الشخصية الباحثة عن الكمال – Perfectionist

“طلب الكمال من مهلكات الرجال”
استوقفتني هذه الجملة عندما سمعتها من صديقي؛ فهو يطلق علىّ “الباحث عن الكمال”.
أنا في سباقٍ دائمٍ وتحدٍ مستمرٍ مع نفسي والآخرين، لي معاييري الخاصة والدقيقة التي ألتزم بها لتحقيق أهدافي.
أشعر دائمًا بعدم الاكتفاء، وعدم الرضا، وأرهق نفسي للوصول لما أطمح إليه، ولقد تأثرت حياتي الشخصية وصحتي النفسية في الآونة الأخيرة إثر الضغوط النفسية التي أصبحت فريسة لها؛ فأصبحت مكتئبًا وحزينًا ومحبطًا؛ فهل أنا أعيش -حقًا- في وهم الكمال؟
سنتحدث في هذا المقال عن هوس الكمال، وهل يختلف عن ادعاء المثالية، كما سنتطرق إلى علامات الشخصية الباحثة عن الكمال؛ فتابع معنا هذا المقال.
هوس الكمال
قد تنظر إلى الكمال أو الكمالية على أنه سمة شخصية إيجابية تسعى من خلالها للنجاح والتفوق، وأن تكون دائمًا الأفضل.
لكن في أثناء سعيك لبلوغ الكمال، قد تركز على تجنب الفشل أكثر من تركيزك على النجاح، كما تفقد شغفك واستمتاعك بعملك؛ مما يؤثر على حياتك الشخصية وعلاقاتك الاجتماعية وصحتك النفسية.
يعاني مريض هوس الكمال من الخوف من الفشل، كما يخشى لوم الآخرين له، ونظرتهم تجاهه، وحكمهم عليه.
ولذا يقع في دائرة الضغط النفسي، كما يكون أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب والقلق، أو اضطرابات الأكل، وقد يصل الأمر إلى إيذاء النفس.
أفِقْ وتوقف عن العيش في وهم الكمال؛ فالكمال صفة إلهية تفرد بها الخالق، وخصَّ بها الرسل والأنبياء.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
ولكي نتجنب الوقوع في فخ هوس الكمال؛ هيا بنا نتعرف إلى علامات الشخصية الباحثة عن الكمال.
علامات الشخصية الباحثة عن الكمال – Perfectionist
الباحث عن الكمال هو شخص يسعى إلى تحقيق مستوى مثالي في عمله، وتسيطر عليه رغبته في إتقان كل ما يفعله، حتى لو كان المقابل هو راحته وصحته.
تتسم الشخصية الباحثة عن الكمال – Perfectionist بسعيها الدائم في التنقيب عن العيوب، ووضع معايير أداء عالية بشكل مفرط، كما أنها تنتقد نفسها بطريقة لاذعة، ولديها مخاوف بشأن تقييم الآخرين لها.
بالنسبة لهذه الشخصية كل ما هو أقل من الكمالية مرفوض وغير مقبول؛ ولذا فهي أبعد ما يكون عن ادعاء المثالية.
نذكر من علامات الشخصية الباحثة عن الكمال ما يلي:
- ليس هناك مجال للخطأ
متى رأيت خطئًا؛ يجب أن تكون أول من يبادر ويصححه.
- لديك طريقة محددة تنجز بها المهام
قد يصعب على البعض التفاهم معك والعمل تحت إمرتك؛ فأنت محدد للغاية بشأن إنجاز المهام، وطالما أن هناك شيئًا في غير موضعه، أو لا يتوافق مع أسلوبك؛ فهو غير مقبول بالنسبة لك.
يصعب عليك العثور على أشخاص مناسبين للعمل معك، وكذلك يجد الآخرون العمل معك أمرًا غاية في الصعوبة.
- إما كل شيء أو لا شيء
هذا هو النهج الذي تتبناه، فإما أن تفعل كل شيء بشكل مثالي، أو لا تفعل أي شيء على الإطلاق.
إما أبيض أو أسود؛ فأنت لا تقبل بالحلول الوسط الرمادية.
- التركيز على النتائج
لا يرى صاحب الشخصية الباحثة عن الكمال سوى الهدف فقط؛ فهو كل ما يطمح للوصول إليه.
لا يمكنه الاستمتاع بسعيه الدؤوب لتحقيق هدفه؛ فكل ما يشغله هو تجنب الفشل، وإنجاز المهمة.
- تقسو دائما على نفسك
متى حدث خطأ صغير، فأنت تجلد نفسك وتقسو عليها، وقد تشعر بالسوء حيال هذا الخطأ لفترة طويلة.
- يصيبك الاكتئاب عندما لا تحقق ما تطمح إليه
عندما لا تحقق هدفك، تشعر بأنه خطأك، وتظل تسأل نفسك ماذا لو فعلت كذا أو كذا؟ مما يصيبك بالإحباط والاكتئاب.
- لديك معايير عالية للغاية
تظل تحدد لنفسك أهدافًا بعيدة، كما تُلزم نفسك بمعايير دقيقة جدًا؛ مما يسبب لك ضغطًا نفسيًا.

وفي النهاية، قد تقيدك تلك الأهداف والمعايير التي وضعتها لنفسك عن تحقيق ما تتمنى؛ وذلك بسبب خوفك من الفشل.
- النجاح لا يكفي أبدًا
مهما حققت من نجاحٍ، فهو غير كافٍ لك، ودائمًا ما تتطلع نحو تحقيق المزيد، وليس هناك سقفًا لطموحك ولنجاحك؛ فأنت دائمًا غير راضٍ.
قد تظن أن هذا الأمر محفزًا للبعض لتحقيق المزيد، ولكن الباحث عن الكمال يكون دائمًا غير مكتفٍ بما حققه من إنجازات.
وفي النهاية، يقع فريسة للقلق والضغط النفسي أو حتى الاكتئاب.
- تتحين دائمًا اللحظة المناسبة
الشخصية الباحثة عن الكمال دائمًا في انتظار اللحظة المناسبة لأداء المهام.
تبدأ فقط عندما تكون مستعدًا لتقديم أفضل ما لديك لتحقيق أهدافك، وفي بعض الأحيان، قد تستغرق الكثير من الوقت من أجل الاستعداد لإنجاز أمر ما.
- استكشاف الأخطاء
تهتم الشخصية الباحثة عن الكمال بأدق التفاصيل، وغالبًا ما تكتشف الأخطاء التي لا يراها الآخرون.

- قضاء كثير من الوقت لجعل الأمر مثاليًا
هدفك الأساسي هو الكمالية؛ ولذا قد تضحي بنومك ووقتك الشخصي وراحتك فقط لتجعل الأمر يبدو مثاليًا.
الآن بعد أن تعرفت إلى علامات الشخصية الباحثة عن الكمال، فهل تنطبق عليك تلك السمات؟
عوامل تُظهِر الشخصية الباحثة عن الكمال
هناك بعض العوامل التي تساهم في تطور الشخصية الباحثة عن الكمال، نذكر منها:
- الخوف المتكرر من رفض الآخرين، والشعور بعدم الأمان، والخوف من التعرض للانتقاد.
- بعض الاضطرابات النفسية، مثل: القلق أو اضطراب الوسواس القهري.
- عندما يظهر أحد الأبوين سلوكًا مثاليًا بشكل مفرط، وعادةً ما يرى أطفاله مقصرين، ويدفعهم لأداء المزيد.

يشجع بعض الآباء أبنائهم للتفوق في كثير من مناحي الحياة، فلا يكتفوا بالتفوق الدراسي، بل يجب أن يصاحبه تفوقًا رياضيًا في أكثر من رياضة؛ مما يسبب ضغطًا عليهم، وينتهي الأمر بأن يحيا هؤلاء الأطفال في وهم الكمال.
- عندما يضعك الآخرون في قالب معين نظرًا لتفوقك السابق أو إنجازاتك الفائتة؛ مما يقودك للانخراط في سلوك الشخصية الباحثة عن الكمال؛ ليستمر الآخرون في الثناء عليك.
علاج الشخصية الباحثة عن الكمال
احذر من ادعاء المثالية! ففي رحلتك لبلوغ الكمال، قد تسعى جاهدًا لإخفاء مشاكلك الشخصية؛ مما يجعل العلاج أكثر صعوبة.
إن كنت تتسم ببعض صفات الشخصية الباحثة عن الكمال، وتؤثر هذه السمات في حياتك وتسبب لك الضيق، وتُحدِث ضغطًا كبيرًا عليك؛ فلا تتردد في طلب المساعدة.
قد يساعدك العلاج النفسي وخاصة العلاج السلوكي المعرفي على تعلم طرق جديدة للتفكير في أهدافك وإنجازاتك.
وتتعلم كيفية الاستمتاع في أثناء سعيك لتحقيق هذه الأهداف، كما يساعدك على تقليل حدة ردود أفعالك تجاه الأحداث السيئة وتقبلها.
خطوات عملية
سنذكر فيما يلي بعض الخطوات العملية التي تساعدك على التغلب على سلوك الشخصية الباحثة عن الكمال:

- ضع أهدافًا واقعية يمكنك تحقيقها.
- قسِّم المهام الكبيرة إلى خطوات صغيرة.
- لا تخف من ارتكاب الأخطاء؛ فهي جزء من كوننا بشر.
- اعلم أن ارتكاب الأخطاء ما هي إلا فرص مجانية للتعلم.
- كن واقعيًا عند وضع النتائج المحتملة؛ حتى لا تصاب بالإحباط.
- أعد تقييم معاييرك الخاصة، واجعلها مرنة لتساعدك على تحقيق ما تطمح إليه.
- استرخِ واستمتع؛ فقد يصعب عليك الاسترخاء في أثناء سعيك لبلوغ الكمال بسبب تمسكك الصارم بالخطط الموضوعة بعناية.
وفي النهاية، إن طلب الكمال من مهلكات الرجل!
فإن رغبتك المستميتة لبلوغ الكمال قد تصيبك بالاكتئاب والإحباط، وقد تعطلك عن عيش حياتك والاستمتاع بها.
إن لاحظت أنك تتسم ببعض علامات الشخصية الباحثة عن الكمال؛ فلا تتردد في طلب المساعدة.
اسع لتغيير أفكارك، واعلم أن تحديك لسلوكك الكمالي هو خطوة مهمة؛ لتعيش حياة أسهل يمكنك الاستمتاع بها، ولتُحقِّق سلامك الداخلي.