ترياق الأمراض النفسية
أخر الأخبار

الخوف.. عدو أم صديق؟ 

أنت الآن مختبئ داخل غرفة باردة مظلمة، يطاردك قاتل متسلسل بسكّينه الضخم، لا يمكنك رؤيته، ولكن وقع خطواته الثقيلة يخبرك بأنه يقترب. 

يدق ناقوس الخطر في رأسك، فتحاول كتم أنفاسك اللاهثة بأصابعك المرتعشة. تشعر بالدم يغادر أطرافك، ويهوي قلبك بين قدميك حينما تسمع صرير الباب؛ سيُمسِك بك لا ريب. 

أنت الآن خائف. فما هو الخوف؟ وهل تمنيت يومًا أن تمتلك قوة خارقة تُخمِد شعور الخوف داخلك؟ 

في هذا المقال، نهرول معًا في دهاليز الخوف لنستكشف خباياه ونبحث عن علاجه، فاستعد!

ما هو الخوف؟

هو شعور غريزي يسري في أوصالك فيدفعك إما للقتال أو الهرب. ولكن كيف ينشأ ذلك الشعور؟ 

عندما تتعرض لخطر وشيك، تستغيث حواسك بجهازك العصبي اللاإرادي ليصبح قائد معركتك؛ يحشد جنودك ويشحذ أسلحتك لملاقاة عدوك المرتقب. يرسل ذلك القائد الهمام إشاراته إلى سائر أعضاء الجسم، ويحفز إفراز هرمون الأدرينالين مما يؤدي إلى: 

  • تسارع ضربات قلبك: لضخ المزيد من الدم إلى الأعضاء المهمة.
  • زيادة معدل تنفسك: لتوفير الأكسجين اللازم في العمليات الحيوية.
  • سحب الدم من الأطراف إلى العضلات الإرادية: استعدادًا للهرب.
  • اتساع حدقة العين: لتسمح برؤية أوضح. 

تعد هذه التغيرات الفسيولوجية منطقية وأساسية لنجاتك. 

إذا واجهت سيارة مسرعة، أو سمعت دويّ انفجار مفاجئ؛ سيتحرك جسدك بعيدًا عن مصدر الخطر قبل أن يدرك عقلك الواعي ما يحدث. 

ولكن لو كان الأمر مقتصرًا على الخطر المهدد للحياة، فلِمَ نشعر بالخوف من أسباب اجتماعية، كالخوف من الناس أو القلق من الامتحانات؟ 

ما الفرق بين الخوف والقلق؟

بالرغم تشابه الخوف والقلق في الأعراض الفسيولوجية، إلا أن هنالك فرقًا جوهريًا بينهما: 

تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!

  • الخوف: رهبة من خطر حقيقي مباشر، يمكن رؤيته أو التعبير عنه، ويختفي بمجرد ابتعادنا عن مصدره.
  • القلق: رهبة مما “نظنه” خطرًا، حتى لو لم يكن كذلك. 

فمثلًا، لو انقطع التيار الكهربائي، وأحسست بحركة غريبة في المنزل، وشعرت بتسارع دقات قلبك، فأنت تشعر بالخوف. أما إذا ارتعدت فرائصك لأنك “تخيلت” ما قد يحدث في الظلام، دون أن تسمع أي أصوات غير مألوفة، فإن ما تشعر به الآن هو القلق.

ويمكن للقلق أن يكون مفيدًا إذا كانت أعراضه مؤقتة ومعتدلة.

قلقك من الامتحان مثلًا يعد دافعًا قويًا لبذل مزيد من الجهد في المذاكرة. ولكن إن زاد الأمر عن حده بشكل يمنعك من دخول الامتحان أو مغادرة منزلك، فمن المحتمل أنك تعاني من إحدى اضطرابات القلق.

الخوف

ما هي اضطرابات القلق؟

هي اضطرابات نفسية يسيطر فيها القلق على صاحبه بصورة مَرَضيّة، فتدفعه للتصرف بشكل غير منطقي.

في هذه الحالة، يعلن الجهاز العصبي اللاإرادي حالة طوارئ كاذبة، دون وجود خطر حقيقي. وتستمر الأعراض فترة أطول من المعتاد، أو تزداد سوءًا بمرور الوقت، مما يعيق المرء عن ممارسة حياته بصورة طبيعية.

اضطراب القلق المعمم

تثير شتى جوانب الحياة قلق المريض، ولا تتناسب ردود أفعاله مع حجم الموقف؛ يصيبه الهلع لأسباب بسيطة. ويشعر أن كل ما يحدث هو تهديد له، وتستمر هذه الأعراض لأكثر من ستة أشهر.

اضطراب القلق الاجتماعي

يسيطر الخوف من الناس على مريض الرهاب الاجتماعي. يشعر أن نظراتهم تطارده لتسخر منه وتستهزئ به، ويصبح خجولًا أكثر مما ينبغي، فيؤثِر العزلة خوفًا من الإحراج والإذلال.

الفوبيا أو الرهاب

هل سمعت قبلًا عن رجل أحرق منزله بالكامل خوفًا من عنكبوت صغير؟ 

الرُهاب هو خوف مرضيّ مبالغ فيه تجاه مواقف أو أماكن أو أشياء محددة، مثل: 

  • رهاب العناكب.
  • رهاب الاحتجاز أو الأماكن المغلقة: مثل المصاعد، والأنفاق.
  • رهاب الخلاء أو الأماكن المفتوحة: مثل الميادين، والمواصلات العامة.
  • رهاب المرتفعات.
  • رهاب الليل أو الظلام.

ويدرك المريض عادة أن مخاوفه ليست عقلانية، ولكنه يعجز عن التحكم في تصرفاته وردود أفعاله. وتتراوح ردود الأفعال من مجرد الانزعاج والابتعاد عن مصدر الخطر، إلى الانعزال التام عن العالم الخارجي.

ما هي العوامل المؤثرة على الخوف؟

يختلف مقدار الخوف وماهيته من شخص لآخر، فالأمور التي تفزعني قد تبدو لك عادية، وينبع هذا الاختلاف من عدة عوامل جينية وبيئية مثل:

  • السمات المزاجية مثل الخجل: تؤثر على إدراكنا لأنفسنا والأشخاص من حولنا، وربما تصبح مصدرًا للتوتر العصبي.
  • التعرض لصدمة في مراحل الطفولة المبكرة: مثل فقدان الأهل، أو التعرض لحادث أو اعتداء، ويصعب محو آثارها دون الاستعانة بمختصين.
  • وجود تاريخ مرضيّ: قد يصاحب القلق اضطرابات نفسية أخرى، خاصة إذا كان لديك تاريخ عائلي مسبق.
  • بعض الأمراض العضوية والأدوية: تؤدي في بعض الأحيان إلى زيادة حدة التوتر والقلق.
  • متابعة بعض الأخبار والحوادث: مثل سقوط طائرة أو جريمة قتل مروعة.

كيفية علاج الخوف والقلق

يعتمد علاج الخوف المرضي على تعديل نظرتنا للأشياء المخيفة، إما عن طريق العلاج النفسي، أو الدوائي، أو خليط من هذا وذاك. 

العلاج النفسي

يعد العلاج السلوكي والمعرفي، أو العلاج بالكلام، واحدًا من أهم طرق العلاج النفسي، وينقسم إلى جزأين رئيسيين:

  • العلاج المعرفي: يلقي المعالج الضوء على أنماط التفكير الخاطئة لديك ويجعلك أكثر إدراكًا للمشكلة؛ تمهيدًا لمساعدتك على تخطيها. 
  • العلاج السلوكي أو العلاج بالتعرُّض: يهيئك معالجك لمواجهة مخاوفك تدريجيًا، بداية من تخيل ما يخيفك، مرورًا بالتعامل المباشر مع تلك المواقف في بيئة آمنة.

وتستخدم هذه الطريقة في علاج الخوف من الناس، وبعض أنواع الرهاب، وكذلك في علاج الصدمات النفسية التي تعرض لها المرء في طفولته.

العلاج الدوائي

قد يلجأ الطبيب المختص، في بعض الحالات، إلى وصف أدوية للتحكم في بعض الأعراض أو الاضطرابات المصاحبة للقلق، منها على سبيل المثال:

  • مضادات للقلق: مثل عائلة البينزوديازبين، وهي أدوية مهدئة، تستخدم على المدى القصير. ولكن يقل تأثيرها مع الوقت، وقد تعتاد عليها إذا استخدمتها بشكل خاطئ أو لفترة طويلة.
  • مضادات الاكتئاب: مثل الفلوكستين والسيرترالين، يمكن استخدامها على المدى الطويل تحت إشراف الطبيب المعالج.
  • أدوية القلب: مثل البروبرانولول، لتهدئة ضربات القلب قبل المواقف المثيرة للقلق والتوتر العصبي.

ويجب عليك الالتزام بمواعيد الأدوية الموصوفة لك بدقة، فلا تتوقف عن تناول الدواء فجأة، دون الرجوع إلى طبيبك، لأن ذلك قد يؤثر سلبًا على استقرار حالتك النفسية.

نصائح عامة للتخلص من الخوف

يمكنك التخلص من الخوف أو تقليل حدته باتباع هذه النصائح البسيطة: 

  • تنفّس بعمق: يساعدك ذلك على الاسترخاء.
  • خذ قسطًا جيدًا من النوم: يخفف ذلك من حدة التوتر.
  • احرص على ممارسة رياضة خفيفة: يساهم ذلك في تصفية ذهنك.
  • تناول طعامًا صحيًا وقلل الكافيين: يؤدي الإفراط في الكافيين إلى زيادة ضربات القلب والتوتر العصبي.
  • تحدث مع الآخرين: افتح قلبك للمقربين منك، واجعلهم جزءًا من رحلة علاجك.
  • احتفل بالانتصارات الصغيرة: وثِّق المرات التي تمكنت فيها من مواجهة خوفك والتغلب عليه.
ولعلك يا صديقي العزيز، تعرف أن الخوف الذي يعتمل في نفسك ما هو إلا جرس إنذار صُمِّم خصيصًا لحمايتك، ودرء الخطر عنك. واعلم أنك إذا فهمت نفسك جيدًا، وطوعتها على التمييز بين ما هو عقلاني وغير عقلاني، سيتحول خوفك من عدو لدود إلى صديق حميم!
اظهر المزيد

د. لميس ضياء

صيدلانية إكلينيكية، قضيت شطرًا من عمري بحثًا عن العلم، وأنوي قضاء الشطر الآخر في تبسيط ما تعلمته وتقديمه بلغة سهلة مستساغة للجميع. تستهويني النفس البشرية وأسعى دومًا لسبر أغوارها، وفك طلاسمها، وفهم ما قد يؤرقها من اضطرابات واعتلالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى