العمل الجماعي | الفرد من أجل الجميع

تأمل عزيزي:
كائن حي لا يكاد يسد رمقه، يبحث في الأرض عن لقيمات تقمن صلبه، ويلجأ لمأوى يحميه من تقلبات البيئة!
كيف لامس السحاب وهو لم ير إلا أثره في أمطار هطلت عليه؟!
كيف له أن يخترق الفضاء ويسبح بين النجوم التي لطالما كانت في أشعاره مثلا للأماني؟!
كيف وصل حتى الثقب الأسود، وربما أبعد من ذلك؟!
إنه “العمل الجماعي”…
هذا الإرث الحضاري للمجموعات البشرية المتعاقبة جيلًا فجيلًا.
في هذا المقال سنتعرف إلى أهمية العمل الجماعي، ثم سنعرض دليل الشخصية الانطوائية للعمل الجماعي.
تعريف العمل الجماعي
هو العمل مع أشخاص آخرين لتحقيق هدف مشترك، وهو أمر ضروري في كل مجال تقريبًا، سواء في الوظيفة أو في المنزل أو في الملعب.
على الرغم من وجود بعض المواقف التي يكون من الأفضل فيها التصرف بمفردك، فإن تعلم كيفية العمل معًا بدون تعارض هو مهارة بالغة الأهمية؛ يمكن أن تساعد الفرد على تحقيق نجاح أكبر.
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!
يعرف رائد صناعة الصلب الأمريكي (أندرو كارنيجي) العمل الجماعي بأنه:
“القدرة على العمل معًا نحو رؤية مشتركة، وعلى توجيه الإنجازات الفردية لتحقيق الأهداف التنظيمية، فهو الوقود الذي يسمح لعامة الناس بتحقيق نتائج غير مألوفة.”
لماذا يتعاون البشر؟
“بمجرد أن تنضم لفريق، فإنك تصبح أقوى”
يُعتقد أن التعاون عنصر أساسي في الطبيعة البشرية:
أتاح العمل الجماعي لأسلافنا الأوائل البقاء على قيد الحياة، ويفترض بعض الخبراء أنه أيضًا أعطانا ميزة تطورية على الأنواع الأخرى من البشر الأوائل الذين ماتوا لاحقًا.
يتيح التعاون للبشر حل المشكلات التي لا يستطيع الأفراد حلها بمفردهم:
ومن وجهة نظر علم النفس التطوري، يمكن الإجابة على سؤال “لماذا يتعاون البشر؟”
فإذا كان أسلافنا غير قادرين على التعايش في مجموعات، فمن غير المرجح أن يعيشوا لفترة طويلة أو أن يستمر نسلهم.
ما هي فوائد العمل الجماعي الجيد؟
مما لا شك فيه أن العمل الجماعي الفعال يعزز من كفاءة العمل؛ ذلك أن العبء سيتشاركه مزيد من الأشخاص.
كذلك فإنه يعزز المساءلة والروح المعنوية، ويقلل من فرصة خروج خطط العمل عن مسارها إذا تغيب أحد أعضاء الفريق أو إذا كان غير قادر على المساهمة.
ويسمح أيضا لأعضاء الفريق بالتعلم من بعضهم بعضًا وبناء مهارات جديدة.
أهمية العمل الجماعي
لا عجب أن البشر كائنات اجتماعية؛ فالحضارة نفسها هي نتاج الجهود المشتركة لعدد لا يحصى من الجنس البشري على مدى آلاف السنين.
تكمن أهمية العمل الجماعي في أنها أتاحت للباحثين والمنظمات وحتى العائلات تحديد كيفية تنظيم العمل للمضي قدمًا في خططهم.
فمثلا: تتطلب تربية الأطفال أو الحفاظ على منزل نظيف التعاون والتقسيم العادل للمهام.
وينطبق الشيء نفسه على أي مكان عمل تقريبًا، حيث يكون العمل الجماعي الجيد ضروريًا لتحقيق الأهداف وإرضاء العملاء.
قواعد العمل الجماعي
يتجلى التزام أعضاء الفريق بالعمل معًا عند تطبيق قواعد عمل محددة تمكن كل عضو من أداء مهامه بدقة، وتكرس للشعور بـالمساءلة المتبادلة لكل أعضاء الفريق.
وإليك ست قواعد أساسية للعمل الجماعي، تمكن من تكوين فريق عمل قوي:
- الغرض المشترك:
من الضروري أن يفهم أعضاء الفريق هدفهم، وأن يعملوا معًا لتحقيقه، بل وأن يكون هذا الهدف دائمًا في أذهانهم.
- المنهج المشترك:
يجب أن يكون لدى كل أعضاء الفريق فهم مشترك لكيفية عمل الفريق.
وعلى الرغم من أن كل عضو له منهجه الفريد الخاص به؛ إلا أنه من اللازم أن يعمل الجميع تحت مظلة موحدة من المبادئ العامة.
- القدرات المكملة:
من الطبيعي أنه لا يوجد شخص واحد لديه المهارات اللازمة للقيام بكل شيء.
لكن، عندما تجتمع مهارات أعضاء الفريق، يكون لدى الفريق ككل مجموعة من المهارات المتكاملة لإنجاز العمل والقيام به على أكمل وجه.
- المساءلة المتبادلة:
نجاح الفريق مرتبط بنجاح الأفراد، ولا يمكن لأي فرد أن ينجح بدون عمل الآخرين.
هذه المساءلة -تجاه بعضنا بعضًا- تؤدي إلى الثقة والتفاهم الأعمق.
- الهيكل التنظيمي:
عندما يفهم الناس أدوارهم، يصبحون قادرين على العمل بثقة أكبر لتحقيق أهداف الفريق.
لذا؛ يجب أن تحدد الأدوار بعناية وفقًا لمعايير علمية لا يحكم فيها الهوى، وأن يفهم أعضاء الفريق أدوارهم، وكيف سينجزونها.

الفريق الجيد بحاجة إلى قائد جيد.
هذا القائد ينبغي أن يكون واسع المعرفة، ومتواضعًا، وملهمًا لزملائه.
وكما ترى، فمميزات العمل الجماعي عديدة، لكن هل هناك عيوب للعمل في فريق؟
تعرف معنا إلى إجابة هذا السؤال في الفقرة القادمة.
سلبيات العمل الجماعي
ينطوي العمل في فريق على مخاطر محتملة، تتمثل في:
- التواصل غير الفعال بين أعضاء الفريق.
- عمليات اتخاذ القرار المعقدة وطويلة الأمد.
- الخسائر الجماعية.
- الصراعات الشخصية.
هل من الممكن تعلم مهارات العمل الجماعي؟
وبسبب عيوبه الشائعة، فليس من السهل على بعض الأشخاص العمل مع الآخرين، وقد يلجأون إلى العمل بمفردهم.
يميل بعض الأفراد إلى العمل الجماعي أكثر من غيرهم، ولكن أولئك الذين لا يبرعون فيه يمكن أن يتعلموا قواعده الست التي تساعد في بناء الذكاء العاطفي وتدعم إستراتيجيات العمل الجماعي.
قوة الانطوائيين!

تشير أبحاث عديدة إلى أن الأشخاص الذين يتمتعون بالخصوصية يكونون أكثر إبداعًا.
وفي كتابها (الهدوء: قوة الانطوائيين في عالم لا يمكنه التوقف عن الحديث)، توضح المحامية الأمريكية (سوزان كين):
أن الثقافة الغربية يهيمن عليها “النموذج المنفتح” وأن “الذات المثالية” هي الذات الاجتماعية التي تتوق إلى الأضواء، فالثقافة الغربية الحديثة -في رأي (كين)- تقلل من قدرات الشخصية الانطوائية.
ويعود صورة هذا النموذج المثالي إلى عصر الثورة الصناعية في أواخر القرن التاسع عشر، حيث التحضر الهائل وظهور الشركات الكبرى.
وتعرف (كين) الانطواء باستخدام محور التحفيز، فبينما يفضل المنفتحون بيئات أكثر تحفيزًا، يفضل الانطوائيون بيئات أقل تحفيزًا.
وتشرح أيضًا كيف أن ربط سمات الشخصية (مثل الخجل بالانطواء) هو أمر خاطئ تمامًا؛ فالانطوائيون لا يخافون من التفاعلات الاجتماعية، لكنهم فقط لا يحتاجونها.
ويوضح الكتاب أن أرباب العمل يفضلون المنفتحين، الذين تُسمع أصواتهم -غالبًا- لا لأفكارهم العظيمة، ولكن لشخصياتهم الاجتماعية.
لكن شيئا كبيرًا تنساه ثقافة العمل أو لا تكاد تراه، وهو أن العزلة جزء مهم من الإبداع الذي هو وقود العمل الجماعي.
دليل الشخصية الانطوائية للعمل الجماعي
أحد أهم عيوب الشخصية الانطوائية هو عدم قدرتها على الانسجام في العمل الجماعي، بل إن الأمر قد يكون مؤلمًا لها.
هذه الساعات التي تقضيها الشخصية الانطوائية في اجتماعات صاخبة مليئة بمن يتفوهون بأفكار غير مكتملة؛ تستنزف طاقتها، وتشعرها بالملل والضيق!
وبصفتك انطوائي، فربما تكون أكثر اهتمامًا بالأفكار عن غيرك، فبينما أنت تفكر يتحدث الآخرون.
إليك -عزيزي- بعض النصائح لجعل العمل الجماعي أكثر متعة لك:
- فكر في الاجتماعات على أنها فرصة للتعرف إلى أفكار جديدة ومثيرة للاهتمام.
- ركز على المحتوى بدلًا من صخب الحديث.
- لا تدع نفسك تتعرض للتهميش.
- لا تأخذ تعليقات المنفتحين على محمل شخصي.
- حاول إعادة مشاركة ما تسمعه؛ حتى يتمكن الفريق من الاستفادة منه.
- تدرب على قول الأشياء قبل التفكير فيها بشكل كامل، وكما يقول المثل القديم: “اطرق الحديد وهو ساخن”.
وأخيرًا، أنصحك عزيزي القارئ بمتابعة هذا المقال الرائع، قبل أن تحكم على “الشخصية الانطوائية”.