الطيبة الزائدة | مشكلة تحتاج إلى وقفة حاسمة

نقابل الكثير من الأشخاص أصحاب الصفات المختلفة. يبهرنا كرم هذا، ويأسرنا لطف هذه، وتخيفنا قوة هؤلاء، وتبقى الطيبة هي أكثر المشاعر المتربعة على عرش قلوبنا جميعََا والتي لها سحرٌ خاص بلا أي استثناء، لكن هل ينقلب السحر على الساحر؟
نتناول في هذا المقال الطيبة الزائدة من وجهة نظر أخرى، فتابعونا. 

الطيبة مشاعر إنسانية راقية 

“متى تشعر بالسعادة؟” تختلف إجابة هذا السؤال من شخص لآخر فربما يجيب البعض بأنه يشعر بالسعادة عند ممارسة هواية مفضلة أو التسوق أو مقابلة صديق أو الاسترخاء والابتعاد عن صخب العالم.

 الكثير يجيب أن الأفعال والسلوكيات المرتبطة بالطيبة مثل مساعدة الآخرين والإيثار لها تأثير قوي يشبه كل ما سبق؛ لذلك اتجهت العديد من الدراسات العلمية للبحث وراء سر الطيبة وتأثيرها على نفسية الإنسان.

تأثير الطيبة على نفسية الإنسان 

تحمل المشاعر الإيجابية المرتبطة بالطيبة الكثير من التأثيرات الجيدة على نفسية الإنسان.

إن تبادل كلمات لطيفة، ولمسات طيبة وحانية، ومواقف داعمة يزيد من قوة علاقة الإنسان بمن حوله ويساعده على بناء علاقات جيدة مع الآخرين.

هناك تأثيرات أخرى مثل:

• زيادة هرمون الأوكسيتوسين المعروف بهرمون الحب والذي يلعب دورًا في تعزيز الثقة بالنفس والتفاؤل، بجانب تأثيره الجيد على صحة القلب.
• الإحساس بالسعادة والفرح.
• تحفيز إفراز السيروتونين الذي يعمل كمضاد طبيعي للاكتئاب.
• إطالة العمر. حيث أكدت دراسة أن الأشخاص الذين مارسوا أنشطة تطوعية خلال حياتهم أقل عرضة للموت المبكر من غيرهم.
• زيادة إفراز الإندورفينات التي تقلل من الشعور بالألم.
• تقليل التوتر والقلق.
• تقليل الشعور بالاكتئاب.

هل الطيب ضعيف الشخصية؟ 

استخدمت المجتمعات الحديثة الطيبة كوصمة عار للأشخاص الذين يتصفون بها، بل وبالغت بوصفهم بضعاف الشخصية، لكن هل الطيب ضعيف الشخصية حقا؟ 

لا عزيزي القارئ، فإيثار الآخرين على النفس يحتاج لقوة ومجاهدة عظيمة، كذلك المجهود المبذول لتقديم المساعدة للأشخاص الآخرين ليس بالهيّن.

تذكر أيضََا أن حتى التعاطف والاستماع للآخرين مهمة تحتاج لصبر. في المجمل يمكننا القول أن الطيبة في الحدود الطبيعية وبدون الإفراط أو التفريط هي بمثابة رصيد من القوة تحمله أينما ذهبت، لكن ماذا يحدث إن كانت الطيبة زائدة عن الحد؟ هذا ما سنعرفه في الفقرة التالية.

الطيبة الزائدة عن الحد وعلاجها 

“إن الشيء إن زاد عن حده انقلب لضده” هذا ما قيل قديمََا على لسان الحكماء.

بالرغم من نبل وصدق مشاعر الخير والعطاء المرتبطة بالشخص الطيب؛ إلا أن الطيبة الزائدة عن الحد من الممكن أن تهلك صاحبها. 

هل تتساءل عزيزي القارئ إن كنت من هؤلاء الأشخاص الذين يتسمون بالطيبة الزائدة؟

 يمكنك معرفة ذلك من خلال إجابتك على الأسئلة التالية.

ما هو ترتيب أولوياتك؟ 

 إن من أول العلامات التي تميز الطيبة الزائدة هي إهمال الذات وإنكار احتياجاتها ووضع الآخرين في أول قوائم الاهتمام حتى على حساب الأولويات الأساسية والبسيطة للشخص.

يشكل هذا دائمََا عبئََا كبيرََا ويسبب الكثير من المشاكل الجسدية والنفسية. 

كم مرة انهار سقف توقعاتك في علاقاتك الشخصية؟ 

إن الشخص الطيب يقدم الكثير والكثير، مما يجعل سقف توقعاته عاليا عند تعامله مع من حوله.

يعتقد هذا الشخص أن من حوله يشبهونه وأنهم ربما قادرون على تقديم نفس القدر من المشاعر والدعم له عند احتياجه، هذا ليس صحيحا بالضرورة.

يسبب ذلك شعورا بالغضب والخذلان ويقوده أحيانََا للانطواء والعزلة. 

كم مرة قابل الناس لطفك وطيبتك بريبة ونفور؟

أعلم أن إجابتك ستكون كثيرََا ما حدث هذا، ويرجع ذلك لسببين رئيسيين:

• لأن بعض المواقف التي تصدر من باب الطيبة الزائدة لمساعدة الآخرين غير صحيحة، وربما رؤيتك هي التي لا تناسبهم، وربما يحتاجون لحل مشاكلهم بطريقتهم الخاصة.
• يشعر البعض بعدم الارتياح للأشخاص الودودين واللطفاء زيادة عن الحد؛ لاعتقادهم أن وراء هذه المشاعر أغراضًا خفية دائمََا مثل السيطرة عليهم، أو الحصول على منفعة من ورائهم. 

هل يمكنك قول “لا”؟

إن كنت من الأشخاص الذين لا يستطيعون قول لا أو رفض أي طلب كبيرََا كان أو صغيرََا؛ فأنت بالطبع منضم لنادي الطيبة الزائدة.

يرجع هذا لشعورك بالحرج أو الخوف من إيذاء مشاعر الآخرين.

وفي المرات القليلة التي تضطر فيها لقول “لا” تهاجمك نوبات تأنيب الضمير بشراسة. 

الأضرار الناتجة عن الطيبة الزائدة عن الحد

يمكننا إجمال الأضرار الناتجة عن مشكلة الطيبة الزائدة في النقاط التالية:

1. شعور الشخص دائما بعدم الأمان والخوف من فقدان علاقته بمن حوله.
2. حصر قيمة الذات في تقديم المساعدة للآخرين وإغفال قدرها الحقيقي.
3. قلة الوعي بالنفس واحتياجاتها الأساسية.
4. الشعور الدائم بالذنب وجلد الذات.
5. القلق الزائد والتوتر.
6. نشأة علاقات نفعية وذات روابط ضعيفة بين الشخص الطيب والأفراد المحيطين به.

كيف يمكن علاج الطيبة الزائدة؟ 

إن أول وأهم خطوات التغلب على مشكلة الطيبة الزائدة هو الوعي بوجودها وأضرارها الجسيمة على نفسية الشخص وحياته الاجتماعية. إننا لا نقصد عزيزي القارئ التخلص التام من مشاعر الطيبة، ولا نطلب منك انتزاعها واستبدالها بقسوة غير ملائمة. إن كل ما نطلبه هو تقنينها ووضعها في نصابها الصحيح وذلك عن طريق النقاط التالية:

1. رتب أولوياتك جيدََا: إن معرفتك الجيدة بأولوياتك ووضع مطالبك النفسية والجسدية على رأسها لا يعد أنانية بل هو بداية الطريق لعيش حياة صحية.
2. تعلم كيف تقول لا: إن الرفض هو حق أصيل من حقوقك؛ فلا تتنازل عنه أبدََا عند الحاجة إليه. لا نقول لك ارفض أي طلب، بل ارفض ما لا يناسب إمكاناتك وقناعاتك ووقتك.
3. تجنب الشعور بالذنب: مهما كانت درجة طيبتك أو لطفك، تمر أحيانََا بأوقات سيئة لا تستطيع أن تكون كذلك؛ لذلك توقف عن الشعور بالذنب أو الإحساس بالتقصير تجاه الآخرين.
4. ارسم حدودك: إن سبيلك للحفاظ على نفسية سليمة هو أن ترسم حدودك الشخصية وتحافظ على نفسك من اعتداء الآخرين. أخبر الآخرين بما يضايقك من تصرفاتهم وخذ موقفًا عند اللزوم.
5. ارفض العلاقات القائمة على المنفعة وارفض استغلال الآخرين لك ووفر مشاعرك الطيبة فقط لمن يستحق. 
6. كن طيبََا لنفسك أولََا فهي الأولى بمحبتك وتعاطفك ودعمك وطاقتك قبل أي شخص آخر.

في النهاية نذكركم بأن: 

• الطيبة من أكثر الصفات جمالََا، والمشاعر المصاحبة لها من أنبل وأصدق ما يقدمه الإنسان للآخرين.
• للطيبة فوائد كبيرة على صحة الإنسان النفسية فهي تحسن من الحالة المزاجية وتقلل من الشعور بالاكتئاب.
• لا تتوقف فوائد الطيبة على الصحة النفسية فقط بل يمتد تأثيرها للصحة الجسدية أيضََا فمن الواضح أن الطيبين أطول أعمارََا من غيرهم.
• أن تكون طيبََا هو شيء نادر وجميل، لكن أن تكون طيبتك زائدة عن الحد فهنا تحتاج لوقفة مع نفسك.
• لتحمي نفسك عليك تعلم كيف تحب نفسك، وكيف تقدرها، وكيف تحافظ على حدودها جيدََا قبل أي شيء.