الحاجز النفسي في الحوار المفتوح بين الزوجين

يقولُ الرافعيُّ في رائعتِه “أوراقُ الوَرْد”: “تتكلمُ ساكتةً وأرُدُّ علَيها بسُكوتي، صمتٌ ضائعٌ كالعَبَث،
ولكنْ لهُ في القلبَينِ عملُ كلامٍ طويل…”
حينما تقرأُ هذا الاقتباس، تستطيعُ أن تَرى الحبَّ يفيضُ من بينِ السُّطور، بكلماتٍ قليلةٍ وبلاغةٍ عجيبة،
يصفُ كيفَ يمكنُ للصمتِ أنْ يكونَ أبلغَ مِن الكلامِ أحيانًا.
لكنْ هل يمْكنُ للصمتِ أن يكونَ حاجزًا بينَنا وبينَ من نُحب، حينما نعجَزُ عن إيجادِ كلماتٍ وحروفٍ تُعبِّر عما بداخلِنا، ربما لخوفٍ أو يأسٍ، وربما لأننا لا نعرفُ كيفَ نَصيغُ مكنوناتِ قلوبِنا؟!
ومهما اختلف السبب، فالحاجز النفسي في الحوار المفتوح بين الزوجين من شأنه أن يبني أسوارًا وسدودًا،
تجعل من التفاهم أمرًا مستحيلًا في بعض الأحيان، وتفقدنا لذة القرب والتناغم مع رفيق حياتنا.
والآن، نستطرد حديثًا حول أسباب وجود الحاجز النفسي في الحوار المفتوح بين الزوجين، وكيف يكون الحوار بين
الزوجين، وما الطريقة المناسبة التي تجعل من التفاهم بين الزوجين أمرًا ممكنًا، فهيا بنا!
أسباب وجود الحاجز النفسي
قد يولد الحاجز النفسي مع بداية علاقتك مع شريكك، إذا لم تستطيعا أن تصلا للحوار المفتوح من قبل،
ولا أن تُخرجا ما في خبايا نفسيكما، وقد يكون أمرًا مستحدثًا نتيجة تغيُّر أو فتورٍ في علاقتكما،
ومن أسباب تكوُّن الحاجز النفسي:
الخوف من الحميمية
يخافُ بعضُ الأشخاصِ من التقاربِ والانفتاحِ على الآخرين، وهو خوفٌ حقيقيٌّ قد يمنعكَ من التواصلِ بشكلٍ جيد، والتعبيرِ عن ما بداخلِك.
فإذا كنتَ تعاني الخوفَ من الألفةِ أو الحميمية فالأغلبُ أنك لا تستطيعُ كسرَ الحاجزِ النفْسيِّ في حوارِكَ مع شريكِك.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
إطلاق الأحكام
إذا كنتَ تخافُ الحُكمَ عليك، أو تعاني إطلاقَ شريكِكَ الأحكامَ على تصرفاتِكَ وأفكارِك، ستفضِّلُ عدمَ التحدثِ عنها أغلبَ الوقت، وهذا نوعٌ من سوءِ التفاهم، ويَزيدُ صعوبةَ الحوارِ في أيِّ عَلاقة.
محاولات مُحبِطة سابقة
قد تكونُ جرَّبتَ الحوارَ مع زوجتِكَ مِن قَبل، وانتهى بكما الحالُ إلى شجارٍ وعدمِ تفاهمٍ أثَّرَ في رغبةِ كلٍّ منكما في إعادةِ التجرِبةِ مرةً أخرى، فصِرتُما تتجنبانِ إفشاءَ بواعثِ قلبَيكُما حتى لا يُحبَطَا مجدَّدًا.

رفض الطرف الآخر للإصغاء
إذا كان زوجكِ لا يسمع ولا يُعير حديثك اهتمامًا، فلن تَجِدي راحة في التحدث إليه بصدق وحرية؛ إذ سيكون التجاهل سيد الموقف مع خيبة أمل جديدة لكِ.
تفادي المواجهة
من يعرف مصيره يَسهُل عليه حساب خطواته! ربما يكون موضوع نقاشكما شديد الحساسية، قد تكون به من
المصارحة ما سيجرح الطرف الآخر، أو سيكون رد فعله عليها أكبر من أن تتحمله أنت، وبهذا تُؤثِر الصمت،
ولا تستطيع كسر الحاجز النفسي في حواركما.
استخدام العنف
يُعد العنف اللفظي أو الجسدي واحدًا من أسباب وجود الحاجز النفسي في الحوار المفتوح بين الزوجين.
إذ إن استخدام العنف من أحد الطرفين يجعل من المصارحة أمرًا مستحيلاً، فيلجأ الطرف الأضعف إلى التهرب
والكذب وإخفاء الحقائق؛ تفاديًا للعنف المحتمل، وهو أيضًا من الأسباب التي تؤدي إلى إنهاء العلاقة تمامًا.
الحوار بين الزوجين
لكن ما الذي يجعل من التحاور بين الزوجين أمرًا شديد الصعوبة في كثير من الأحيان؟ وما الذي يدفع الطرف الآخر
إلى عدم الإصغاء؟ هناك عدة أسباب تسهم في هذا الأمر، منها:
أسباب متعلقة بك:
- تعتمدُ أسلوبَ إلقاءِ المحاضراتِ في حديثِكَ معه، فتظلُّ تنصحُهُ بمواعظَ طويلةٍ تُفقِدُهُ القدرةَ على الاهتمامِ بحديثِك.
- تحتكرُ الحوارَ وحدَك، فلا تعطيهِ فرصةً للتحدثِ أو الإجابة، وتظلُّ تسرِدُ ما بداخلِكَ دونَ توقُّف.
- تحاصرُهُ بالتحدثِ في مكانٍ مغلَقٍ لا يستطيعُ منه فِرارًا، كأنْ تبدأَ شجارًا مع زوجتِكَ في السيارة،
فتشعُرُ أنها محاصرةٌ لا تستطيعُ الذهابَ إلى أيِّ مكان، وتَفقدُ القدرةَ على متابعةِ الحوار. - تبدأُ الحوارَ في وقتٍ أو مكانٍ غيرِ مناسب، كأنْ تتحدثي إلى زوجكِ فورَ عودتِهِ من عملِه، أو في أثناءِ مشاهدةِ مباراةٍ أو فيلم، أو تُحدِّثُ زوجتكَ أمام أطفالِكما وهذا الأمرُ يُصيبُها بالتوترِ فلا تستطيعُ سماعَك.
أسباب متعلقة بشريكك:
- لديه حاجات نفسية أو جسدية غير ملباة في وقت الحوار، كأن يكونَ مُجهَدًا يحتاج إلى الراحة، أو يشعر بالجوع
أو الحزن، فهذا ليس وقتًا مناسبًا للتحدث بعمق. - لا يُحب المحاسبة، فيرفض إطلاق الأحكام عليه، أو مراجعته في أي أمر يتخذه أو صفة يتصف بها.
- يرفض الاعتراف بالخطأ، إذ إن بعض طبائع الشخصيات تكون صعبة المراس،
ومنها هذه الشخصية التي ترى نفسها لا تُخطِئ أبدًا، وإن أخطأت لا تعتذر. ومثل هذه الشخصية تتجنب
وتتجاهل أي حديث قد تواجه فيه هذا الموقف.
وهناك أسباب متعلقة بكلا الطرفين، منها اختلاف طرق الحوار وطرق التعبير عن المشاعر بين الرجل والمرأة،
فالكثير من الرجال لا يحبون التعبير عن مشاعرهم باستخدام الكلمات، والكثير من النساء لا تجيد إلا هذا الأمر.
لذا فمِن الضروريِّ جدًا الوصولُ إلى هذه الحقيقة، وفَهمِ الطريقةِ المناسبةِ لشريكِك، وأنْت وضِّحَ له ما تفضله أنتَ؛لتصِلا إلى تفاهمٍ ولغةِ حوارٍ مشترَكة.
كيف يتحقق التفاهم بين الزوجين؟
يمكن للتفاهم في الزواج أن يجعل منه أفضل قرار أخذته في حياتك، فعندما تصل لهذه المرحلة تكون قد وجدتَ مؤنسًا
لحياتك، تستمتع بالحياة معه، وتطمئن بوجوده. وللوصول إلى درجة أفضل في التفاهم في الزواج يمكنكما تجربة الأمور التالية:

استخدما لغة حوار مناسبة
لا بد أن تكون العلاقة بين الزوجين قائمة على الاحترام طوال الوقت، لذا فبالاعتماد على لغة الحوار التي تضمن
احترام كل منكما للآخر، يمكنكما تخطي الحواجز النفسية في أثناء التحدث في أمور خلافية، فتكونا مطمئنَين لسماع أحدكما الآخر، وتعطيا بعضكما الفرصة للتعبير عما بداخلكما بحرية.
توقفا عند الإهانة
في حال وقوع عنف جسدي أو لفظي أو أي تعدٍ من شريكك، توقف عن الحديث في هذه اللحظة فورًا!
واطلب منه تأجيل الحوار حتى يهدأ. وضح له رفضك للإهانة بشكل قاطع وصريح؛ حتى لا يتطور الأمر بالتدريج في المرات القادمة لما هو أكبر من ذلك.
جددا الثقة ببعضكما
حاول أن تنسى المحاولات السابقة في النقاش والتي صُدِمتَ فيها من رد فعل شريكك، وقررا البدء من جديد في بناء
جسر الثقة بينكما قبل أن تبتعد المسافات كثيرًا.
إذا كانت رحلتكما في عدم التفاهم طويلة، فالأجدر بك البحث عن الطريقة المناسبة للتواصل مع شريكك،
وفهم لغة الحب والاهتمام الخاصة به، وإيضاح الطريقة التي تفضل أن يعاملك بها، فالأغلب أنكما تتحدثان بلغتين مختلفتين.
ابتعد عن التلاعب بالكلمات
لا يمكنُكَ محاسبةُ شريكِكَ على ما تفكرُ به ولم توَضحْهُ له، لذا اعتمِد الوضوحَ في التعبيرِ عن ما بداخلِك، واستخدمْ أقصرَ الطرقِ في إيصالِ مَقصِدِك.

ابتعِد عن الالتفاف في الحديث، فهو ليس من النضج بشيء، فإذا كنت ترغب في ذهابه معك إلى زيارة عائلية،
اسأله بوضوح: “هل لديك وقت في عطلة نهاية الأسبوع، وترغب في الذهاب معي إلى هذه الزيارة؟”
ولا تقل له: “إذا كنت تحبني، كنت ستأتي معي هذه الزيارة، لكنك لا تفعل!”، أو: “ماذا ستفعل في عطلة نهاية الأسبوع؟” دون أن تكمل مقصدك أو توضحه له، ثم تنفعل بعدها عندما يخبرك بقيامه بأمر آخرَ غيرِ ما ترمي إليه.
أخيرًا عزيزي القارئ، تخطِي الحاجز النفسي في الحوار المفتوح بين الزوجين ليس أمرًا هينًا، فهو يحتاج لمحاولاتٍ دؤوبة وتصديق من كليكما بأن الأمر يستحق. وكما يقول (فؤاد حداد): “حِمل الليالي خفيف، لمَّا يشيلوه اتنين…”، فحاول مرارًا وتكرارًا، وإن نفدت منكما المحاولات فربما هو الوقت المناسب للاستعانة بالاستشارات الأسرية، والمهم هو ألا تيأس!