السيكودراما | العلاج بالتمثيل!

“سيد فرويد، أنت تقابل الناس في مكتبك، تحدثهم وتحلل ماضيهم وأحلامهم. بينما أنا أعطيهم الشجاعة أن يحلموا من جديد، أنا أدعوهم لإعادة تمثيل المواقف المؤثرة في حياتهم، ومن ثم تجميع الأجزاء المبعثرة وإعادة ربطها من جديد”
هذا ما قاله (جاكوب مورينو) مؤسس السيكودراما النفسية؛ ردًّا على سؤال (سيجموند فرويد) عما يفعله في مجموعة العلاج الجماعي مع مرضاه.
فما السيكودراما، ومن (جاكوب مورينو)؟
لنسمع منه بأنفسنا…
السيكودراما النفسية
-“سيد (مورينو)، نرغب في التعرف إلى دور السيكودراما في الإرشاد النفسي؟”
= “بينما يجلس المعالجون النفسيون في مكاتبهم يستجوبون المرضى ويحللون قصصهم وماضيهم، أستخدم أنا السيكودراما في الإرشاد النفسي لمرضاي.
وقبل أن تسألوني عنها؛ سأعرِّف السيكودراما النفسية لكم:
هي أسلوب علاج نفسي جماعي مبتكر، يحدث داخل مجموعات الدعم النفسي. أحث فيه المشاركين على التعبير عن صراعاتهم الداخلية ومشكلاتهم؛ عن طريق تمثيلها والتفاعل مع بعضهم البعض، ما يمكِّنهم من الحصول على مهارات سلوكية مختلفة، ومعرفة نظرات أعمق عن مشكلاتهم الداخلية.
استخدمت السيكودراما للأطفال أولًا؛ فهم يجيدون التعبير عن مشاعرهم، ويستطيعون التفاعل مع بعضهم، وكشف حقيقة تجاربهم عن طريق التمثيل.
في أثناء ملاحظتي للأطفال، أثار انتباهي أربع مراحل للنمو يمرون بها، وهي:
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
- إيجاد الهوية الشخصية.
- التعرف على النفس.
- إيجاد الرغبة في الاندماج مع الآخرين.
- التعرف إلى الشخص الآخر.
هذه المراحل الأربع، أنشأت عليها تقنيات السيكودراما التي ساعدت مرضاي البالغين على النمو النفسي.
بعد نجاح السيكودراما للأطفال، انتقلت لمجموعات أكبر من البالغين، إذ شجعتهم على التعبير عن أنفسهم في أماكن تشبه خشبة المسرح بعيدًا عن المكاتب المغلقة.”
استخدامات السيـكودراما في الإرشاد النفسي

سألناه مجددًا: “كيف تستخدم السيكودراما في الإرشاد النفسي؟”
التمعت عيناه وأجاب بحماس: “الأمر يشبه مسرحية لها بطل، وهو فرد من المجموعة الذي نمثل مشهدًا من مشكلة حدثت له، لنستبين سبب الانفعالات والصراعات التي حدثت بداخله.
أما مخرج الرواية الذي يعمل من خلف الستار، وهو معالج نفسي متخصص، يحث باقي أفراد المجموعة على مشاركة بطل الرواية في تمثيل أدوارهم للوصول إلى حل المشكلة.
يستشف مخرج الرواية في أثناء التمثيل سبب الصراع الداخلي لبطل الرواية، ويدفعه نحو إيجاد الحلول ونهايات أخرى للموقف غير النهاية الفعلية.
العفوية هي سيدة المشهد ومصدر الإبداع؛ إذ يحث مخرج الرواية البطل على البحث عن حلول إبداعية للمشكلة؛ عن طريق التصرف بطريقة عفوية.”
قاطعناه: “تبدو وكأنك تتحدث عن مسرحية وليس علاجًا نفسيًّا، هل هناك فوائد لتلك السيكودراما؟”
فوائد السيكودراما
رد غاضبًا وبحدة: “هل تعتقدون أني أمزح، إنه علم اكتشاف الحقيقة من خلال التمثيل. فوائد السيكودراما عديدة، منها:
- تساعد المريض -بطل الرواية- على تحديد المشكلة بدقة.
- تحديد الأهداف غير العقلانية للمريض، ومساعدته على رؤية حياته بشكل مختلف، وتبني وجهة نظر جديدة عنها.
- التعبير عن مشاعر المريض وصراعاته الداخلية في حيز آمن يتيح له تحليل ماضيه.
- استعادة ثقة المريض بنفسه.
- تساعد المريض على رؤية نفسه ومواقفه من منظور خارجي.
- تشعل جوًّا من التفاعل والتعاون بين أفراد مجموعة الدعم النفسي.
من ذلك كله يتضح لكم أن السيكودراما توسع قدرة المريض على التعبير عن نفسه في بيئة آمنة، وفهم نفسه بشكل أفضل، دون تدخل مباشر من المعالج النفسي بالأسئلة والتحليل.”
صمت (مورينو) قليلًا، فعدنا لسؤاله: “ما مجالات السيكودراما؟”
مجالات السيـكودراما

أجاب بحماس: “تتعدد مجالات السيكودراما لتشمل جوانب غير طبية، وأخرى طبية، ومنها:
- استخدامات السيكودراما في المجالات غير الطبية
تستخدم السيكودراما في عرض الأعمال التجارية، والتعليم، والتدريب الاحترافي.
- استخدامات السيكودراما في المجال الطبي
أما في الجانب الطبي، تتعدد استخدامات السيكودراما، ومنها المساعدة على علاج:
- الاكتئاب.
- الفوبيا -الخوف الشديد-.
- اضطرابات الطعام.
- اضطراباتُ المزاج والتوتر والضغوط النفسية.
- اضطرابات ما بعد الصدمة.
- الإدمان بمختلف أنواعه، مثل: إدمان المخدرات والكحوليات.
- التوحد.
- اضطرابات التعلق والانفصال.
- الاضطرابات في العلاقات الاجتماعية، مثل: اضطراب العلاقات الزوجية أو اضطراب العلاقة بين الوالدين والأبناء.
يحدث ذلك باستخدام…
تقنيات السيـكودراما
قبل أن نسأله عنها سارع بشرحها قائلًا: “التقنيات المستخدمة في السيكودراما التي أنشأتها من ملاحظتي للنمو النفسي للأطفال في أثناء عملي معهم، هي:
- الانعكاس
يمثل بطل الرواية دوره في المشهد، بعدها يجلس ليشاهد شخصًا آخر يمثل نفس الدور داخل نفس المشهد، فيمنحه ذلك منظورًا خارجيًّا عن التجربة التي حدثت له.
- المضاعفة
يعبر شخص آخر من المجموعة عن شعور أو تفكير بطل الرواية؛ لعجز البطل عن التعبير بسبب الخجل أو الذنب أو الخوف أو الغضب، أو عدم القدرة على إيجاد الكلمات الملائمة للتعبير عما يجول بداخله، أو أنه غير واعٍ لمشاعره الداخلية.
في أثناء المشهد؛ يحق لبطل الرواية الاعتراض على أي عبارات يقولها الشخص الذي يعبر عنه، وتصحيح بعض المفاهيم المعروضة في المشهد بما يناسب وجهة نظره.
- أداء الأدوار
يؤدي البطل دور شخص أو شيء يمثل مشكلة معقدة له.
- المناجاة
يتحدث بطل الرواية بصوت عالٍ معبرًا عن مشاعره، يكسبه ذلك معرفة بنفسه ومشاعره.
- عكس الأدوار
يؤدي البطل دور شخص آخر في المشهد، ويأخذ شخص آخر شخصية البطل. ومن خلال التفاعل يستطيع البطل رؤية نفسه من عين الشخص الآخر، والتفكير بطريقة هذا الشخص الذي يؤدي دوره.
إنها حقًّا تجربة فريدة.”
عيوب السيـكودراما

سألنا بسماجة: “ماذا عن الانتقادات سيد (مورينو)؟”
ويبدو أننا قد أغضبناه حقًّا، فقد قال بانفعال: “الانتقادات، إنهم مجموعة من الحمقى!”
أجبناه: “والحمقى هؤلاء يتحدثون عن عيوب السيكودراما، ومنها:
- أن إعادة تمثيل مشاهد مؤلمة للمريض قد يعيد إحساس الصدمة بداخله.
- تركز السيكودراما على إخراج المشاعر أكثر من تغيير سلوك المريض.
- يجب أن يكون قائد المجموعة -أو المخرج كما تسميه- مؤهلًا بشكل جيد للتعامل مع المرضى المضطربين؛ لأن بإمكانهم تعريض حياة الآخرين للخطر.
- عدم قدرة بعض المرضى على المشاركة والتعبير عن مشاعرهم في العلن أمام المجموعة بصورة واضحة.
- غياب الأبحاث التي تدعم أهمية السيكودراما في الإرشاد النفسي.
- تتعرض خصوصية المرضى للانتهاك؛ فمشاركة أسرار خاصة بالمريض وتمثيلها يتطلب موافقة المريض الكاملة عليها، وموافقة المجموعة على سياسة الخصوصية واحترام سرية المعلومات المعروضة داخل الجلسات.
كل عيوب السيكودراما تلك قد تقف عائقًا أمامك.”
اكتفى بالصمت، فعدنا لسؤاله: “…
ما السيـكودراما التحليلية؟
تنهد وقال بهدوء: “تتضمن السيكودراما تمثيل مشهد واحد من حياة المريض وتحليله. أما السيكودراما التحليلية فهي نوع من العلاج النفسي التحليلي، الذي يستخدم المسرحية لكشف الحقائق اللاوعية داخل الممثلين -المرضى داخل مجموعات العلاج-.
تعتمد السيكودراما التحليلية على تمثيل مسرحية كاملة بكل المشاهد الدرامية فيها، ومن خلالها يستشف المخرج أو المعالج النفسي الدلالة التفسيرية أو الأسباب اللاواعية لتصرفات الممثلين.
لقد وضعت الأسس لكليهما بجمع مؤهلاتي كمعالج نفسي وممثل؛ إذ اعتمدت على لغة الجسد كطريقة للتعبير عن المشاعر، واستكشاف الدوافع الخفية اللاواعية للمرضى.”
في النهاية قدمنا له الشكر، ولكل معالج أو طبيب نفسي أسهم في مساعدة مرضاه بأي طريقة إبداعية مثل السيكودراما أو غيرها.
“انتهت الجلسة!”
قلتها وأنا أصفق بحماس وبادلني مرضاي نفس الأمر…
لقد كانت مجموعتي مميزة حقًّا في اختيار موضوع الجلسة، لقد اختبروا ثقتي بهذا النوع من العلاج بطريقة مميزة وجعلوني أمثل دور (مورينو)، أتمنى أن يثقوا بي لإتمام باقي مراحل علاجهم النفسي بعد هذه الجلسة.