الخوف من التحدث أمام الجمهور

“أقف أمام تلك الجماهير الغفيرة؛ لألقي كلمتي…
فتحت فمي لأنطق أولى كلماتي، ولكن أين صوتي؟ لماذا لا أستطيع التحدث أمام الناس؟ أحاول جاهدًا أن أنطق، ولكن هيهات…”.
ثم رن جرس المنبه؛ ليعلن عن موعد استيقاظي… إنه ذلك الكابوس السخيف مجددًا!
ولكن، لماذا يطاردني ذلك الحلم المزعج في كل ليلة تسبق العرض التقديمي الذي عليَّ أداؤه أمام رؤسائي في العمل.
وكأن هذا الكابوس ناقوس إنذار؛ ليذكرني… ولكننى -بالفعل- لا أنسى؛ فأنا أعاني الخوف من التحدث أمام الجمهور!
وعلى الرغم من مهارتي في عملي، وإتقاني لمسؤولياتي وأدائها على أتم وجه، فأنا ما زلت أشعر بالخوف من التحدث أمام الجمهور.
أحاول جاهدًا التغلب على ذلك الخوف، ولا أبوح به لأيًّا كان، ولكنني أشعر بالتوتر والقلق، وتزداد ضربات قلبي، وأتعرق كثيرًا، وأبدو وكأنني كنت في سباقٍ بعد انتهائي من إلقاء خطابي…
هل تعاني -عزيزي القارئ- الخوف من التحدث أمام الجمهور؟! لا تحزن؛ فأنت لست وحدك؛ فنحن كُثر!
دعنا نتعرف إلى الخوف من التحدث أمام الجمهور، وأسبابه، وأعراضه، وكيفية التغلب على الخوف من التحدث أمام الجمهور، وسنتطرق أيضًا إلى الخوف من القراءة أمام الناس، فتابع معنا هذا المقال.
الخوفُ من التحدث أمام الجمهور (GLossophobia)
يعرف الخوفُ من التحدث أمام الجمهور بـ “رهاب اللسان” (Glossophobia)، وهو أكثر أنواع الرهاب شيوعًا وانتشارًا.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
إذ يشعر أكثر من خمس وسبعين بالمائة من السكان بالقلق الخفيف والتوتر من جراء الخوف من التحدث أمام الجمهور.
ولكن يستطيع العديد من المرضى التغلب على مشاعر الخوف والقلق والتوتر التي تستحوذ عليهم، ويتمكنون من التغلب على خوفهم.
ولذا، لا يعد هذا الخوف مرضًا خطيرًا، أو مزمنًا…
ولكن إذا استحوذ عليك ذلك الخوف، وكان أشبه بالطوق الذي يقيد قدراتك في العمل، ويؤثر في علاقاتك الاجتماعية؛ فلا تتردد في استشارة الطبيب، فأنت تعاني رهاب اللسان.
يعد الخوف من التحدث أمام الجمهور أحد أنواع القلق الاجتماعي، بل أكثرها شيوعًا “كما ذكرنا”.
ولكن تتفاوت حدة أعراض هذا الخوف من شخص لآخر؛ فهناك من يتمكن من السيطرة على خوفه، وهناك من يتغلب عليه خوفه.
وعادة ما يتجنب مرضى الخوف من التحدث أمام الجمهور الاتصال البصري المباشر مع تلك الجماهير، وقد يرى بعض الأشخاص أنها استراتيجية فعالة للتغلب على ذلك الخوف، ولكنها -مع الأسف- تجعل الشخص أكثر قلقًا وتوترًا.

أعراض الخوفِ من التحدث أمام الجمهور
هل سبق واضطررت إلى التحدث أمام الناس؟! هل يمكنك البوح بما شعرت به وقتها؟
إن كنت تعاني الخوف من التحدث أمام الجمهور؛ فإن الأمر يشبه استجابة “القتال أو الهروب”، فتلك هي استجابة جسدك لذلك الخوف والقلق الذي سيطر عليك.
تؤدي استجابة جسدك تجاه التهديد “كما يصوره دماغك” إلى زيادة إفراز الأدرينالين، وارتفاع مستوى السكر في الدم، وارتفاع ضغط دمك، وتسارع معدل ضربات قلبك؛ وهو ما يؤدي إلى زيادة تدفق الدم إلى جميع أجزاء جسدك.
ولذا، فإن الأعراض التي تشعر بها من جراء خوفك من التحدث أمام الجمهور تشمل:
- الارتجاف.
- التعرق المفرط.
- القلق الشديد.
- زيادة معدل ضربات القلب.
- ارتفاع ضغط الدم.
- جفاف الفم.
- الغثيان.
- التقيؤ.
- ضيق في التنفس أو فرط التنفس.
- الدوار.
- توتر العضلات.
- الرغبة في الابتعاد والهروب.
أسباب الخوفِ من التحدث أمام الجمهور
قد ينشأ الخوف من التحدث أمام الجمهور نتيجة العديد من العوامل الوراثية والبيئية والنفسية.
وقد يخشى بعض الأشخاص التعرض إلى الإحراج أو الرفض من الآخرين؛ وهو ما يؤدي إلى خوفهم من التحدث أمام الآخرين.
وتشمل أسباب الخوف من التحدث أمام الجمهور التي تسهم في تفاقم أعراضه:
- تدني احترام الذات.
- عدم الثقة بالنفس.
- المرور بتجربة “تحدث أمام الجمهور” سيئة.
- الافتقار إلى مهارات التواصل الاجتماعي.
- الخوف من النقد.
- العزلة الاجتماعية.
- الخجل.
ويعد مرضى الرهاب الاجتماعي أكثر عرضة للإصابة بالخوف من التحدث أمام الجمهور.

كيفية التغلب على الخوفِ من التحدث أمام الجمهور
نشعر جميعنا بالرهبة عندما نضطر إلى التحدث أمام جمعٍ من الناس، ولكن تتفاوت حدة الخوف وشدته من شخص لآخر.
ولذا، إن كنت واحدًا ممن يحاربون ذلك الخوف؛ فعليك اتباع النصائح الآتية لتعينك على التغلب على الخوف من التحدث أمام الجمهور:
- نظِّم أفكارك، واجعلها واضحة ومختصرة.
- تدرَّب جيدًا قبل إلقاء خطابك؛ كي لا تبدو وكأنك تقرأ نصًا مكتوبًا كلمة بكلمة.
- لا تتحدَّث بسرعة، واجعل جملك قصيرة ومباشرة، وكرِّر النقاط الرئيسية.
- تدرَّب على حديثك أمام المرآة، وكأنك تتحدث مباشرة أمام شخص آخر، وراقب إيماءاتك، وحركاتك، وطريقة حديثك.
- سجِّل حديثك، واستمع له أكثر من مرة، ودوِّن ملاحظاتك لتحسين طريقة إلقائك، ونبرة صوتك.
- تنفَّس بهدوء؛ لتقليل التوتر الذي تشعر به.
- القِ خطابك -أولًا- على أحد الأصدقاء المقربين، وليكن صادقًا في رأيه، وبنَّاءً في نقده.
- تعلَّم فن الخطابة من خلال الاشتراك في دروس أو دورات تدريبية؛ كي تحسِّن مهاراتك في الحديث.
- يمكنك ممارسة بعض التمارين الرياضية الخفيفة قبل إلقاء الخطاب؛ كي تتخلص من مشاعر القلق والتوتر التي تستحوذ عليك.
- تجنَّب شرب العصائر المحلاة أو تناول الأطعمة الغنية بالسكر قبل إلقاء خطابك؛ لتتجنَّب جفاف الفم.
- ركِّز فيما ستقوله، ولا تركّز على الجمهور.
- لا تفرِط في التفكير في ردود أفعال الجمهور الذي تتحدَّث أمامه، وتخلَّص من مخاوفك من رفض الجمهور لحديثك، وحكمهم عليك.
والنصيحة الأخيرة هي “ضع خطة لتحسين خطابك التالي”.
وعليك أن تدرك أن التدريب المستمر هو سبيلك لتحسين مهاراتك في الإلقاء؛ وهو ما يرسِّخ ثقتك بنفسك، ويساعدك على التغلب على الخوف من التحدث أمام الجمهور.
ولكن، ماذا لو لم تكن تلك النصائح كافية للتخلص من الخوف الذي يستحوذ عليَّ؟
علاج الخوفِ من التحدث أمام الجمهور
إن كان خوفك من التحدث أمام الجمهور شديدًا، ويؤثر سلبًا في عملك، وحياتك الاجتماعية؛ فلا تتردد في استشارة الطبيب.
تشمل خيارات العلاج:
- العلاج النفسي
يعد العلاج السلوكي المعرفي فعالًا في مساعدة المريض على التعرف إلى مشاعره وأفكاره التي تؤدي إلى إصابته بذلك الخوف الشديد.
ويساعده أيضًا على تعلم كيفية التغلب على ذلك الخوف الذي يسيطر عليه.
- الأدوية
قد يصف الطبيب بعض الأدوية لمساعدة المريض على التغلب على مشاعر القلق والتوتر، مثل:
- الأدوية المستخدمة لعلاج القلق.
- بعض مضادات الاكتئاب التي تستخدم لعلاج اضطراب القلق الاجتماعي.
- حاصرات بيتا، لعلاج ارتفاع ضغط الدم، وبعض الأعراض الجسدية التي يسببها الخوف من التحدث أمام الجمهور.
الخوف من القراءة أمام الناس

هل تشعر بالخوف عندما تنادي المعلمة على اسمك، وتطلب منك قراءة الدرس بصوت عالٍ أمام زملائك؟!
يعاني بعض الطلبة والمراهقين الخوف من القراءة أمام الناس؛ خشية التعرض إلى الإحراج أو السخرية من باقي التلاميذ عند الخطأ.
يشعر الطالب الذي يعاني ذلك الخوف بالقلق والتوتر، وتتسارع ضربات قلبه، وقد يشعر بعدم القدرة على التنفس…
فتلك هي استجابة جسده تجاه ذلك الخوف والتوتر اللذين يسيطران عليه.
“تدرب جيدًا وكن مثابرًا!”… هو مفتاح العلاج!
فالقراءة بصوت عالٍ وحدك، والتدريب على ذلك مرارًا وتكرارًا هما الخطوتان الأساسيتان للتغلب على ذلك الخوف.
“لا أستطيع التحدث أمام الناس!”.
“تخيفني فكرة أني في دائرة الضوء!”
“يا إلهي، ترعبني تلك الأعين الكثيرة التي تحدق بي!”.
“لا أحب أن أكون مراقبًا!”.
تلك الأفكار وغيرها هي الوقود الذي يشعل الخوف من التحدث أمام الجمهور…
عليك أن تدرك أنك لست وحيدًا، وأنه يمكنك التغلب على ذلك الخوف الذي يطوق قدراتك، ويعيقك عن التحليق عاليًا.
ولا تتردد في استشارة الطبيب؛ إن لم تساعدك الخطوات -السابق ذكرها- على التغلب على الخوف من التحدث أمام الجمهور.