السعادة المفرطة | الجانب المظلم للسعادة!

«السعادة المفرطة كالحزن تمامًا… ضررها أكثر من نفعها!
هذه نصيحتي لك يا بني…
فما تفعله يضرك ولا ينفعك؛ فاذهب إلى طبيب أو تحدث مع أحد المعالجين النفسيين، ولكن لا تضع رأسك في الرمال وتتجاهل مشكلتك!»
هذا ما قاله لي مديري منذ ساعات!
ما المشكلة في أن أكون سعيدًا دائمًا؟! أن أظل مبتسمًا وضاحكًا؟! أن أطلق النكات والطرائف في وقت الأزمات؟!
لا أركز في ما يؤلمني أو ما يسبب إحباطي ويأسي، بل أتجاهله وكأنه غير موجود؛ ولذا فأنا شخص سعيد.
أشعر بالأمان والراحة، وحياتي خالية من التوتر، وأحب تلك الحياة الخالية من الضغوطات والتحديات.
سنتحدث في السطور القادمة عن مرض السعادةِ المفرطة، وأسبابها. وسنتطرق أيضًا إلى أنواع السعادة، وأثر السعادة على الفرد والمجتمع.
قبل أن نتحدث عن السعادةِ المفرطة؛ لنتعرف -أولًا- إلى مفهوم السعادة.
السعادة
السعادة هي حالة عاطفية تتميز بمشاعر الفرح والرضا، وتنطوي على كثير من المشاعر الإيجابية التي تسبب لنا البهجة.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
وهناك بعض الناقلات العصبية التي تفرز في الدماغ وتسبب الشعور بالسعادة، مثل: السيروتونين والدوبامين.
ويختلف مفهوم السعادة من شخص لآخر؛ فما يسعدك قد لا يسعد غيرك…
هناك من يشعر بالسعادة لامتلاكه عائلة تحبه، وهناك من يشعر بالسعادة لامتلاكه المال الوفير، وآخر يشعر بالسعادة لأنه حقق أحلامه وطموحاته وأهدافه.
ولذا؛ عندما يتحدث أحد الأشخاص عن السعادة، فهو يصف شعوره الحالي، أو ربما يشير إلى تجربته في الحياة.
يطلق علماء النفس على السعادة “الرفاهية الذاتية”؛ لأنها تصف مشاعر الإنسان لحياته الشخصية.
وتبعًا لعلماء النفس، هناك مكونان أساسيان للسعادة، هما:
- الاتزان العاطفي:
تزخر حياة الإنسان بالكثير من المشاعر السلبية والإيجابية، وبالطبع يشعر الإنسان بالسعادة عندما تطغى المشاعر الإيجابية على السلبية.
وهو ما يعني أن كونك سعيدًا لا يعني خلو حياتك من المشاعر السلبية، مثل: الحزن أو الإحباط أو غيرها، ولكن رجحت كفة المشاعر الإيجابية في حياتك.
- الشعور بالرضا:
ويصف ذلك شعورك بالرضا عن ما آلت إليه حياتك الشخصية والعملية، والإنجازات التي حققتها، والأهداف التي أنجزتها.
ولكن اعلم أن السعادة كالطعام، نحتاج إليها ولكن باعتدال. وكما يؤذيك الإفراط في الطعام ويسبب لك الكثير من المشكلات الصحية، فالسعادةِ المفرطة ليست جيدة.
أشارت الأبحاث الحديثة إلى أن المستويات العالية جدًا من المشاعر الإيجابية؛ تدفع الإنسان إلى أداء الكثير من السلوكات الخطرة، وتجاهل التهديدات، وقد تدفعه إلى تعاطي المخدرات.
السعادة المفرطة (Excessive happiness)
«السعادةُ المفرطة كالحزن تمامًا… تضرك ولا تنفعك!»
تُعرَف السعادة المفرطة بأنها الشعور الغامر بالفرح والبهجة والرفاهية، وهو ما يجعل الإنسان يشعر بالراحة والأمان وأن حياته خالية من التوتر.
وقد يغمر الإنسان الشعور بالسعادة المفرطة إثر الأحداث السعيدة التي مرت بحياته، أو بسبب تعاطي المخدرات، أو بسبب بعض الأمراض العقلية.
ولكن ما ضير أن نشعر بالسعادة المفرطة؟ أليس الشعور بالسعادة أحد الأهداف التي نسعى إليها؟
نطمح جميعًا إلى الشعور بالسعادة، ولكن باعتدال، تلك السعادة الناتجة عن شعورنا بالرضا عن حياتنا وما حققناه من إنجازات.
ولكن، ينبغي لك أن تعلم أن السعادة المفرطة قد تعوقك عن تحقيق ذاتك؛ فأنت تشعر بالرضا حتى ولو لم تحقق ما ترنو إليه، لأنك حينها تشعر بالاكتفاء.
حقائق حول السعادة المفرطة
هناك بعض الحقائق التي يتعين عليك معرفتها حول السعادةِ المفرطة (Excessive happiness):
- السعادة المفرطة تجعلك أقل إبداعًا
وقد أشارت إحدى الدراسات -التي أجريت على الطلاب الجدد بإحدى الجامعات الأمريكية- أن أولئك الذين ادَّعوا أنهم يشعرون بالسعادة المفرطة أقل نجاحًا من الآخرين.
- السعادة المفرطة ليست مناسبة لكل المواقف
تساعدنا المشاعر المتباينة التي نشعر بها على التكيف والتعامل مع التحديات والصعوبات التي تواجهنا.

يساعدك الغضب على تخطي العقبات، ويحفزك التوتر على إنجاز المهام، وينبهك الخوف للتعامل مع التهديدات، ويشير الحزن -المعتدل- إلى خسارتك؛ وهو ما يجعلك تشحذ قواك للتعامل مع كل موقف بما يناسبه.
ولذا؛ فإن السعادة مهمة في سياقها.
ولكن تخيل معي أن تشعر بالسعادة في موقف ينطوي على مشاعر الغضب أو التوتر أو الخوف، وتخيل كيف تؤذيك السعادة حينها!
- السعي وراء السعادة قد يجعلك غير سعيد
يطمح الجميع إلى الشعور بالسعادة، ويجتهد كثيرون في سعيهم نحو السعادة، وكلما زاد سعيك وراء السعادة قلت فرصك في الحصول عليها.
الشعور بالسعادة ما هو إلا نتيجة شعورك بالرضا عن إنجازاتك وما حققته من أهداف، ويبرز استمتاعك بالحياة.
مرض السعادة المفرطة
هل هناك بالفعل حالة مرضية يطلق عليها “مرض السعادة المفرطة”؟!

قد تسبب السعادة المفرطة الكثير من النتائج الكارثية، مثل:
- إنفاق الكثير من النقود.
- أداء السلوكات المحفوفة بالمخاطر.
- تعاطي الكحول والمخدرات.
- الإفراط في تناول الطعام.
- استعداد أقل للتهديدات من حولك:
لن تتمكن من ملاحظة ذلك السارق الذي يتربص بك، ولن تلاحظ تلك العلامات التي تشير وبقوة إلى استغناء شركتك عنك؛ فأنت غارق في عالمك السعيد!
نحن نحتاج إلى بعض من مشاعر القلق والتوتر؛ لكي تحفزنا على المضي قدمًا في وظائفنا وتحقيق أهدافنا.
ولكن ذلك الشعور الدائم بالسعادة المفرطة قد يعوقنا عن تحقيق التقدم والتطور.
أظهرت بعض الدراسات أن الأشخاص الذين يشعرون بالسعادةِ المفرطة يميلون إلى المبالغة في تقدير سيطرتهم على حياتهم، وإعطاء تقييمات إيجابية غير واقعية لأدائهم، والافتقار إلى الإنصاف عند مقارنة أنفسهم بغيرهم.
أسباب السعادة المفرطة
تشمل أسباب السعادة المفرطة:
- تعاطي المخدرات، مثل: الهيروين والمواد الأفيونية والقنب وغيرها.
تسبب تلك المواد شعورًا بالسعادة المفرطة الذي يتلاشى مع الاستخدام المتكرر للمخدرات.
- يسبب اضطراب ثنائي القطب واضطراب دوروية المزاج نوبات السعادة المفرطة “الهوس الخفيف”.
- قد تسبب بعض إصابات الدماغ شعورًا مستمرًا بالسعادة المفرطة؛ إذ تؤثر تلك الإصابات في قدرة الدماغ على التعامل مع المشاعر السلبية.
- يعاني بعض مرضى الفصام -الذين يعانون الهلاوس والضلالات المرتبطة بحب الذات- السعادة المفرطة.
- تسبب قلة الأكسجين هذا الشعور بالسعادة المفرطة في بعض الأحيان؛ وهو ما نلاحظه على متسلقي الجبال.
أنواع السعادة
كما سبق وذكرنا، يختلف مفهوم السعادة من شخص لآخر؛ فليس هناك مقياس واحد للسعادة.
صنف الفيلسوف اليوناني (أرسطو) السعادة إلى فئتين:
- المتعة (Hedmonia): ينطوي هذا الشعور بالسعادة على الشعور بالرضا والقدرة على الاستمتاع بحياتنا وتحقيق أهدافنا وطموحاتنا.
- السعادة والرخاء (Eudaimonia): يتعلق هذا النوع من السعادة بالبحث عن الفضيلة وأن لحياتك معنى وهدفًا.
ولذا؛ ينطوي هذا النوع على الاهتمام بالآخرين، وتحقيق الأهداف على المدى الطويل، والوفاء بالمسؤوليات، والارتقاء إلى المثل العليا الشخصية.
وأضاف العلماء فئةً ثالثةً:
- التفاعل: نرى هذا النوع من السعادة في مشاركة الآخرين والتزامنا تجاههم.
وتشمل أنواع السعادة التي تندرج تحت تلك الفئات الثلاث الرئيسة:
- الفرح: هو شعور قصير نسبيًّا، يصف حالتنا في وقت محدد.
- الإثارة: هي شعور بالسعادة يحدث عند التطلع إلى شيء ما بشكل إيجابي.
- الامتنان: هو شعور إيجابي بتقدير الآخرين والشعور بالعرفان تجاههم.
- الفخر: هو ذلك الشعور بالرضا والفرح تجاه ما حققته.
- التفاؤل: هو ما يصف تلك النظرة الإيجابية المتفائلة للحياة.
- القناعة: ينطوي هذا النوع من السعادة على الشعور بالرضا.
أثر السعادة على الفرد والمجتمع
يعكس شعورك بالسعادة شعورك بالرضا عن حياتك واستمتاعك بها؛ وهو ما يجعلك شخصًا أكثر صحة وبهجة وإنتاجية وانتماءً لمجتمعك.

ينخرط الأشخاص السعداء -باعتدال- في عدد أقل من أعمال العنف أو المعاداة لمعايير المجتمع وأخلاقه.
يتمتع هؤلاء الأشخاص بعلاقات صحية وسوية وطويلة المدى مع المحيطين بهم، ويشاركون في الارتقاء بالمجتمع الذي يعيشون فيه.
يؤدي الأشخاص السعداء دورًا مهمًا في الارتقاء الأخلاقي والاجتماعي للمجتمع، وهم أقل استنزافًا لموارده.
ولذا؛ عندما تتيح الدول والمجتمعات لأبنائها سبل السعادة، فإنها تتمتع بأفراد أكثر صحة وسعادة وإنتاجية، وهو ما يصب في مصلحة المجتمع في النهاية.
نطمح جميعًا إلى الشعور بالسعادة، ولكن ينبغي لنا أن نتجنب الجانب المظلم للسعادة؛ فالشعور الدائم بالسعادة المفرطة يعوقك عن تحقيق ذاتك وتحقيق أحلامك وطموحاتك، وقد يؤدي في النهاية إلى جعلك غير سعيد؛ فكن حذرًا!