن الحفاظ على قدرتهم على الحركة والتوازن، لوقايتهم من الوقوع أرضًا.

  • صحة الفم والأسنان

لا يفقد جميع المسنين أسنانهم، ولكن يعاني الكثير منهم التهابات اللثة، لذا ننصح كبار السن بالتنظيف اليومي لأسنانهم، والاهتمام بزيارة طبيب الأسنان للاطمئنان على صحة الفم والأسنان.

  • أمراض القلب

تُعَدُّ أمراض القلب السبب الرئيس لوفاة الكثير من كبار السن، لذا ينبغي متابعة ضغط الدم ومستوى الكوليسترول لدى كبار السن.

  • هشاشة العظام

يعاني العديد من الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن خمسين عامًا انخفاض كتلة العظام، ويعاني جميع الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن ثمانين عامًا أحد أشكال التهاب المفاصل.

لذلك من الأفضل لك ممارسة الرياضة بانتظام، واتباع نظام غذائي صحي، لحمايتك من خطر الإصابة بهشاشة العظام أو التهاب المفاصل.

  • أمراض الجهاز التنفسي

عادة ما تصبح الإصابة بالربو أو مرض الانسداد الرئوي المزمن (COPD) أسوأ مع التقدم في العمر.

  • مرض السكري

تشير الإحصاءات إلى أن ما يقارب 25% من كبار السن -الذين تزيد أعمارهم عن خمسة وستين عامًا- يعانون مرض السكري من النوع الثاني.

لذا، يمكنك إجراء تغييرات في نمط الحياة، لتقلل من خطر إصابتك بالسكري.

  • الإنفلونزا أو الالتهاب الرئوي

يُعَدُّ كبار السن أكثر عرضة للإصابة بالإنفلونزا والالتهاب الرئوي، وذلك جرَّاء ضعف جهاز المناعة لديهم.

  • ضعف البصر أو السمع

هناك الكثير من المشكلات الصحية التي تؤدي إلى ضعف البصر، أو فقدانه في بعض الحالات، مثل: الجلوكوما، وإعتام عدسة العين. 

ويعاني ما يقارب 43% من كبار السن -الذين تتجاوز أعمارهم الخمسة وستين عامًا- ضعف السمع.

لذلك ينبغي لكبار السن إجراء الفحوصات الروتينية لمتابعة السمع والبصر، بهدف تجنب تلك المشكلات.

  • السرطان

يزداد خطر الإصابة ببعض أنواع السرطان مع التقدم في العمر، مثل: سرطان عنق الرحم لدى النساء، وسرطان البروستاتا لدى الرجال.

التمييزُ ضد كبار السن

يُعَدُّ التمييز ضد كبار السن أحد القضايا الشائكة التي تواجهنا في عصرنا الحديث، وخاصة مع زيادة عدد كبار السن.

قد يفاجئك الأمر، ولكن يظهر التمييز ضد كبار السن جليًّا عندما يعاملهم الآخرون كأشخاص غير جديرين بالاهتمام، أو غير مناسبين للعمل.

يؤدي ذلك التمييز ضد كبار السن إلى إصابتهم بالاكتئاب، وشعورهم بأنهم لا قيمة لهم بعد تقدُّمهم في العمر، وأن رحلتهم في الحياة قد أوشكت على الانتهاء.

ويا له من شعور قاسٍ أن تكون تلك هي طريقتنا لشكرهم وتقديرنا لجهودهم! لذا، ينبغي لنا رعاية المسنين والاهتمام بهم مع تقدُّمهم في العمر؛ تقديرًا وعرفانًا لهم.

ولعلك تتساءل الآن، كيف يبدو التمييز ضد كبار السن؟

التمييزُ ضد كبار السن في العمل

عادة ما يفضِّل الكثير من أرباب العمل الموظفين الذين تقل أعمارهم عن خمسين عامًا.

وقد فقد الكثير من العاملين وظائفهم في أعقاب الأزمة الاقتصادية في عام 2008، وهو ما أدى إلى تسريح العديد من الموظفين الأكبر سنًا.

وأصبح أمرًا واقعًا أن ينافس كبار السن الشباب -في سن العشرين والثلاثين- على نيل الوظائف، وعادة ما تُرجَّح كفة الشباب؛ فهم أصغر سنًا وأقل راتبًا.

وأدى ذلك التمييز ضد كبار السن إلى تدهور الظروف الاقتصادية للكثير منهم، وعيشهم تحت خط الفقر.

التمييزُ ضد كبار السن في العائلة

شتان بين رعاية المسنين وبين تقييد قدراتهم، ومعاملتهم كما لو كانوا غير قادرين على الاهتمام بأنفسهم!

لذا، ينبغي لنا الحذر؛ فقد نرى أننا نهتم بأحبائنا من كبار السن، لكن الواقع هو أننا نسبب لهم المزيد من الضرر النفسي.

تخيل معي أن جدك أصبح مقيمًا في المنزل جرَّاء الخوف عليه، وتخيل معي الآن كم يشعر بالوحدة والاكتئاب إثر حرمانه من الهوايات التي يحبها، وزيارات الأصدقاء التي كانت تبقيه حيًّا!

نعم، فأنت أصدرت -بحرمانه من الخروج- حكمًا عليه بالموت بين جدران المنزل؛ فالوحدة قاتلة، وخاصة مع التقدم في العمر.

التمييزُ ضد كبار السن في البيئات الاجتماعية

مع الأسف، يميل الكثيرون إلى تجاهل التفاعل مع كبار السن، وهو ما يؤثر سلبًا في كبار السن.

يمكننا ملاحظة هذا عندما تصطحب والدك إلى الطبيب، ويغفل الطبيب وجود والدك، ويوجه حديثه إليك لمعرفة ما يعانيه والدك. تخيل كيف يشعر والدك؛ هل أصبح غير مرئي!

التمييزُ ضد كبار السن في الرعاية الصحية

عادة ما تركز الأبحاث والدراسات على استجابات الشباب للعلاجات المختلفة والأدوية، لذا فإن الكثير من الدراسات على تأثيرات الأدوية في كبار السن ليست كافية.

تخيل معي أن هناك اثنين من المرضى؛ أحدهما كبير السن والآخر في ريعان شبابه، ويحتاج كلاهما سريرًا في العناية المركزة.

عادة ما تبذَل المزيد من الجهود لإنقاذ حياة الشاب صغير السن، ولكن ألا ينبغي أن يتلقى كلاهما نفس الرعاية الطبية والاهتمام!

رعاية المسنين

يشير مصطلح “رعاية المسنين” إلى دور رعاية كبار السن، وهي دور مخصصة لتلبية احتياجات كبار السن، وتقديم الرعاية الصحية التي يحتاجون إليها.

تعَدُّ رعاية المسنين خيارًا لا بأس به في حالات كبار السن الذين يعانون العديد من المشكلات الصحية، ويحتاجون إلى رعاية صحية على مدار الساعة.

ولكن يفضل الكثير من الأبناء رعاية ذويهم من كبار السن بأنفسهم، وذلك عرفانًا لهم وتقديرًا لدورهم.

وقد يفضل بعض كبار السن العيش في دور رعاية المسنين، وذلك للاندماج مع أشخاص يقاربونهم في العمر، ولديهم نفس الاهتمامات.

ختامًا…

كبار السن هم جزء لا يتجزأ من حياتنا؛ فهم آباؤنا وأجدادنا، وينبغي لنا رعايتهم والاهتمام بهم.

وعلينا أن نصبح أكثر وعيًا تجاه التمييز ضد كبار السن، وينبغي لنا محاربة هذا التمييز، وأن نُظهِر المزيد من الاحترام والتقدير لكبار السن.

المصدر
The Top 10 Health Concerns for SeniorsDifferences in youngest-old, middle-old, and oldest-old patients who visit the emergency departmentAgeism – The Discrimination Against Older PeopleAgeism and the ElderlyWhen is Elder Care Necessary?
اظهر المزيد

د. أمل فوزي

أمل فوزي، صيدلانية، أعمل في الهيئة القومية للرقابة والبحوث الدوائية. أعشق الكتابة، وأجيد البحث، أستمتع بكتابة المقالات الطبية بأسلوب سلس وبسيط، هدفي الارتقاء بمستوى المحتوى الطبي العربي، ونشر العلم من مصادره الموثوقة لينتفع به القارئ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى