الخوف من المجهول | عندما تحمل نفسك فوق طاقتها!

في حديقة المنزل يوم الجمعة، جلس (عامر) بمفرده، وبدا عليه الانخراط في تفكير عميق، مع ظهور ملامح القلق على وجهه.
عندما رآه والده بهذه الحالة، جلس معه ثم افتتح كلامه: “ما بك يا عامر؟ أخبرني يا بني بما يزعجك!”.
أجابه (عامر): “أشعر بالخوف من المجهول الذي ينتظرني؛ فأنا مقبِل على الزواج، وهو تجربة جديدة من المؤكد أنها ستكون مليئة بالمشاكل لعدم توافق طباعنا!
وكذلك أخشى مسؤولية الأبوة، لدرجة أنني لا أريد إنجاب أطفال لا أستطيع تقديم الرعاية والتربية اللازمة لهم!
أشعر بالخوف من المجهول في كل خطوة أخطوها نحو الزواج، لدرجة أن سارة قد بدأت تظن بأنني أتحجج لعدم الزواج منها، وتشاجرنا سويًا البارحة”.
قال له والده: “يا بني لا تستسلم للخوف من المجهول، فتصبح كما أنت وتضيع سنوات عمرك دون خوض أي تجربة تضيف لخبراتك، فقط افعل ما بوسعك واستعن بالله”.
الخوف من المجهول في علم النفس
كثيرًا ما نفكر في الأيام المقبلة، ونقول: “تُرى، ماذا تحمل الأيام لنا؟”…
الخوف من المستقبل والزواج، الخوف من تربية الأطفال وهل سيكونون صالحين أم لا، الخوف من إجراء مقابلة عمل، الخوف من العجز، الخوف من الوحدة، الخوف من الفقر، الخوف من الموت… إلخ!
كل هذه المخاوف ناتجة عن غموض المستقبل وجهلك بما سيحدث، وهي مخاوف طبيعية إذا كانت في إطار تحفيزك على بذل الجهد، من أجل مستقبل أفضل لتحقيق أهدافك.
لكن عندما تُعيقك هذه المخاوف عن ممارسة حياتك بشكل طبيعي، وتجعلك تصُبُّ كامل تركيزك عليها دون الاستمتاع باللحظة الحالية، أو تجعلك تضيع الفرص الجيدة للخوف من الفشل، فتصبح على حالك دون أي خطوة للأمام، هنا تبدأ في أولى خطوات تدمير حياتك!
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
يمكننا تلخيص الخوف من المجهول -في علم النفس- بأنه مجموعة من الأفكار والمشاعر المقلقة والمحبِطة التي تجعل من صاحبها ذا نظرة سوداوية للمستقبل والمجهول، ما يعيقه عن التقدم والتطور في أي مجال، فيجعله يضيع الفرص الهامة، ويتردد في اتخاذ قراراته المصيرية.
عواقب الخوف من المجهول على حياتك

١. إهدار الوقت والتفكير الذهني في هذا الخوف، بدلًا من توجيههما بشكل صحيح في عمل نافع يدفعك للأمام.
٢. استنزاف الطاقة، وما يترتب عليه من الإرهاق الذهني؛ فلا تستطيع مواجهة العالم المحيط بك، ولا تنفيذ المهام الملقاة على عاتقك.
٣. عدم الشعور بالفرح للخوف ممَّا يخبئه المجهول لك، وأيضًا لاعتقادك أن مَن حولك سيحسدونك.
٤. الدخول في حلقة مفرغة من خبرات الماضي الأليمة، ما يمنعك من الدخول في تجارب وخبرات جديدة.
٥. فقدان الشغف تجاه ما تحب.
٦. احتمالية إصابتك بأمراض نفسية، مثل: الاكتئاب، واضطراب القلق العام
أهم أسباب الخوف من المجهول

توصل علماء النفس لأبرز أسباب الخوف من المجهول، وذلك من خلال دراستهم لحالات كثيرة تعاني هذه الفوبيا.
ولكن هذا لا يعنى أن كل مَن يمُرُّ بهذه الظروف سيُصاب بالخوف من المجهول، إذ تتفاوت نسبة إصابة الأشخاص وفقًا لصلابة نفسيتهم أمام ما يتعرضون إليه. إليك أبرز هذه الأسباب:
١. تغيرات محورية في حياة الفرد تثير بداخله القلق من المستقبل، مثل: فقدان وظيفة، أو موت شخص عزيز، أو الطلاق.
٢. التقدم في السن، وخاصة عند المسنين الذين يشعرون بأن العمر مضى ولم يتبقَ منه إلا القليل، ومن ثَمَّ تراودهم فكرة الخوف من الموت، أو الخوف من ترك أحبابهم لهم وانشغالهم عنهم.
٣. السجن؛ فالمساجين -وخاصةً المحكوم عليهم بسنوات طويلة- يفقدون الإحساس بالوقت والواقع، ما يعرضهم لعصاب السجن، والذي قد يكون مصحوبًا برهاب الأماكن المغلقة لضيق مساحة زنزانات السجن.
قضاء وقت طويل بالسجن يثير الخوف من المجهول لدى المساجين حول ما سيفعلونه بعد الخروج، وكيف سيتقبلهم المجتمع، وكيف يبدأون من جديد.
٤. كثرة سماع التجارب السلبية تخلق حاجزًا ضد خوض هذه التجارب، وتجعل المرء يفضل حالته الحالية على تحمُّل نتيجة اختياراته، ولعل أفضل مثال لهذا السبب هو الخوف من المستقبل والزواج لدى الشباب والبنات، وعزوفهم إلى الحياة المهنية.
٥. الأحداث الصادمة في سن الطفولة، مثل: التعرض للعنف الجسدي، أو التنمر، أو موت شخص عزيز.
٦. أسباب جينية ووراثية.
٧. أسباب طبية تشمل: قصور الغدة الكظرية، وقصور الغدة الدرقية، والخلل الهرموني، والجراحة، وأمراض القلب.
الخوف من المجهول وعلاجه… نصائح للتغلب على الخوف من المجهول

١. تذكَّر دائمًا أن أسوأ مخاوفك لن تتحقق
تذكَّر معي -عزيزي القارئ- كم مرة توقعتَ سيناريو سيئًا ولم يحدث، ومَرَّ الموقف بسلام؟!
الحقيقة أننا نضخم مخاوفنا وقلقنا من المجهول، وعند معرفتنا بهذا المجهول، نجد أنه أبسط مما نتوقع، وأحيانًا تكون مخاوفنا أكثر رعبًا من الواقع، لذا لا تنصت إليها.
٢. حوِّل مخاوفك إلى حافز للعمل
عندما يسيطر الفراغ عليك، يبُثُّ بداخلك أفكارًا سوداوية تجعلك فريسة للخوف من المجهول. فلا تترك لفراغك فرصة، بل اشغل نفسك بعمل مفيد يقضي على مخاوفك.
على سبيل المثال: إذا كنتَ خائفًا من إلقاء كلمة لزملاء العمل في الشركة حول منتج ما، ابذل جهدك وحضِّر للكلمة جيدًا. وإذا أصابك القلق على أطفالك من المستقبل، افعل ما بوسعك لتربيتهم بطريقة سليمة.
٣. صُبَّ كامل تركيزك على الحاضر
هل تعلم -عزيزي القارئ- أن توقعك نحو المستقبل والمجهول لن يغير شيئًا مما سيحدث مستقبلًا؟
إن ذلك مجرد إرهاق لذهنك يترتب عليه وقوعك تحت ضغط عصبي، ما يمنعك من ممارسة حياتك بشكل طبيعي. لذا بدلًا من الانشغال بالمستقبل، ركِّز على ما تستطيع فعله اليوم، واستمتع باللحظة الحالية.
إذا تعرضتَ للإرهاق الذهني ولا تستطع القيام بمهامك الحالية، فقد حان وقت الراحة، اذهب للمشي قليلًا أو مارس رياضتك المفضلة.
٤. تصوَّر النتيجة الإيجابية التي تطمح لها
قد تجد صعوبة في التفكير بإيجابية حول أمر ما يُشعِرك بالخوف والقلق، لكن إيمانك بما تطمح إليه، والمرور بمشاعر النصر والفخر لتحقيق ما تتمناه يمهد لتحول هذا التصور إلى حقيقة، إلى جانب اجتهادك في اتباع الخطوات لتحقيق طموحك.
٥. تكلَّم عن مخاوفك مع شخص ثقة
لا تترك نفسك في عزلة مع الخوف من المجهول، بل شارِك مخاوفك مع الأصدقاء والعائلة، لمساعدتك على تقديم الدعم والنصائح التي تُمكِّنك من تجاوز ما يقلقك.
٦. مارِس تمارين الاسترخاء
أحد أهم الأساليب الفعالة للحد من التوتر والقلق والعمل على تهدئة المريض، ومن أبرز هذه التمارين:
- تمارين التنفس العميق.
- اليوجا.
- الاسترخاء التدريجي للعضلات.
- التأمل.
- كتابة اليوميات.
وختامًا…
استعِن بالله، وثِق بنفسك وبقدرتك على التأقلم مع المجهول والاستمتاع به، ونَحِّ الخوف والقلق جانبًا؛ فما قسمه الله لك سيكون من نصيبك، ولو اجتمع أهل الأرض على ألا يكون لك!