التنوع الثقافي | الاختلاف يجعلنا أقرب!

يتجهز (أحمد) لحضور مؤتمر عالمي تابع لمنظمة الأمم المتحدة، يهدف إلى التنوع الثقافي بين دول العالم. وبينما هو منهمك في تحضير حقيبته، إذا بصديقه (خالد) يقاطعه بسؤاله:
– إلى أين أنت ذاهب يا أحمد؟
= إني ذاهب إلى حضور مؤتمر عن التنوع الثقافي.
– ماذا تقصد يا أحمد بالتنوع الثقافي؟
= حسنًا يا خالد، هيا بنا نتعرف إلى هذا المصطلح، وآثاره في حياتنا، وكيف نستفيد من هذا التنوع…
ما المقصود بالتنوع الثقافي؟
يُعرَف التنوع الثقافي بمصطلح “التعددية الثقافية” أيضًا، ويُقصَد به تعدد وتنوع الثقافات المختلفة داخل المجتمع الواحد، أو تبادل الثقافات والحضارات المختلفة بين دول العالم، واحترام وتقبل تلك الثقافات لبعضها البعض.
ومن تلك الاختلافات التي علينا تقبلها في ثقافات الآخرين: اختلاف الدين، والعرق، واللغة، والجنسية، والطبقة الاجتماعية.
ما هي فوائد التنوع الثقافي؟
تسعى منظمات دولية كثيرة -ومنها منظمة الأمم المتحدة- إلى تحقيق هذا التنوع بين دول العالم، وتبادل الثقافات والحضارات المختلفة.
فيا تُرى، ما هي فوائد التنوع الثقافي في مجتمعاتنا؟ إليك بعضًا منها:
الحفاظ على ثقافة الأقليات
يوجَد داخل المجتمع الواحد الكثير من الأقليات والفئات المختلفة، والتي تمتلك عادات وتقاليد وثقافة مختلفة.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
يُتيح التعدد الثقافي التعرف إلى ثقافة تلك الأقليات، وإحيائها مرة أخرى، وحمايتها من الانقراض، وتمسَُك كل فئة منها بهويتها وعاداتها، مع احترامها للفئات الأخرى من الشعب.
فتح آفاق وفرص جديدة
يبني هذا التنوع طريقًا ممهدًا لفتح آفاق وفرص جديدة في جميع المجالات، يستفيد بها جميع أفراد المجتمع، وخصوصًا الشباب.
إيجاد الحلول غير التقليدية للمشكلات
يوفر وجود أشخاص -من خلفيات ثقافية مختلفة- معًا في مكان واحد الكثير من الحلول للمشكلات التي قد تواجههم معًا.
بالإضافة إلى أن اختلاف وجهات النظر والرؤى المتعددة قد يطرح حلولًا غير تقليدية تمامًا للمشكلات الاجتماعية، مع إيجاد أكثر من حل واحد للمشكلة.
ما هو دور التنوع الثقافي في التقارب بين الشعوب؟

“قوتنا في اختلافنا“، تلك الجملة التي كثيرًا ما تتردد على مسامعنا، ولكن ماذا تعني تلك الجملة؟
تختلف الشعوب فيما بينها في كثير من الأوجه والنواحي والأشياء، مثل: الدين، واللغة، والحياة الاجتماعية، والنواحي الاقتصادية والسياسية.
يأتي التعدد الثقافي ليُذيب تلك الاختلافات، ليس ذلك فحسب بل وجعلها نقاط قوة، وذلك من خلال دمج كل تلك الاختلافات معًا،
والاستفادة من كل وجهات النظر، وتقاربها وتوظيفها في المكان المناسب.
كذلك يساعد التعدد الثقافي على التعرف إلى الشعوب والمجتمعات الأخرى، واحترام الثقافات الأخرى، وإثارة اهتمام الشعوب للتعرف إلى غيرها، ومحاولة الاستفادة من بعضها بعضًا.
يشهد العالم الآن تطورًا هائلًا في وسائل الاتصال؛ فنرى شبكات الإنترنت، ووسائل النقل المتطورة جدًا.
ويزيد هذا الاتصال من إتاحة الفرصة للتعرف إلى دول العالم المختلفة، مما يُثري من دور التنوع الثقافي في التقارب بين الشعوب.
خمس مميزات يتميز بها التنوع الثقافي في بيئة العمل

العديد منا قد يكون زملاؤه في العمل أشخاص من ثقافات مختلفة عنه؛ فقد يكون وجه الاختلاف في الدين مثلًا، أو اللغة، أو العرق.
إذًا كيف يكون التنوع الثقافي في بيئة العمل مفيدًا ومُثمرًا؟ سيكون كذلك عن طريق التالي:
1- خلق بيئة خصبة للفكر والإبداع
عندما يكون لدينا فريق عمل من دول وثقافات مختلفة، فيطرح كل فرد بدوره أفكارًا ورؤى مختلفة بناءً على خلفيته الثقافية،
فلك أن تتخيل كم الأفكار المبدعة والمختلفة التي سنحصل عليها، والتي ستصب في النهاية في مصلحة العمل!
من الطبيعي أنه عندما تتعدد وتتشعب وجهات النظر، يكون نتاج هذا التعدد كم هائل من الأفكار المبدعة.
ووجود الشخص في بيئة مختلفة ومتنوعة الثقافة يثير في ذهنه كثيرًا من الأفكار المبدعة والخلاقة، يستنتجها من ثقافة الآخرين المختلفة عن ثقافته وتفكيره، ويُحيي في نفسه روح العمل الجماعي.
2- تطوير مهارات وخبرات الفرد الواحد داخل العمل
عندما تتمتع بيئة العمل بالتعدد الثقافي، تكون لدى الأفراد فرص عظيمة لتطوير مهاراتهم ومواهبهم، عن طريق الاستفادة من ثقافة الآخرين من زملاء العمل.
كما أن طرح الأفكار والخبرات المختلفة -كل على حسب ثقافته ووجهة نظره- يزيد من فرص التعلم من الأشخاص بعضهم البعض.
ويُمكن أن يعزز ذلك من القدرة على حل المشكلات، خاصة عندما تُطرَح تلك الأفكار والآراء ذات الثقافات المختلفة على طاولة نقاش واحدة.
3- زيادة الإنتاجية
وذلك عندما يكون لدينا العديد من الأشخاص أصحاب الثقافات والمهارات مختلفة، وكل فرد منهم بارع في مهارة معينة ووظيفة محددة.
تخيل معي عندما يتولى هؤلاء الأشخاص المهام التي يتقنونها و يبرعون فيها، وكان مصدر براعتهم من الأساس هو ثقافتهم المختلفة عنك، فكم سنوفر من الجهد والوقت المبذول في الصناعة وزيادة الإنتاج!
4- التنوع في تعيين الموظفين
أوضحت الدراسات أنه من الأفضل عند توظيف الأفراد للعمل أن يكونوا من خلفيات ثقافية مختلفة؛ فهذا بدوره يُساعد على التطوير،
ويجعل الخدمة التي يقدمها العمل مناسبة لطوائف عدة من الأشخاص.
وبتطبيق استراتيجية الاختلاف الثقافي في تعيين الموظفين، تتسع دائرة اختيارك للموظفين لتكون خارج مدينتك أو منطقتك،
فتشمل مدنًا أخرى أو حتى دولًا من مختلف بلدان العالم.
5- تطور التسويق للمنتجات
إذا كنت مالكًا لشركة أو صاحب عمل، فأنت تعلم جيدًا أهمية قسم التسويق بالنسبة لشركتك، فيأتي التعدد الثقافي بين موظفيك ليسهل عليك التسويق لمنتجك.
يُتيح لك هذا التعدد التعرف إلى ثقافات وشعوب متعددة، تستطيع من خلالها أن تُطوِّع منتَجك ليناسب كل تلك الثقافات،
ويصل إلى أكبر عدد من الناس، حتى من الممكن أن يكون منتجك منتجًا عالميًا.
ما هي آثار التنوع الثقافي؟

يُعَدُّ الاختلاف الثقافي من الطُرق الهامة جدًا في تقارب الشعوب من بعضها، والارتقاء بتفكير أفرادها، كما أن له بعض الآثار الإيجابية في حياة تلك الشعوب. ومن آثار التنوع الثقافي:
- الاستفادة من ثقافة الآخرين في جميع مناحي الحياة: الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية.
- تطور وارتقاء الفكر والعقل البشري.
- مواكبة ما يجري في جميع أنحاء العالم.
- احترام الثقافات الأخرى والأفراد المختلفين.
- زيادة فرص التعاون والدمج بين الدول، مع الاحتفاظ بالهوية الثقافية.
ما هي مظاهر التنوع الثقافي؟
يتجه العالم بأسره إلى تحقيق مفهوم “العولمة”، والذي يهدف إلى دمج جميع الحضارات والمجتمعات معًا، فيهدف -بالتبعية- إلى تحقيق التعدد الثقافي.
ومظاهر التنوع الثقافي نشهدها في جميع المجالات -سواء الاقتصادية أو التعليمية أو الاجتماعية- كالتالي:
- المجال الاقتصادي
نشهد في الفترة الأخيرة الكثير من المؤتمرات الاقتصادية العالمية، والتي تسعى خلالها الدول للاستفادة من تجارب بعضها في رفع مستوى اقتصادها، وإيجاد الحلول المناسبة لرفع مستوى الاقتصاد العالمي.
- المجال التعليمي
يوجَد الآن الكثير من المنح الدراسية بين بلدان العالم المختلفة، يستفيد بها الطلاب في جميع أنحاء العالم، وذلك لتطوير طرق التعليم في الدول جميعها، ومنح الطلاب فرصة للتعرف إلى ثقافة مختلفة عن ثقافتهم.
- المجال الاجتماعي
تنظم منظمات ومؤسسات عالمية كثيرة العديد من الأنشطة الاجتماعية والثقافية، والتي تصبو إلى تعرف الشعوب إلى بعضها بعضًا،
ومعرفة الحضارات والعادات والتقاليد الأخرى.
ماذا تعرف عن التنوع الثقافي البشري؟
يمكن لعلم الأنثروبولوجيا (Anthropology) -أو ما يعرَف بـ”علم دراسة الثقافات والمجتمعات”- الإجابة عن سؤال (ما هو التنوع الثقافي البشري؟).
يفسر علم الأنثروبولوجيا التنوع الثقافي البشري من خلال اختلاف حياة البشر في نواحٍ عدة؛ من الناحية الاجتماعية، والاقتصادية،
والسياسية، والدين، واللغة، والتطور الحضاري.
وتدرس الأنثروبولوجيا هذا الاختلاف البشري منذ بداية نشأة الحضارات، أو حتى ما قبل التاريخ، وذلك لمعرفة كيفية الدمج بين ثقافتين أو أكثر من الثقافات البشرية.
والآن، وفي ختام حديثنا لليوم، نرجو أن نكون قد أوضحنا مفهوم التنوع الثقافي، وآثاره، ومظاهره في شتَّى نواحي الحياة، وكيفية الاستفادة منه في بيئة عملك.
لذا، تذكَّر دائمًا أن التنوع والاختلاف يُثري من حياتنا الاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية، ولا يؤدي إلى التعصب والعنف.
بقلم د/ هناء محمود عبداللطيف