الخوف من الهجر | شعور بين القلق والاكتئاب!

ذات ليلة، استيقظ (خالد) من النوم فزعًا قائلًا: «لا تتركيني وحيدًا يا أمي!»، واندفع خارج غرفته مسرعًا يبحث عن أمه في أركان المنزل، فاحتضنته وهدأت من خوفه!
يعاني الطفل (خالد) ذو السنوات العشر الخوف من الهجر، بعد رؤيته مشهد محاولة انتحار أمه المريضة بالاكتئاب حين كان في السابعة من عمره…
لقد أثر ذلك فيه وزاده تعلقًا بأمه وخوفًا دائمًا من فقدانها. لذا -عزيزي القارئ-، سنتناول في هذا المقال كل ما تريد معرفته عن “الخوف من الهجر”.
ماذا يعني الخوف من الهجر؟
هو ليس مرضًا منفردًا بذاته كالاكتئاب، وإنما هو شكل من أشكال القلق والتوتر نتيجة التعلق الزائد بالأشخاص والخوف من فقدانهم.
إذا يعاني المصابون به صعوبة تكوين علاقات صحية بمن حولهم، فهم يميلون إلى العزلة والانطواء أو إفساد العلاقات وتخريبها.
الأسباب
تتعدد أسباب الخوف من الهجر، فإما أن تكون بسبب فقدان شخص أو فقدان شعور في الماضي، مثل:
- فقدان الطفل أحد أبويه سواء بسبب الموت أو انفصال الوالدين.
- إهمال الآباء لأبنائهم وعدم إشباع احتياجاتهم المعنوية والعاطفية.
- الانفصال عن شريك الحياة فجأة.
الأعراض
يظهر على مريض الخوف من الهجران بعض العلامات والأعراض، مثل:
- عدم الثقة في الآخرين.
- الحساسية الزائدة تجاه النقد الموجه له.
- العطاء المفرط في العلاقات.
- الرغبة الدائمة في إرضاء الجميع.
- عدم الشعور بالأمان تجاه العلاقات العاطفية.
- الاحتياج الدائم إلى دعم المحيطين والتأكيد على الحب وعدم الهجر.
- الاعتماد المفرط على من حوله.
- التنقل من علاقة إلى أخرى في وقت قصير.
- صعوبة تكوين أصدقاء إلا بعد التأكد من حبهم له.
- إلقاء اللوم على النفس بقدر مبالغ فيه إذا لم تنجح العلاقة.
- الاستمرار في العلاقات غير الصحية وعدم إنهائها.

لكن -عزيزي القارئ- يوجد بعض العلامات الأخرى التي تساعدك على معرفة إذا كان طفلك يعاني الخوف من الهجران أم لا، مثل:
- القلق الدائم من الهجر، والبقاء وحيدًا -خاصة عند الخلود إلى النوم.
- التوتر والذعر عند ذهابه إلى المدرسة.
- المرض المتكرر في خلال فترات قصيرة دون وجود أي سبب عضوي.
- العزلة وعدم الثقة بالنفس.
إذا تعرض الطفل لفقدان أحد والديه فمن المحتمل أن يتغلب على هذا الشعور ببعض الأشياء المؤذية له، مثل:
- الإدمان.
- إيذاء نفسه.
- الإفراط في تناول الطعام أو الامتناع عنه، أو أكل أشياء غريبة.
- إلحاق الضرر بالآخرين لفظيًا أو جسديًا.
الأشخاص الأكثر عرضة للخوف من الهجر
إن تعرضك لمثل هذه الظروف في الماضي، قد يزيد من احتمالية معاناتك هذا الاضطراب:
الإهمال
الأشخاص الذين تعرضوا للإهمال في الصغر، قد يعانون هذا الاضطراب، وربما تتكرر تلك المعاناة مع أبنائهم.
الضغط العصبي والنفسي
يزيد الضغط النفسي القلق والتوتر، ويزيد الإحساس بالخوف.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
التعرض لحدث صادم وأليم
الأشخاص الذين تعرضوا لإصابة بالغة أو حادث موت مفجع، أو كانوا ضحايا جرائم؛ يعيشون شعور الخوف بدرجة كبيرة.
أنواع الخوف من الهجر
ربما تخشى من هجر شخص تحبه، كصديقك أو والديك أو شريك حياتك، وهذا ما يجعلك تفضل الوحدة لتجنب ذلك الشعور.
ومن أنواع هذا الخوف:
الخوف من الهجر العاطفي
نحن في حاجة دائمة إلى التأكيد على الشعور بالحب والتقدير والدعم النفسي، وهذا ما يسمى بـ”الاحتياج العاطفي”.
لكننا قد نشعر بالوحدة والخوف إذا كان هناك شخص في حياتك حاضرًا غائبًا!
إذا عانيت هذا الشعور سابقًا خاصة في طفولتك، فربما هذا الخوف يتكرر معك مرة أخرى.
الخوف من الهجر عند الأطفال
يمر معظم الأطفال بمرحلة القلق عند انفصالهم عن والديهم، فإذا أقدم أحد الوالدين على ترك طفله شرع بالصراخ والبكاء والتشبث به ورفض تركه.
يحدث ذلك بسبب عدم إدراكه هل سيعود إليه أم سيهجره، وإذا عاد فمتى. لكن بمرور الوقت وعند عمر الثالثة تقريبًا يبدأ بتجاوز هذا الشعور.
الخوف من هجر شريك الحياة
يشعر دائمًا هؤلاء الأشخاص بالخوف من الضعف في علاقتهم بشريك الحياة، فيعانون القلق والتوتر وعدم الثقة؛ مما يؤدي إلى انسحاب الطرف الآخر من تلك العلاقة.
التشخيص
لا يعد الخوف من الهجر مرضًا يمكن تشخيصه، إذ يستطيع الأطباء النفسيون تعرف ذلك من أعراض التوتر والقلق الزائدة نتيجة الخوف الواضح عليه، سواء كان كبيرًا أو طفلًا.
يستخدم الأطباء بعض الاختبارات، مثل: الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5).
العلاج
يعد العلاج النفسي العلاج الأولي للتغلب على هذه المشكلة، إذ يساعدك على استبدال الأفكار الصحية الإيجابية بالأفكار السلبية؛ للتغلب على هذا الخوف، ويساعدك أيضًا على بناء علاقات صحية مع من حولك.
أما عند تأخر الاستجابة، فقد يصف لك الطبيب علاجًا قصير المدى بمضادات الاكتئاب، لحين تحسن حالتك.
قد يكون الأمر مختلفًا في الأطفال، فيمكن علاجهم بدمجهم في أنشطة مختلفة -مثل: الرسم واللعب-، ودمجهم داخل العائلة لدعمهم نفسيًا.
كيف تساعد شخصًا يعاني الخوف من الهجران؟
إليك بعض النصائح التي ستساعدك على دعم المريض، إذ يعد ذلك تحديًا كبيرًا ستواجهه حينها:
- ابق هادئًا في أثناء حديثك معه حتى إن حاول إثارتك أو استفزازك، فهو يتعمد ذلك عادة لإثبات أنه منبوذ من الجميع.
- لا تلاحقه بالأسئلة، ودعه يتحدث في الوقت المناسب له.
- كن أمينًا معه، وصارحه بحقيقة تأثير سلوكه في المحيطين.
- اسأله عن كيفية مساعدته ودعمه.
- اقترح عليه الذهاب إلى اختصاصي نفسي، واترك له القرار ولا تجبره على ذلك.
أيضًا يمكنك دعم الطفل الذي يعاني الخوف من الهجر باتباع الأساليب الآتية:
- استعن باختصاصي نفسي ليرشدك إلى التصرف الصحيح.
- قدم للطفل الدعم والحب.
- اجعل له نظامًا يوميًا يتبعه ليسهل تواصله مع العالم المحيط به.
- شجعه على التعبير عن شعوره ومخاوفه، وتعامل معها بحيادية.
في النهاية، لا تتردد أبدًا في طلب الدعم النفسي والمعنوي إذا كنت تعاني الخوف من الهجر، لكي تحافظ على علاقتك بمن حولك ولتخلق بيئة صحية مناسبة بعيدة عن القلق والتوتر والاكتئاب، فصحتك النفسية هي أغلى ما تملك.
بقلم د/ ياسمين حسن السيد