الصداقة | أُشدُدْ به أزري!

(القصة مستوحاةٌ من أحداثٍ حقيقية، والأشخاص موجودون بالواقع).
في حصة اللغة العربية بالصف الرابع الابتدائي…
المعلم: هل لكِ يا (دنيا) أن تقرأي هذا الدرس؟
دنيا: قد حفظتُ هذا الدرس عن ظهر قلب يا معلمي.
“عن الصداقة، إن صحبة الأخيار تجلب الخير، وصحبة الأشرار تجلب الشر.
للصداقة حقوق، منها: السلام عند اللقاء، والمبادرة بالمساعدة، وكتمان السر، ودعوة الصديق بأحب الأسماء إليه، وشكره على معروفه، ونصحه بلطف…”.
المعلم: رائع يا (دنيا)، لماذا تحفظين هذا الدرس خصيصًا؟
دنيا: تعرف يا معلمي أنني أحفظ كل الدروس؟
لا، إنني لا أمزح؛ لي صديقةُ لم تتركني في كلِّ شدةٍ مررتُ بها، منذ ذلك الحين قد عرفت المعنى الحقيقي للصداقة.
إذن حدثينا عن كل ما تعلمتِه عن الصداقة…
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
ما هي الصداقة ؟
إن مفهوم الصداقةِ يشمل عدة أركان لا يمكن أن نحصرها في عدة أسطر، بل تحتاج إلى مجلدات كي نتحدث فيها عن المعنى الحقيقي للصداقة.
الصداقة علاقة قوية بين شخصين، يندمجان معًا تحت مظلة الاهتمام والاحترام، والثقة والدعم والحب.
هي اختيارُك أحدهم ليشاركك تفكيرك وإنجازاتك، وكذلك همومك وأسرارك، أحد ما قد شعرت معه بالأمن والاطمئنان.
قال العالِم في بحوث الإنسان “روبن دونبار” أن الإنسان يمكن أن يمتلك حوالي مئة وخمسين صديقًا طوال حياته، منهم حوالي خمسة عشر صديقًا مقربًا، وخمسة فقط هم مَنْ تشعر معهم بالحميمية.
أهمية الصداقة

يُعَدُّ الأصدقاء أحد الركائز الأساسية التي لا نستطيع أن نمضي في حياتنا في سلامٍ دونها.
توجد أنواع كثيرة للعلاقات، منها:
- علاقة الأب بابنه وابنته.
- علاقة الزوج بزوجته.
- علاقة الزملاء في المدرسة والعمل.
- علاقة الأصدقاء.
إن العلاقة بين الأصدقاء من أهم تلك العلاقات؛ فالصديق يحمل الهم، ويزيل الغم، ويعطي الأمان بالضم، والضحك والبسم.
ربما لا تشعر تجاهه بالمسؤولية التي تشعر بها في علاقاتك الأخرى؛ فلا واجباتٍ تشعر معها بضغطٍ نفسي، ولا إرهاق ذهني.
فالصداقة لها تأثير كبير في الصحة العقلية والنفسية، وتكمن أهميتها في:
تحسين الحالة المزاجية
إن قضاء الوقت مع الأصدقاء كفيلٌ بتحسين المزاج العَكِر، وتلطيف القلب المنفَطِر.
التشجيع على الإنجاز
إن الصحبة الصالحة التي تشد على يد بعضها البعض، تشجع على التقدم والتطور وتحقيق الأهداف التي منها: الإقلاع عن التدخين، أو التفوق الدراسي، أو تعلُّم مهاراتٍ جديدة.
التقليل من التوتر
نتجه إلى أصدقائنا عندما نواجه المتاعب، فنشكو إليهم همَّنا لنقلل من التوتر والإحباط الذي يجتاح الصدور.
والتوتر يقلل من كفاءة الجهاز المناعي بسبب إفراز مادة الكورتيزول (Cortisol)، والتي تُعرف بـ”هرمون التوتر”.
لذلك، الصداقة إحدى الوسائل التي نستعين بها على تحسين صحتنا النفسية، ومن ثمَّ، الجسمية.
الصديق وقت الضيق
أجل، هذه جملة شائعة تُبرِز أهمية الصداقة وعمقها، وفي وقت الضيق يبدأ التعبير عن الصداقة الحقيقية.
فالصداقة الحقيقية هي ما لا يترك فيها الصديق صديقه في أوقات الأزمات والنكبات؛ بل يساعده بكل ما يستطيع حتى يخرج من المحن أقوى مما كان.
حينما تُصاب بمرضٍ خطير، أو تفقد وظيفة الأحلام، أو تخسر كل أموالِك في صفقةٍ جديدة يُكِنُّ لك الصديق في كل هذه الأوقات دعمًا وتشجيعًا وتقوية، حتى تواجه الحياة من جديد.
أما الصداقة المزيفة، فهي التي يترك فيها الرجل صديقه وقت مشكلته، فيبتعد حتى لا يُطلَب منه شيء، بل وقد يغدر بصاحبه في بعض الأوقات!
اقرأ أيضًا: حب الذات وكيفية الوصول إلى السلام الداخلي
ماذا لو لم أُرِدْ صديقًا؟
قالت “هيلين كيلر” ذات مرة: “أُفضِّل أن أسير في الظلام مع صديق، ولا أسير في النور وحدي”!
لا يمتلك كل الأشخاص أصدقاء، يرجع هذا إلى شخصية الفرد، مثل: الشخصية النرجسية، أو الشخصية الحَدِّية التي لا تتمكن من الحفاظ على الأصدقاء، أو الانشغال الشديد في الحياة العملية والشخصية.
يمكن أن تنتج بعض الأضرار من عدم وجود أصدقاء في حياة الإنسان، مثل:
- الشعور بالفراغ والملل.
- الإحباط والاكتئاب.
- الإحساس بالوحدة.
- التدخين.
- اكتساب سلوك الإهمال.
- تناوُل الكحول أو المخدرات بسبب الوحدة.
للمزيد: بهذه الطرق البسيطة يمكنك التغلب على الشعور بالوحدة
صفات الصديق الحقيقي
توجَد بعض الصفات التي يتمتع بها الأصدقاء الحقيقيون. إذا وجدتَها في أحدهم، لا تتخلَ عنه أبدًا. منها:
- الشعور بالراحة والهدوء عند التحدث إليه.
- وجود أفكارٍ وآراءٍ مشترَكة بينك وبينه.
- ينصتُ إليك وإلى شكواك دون نقدٍ مستمر.
- يقبلك كما أنت، ولا يُشعِرك بالنقص إذا وجد فيك أي عيب؛ بل يساعدك في إصلاح عيوبِك باللطف، لتكون شخصًا أفضل.
- يهتم بشؤونك، وأفراحك، وأحزانك، وإنجازاتك، وإخفاقاتك، ويدعمك في كلٍ منهم.
- تشعر معه بالثقة والأمان والتقدير.
أنواع الأصدقاء
يوجَد أربعة أنواعٍ من الأصدقاء، تبعًا لدرجة القرب منهم:
المعارف
هم أشخاص تقابلهم يوميًا، أو بمعدلٍ منتظم، مثل الأشخاص في المقهى أو الجيران، لكنك لا تعرفهم عن قرب.
الصديق
هو الشخص الذي تحاول أن تقترب منه وكذلك هو، يمكنك أن تدعوه إلى حفل تخرُّجك، أو للعشاء مع العائلة.
الصديق المقرَّب
هو الصديق الذي يمكنك أن تطلب منه الدعم، أو كتمان أسرارك، أو حلًا لإحدى أزماتِك.
الصديق المفضَّل

وهنا نتحدث عن الصديق الذي يتمنى الجميع وجوده في الحياة، الشخص الذي يمكنك أن تذهب إليه وتسرد عيوبك وسقطاتك، دون أن ينتقدك أو يعنفك؛ بل يفهمك كما تفهم نفسك، ويفهم الأسباب التي دفعتك إلى ارتكاب هذه الأخطاء.
قليل العتاب وكثير الود، يمكن أن تنقطع عنه إذا شغلتك الحياة لمدة أشهر، ثم تعود فتجده على العهد.
اقرأ أيضًا: أعاني من الاكتئاب – لا تتركني!
ماذا أفعل كي أكون صديقًا أفضل؟
جميعنا نريد أن نكون أصدقاءً حقيقيين أوفياء لذواتنا. لذا، إليك بعض النصائح التي قد تساعدك على إنعاش علاقتك بأصدقائك:
- كُنْ الصديق الذي تحلم أن يكون لديك.
- اهتم بأصدقائك قدر الإمكان.
- استمِع إليهم بصدقٍ واهتمام.
- تجنَّب وضع كثير من الحدود بينِك وبينهم؛ فمن شأن الحدود أن تزيل الحميمية وتضع الرسمية.
- اترك لأصدقائك مساحة من الحرية الشخصية؛ لا تكن قريبًا جدًا أو بعيدًا بشدة.
- سامح واعفُ قدر الإمكان.
- لا تُكثِر من العتاب، حتى لا ينقص الود أو تقل الراحة النفسية بينكم.
متى أُنهِي الصداقة ؟
قد يبدو هذا السؤال قاسيًا إلى حدٍ ما، لكن توجَد حدودٌ لكلِّ العلاقات؛ إن تخطت العلاقة تلك الحدود وأصبح الضرر منها أكبر من النفع، فيجب أن نتخلص منها.
إليك ما قد يحوِّل الصداقة من علاقة أمان إلى علاقةٍ سامة:
- عندما تحاول أن تبذل جهدك ووقتك في دعم صديقك في وقت الفرح والحزن، بينما لا تجده جانبك في أي وقت، ولا يحاول أن يبذل إليك أي جهد رغم استطاعته البذل، هنا، من الأفضل أن تخرج العلاقة من طور الصداقة إلى طور العلاقة السطحية، حتى لا تُصاب بالإحباط.
- إذا لم يكتم أسرارك، وتحدَّث عن عيوبك مع الآخرين، ولم ينصحك في السر، حينها سيكون من الأفضل أن تنسحب من تلك العلاقة.
لا يوجَد سببٌ واضح لاتخاذك قرار الخروج من علاقتك بأحد الأصدقاء، فقط ستشعر أن الأمر أصبح فوق طاقتِك، بل ويسلبك طاقتَك.
للمزيد: ست نصائح للتخلص من الحقد

نخوض رحلة بين طبائع البشر المختلفة، ثم نندمج مع بعضها لنركب سفينة الصداقة، بدايةً من التعارف البسيط، وحتى الحميمية.
فنلتقي مَنْ نشعر معهم بالأمان والثقة والدعم والحب، حينها لا نتركهم أبدًا، وهكذا هي صديقتي “رحاب”.