العنف الجنسي | أرجوك لا تَلُمْنِي!

هل سمعت عن الخطط والتكتيكات الحربية التي يتدرب عليها الجنود قبل النزول إلى أرض المعركة؟ لطالما تخيلت أن كل امرأة تعيش في مجتمعنا تصنع خططًا حربية قبل النزول كل صباح لمواجهة التحرش أو العنف الجنسي.
أتخيل هذه الفتاة الصغيرة تبحث عن طريقٍ مغاير لذلك الزقاق المظلم، وتلك الشابة تضع بندًا من راتبها لصالح مواصلة أكثر أمانًا، وأخرى تحاول تجنب التعامل مع هذا الزميل أو ذاك المدير المتحرش.
هذا بجانب خطط الطوارئ!
هل أصرخ وأُوبِّخ؟ أَمْ أكتفي بنظرةٍ رافضة؟!
أيهما أكثر فاعلية: رذاذ الفلفل أَمْ الصاعق الكهربائي؟!
ولطالما تخيلت أن كل جلسة نميمة بينهنَّ لا تخلو من جانبٍ يتبادلن فيه الخبرات بهذا الشأن.
بالرغْم من كل هذا، لا يسلم الأمر عادة من نظرةٍ متفحصة، أو وصف بذيء يتناهى لسمعهن.
في هذا المقال، نتحدث بالتفصيل عن واحدة من أكثر الظواهر المرعبة، وهي العنف الجنسي… هيا بنا!
ما هو العنف الجنسي؟
يُطلَق هذا المصطلحُ على أيِّ نشاطٍ أو سُلوكٍ جنسيٍّ يُمارَسُ بالإجبار، وبِدونِ رغبةِ الطرَفِ الآخر أو موافقَتِه. ويقعُ تحتَ مِظلةِ هذا المصطلحِ العديدُ من الممارسات، منها:
- الاغتصاب، حتى وإن كانت مجرد محاولة باءت بالفشل.
- التحرش، سواءً كان ماديًا (عن طريق لمسها) أو معنويًا (مثل سماع وصفٍ منفِّر لجزء من جسدها أو مواجهة نظرةٍ متفحصة).
- إجبارُ شخصٍ ما على ممارساتٍ جنسيةٍ غيرِ مرغوبةِ بالنسبة إليه.
- الإساءةُ الجنسيةُ للأطفال.
- التقاطُ صورٍ أو تصويرُ مقاطعِ فيديو جنسيةٍ لشخصٍ ما دونَ موافقتِهِ أو علمِه.
- سِفاحُ ذوي القُربَى، ويتضمنُ أيَّ سلوكٍ جنسيٍّ يصدُرُ بين أفرادِ الأسرةِ الواحدة، وعادةً ما يكونُ ضحاياهُ مِنَ الأطفال.
ويستخدم المعتدي الكثير من الوسائل لإجبار الضحية، والوصول إلى مراده؛ ومن أشهرها:
تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!

- الابتزاز العاطفي: يستدرج المعتدي فريسته للموافقة على ممارسة سلوك جنسي بدعوى الثقة أو الحب.
- الإكراه والتخويف: فربما يمتلك الجاني شيئًا ما يثير الرعب أو الخوف في نفس الضحية، ويساومها عليه مقابل الحصول على متعته الجنسية.
- الإجبار تحت تهديد السلاح.
- استغلال ضعف الضحية وخوفها.
ومن المهم أن ننوه أننا لا نقصد هذا النوع من العنف الجنسي المرغوب به أو المتفق عليه من قِبَل الشريكين.
ضحايا العنف الجنسي
إن أول ما يجول بخاطرنا عند سماع مصطلح العنف الجنسي هو المرأة، لكن في الحقيقة لَمْ يسلم أي فرد من المجتمع من الوقوع تحت وطأة هذا النوع من العنف، بغضِّ النظر عن العمر أو الجنس. وهذا ما سنشرحه في الفقرات الآتية.
العنف الجنسي ضد المرأة
تُعَدُّ المرأة أولى ضحايا العنف الجنسي، وأكثرهم تعرضا له؛ فهناك واحدة من كل ثلاث نساء يتعرضن لنوع من أنواع العنف الجنسي.
وتواجه النساء -مهما اختلفت أعمارهن- هذا النوع من العنف في الشارع وفي العمل، وأحيانًا يُمارَس ضدها حتى داخل البيت.
العنف الجنسي ضد الأطفال
يُعَدُّ هذا النوع من العنف هو الأقسى والأكثر ضررًا على صحة الطفل النفسية والجنسية والجسدية.
وعادة ما يمتد التأثير السلبي للعنف الجنسي على الطفل عقودا طويلة، ما لَمْ يُكتشَف ويُعالَج بطريقة صحيحة.
ولا نعجب عندما نعرف أن الجاني غالبًا هو واحد من أفراد الأسرة -أو أحد المقربين منها-؛ فمن الصعب على الطفل الاطمئنان والتسليم لشخص ما خارج دائرته المعروفة، ويندرج هذا تحت بند العنف الأسري.

العنف الجنسي ضد الرجل
لا تتعجب يا صديقي؛ فإن نسبة كبيرة من الرجال يتعرضون للعنف الجنسي، لكنهم لا يفضلون التصريح بهذه الحقيقة.
ويرجع سبب هذا إلى أن الاعتراف بهذه الحوادث يلصق بهم وصمة عار لا يسهل محوها أو التعامل معها.
وتشهد السجون، ومخيمات اللاجئين، والمؤسسات التأهيلية والعسكرية في بعض الدول النصيب الأكبر من العنف الجنسي ضد الرجل.
عوامل تساعد على انتشار العنف الجنسي
تسهمُ العديدُ من العواملِ في خلقِ العنفِ الجنسيِّ وانتشارِهِ داخلَ الكثيرِ من المجتمعات، فمِنَ المهمِّ الوعيُ بها ومحاولةُ علاجِها للحدِّ من انتشارِ هذا السلوك. ومِن أشهرِ تلك العوامل:
أولًا: عوامل مرتبطة بالشخصية
- العدائية والعنف تجاه الآخرين عمومًا، والمرأة بشكل خاص.
- انعدام شعور التعاطف.
- التعرض لعنف جنسي في الصغر.
- تعاطي الكحول أو المواد المخدرة.
- الانحراف.
- مشاهدة مواد جنسية، وما ينتج عنها من تخيُّلات مُخِلَّة.
ثانيًا: عوامل مجتمعية
- الفقر، وانتشار البطالة، وضعف الظروف المعيشية التي تجعل من متطلبات بناء أسرة حلمًا مستحيلًا.
- غياب القوانين الرادعة التي تعاقب المعتدي وتحمي الضحية.
- التواطؤ المجتمعي الخفي لهذا السلوك، والتسفيه من آثاره، بل وتوجد مجتمعات تحمي الجاني وتلوم الضحية!
- تبنِّي المجتمع لهيمنة الرجل على المرأة في جميع الجوانب الحياتية، بما فيها الحياة الجنسية.
- ارتفاع معدل الجريمة والعنف بشكل عام.
- غياب الوازع الديني أو الأخلاقي.
أضرار العنف الجنسي
إن العنف الجنسي جريمة شنيعة بكل ما تحمله الكلمة من معنى؛ حيث يعاني ضحاياه لمدة طويلة من الزمن من أضراره. وتختلف حدة تلك الأعراض من ضحية لأخرى بناءً على:
- نوع الاعتداء.
- شخصية الضحية.
- عُمر الضحية.
- البيئة المحيطة بها، وطريقة دعمها أو تعاملها مع الموقف.
أضرار العنف الجنسي النفسية
من الممكن رصد وملاحظة ظهور العديد من الأعراض والأمراض النفسية على ضحايا العنف الجنسي، ومنها:
- الاكتئاب.
- التوتر والقلق المزمن.
- الخوف المرضي (الرهاب).
- صعوبة في التركيز.
- كوابيس وأحلام مزعجة.
- أرق.
- اللجوء إلى إدمان الكحول أو إدمان المواد المخدرة.
- الإصابة أحيانًا باضطرابات الأكل.
- اضطراب ما بعد الصدمة.
- يتطور الأمر أحيانًا إلى الإصابة بالاضطرابات الانشقاقية
- إيذاء النفس، وظهور الكثير من الأفكار الانتحارية.
هذا بجانب المشاعر المؤلمة التي تسيطر على معظمهم، مثل:
- جَلْد الذات، والشعور الدائم بالذنب والعار؛ فتجد معظم الضحايا يلومون أنفسهم على ما حدث لهم من عنف.
- الشعور بالدونية وانعدام قيمة الذات.
- الشعور بالحزن الشديد.
- الاشمئزاز من أجسادهم.
- الشعور الدائم بالحنق والغضب على كل جنس الجاني أو المجتمع الذي يبرر له.
- التشتت وعدم الفهم.
- الشعور بالصدمة، وأحيانًا الإنكار.
- تفضيل الانعزال عن المجتمع.
الأضرار الجسدية للعنف الجنسي
- تغيُّر في عادات الأكل والنوم.
- حدوث جروح أو كدمات أو كسور.
- الخوف من حدوث حمل أو انتقال أحد الأمراض الجنسية.
إن كنت -يا صديقي العزيز- تتساءل عن أنسب طريقة للتعامل مع هؤلاء الضحايا، فلننتقل إلى الفقرة التالية.
كيف تتعامل مع ضحايا العنف الجنسي؟
إن تأثير الحوادث المرتبطة بالعنف الجنسي له وقع شديد الصعوبة على أهل الضحايا وذويهم، نظرًا لحساسية الموقف. فلك أن تتخيل -يا صديقي- مشاعر هؤلاء الأشخاص، وما يعتمل في نفوسهم من هول تلك الصدمة.

في النقاط التالية، نقدم بعض النصائح الهامة التي من شأنها المساعدة على تقديم الدعم المعنوي للضحايا:
- كن مستمعًا جيدًا دون الضغط على الضحية، أو الخوض في أي تفاصيل تزعجها.
- لا تَلُمْ الضحية، ولا تحكم عليها؛ فما حدث لَمْ يكن خطأها.
- احترم قرار الضحية، وادعمها أيًا يكن (سواءً الإبلاغ عن الجريمة أو السكوت عنها).
- احترم خوفها الزائد من اللمس أو التقرب منها.
- أعطها الوقت الكافي للخروج من تلك الحالة.
بجانب هذا الدعم، لا نُغفِل ضرورة اللجوء إلى الطب النفسي، للتعامل مع التشوهات والآثار الناتجة عن تلك الحوادث.
العلاج النفسي لضحايا العنف الجنسي
يتعامل العلاج النفسي مع ضحايا العنف الجنسي على أنهم مرضى اضطراب ما بعد الصدمة؛ فيوجههم للطريقة المُثلَى للتعامل مع الذكريات المؤلمة والمشاعر الناجمة عنها، بجانب وسائل التعامل مع القلق والتوتر.
في الختام، تَذكَّرْ أن ما يمر به هؤلاء الضحايا أمر في غاية الصعوبة، وكفيل بتدمير حياتهم. فأرجوك، كُن عونًا لهم لا عليهم!