الذهان – أرجوك توقف يا عقلي!

استمع.. صوت سيارة قادمة نحونا!

ضربات قلبي تتسارع.. أتصبب عرقاً!

ألم أخبرك أن هذه السيارة تراقبني منذ فترة؟ّ!

لابد وأنهم يريدون أن يسرقوا أموالي!

..

أجل.. قابلته.. وأخبرني أنني أجمل من رأت عيناه!

لم يتحدث عن أي شيء سوى عيناي الرائعتين، وذكائي الحاد، وعفويتي غير القابلة إلا للوقوع في غرامها!

عزيزتي.. من هذا الذي تتحدثين عنه؟!

ألا تعرفينه يا أمي؟! إنه أبي!

ماذا!!!

..

آه آه آه.. إنني مريض جدا.. حرارتي مرتفعة. لابد وأنه قد أصابني مرض خطير!

لم أشعر بالمرض يسري في جسدي هكذا من قبل!

أحتاج إلى الذهاب إلى أكبر استشاري في أمراض الدم.

لابد وأنني أصبت بتسمم الدم أو التهاب الكبد الوبائي.

لا.. بل أشعر أن الأمر أكبر من ذلك!

ولدي العزيز.. درجة حرارتك سبعة وثلاثون ونصف درجة مئوية. إنك أفضل مني شخصياً!

..

لا توجد سيارة تسعى خلفه، ومع الأسف قد توفى أبوها قبل شهرين، بل وهذا الولد يحافظ على صحته أكثر مني ومنك! 

لا عجب.. إنها ضلالات مرض الذهان! 

ما هو مرض الذهان؟

مرض الذهان هو الانفصال عن الواقع، يشعر الفرد معه أنه في عالم آخر، يمكن أن تراوده بعض الهلاوس والضلالات مثل سماع أصوات أو رؤية أشياء غير موجودة. 

إن الذهان في حد ذاته ليس مرضاً إنما هو أحد الأعراض التي تنتج عن حدوث خلل في كيمياء المخ.

أنواع الذهان

توجد أنواع كثيرة للذهان مثل:

• الاضطراب الذهاني الوجيز: هو ذهان يستمر من يوم إلى شهر واحد على الأكثر، يظهر بسبب أحد المؤثرات الحياتية ثم يشفى بعد انتهاء الحدث.
• الاضطراب الضلالي: هو اعتقاد المريض في أحداث ليس لها وجود على أرض الواقع، مثل: أن شخصاً ما يتبعه. يمكن أن تستمر أعراض الاضطراب الوهمي لأكثر من شهر.
• الاضطراب الوجداني ثنائي القطب: يعاني المريض هنا تقلبات مزاجية شديدة يصحبها بعض الأعراض الذهانية.
• مرض الذهان الاكتئابي: يعد مرض الذهان الاكتئابي حالة تجمع بين الاكتئاب وأعراض الذهان مثل: الهلاوس والضلالات.
• ذهان ما بعد الولادة: هو أشد حالات اكتئاب ما بعد الولادة، وهي حالة تظهر بسبب كثرة المسؤوليات والضغوط النفسية بعد الولادة.
• ذهان المواد: يظهر بسبب تناول الكحول أو الممنوعات أو حتى بعض الأدوية بشكل غير قانوني مثل الكوكايين. 
• الفصام: هو أحد الاضطرابات العقلية التي يفقد المريض معها قدرته على التمييز بين الواقع والخيال فيشعر أنهما كيان واحد.

إذن ما الفرق بين الذهان والفصام؟

الفرق بينهما أن الذهان عرض لعدة أمراض أخرى قد يكون الفصام منها.

بينما الفصام مرض مزمن يسبب أعراضًا ذهانية بالإضافة إلى أعراض أخرى مثل صعوبة اتخاذ القرارات وشيوع المشاعر السلبية ومشاكل في الذاكرة. 

أسباب الذهان

يمكن أن يظهر بسبب:

• بعض العوامل الوراثية.
• بعض الأدوية أو الممنوعات يمكن أن تحفز ظهوره مثل الماريجوانا والأمفيتامينات.
• بعض الصدمات التي قد تطرأ على المرء مثل فقدان شخص عزيز أو الاعتداء الجسدي أو الجنسي.
• بعض الأمراض مثل أورام المخ والشلل الرعاش والسكتة الدماغية ومرض الزهايمر.

أعراض الذهان

يسبب الذهان ظهور بعض الأعراض مثل:

• الشعور بالإحباط.
• صعوبة في التركيز.
• القلق المستمر.
• الريبة والشك في الآخرين.
• عدم أخذ قسط كافٍ من النوم أو النوم الكثير.
• الاكتئاب.
• التخبط في الكلام والتبديل بعشوائية بين المواضيع المختلفة.
• ظهور الهلاوس والضلالات.
• العزلة عن الأهل والأصدقاء.
• ظهور ميول انتحارية.

الهلاوس والضلالات

الهلاوس: هي رؤية أو سماع أشياء أو أشخاص غير موجودين.

الضلالات: هي معتقدات خاطئة مثل:

• جنون العظمة الذي يعتقد صاحبه أن شخصاً ما يراقبه مثل السيارة التي كانت تراقب صاحبنا.
• إحساس بتفرد الذات مثل الفتاة التي لم يرى والدها أجمل منها.
• الوهم بالمرض مثل الرياضي الذي يظن أنه قد أتته كل أمراض الدنيا مع أن درجة الحرارة سبعة وثلاثين ونصف!

تشخيص مرض الذهان

يتمكن الطبيب من تشخيص هذا الاضطراب عن طريق التحدث مع المريض وسؤاله عن بعض الأشياء مثل: 

• قائمة الأدوية التي يتناولها.
• تناول بعض الممنوعات.
• الحالة المزاجية له وإذا كان قد أصيب بالاكتئاب في الآونة الأخيرة.
• شيوع المرض في العائلة.
• حدوث أي تدهور في حياة المريض العملية أو الاجتماعية.
• طبيعة الضلالات والوساوس التي تراوده.

قد يطلب الطبيب إجراء بعض التحاليل والأشعة للتأكد من عدم وجود أي حالة أخرى تسبب نفس الأعراض.

علاج مرض الذهان 

يتساءل الكثير من الناس “هل مرض الذهان يُشفى منه؟!” 

أجل، لكل داء دواء، لذلك دعني أرد على سؤال “هل مرض الذهان يشفى؟” عن طريق وسائل العلاج التالية:

مضادات الذهان

يمكن أن يصف الطبيب بعض مضادات الذهان لتحسين الأعراض.

تعمل مضادات الذهان على التقليل من تأثير الدوبامين في الجسم مما يعمل على تهدئة المريض وتقليل شعوره بالقلق في غضون ساعات.

تحتاج مضادات الذهان إلى عدة أيام لتقليل الهلاوس والضلالات.

العلاج النفسي

العلاج المعرفي السلوكي: يحاول الطبيب عن طريق العلاج المعرفي السلوكي أن يتحدث إلى المريض ويعرف كل ما يدور بداخله.

يبدأ بعدها في إقناعه بتغيير طريقة تفكيره وسلوكه تجاه المواقف المختلفة.

يفيد العلاج المعرفي السلوكي في تهدئة المريض وتقليل خوفه وقلقه.

المشاركة العائلية: يمكن للطبيب أن يطلب حضور عائلة المريض معه أثناء جلسات العلاج حتى يشعر المريض بالدعم.

بالإضافة إلى مساعدة الأهل على التأقلم مع الوضع الصحي للمريض.

العلاج الجماعي: يتواجد مريض الذهان وسط مجموعات لديها نفس الحالة مما يجعله يكتسب خبرة أكبر في التعامل مع حالته.

هذا بجانب إحساسه بالمشاركة الوجدانية والاطمئنان لتواجده في مكان يوجد به مجموعات مثله تدعمه.

إذن يمكن لمرض الذهان أن يشفى تماماً باتباع تعليمات الطبيب في تناول الأدوية الخاصة وحضور جلسات العلاج بانتظام.. فلا داعي للقلق.

التعامل مع مريض الذهان

إذا كان في حياتك من يعاني مرض الذهان فاسمح لي أن أخبرك ببعض النصائح للتعامل معه:

• تعلم كل شيء عن مرض الذهان حتى تتفهم ما يشعر به المريض.
• انصح المريض بزيارة الطبيب النفسي إن لم يكن يفعل.
• تجنب نفي أي من معتقداته الخاطئة، أنصت إليه وأخبره أنك تتفهم ما يحدث جيداً، ثم اسأله ما الذي يمكنك فعله لمساعدته.
• على الجانب الآخر لا تؤكد له معتقداته الخاطئة ظناً منك أنك تساعده.
• تجنب نقده أو لومه على ما يقوم به من تصرفات مريبة.
• لا تأخذ ما يفعل مريض الذهان على محمل شخصي، كأن يوجه إليك بعض الاتهامات، فهو ليس في حالته الطبيعية.
• وجه المريض إلى الأشياء التي قد تجعله مبتهجاً.

صديقي الذهاني، اسمعني جيداً، أعرف أنك تشعر بالقلق والحزن لما أصابك من هلاوس وضلالات مرض الذهان، الأمر مزعج حقاً.
لكن يمكنك بالتزامك بأدوية الطبيب وجلسات العلاج النفسي أن تتخطى الأمر كلياً بسهولة. 
وسأنتظرك لتقص عليّ ما حدث بعد مجيء السيارة.
لحظة واحدة، لا توجد سيارة!