أنماط التفكيرمفاهيم ومدارك

الذكاء العاطفي | هل تستطيع فك الشفرة؟

يقولون: ليت ما في القلب يُرى! 

وقد شغلتني تلك المقولة حتى صِرتُ أبحثُ في الوجوهِ عمّا تُخفيه القلوب؛ فما أمتع أن تنظر إلى أحدهم وتحاول فك شفرة مشاعره بما يُظهِره من تعبيرات وتصرفات، كأنك تُرجُمان!

فخلف الكلام المسموع معانٍ أعمق مما يظن قائله، ووراء حركة الجسد البسيطة رسالة أبلغ من ألف كلمة قد ينطِقُها إنسان.

فيبدو الأمر كأنك تسير في عالم خفيٍّ موازٍ يُفصِح فيه البشر عن مكنونات صدورهم، ويطلقون فيه زفرات قلوبهم بلغةٍ غير اللغة، وأنت -وسط ذلك كله- تسمع وترى.

لعلك خمنت موضوع مقالنا؟ صحيح، أُحدِّثك اليوم عن مهارات الذكاء العاطفي التي تفتح لك الباب لاستكشاف عالم المشاعر الخفية، فهل أنت مستعد؟

ما هو الذكاء العاطفي (Emotional intelligence)؟

يمكن تعريف الذكاء العاطفي بأنه قدرتك على رصد وفهم مشاعرك ومشاعر من حولك، بالإضافة إلى قدرتك على التحكم في هذه المشاعر مما يساعدك على التعبير عن نفسك والتواصل مع الآخرين بصورة أفضل.

ويُعد الذكاء العاطفي مصطلحًا حديثًا نسبيًا؛ إذ وضعه عالما النفس جون ماير وبيتر سالفوي في أوائل التسعينيات.
ثم ساهم الكاتب الصحفى دانيال جولمان في ذياع صيته عندما ألّف كتابًا بنفس المصطلح.

ويرى الكثيرون أن الذكاء العاطفي شرط من شروط النجاح أحيانًا؛ إذ يمنحك فهمًا أفضل لتصرفاتك وثقة أكبر في نفسك، ويمنعك من الانجراف وراء المشاعر السلبية.

ما عناصر الذكاء العاطفي؟

عناصر الذكاء العاطفي

قسَّم الكاتب الصحفي دانيال جولمان الذكاء العاطفي إلى خمسة عناصر مهمة تمثل أساسياتِ بناء إنسان ذكي عاطفيًا، نسردها فيما يلي:

الوعي الذاتي

يشير هذا المصطلح إلى إدراكك لذاتك وما يعتمل في صدرك من مشاعر، وكلما زاد إدراكك كلما صرت قادرًا على رؤية تأثير هذه المشاعر على تصرفاتك وانفعالاتك. 

تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!

ويمكِّنك الوعي الذاتي من تحديد نقاط قوتك وأوجه ضعفك بدقة، ويكسبك كذلك ثقة عميقة بنفسك؛ إذ تدرك أن أخطاءك ما هي إلا سبيل للتعلم والتطور.

التحكم الذاتي

تمثل هذه المرحلة قدرتك على ضبط مشاعرك؛ فأنت لا تترك العنان لانفعالاتك، وإنما تُمسِك بزمام الأمور حتى تتمكن من التعبير عن المشاعر بطريقة صحيحة في الوقت المناسب.

فعلى سبيل المثال:

إذا كنت غاضبًا من مديرك في العمل، فإنك لا تصبُّ جامَّ غضبك على من حولك، وإنما تدرك في قرارة نفسك أنك غاضب ولابد لك أن تنفرد بنفسك قليلًا حتى تهدأ وتستعيد توازنك من جديد.

وصولك إلى هذه النقطة يعني أنك قادر على مواجهة المواقف الصعبة، والتكيف مع التغيرات المفاجئة،
ويشير أيضًا إلى إحساسك بالمسؤولية تجاه من حولك، وإدراكك لتأثير تصرفاتك عليهم.

المهارات الاجتماعية

المهارات الاجتماعية

تؤهلك النقاط السابقة إلى الدخول في المرحلة التالية، ألا وهي التواصل مع الآخرين؛ فمفتاح الشفرة يقبع داخلك.
فإن فهمت نفسك جيدًا، ستصبح قادرًا على فهم مشاعر الآخرين.

وستحتاج في هذه الخطوة إلى أن تصبح مستمعًا جيدًا، فتُنصِت إلى القصص التي يرويها أصحابها،
لتتمكن من التواصل معهم بصورة صحيحة.

وأبقِ ذهنك يقِظًا لطرق التواصل غير اللفظي؛ فقد تحمل تعبيرات الوجه، ونبرة الصوت، ونظرة العين،
ولغة الجسد رسائلَ أخرى غير التي تعبر عنها الكلمات.

القدرة على التعاطف

يُعد التعاطف عنصرًا أساسيًا من عناصر الذكاء العاطفي؛ إذ يُمكِنُك من التعامل مع مشاكلِ ومشاعر الآخرين كما لو كانت مشاعرك!

ويساعدك ذلك على الاستجابة لمشاعر الآخرين بصورة مناسبة، ويُعمِّق أواصر المحبة بينك وبين من حولك.
وقد تصبح أول من يهرعون إليه لبث همومهم وشكواهم.

الحافز الداخلي

تنشغل -في هذه الخطوة- بتحقيق أهدافك وأحلامك، فأنت تمضي في طريقك مدفوعًا بحافز داخلي يحثك على السعي طلبًا للنجاح وإثبات الذات، دون أن تلتفت لأي مؤثر خارجي كالمال، أو الشهرة أو إرضاء الناس.

ما بين الذكاء العاطفي والاجتماعي

يمكن القول أن الذكاء الاجتماعي امتداد لما بنيناه من ذكاء عاطفي، فالشخص الذكي اجتماعيًا قادر على إدارة عَلاقته بالآخرين وتطويعها بما يحقق له عائدًا إيجابيًا.

وكي تتمكن من التصرف في المواقف الاجتماعية بصورة صائبة، لابد لك من فهم مشاعر من حولك،
وإدراك الدلالات العميقة وراء انفعالاتهم.

ما سمات الشخص الذي يفتقر إلى الذكاء العاطفي؟

المهارات الاجتماعية
  1. يرفض الإصغاء لمن حوله، فكل الكلام بالنسبة له معركة حامية الوطيس لابد أن يخرج منها منتصرًا!
  2. يعجز عن فهم مشاعر من حوله، وقد تتمَلَّكه الدهشة -بل والغضب أحيانًا- إذا نبهه أحد لذلك.
  3. لا يعرف كيف يتخيَّر كلماته عندما يتحدث مع الآخرين ولا متى يصمت، فقد يذكر قصة جارحة لمن حوله دون أن يدرك تأثير ذلك على مشاعرهم.
  4. يرفض الاعتراف بأخطائه ويلقي اللوم دومًا على الآخرين.
  5. يعجز عن التعامل مع المواقف المشحونة والموَتّرة، وقد يترك المكان كله مندفعًا لعدم قدرته على التحكم في مشاعره.
  6. قد تثير أبسط الأشياء غضبه، فيصرخ محتدًا ولا يستطيع تمالك أعصابه بسهولة.
  7. يعجز عن المحافظة على عَلاقاته بالآخرين، إذ لا يتفهم مشاعرهم فيبدو باردًا غير مبالٍ.
  8. يرى نفسه محور الكون، فلو حدثته عن مشكلة ألمت بك، لمكث وقتًا مضاعفًا يشرح لك كيف أثرت عليه مشكلة مشابهة، ويؤكد لك أن ألمه أكبر من ألمك!

الطريق إلى تنمية الذكاء العاطفي

إذًا، لدينا الآن سؤال شارد بالغ الأهمية: هل يمكن أن تطور من مهارات الذكاء العاطفي لديك؟ 

الإجابة: نعم، وقد بدأت -بقراءتك هذا المقال- في أولى خطوات فهم الذكاء العاطفي، لذا اسمح لي أن أُسديَ لك بعض النصائح البسيطة:

  1. تعرَّف على مشاعرك وقيِّم انفعالاتك؛ فإذا أمسكت نفسك متلبسًا بشعور ما -كالغضب أو الحزن- توقف قليلًا واطرح على نفسك بعض الأسئلة.
    • كيف تبدو ملامح وجهيَ الآن؟ هل تبدو انفعالاتي ظاهرة للآخرين؟
    • هل هناك أي أعراض جسدية كألم في المعدة أو تسارع ضربات القلب؟
    • هل يؤثر هذا الشعور على تصرفاتي؟
  2. فكّر قبل أن تطلق سيلًا من الكلمات المندفعة التي تضر أكثر مما تفيد؛ خذ وقتك في تمالك أعصابك، ثم عد إلى النقاش حينما تهدأ.
  3. أنصِت لما يقوله الآخرين، لتتمكن من التواصل معهم بصورة صحية، لا يُشترط أن تتوافق الآراء والخبرات بين الجميع، فتعلّم أن تضع نفسك مكان الآخرين قبل أن تُصدر أحكامًا.
  4. استخدم أسلوبًا بشوشًا عندما تتعامل مع الآخرين.
  5. لا تعتمد على حدسك -بمفرده- في تفسير مشاعر وتصرفات الآخرين؛ اسأل الطرف الآخر عما يجول في رأسه، حتى لا تقع في فخ سوء التفاهم.
  6. إذا وقع خلاف بينك وبين أحدهم، احرص على الوصول إلى نقطة تفاهم ما؛ فالخِلافات فرصة مناسبة لتفهم الآراء المختلفة، ولمعرفة كيف يفكر الآخرون.
  7. درِّب نفسك على تحمل نتائج تصرفاتك؛ كل ابن آدم خطاء، فلا بأس إن أخطأت مرة، اعتذر وابدأ من جديد.
  8. راقب تصرفاتك وردود أفعالك حينما تتعرض لضغط عصبي، سيمنحك هذا فرصة لتحديد نقاط الضعف لديك، ويساعدك على اجتنابها.
  9. دوِّن أفكارك ومشاعرك وتصرفاتك في مفكرة لتتمكن من تقييمها وتقويمها.
    ويمكنك الاطلاع على مقالنا عن العلاج النفسي الذاتي الذي يشرح لك -بالتفصيل- كيف تتعامل مع المشاعر والأفكار.

وختامًا -يا صديقي الذكي- كن واثقًا أن بداخل كل منا مفتاح لفك شفرة مشاعره، وسبر أغوار من حوله،
وما عليك سوى أن تُفتِّش في ذاتك لتصل إلى مرادك ومبتغاك!

المصدر
Daniel Goleman introduces emotional intelligenceEmotional intelligenceWhat is emotional intelligence?Components of emotional intelligenceThe theories of emotional intelligence explainedWhat is emotional intelligence and +18 ways to improve itImproving emotional intelligence (EQ)9 signs of low emotional intelligence
اظهر المزيد

د. لميس ضياء

صيدلانية إكلينيكية، قضيت شطرًا من عمري بحثًا عن العلم، وأنوي قضاء الشطر الآخر في تبسيط ما تعلمته وتقديمه بلغة سهلة مستساغة للجميع. تستهويني النفس البشرية وأسعى دومًا لسبر أغوارها، وفك طلاسمها، وفهم ما قد يؤرقها من اضطرابات واعتلالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى