ترياق الروح
أخر الأخبار

الثقة بالنفس ولعبة المرايا

لطالما كانت المرايا السحرية لعبتي المفضلة في الملاهي؛ تقف أمام إحداها فيصير جسدك مربعًا، وتنظر لأخرى فتجد رأسك ضخمة كفضائي هارب ألقت به الأقدار على كوكب الأرض. ثم هناك تلك المرآة التي تريك من نفسك نسخًا عديدة، تلوّح لنفسك فتجد العشرات منك يردون التحية. 

ولكن إذا كانت انعكاسات المرايا الفكاهية تضحكنا، فماذا عن الانعكاسات الشخصية التي نراها في مرايا أنفسنا؟
هل أنت راض عن انعكاسك في المرآة؟ وهل ترى نفسك على حقيقتها؟

في هذا المقال، نحدثك عن الثقة بالنفس، تلك الكلمة السحرية التي تفتح لك الأبواب الموصدة، ونبحث معًا عن العوامل المؤثرة عليها، وعن طرق لتعزيز الثقة بالنفس. 

ما هي الثقة بالنفس؟ 

هي ثقتك في إمكاناتك وقدراتك، وفي سلامة حكمك وحسن تصرفك، وإيمانك بقدرتك على تخطي التحديات التي تواجهك يوميًا بنجاح. 

وتنعكس هذه الثقة على قراراتك بشكل إيجابي، وتحدد طريقة تعاملك مع التحديات الجديدة؛ فكلما كنت أكثر ثقة بنفسك، كلما أقبلت على هذه التحديات بإرادة قوية دون أن يردعك خوف.

ما بين الثقة بالنفس وتقدير الذات

لا يمكننا ذكر الثقة بالنفس دون أن يطل علينا مصطلح تقدير الذات برأسه؛ إذ يتداخل المصطلحان ويدعم كل منهما الآخر. 

يمثل تقدير الذات الصورة التي تحتفظ بها عن نفسك وإمكاناتك، ويعبر عن قناعاتك حول قيمتك الشخصية وأهمية وجودك، وتأثيرك فيمن حولك وفيما تفعله. 

ويختلف مقدار الثقة بالنفس وتقدير الذات من شخص لآخر.

إذ يبدو أحدهم مهتزًا ومترددًا، إذ تتعثر خطاه على الأرض لأن تقديره لذاته منخفض، وصورته عن نفسه غير ناضجة، في حين يحلق الواثق من نفسه ويرقص كأنما، هو دون البشر، قد خُلِق بجناحين!

ما العوامل المؤثرة على الثقة بالنفس؟

تلعب العديد من العوامل دورًا مهمًا في تحديد نظرتك لنفسك، بالسلب أو الإيجاب، ومنها على سبيل المثال: 

تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!

طفولتك

يحدد الاهتمام والإحساس بالأمان الذي تتلقاه في طفولتك مقدار ثقتك في نفسك.

تتزعزع هذه الثقة لدى الأطفال الذين ينشؤون في بيئة فوضوية أو عنيفة.

كي نوضح الأمر، دعنا نتخيل السيناريوهات التالية:

  • “ألا يمكنك فعل أي شيء بشكل صحيح؟!” إن صراخ الأم بهذه الكلمات في وجه صغيرها بشكل مستمر يلقي في قلبه بذورًا من الشك والخوف يصعب اقتلاع ما يثمر عنها فيما بعد.
    ويصبح الطفل أبطأ وأقل قدرة على التكيف مع التحديات من حوله.
     
  • عدم الاهتمام والانشغال الدائم: تفقِد إنجازاتك الصغيرة معناها إذا لم تجد من تشاركها معه.
    فإذا كنت عرضة للتجاهل في طفولتك، قد يسيطر عليك إحساس بعدم الأهمية واحتقار الذات.
     
  • وجود خلاف بين الأبوين: تترسخ تلك الصورة المرعبة في ذهن الطفل، ويشعر بأن وجوده سبب تلك المشاكل والخلافات، وقد يستمر هذا الإحساس في كبره.
  • التعرض للتنمر: يشوه التنمر نفسية الطفل بشكل بالغ، ويولد لديه إحساسًا بالضعف والدونية، وقد يزيد سوء تصرف الوالدين الطين بلة، ويرى الطفل نفسه كغير مستحق للحب والأمان. 

الضغوط المجتمعية

قد تؤثر بعض الضغوط المجتمعية على الثقة بالنفس؛ إذ تفرض عليك صورة نمطية لشكل الحياة، ومستوى اجتماعي واقتصادي معين، قد لا يتناسب مع وضعك الحالي مما يورثك شعورًا بالإحراج.

الرسائل الإعلامية

تفيض الوسائل الإعلامية وطرق التواصل الاجتماعي بصور لما ينبغي أن يكون عليه شكلك، وجسمك، وطريقة كلامك.
لا تكف هذه القنوات الإعلامية عن دفعك لمقارنة نفسك بالآخرين. 

وتتجاهل هذه الصور المثالية -بشكل مبالغ فيه- اختلاف مفاهيم ومقاييس الجمال والذكاء من شخص لآخر.

فيجد المرء نفسه في سباق محموم ليحشر نفسه في قوالب جامدة يرسمها الإعلام، كي لا يشعر بالنقص عمن حوله.

حالتك الصحية

تؤثر الحالة الصحية، سواء كانت جسدية أو نفسية، على الثقة بالنفس؛ إذ قد يجد المرء صعوبة في تقبل وضعه الراهن، وقد يتعرض للسخرية في بعض الأحيان.

فوجود مشكلة عضوية أو مرض مزمن، أو تناول أدوية تؤثر على شكل جسمك ووزنك مثل الكورتيزون، قد يشعرك بالخجل ويدفعك لكراهية نفسك والانعزال.

كذلك قد يصاحب بعض الاضطرابات النفسية، مثل الاكتئاب واضطراب القلق الاجتماعي، انخفاض في تقدير الذات والثقة بالنفس.

الشخصيات المحيطة بك

قد يدفعك شعور غريزي لطلب الاهتمام والبحث عن نفسك في عيون من حولك، فنظرات التشجيع أو التقدير قد تعزز ثقتك في نفسك.

لذا فإنه من الضروري أن تتخير من الأصدقاء وزملاء العمل من يشجعك ويساعدك على إثبات نفسك وتحقيق ذاتك. 

ما طرق زيادة الثقة بالنفس ؟

إذا بحثت عن طرق لزيادة الثقة بالنفس، ستكتشف أن جميعها يعتمد على فهمك الصحيح لنفسك، لذا دعنا نرتب بعض النصائح التي تساعدك على ذلك:

حدد موقعك

لابد أن تعرف أين تقف من نفسك بالتحديد، اكتب قائمة بأهم 10 مميزات وعيوب لديك. سيعطيك ذلك فكرة سريعة عما تظنه عن نفسك.

جهز قائمة بأهدافك

حدد العيوب التي تود تغييرها، أو الإنجازات التي ترغب في تحقيقها.

لكن احرص على أن تكون أهدافك واقعية، لا تحاول قطع مسافة أطول من ساقيك، بل خذ خطوات صغيرة عقلانية لتصل للصورة التي تود أن تكون عليها.

تجنب السعي وراء الكمال

هل سمعت قصة الشاعر الحالم الذي مد للنجم كفه، يود لو يمسكه، وهو يحسب النجم قريب المنال؟

في سعيه الحثيث نحو الكمال، ينسى الشاعر نفسه ويهوي من فوق التلال، ليلقى حتفه صريع الأماني الطوال!! 

إن طريق الكمال محفوف بالإحباط؛ تظن أنك معصوم من الخطأ، فتجلد ذاتك إذا تعثرت خطاك قليلًا. وما ذلك التعثر إلا درس يعلمك ويصقل مهاراتك.

تعلم أن تتقبل أخطاءك بصدر رحب؛ فليس مطلوبًا منك أن تنجح على النحو الأمثل من المرة الأولى.

توقف عن مقارنة نفسك بالآخرين

لكل منا رحلته، ولكل رحلة معداتها الخاصة التي تمكنك من المضي قدمًا فيها. لذا، فإن محاولتك لتقليد الآخرين فيما وصلوا إليه، ستبوء حتمًا بالفشل؛ إذ لا يمكنك أن تستخدم معدات الغطس مثلًا في رحلة لتسلق الجبال! 

اجعل صورتك القديمة مرجعك الوحيد؛ قارن نفسك القديمة بالجديدة، واحتفل بما وصلت إليه من تقدم وما حققته من نجاح. 

كن مستعدًا للتغيير 

ربما لا تملك تغيير ما مررت به في ماضيك، ولكنك قادر على تغيير حاضرك ومستقبلك إذا حطمت تلك الأغلال التي تعيق حركتك.

كلما ازداد نضجك ووعيك، كلما أدركت أن ما يقلقك من عيوب سيتغير، وأن الحياة ستكسبك مهارات أفضل بمرور الوقت. 

حاول الخروج من المنطقة الآمنة

قد يأتيك صوت من داخل رأسك يحثك على ألا تتحدث، ويخبرك أنك ستفشل.

حاول، ما بين الحين والآخر، أن تتحدى ذلك الصوت؛ عبّر عن رأيك في الاجتماعات، وتطوع للوقوف على المسرح. ولا تخف؛ لكل منا مرة أولى، يملك من بعدها زمام الأمور. 

كرر الخطوات التالية كلما أحسست بعدم الثقة بالنفس:

  • اكتب المواقف التي نجحت في تخطيها وتذكرها كلما أخفقت. 
  • كن شاكرًا لأخطائك، وابحث عن حلول لتجنبها في المرات القادمة. 
  • إذا سيطر عليك الشك، تخيل نهاية سعيدة للأحداث من حولك. 
  • شجع نفسك في المرآة وكرر “يمكنني فعلها، وسأنجح!” 

وختامًا، يا صديقي الفريد، لا تقسو على نفسك، وكن صديقًا لها.
وإياك أن تخرج من لعبة المرايا خاسرًا! 

اظهر المزيد

د. لميس ضياء

صيدلانية إكلينيكية، قضيت شطرًا من عمري بحثًا عن العلم، وأنوي قضاء الشطر الآخر في تبسيط ما تعلمته وتقديمه بلغة سهلة مستساغة للجميع. تستهويني النفس البشرية وأسعى دومًا لسبر أغوارها، وفك طلاسمها، وفهم ما قد يؤرقها من اضطرابات واعتلالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى