الذاكرة البصرية | أتَذْكُر ما تراه؟

رُوِي عن الإمام الشافعي -رحمه الله- أنه كان يحفظ ما يقرأه من النظرة الأولى. وعندما يقرأ صفحةً من كتاب فإنه يغطي الصفحة المجاورة، حتى لا يتداخل ما بهما من معلومات في ذاكرته.
ورُوِي أيضًا أنه -رحمه الله- عندما كان يجلس في مجلس الإمام مالك، كان يكتب بسبابته اليمنى على كفه الأيسر، حتى ظن الإمام مالك أنه يعبث ويلهو، فسأله: “أين أقلامك ودفاترك”؟
فأجابه الشافعي أنه يكتب الحديث بإصبعه على يده -بعد أن يبله من فمه- ثم يمسحه ويكتب ما يليه، لأنه لا يملك ثمن الدفاتر والأقلام.
فتعجب الإمام مالك، وقال له: “أتحفظ الأحاديث هكذا؟!”.
فقال الشافعي: “نعم، أحفظهم جميعًا، وإن شئتَ أسمعتك كل أحاديث اليوم”.
ومن هنا… يُعتقَد أن الإمام الشافعي ميزه الله -عزَّ وجلَّ- بذاكرة بصرية قوية، وقدرة هائلة على التصوير البصري.
فيا تُرَى ما هي الذاكرة البصرية؟ وفِيمَ نستخدمها؟ وكيف نطور مهاراتها؟
بدايةً… الذاكرة هي قدرة المخ على تخزين المعلومات واسترجاعها. تنقسم ذاكرة الإنسان إلى عدة أنواع، منها الذاكرة: البصرية، والسمعية، والحسية.
من أبسط الطرق التي تتعلم بها هي أن ترى شيئًا وتتذكره؛ فثمانون بالمائة تقريبًا مما تتعلمه هو بصري. لذا، فإن القدرة على التصوير البصري وتذكُّر ما تراه هي مهارة ضرورية.
ما هي الذاكرة البصرية؟
هي عنصر من عناصر الإدراك البصري، وتعني القدرة على استدعاء المعلومات المرئية.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
أو بمعنى آخر… القدرة على النظر إلى شيء ما، وإنشاء صورة ذهنية له، ثم الاحتفاظ بتلك الصورة في عقلك لاستدعائها واستخدامها لاحقًا.
إذًا… ماذا يعني الإدراك البصري بوجه عام؟
هو القدرة على فهم ما تراه؛ فعندما ترى شيئًا ما، ترسل عيناك إشارات إلى المخ، والذي يعمل بعد ذلك على تمييز وفهم تلك الإشارات.
وتتضمن بقية عناصر الإدراك البصري ما يلي:
التمييز البصري: وهو القدرة على رؤية أوجه التشابه والاختلاف بين الأشياء.
الذاكرة التتابعية: هي القدرة على فهم تسلسل الأحداث، وينطبق هذا أيضًا على الحروف والأرقام.
إدراك الأشكال: فيمكنك تمييز الأشكال المختلفة.
إدراك العمق: وهو معرفة مدى تباعد الأشياء عن بعضها البعض، وتمييز الصورة عن الخلفية.
إدراك المخفي: هو القدرة على إدراك كائن أو كلمة حتى لو اختفى جزء منها.
التحليل البصري: القدرة على تمييز الأنماط المختلفة.
أنواع الذاكرة البصرية
الذاكرة البصرية قصيرة المدى
نستخدم الذاكرة قصيرة المدى في حياتنا اليومية عندما نتذكر شيئًا حدث منذ وقت قصير، ثم تختفي هذه الذاكرة إذا لم تَعُدْ لها فائدة.
فيمكننا قراءة بعض الملاحظات وتدوينها على الفور، كما نستطيع قراءة كلمة مرور وتذكُّرها لحين كتابتها، أو رؤية رَقْم هاتف واستعادته للاتصال.
الذاكرة البصرية طويلة المدى
هي القدرة على استدعاء الصور والأماكن والذكريات من الماضي، وإذا استمرت الذاكرة القصيرة في التكرار -أو ارتبطت ببعض المشاعر- فإنها تصبح طويلة المدى.
مهارات الذاكرة البصرية
تساعدك الذاكرة البصرية على الأشياء الآتية:
- تَذكُّر المكان الذي تضع فيه أشياء مهمة، مثل: مفاتيح سيارتك.
- تَذكُّر أرقام هواتفك، ولوحة سيارتك.
- القدرة على إعطاء التوجيهات والإرشادات.
- القدرة على تذكُّر تفاصيل شخص ما، كأن تصف الخصائص الجسدية للسارق.
أيضًا بعض الأشخاص قد يتمتعون بنوع من أنواع الذاكرة البصرية يُعرَف بـ”الذاكرة التصويرية” أو “الذاكرة الفوتوغرافية – Eidetic Memory”، وهي تلك التي كان يتمتع بها الإمام الشافعي في أغلب الظن.
وتُعرَف بأنها القدرة على تخزين معلومات بصرية دقيقة للغاية، بعد النظر إلى شيء ما مرة واحدة أو بضع مرات فقط.
دور الذاكرة البصرية في أثناء القراءة
نستخدم الذاكرة البصرية لربط الكلمة بمعناها، عن طريق استحضار صورة لما تمثله الكلمة بصريًا.
وإذا استطعنا تكوين صورة ذهنية واضحة لما يتحدث عنه النص خلال القراءة؛ فإننا نتمكن من تخيُّل وجود تسلسل بصري للكلمات، ثم فهمها جميعًا.
دور الذاكرة البصرية في أثناء الكتابة
عندما نحاول تهجئة كلمة ما، فإنا نتصور الكلمة في أذهاننا، ونعرف كيف يمكن تهجئتها، ويمكننا النظر إلى لوحة المفاتيح قبل الكتابة، ثم نصور أماكن الحروف في أذهاننا أيضًا.
نستخلص من ذلك… أنك إذا وجدت صعوبة في تذكُّر ما تراه، فستواجه صعوبة في القراءة والكتابة، ومن ثَمَّ… التعلم.
ما هو اضطراب الذاكرة البصرية؟
قد يعاني بعض الأشخاص -ولا سيَّما الأطفال- من ضعف في الذاكرة البصرية، وقد لا يُكتَشف إلا بعد دخول المدرسة.
يمكن أن يصبح ذلك هو سبب المشاكل الأكاديمية التي يُنظَر إليها خطأً على أنها كسل أو انخفاض في معدل ذكاء الطفل، وما هي إلا ضعف في المهارات البصرية يمكن تحسينه.
علامات اضطراب الذاكرة البصرية عند الأطفال
- صعوبة في العثور على الحروف في لوحة المفاتيح، أو الأرقام في الآلة الحاسبة.
- المزج بين أحرف مماثلة، مثل: (p) و(q)، لأنهم لا يستطيعون تذكُّر شكلها بالضبط.
- صعوبة حفظ البيانات الشخصية، مثل: أرقام الهواتف والعناوين.
- صعوبة نسخ المعلومات من كتاب أو من سَّبُّورَة.
- صعوبة تذكُّر كلمة جديدة بعد مُدَّة قصيرة من حفظها.
- صعوبة في استدعاء تفاصيل قصة أو ترتيب أحداث.
- صعوبة في حل مسائل الرياضيات.
- صعوبة تذكُّر تفاصيل القراءة.
- الكتابة ببطء.
اختبار (بنتون) للاحتفاظ البصري “(Benton) Visual Retention Test)”
هو اختبار شائع الاستخدام لقياس مشكلات الذاكرة البصرية عند الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 8 سنوات.
ويمكن استخدامه لطفل متخلف دراسيًا، أو للبالغين الذين يعانون إصابة في الرأس مؤخرًا، وبحاجة إلى اختبار وجود تلف بالمخ.
اعلم أن فحص العين الروتيني لن يكشف عن اضطراب الذاكرة البصرية. لذلك، إذا راودتك شكوك أن طفلك يعاني مشكلة في ذاكرته، فعليك باستشارة مختص البصريات والعلاج الوظيفي البصري، وليس طبيب العيون.
تمارين لتقوية الذاكرة البصرية للأطفال
سواء كان طفلك يواجه صعوبات في ذاكرته البصرية وتود تحسينها، أو كنت ترغب فقط في تعزيز مهاراتها، فهناك مجموعة تمارين لتقوية الذاكرة البصرية للأطفال، نذكر منها:
1. لُعْبَة بطاقات الذاكرة
تَلقَى هذه اللعبة رواجًا كبيرًا، وتُوجَد في صورة كروت ورقية وتطبيقات إلكترونية. يحاول الطفل استخراج الكروت المتشابهة، وتساعده هذه اللعبة على تذكُّر ما شاهده سابقًا، ومكان وجوده.
2. لُعْبَة “ما هو الشيء المفقود؟”
ضع أشياءً عشوائية على طبق أو صينية، واسمح لطفلك أن يراها مدة 10 ثوانٍ، ثم غطِّها على الفور، واطلب منه إخبارك بكل الأشياء التي يتذكرها.
يمكنك جعل الأمر صعبًا أو سهلًا قدر الإمكان للمساعدة على تحفيزه.
3. لُعْبَة الأكواب السحرية
أحضر مجموعة من الأكواب، وضع شيئًا -ككرة صغيرة مثلًا- تحت أحدها، ثم حرِّكْه بين الأكواب الأخرى. وبمجرد أن تتوقف، يجب على طفلك معرفة الكوب الذي تخفي تحته الكرة.

4. استرجاع تفاصيل الصور
ارسم صورًا واجعل طفلك ينظر إليها بضع ثوان، ثم احجبها عنه، واطلب منه إمَّا رسْمُها أو تذكُّر ترتيبها.
5. دراسة الصور
أحضر صورةً لأحد المناظر الطبيعية، واترك طفلك يدرس ما بها مدة 30 ثانية، ثم اطرح عليه بعض الأسئلة عمَّا شاهده.
اسأله عن الأشكال، والخطوط، والألوان، وعناصر الصورة، وموعدها، وطقسها، وشخصياتها.

6. لُعْبَة “إكس” (وتُعرَف في الإنجليزية بـ”Tic Tac Toe”)
لا شك أنها لُعْبَة ممتعة ويعلمها الجميع، لكن بإمكانك أن تجعلها أصعب قليلًا.
فقط ارسم الشبكة، ثم أشِرْ إلى المكان الذي تريد الذهاب إليه، وعلى الطفل أن يتذكر ما إذا كان كل مربع محجوزًا أَمْ فارغًا.
يمكن لعبها أيضًا في الحديقة، لإضافة بعض المتعة والإثارة. وما عليك سوى الدخول إلى المربع الذي تختاره ثم الخروج، وعلى طفلك تذكُّر المربعات التي دخلتها.

7. اكتشاف الاختلافات
اعثر على صورتين متشابهتين تمامًا، إلا في بعض الاختلافات البسيطة، وعلى طفلك تحديد تلك الاختلافات. يمكنك العثور على تلك الصور عبر الإنترنت وطباعتها.
في النهاية… أود أن أخبرك أنه يوجد مثل هذه الألعاب والتمارين الكثير والكثير. وأن الطفل عمومًا إن لم يستطع تحسين ذاكرته البصرية، فيمكنه الاعتماد على ذاكرته السمعية أكثر، وتعزيز قدرته على التعلم.
والعلم كل يوم بين تطوُّر واكتشاف جديد؛ فلا مانع من البحث باستمرار عن أحدث طُرُق تنمية مهارات طفلك في شتى المجالات.