العلاج النفسي بالقبول والالتزام | الخوف لا يمنع الموت، ولكنه يمنع الحياة!

بينما كنت أقرأ للشاعر (نزار قباني)، استوقفتني هذه الجملة:
«لو كانت المشاكل تحل بالهروب، لكانت الكرة الأرضية كوكبًا مهجورًا!»…
فتذكرت كلام الطبيب عن “العلاج النفسي بالقبول والالتزام”، وكيف أن الهروب من المشكلات يبعدك عن حلها وأنه أصعب من مواجهتها.
الخِيار الأمثل لحل أي مشكلة هو الخروج من دائرة تأثيرها في وعيك، والنظر إليها بإمعان كما لو كانت فيلمًا سينمائيًّا.
تعريف العلاج بالتقبل والالتزام
هو أحد أشكال الموجة الثالثة للعلاج المعرفي السلوكي، يهدف إلى تطوير المرونة النفسية؛ فهو يجمع بين مهارات الذهن وممارسة قَبُول الذات، ويجعلك أكثر تقبلًا لأفكارك ومشاعرك وكل ما هو خارج عن سيطرتك.
يؤدي الالتزام دورًا محوريًّا في العلاج النفسي بالقبول والالتزام، فيجعلك تلتزم بمواجهة المشكلة وجهًا لوجه بدلًا من تجنب الضغوط، وذلك بإجراء التغييرات اللازمة في سلوكك.
تطبيقات العلاج النفسي القائم على التقبل والالتزام

يعد العلاج النفسي بالقبول والالتزام علاجًا فعالًا لمجموعة من الاضطرابات النفسية، ومنظورًا مؤكدًا للحياة وملهمًا لتقرير المصير.
يستفيد من العلاج النفسي بالقبول والالتزام كلا من مرضى:
- القلق
- الاكتئاب
- الوسواس القهري
- الإدمان
- الذهان
- الألم المزمن
- مرض السكري
- القلق الاجتماعي
- قلق الاختبار
- الإجهاد في مكان العمل
فنيات العلاج بالقبول والالتزام
هناك ستة مبادئ أساسية تُشكل أساس العلاج النفسي بالقبول والالتزام، وترشد المرضى، وتوفر إطارًا لتطوير المرونة النفسية.
تعمل هذه المبادئ -جنبًا إلى جنب- لتحقيق الأهداف الأساسية المتمثلة في التعامل الفعال مع الأفكار والتجارب المؤلمة، وخلق حياة غنية وحيوية.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
تتلخص هذه المبادئ في:
القبول
هو محاولة إفساح المجال للمشاعر والأحاسيس غير السارة بدلًا من محاولة قمعها أو تغييرها، وذلك بتقبلها والتعايش مع وجودها، دون معاناة أو هروب أو منحها اهتمامًا زائدًا لا داعي له.
التحرر

لا يهدف العلاج النفسي بالقبول والالتزام إلى الحد من التعرض للتجارِب السلبية، ولكنه يهدف إلى تغيير كيفية التعامل معها، وذلك بمواجهتها والتعايش معها.
تنقسم الأفكار هنا إلى:
- واقعية: كما لو أن ما نفكر به يحدث فعلًا.
- حقيقية: نؤمن بها تمامًا.
- مهمة: نتعامل معها بجدية، ونعطيها كامل اهتمامنا.
- أوامر: نتبعها تلقائيًّا.
- حكيمة: نفترض أنها تعرف الأفضل، ونتبع نصيحتها.
- تهديدات: نسمح لها بتهديدنا وإزعاجنا.
يؤدي التوظيف الناجح للتحرر إلى نفسية أكثر اتساعًا، ورؤية الأشياء على حقيقتها…
فبدلًا من رؤية قطعة من الكعك كمصدر للسعادة والنشوة أو كمزيد من السعرات الحرارية، تفصل تلك المشاعر عنها وتتعامل مع حقيقتها.
الاتصال باللحظة الحالية
هو ممارسة إدراك اللحظة الحالية دون الحكم على التجربة، والسماح لأنفسنا بتجربة المشاعر والأحاسيس التي نشأت؛ وذلك اتباعًا للموجة الثالثة للعلاج المعرفي السلوكي التي تشمل العلاج النفسي بالقبول والالتزام.
يتطلب ذلك أن تعيش في الوقت الحاضر، وتركز على ما تفعله، وتضفي الوعي الكامل على التجربة الحالية باهتمام وتقبل بدلًا من الخوض في الماضي أو القلق بشأن المستقبل.
الذات كسياق
الفرد ليس مجموع التجارِب والأفكار والعواطف التي مر بها، لكن هناك ذات خارج التجربة الحالية، فنحن لسنا فقط ما يحدث لنا.
مراقبة الذات جانب قوي من جوانب الوعي البشري، وهو جانب يتجاهله علم النفس الغربي إلى حد بعيد.
من هذا المكان، يمكننا إدراك أن أفكارنا ومشاعرنا وذكرياتنا ودوافعنا وأحاسيسنا وصورنا جوانب هامشية لأنفسنا، ولكن نظرًا لأنها تتغير باستمرار؛ فهي ليست جوهر ما نحن عليه.
القيم
القيم في هذا السياق هي الصفات التي نختار العمل من أجلها في أي لحظة.
نحن جميعًا نتمسك بالقيم التي توجه خطواتنا بوعي أو بغير وعي، وفي العلاج النفسي بالقبول والالتزام نستخدم الأدوات التي تساعدنا على عيش حياتنا وفقًا للقيم التي نعتز بها.
ينطوي هذا المبدأ على السؤال عن نوع الشخص الذي نريد أن نكون، وما نريد أن ندافع عنه في هذه الحياة.
تحفزنا القيم على إجراء تغييرات كبيرة في حياتنا، فتكون الحياة ذات مغزى حتى عندما تحدث لنا أشياء سيئة.
الالتزام السلوكي
هنا، يضع الشخص الأهداف ويتخذ الإجراءات… لكنها ليست أي إجراءات!
هنا يدرك الشخص أن الحياة ذات المغزى التي يرغب فيها تتحقق باتخاذ إجراءات فعالة، وهي التي تسترشد بالقيم المختارة ليحقق هذه الأهداف.
نظرية العلاج بالقبول والالتزام
محاولة السيطرة على المشاعر المؤلمة والتجارب النفسية يؤدي إلى نتائج عكسية؛ لأن قمع هذه المشاعر يؤدي إلى مزيد من الضيق.
يتبنى العلاج وجهة النظر القائلة بأن هناك بدائل لتغيير طريقة تفكيرك.
تشمل هذه البدائل اليقظة والاهتمام بالقيم الشخصية والالتزام بالعمل، وذلك من خلال اتخاذ خطوات جادة لتغيير السلوك، وفي الوقت نفسه تعلم قَبول التجارِب النفسية.
النتائج المتوقعة للعلاج

ستتعلم خلال العمل مع معالج مختص الاستماع إلى الطريقة التي تتحدث بها مع نفسك حول الأحداث الصادمة، والعلاقات الإشكالية، والقيود الجسدية، وغيرها من القضايا.
يمكنك بعد ذلك أن تقرر ما إذا كانت المشكلة تتطلب إجراءً فوريًّا وتغييرًا، أو يمكن تقبلها على حقيقتها.
بينما تتعلم إجراء تغييرات سلوكية تؤثر في الموقف، يمكنك النظر إلى مواقف الماضي التي لم تنجح في التعامل معها. يهدف المعالج بذلك إلى مساعدتك على التوقف عن تكرار الأفكار والسلوكيات نفسها التي تتسبب في مزيد من المشكلات.
بمجرد مواجهتك لمشكلاتك الحالية وتقبلها؛ فأنت تلتزم بالتوقف عن محاربة ماضيك ومشاعرك، والبدء في ممارسة سلوك أكثر ثقةً وتفاؤلًا بناءً على قيمك وأهدافك الشخصية.
في النهاية، ينبغي إدراك أن المعاناة والألم لا مفر منهما كونك إنسانًا، وأن النجاح والفشل جزءان من رحلة الحياة التي لا تسير على وتيرة واحدة… فاستمتع بحياتك!
بقلم د/ هبة حزيمة
شكرا جزيلا