ترياق الأمراض النفسية

القولون العصبي | مرض نفسي أم عضوي؟

كم يبدو هذا الطعام شهيًّا! 

كم أحب العزائم العائلية التي يتفننون فيها بصنع أشهى المأكولات! 

نتجمع سويًّا حول المائدة ونستمتع بتناول الطعام، ولكن لا يعوقني سوى بطني، تلك التي تتألم وتؤلمني، إنه قولوني العصبي مرة أخرى!

إنه لشيء مزعج أن يعيش الإنسان بألم مستمر في بطنه، مُقيد فيما يتناوله، فلا سبيل لترويض هذا الألم سوى تلبية أوامره، إنه مرض القولون العصبي.

هل القولون العصبي مرض نفسي أم عضوي؟ 

وما أفضل طرق التعايش معه كصديق مزمن دون ضرر؟ 

هذا ما سنعرفه معًا في هذا المقال.

ماذا تعرف عن أعراض القولون العصبي؟

تتنوع أعراض القولون العصبي، وتختلف شدتها من شخص لآخر، ومن وقت لآخر عند الشخص نفسه، ومن هذه الأعراض نذكر:

  • الإسهال
  • الإمساك
  • انتفاخ البطن
  • مغص وتقلصات بالبطن

وفي بعض الحالات تسوء الأعراض، وقد تصل إلى:

  • الإحساس المستمر بالتعب وعدم الارتياح
  • وجود مخاط في البراز
  • الغثيان 
  • القيء

هل تعلم كيف تحدث هذه الأعراض؟

تتحرك عضلات الأمعاء باستمرار لتسمح بانتقال الطعام من المعدة إلى المستقيم، فهي تنقبض وتنبسط بإيقاع منتظم وبحركة سلسة لا نشعر بها عادةً. 

تود الحصول على المزيد من المقالات المجانية على ترياقي؟ اشترك الآن ليصلك كل جديد!

ولكن يحدث خلل في هذه الحركة عند بعض الناس -أحيانًا-، فيحدث تشنج في عضلات الأمعاء مسببًا الألم، مع تغير في حركتها وتغير في حركة الطعام داخلها، فعند تباطؤها يحدث الإمساك، وإذا تسارعَت يحدث الإسهال، بالإضافة إلى تكون الغازات التي تسبب الانتفاخ.

أسباب عامة للإصابة بالقولون العصبي

بشكل عام، لا نعرف السبب الحقيقي لإصابة بعض الأشخاص دونًا عن غيرهم؛ مما يدفعنا للتساؤل: 

هل القولون العصبي مرض نفسي أم عضوي؟ 

ونستعرض هنا بعض مسببات القولون العصبي:

  1. عدوى شديدة في الأمعاء، بكتيرية أو فيروسية.
  2. التهاب الأمعاء الناتج عن اضطرابات في جهاز المناعة.
  3. وجود إشارات غير متناسقة بين الدماغ والأمعاء؛ فيزداد تفاعل الجسم مع عملية الهضم.
  4. ضعف عضلات جدار الأمعاء؛ مما يسبب ضعفًا في انقباض الأمعاء واضطراب حركتها.
  5. حدوث تغيرات في البكتيريا النافعة الموجودة في الأمعاء الدقيقة، والتي تعد من أهم العوامل الصحية في عملية الهضم. 

يوجد أسباب أخرى أكثر انتشارًا لآلام القولون العصبي، وتختلف طرق التفاعل معها من شخص لآخر، ومنها:

  • الأكل: تستجيب بعض الأجسام لأنواع معينة من الطعام بشكل مختلف عن الآخرين، ودون سبب معروف.
  • الهرمونات: تعاني النساء القولون العصبي بنسبة أكبر من الرجال. 

ويرجع هذا -غالبًا- إلى التغيرات الهرمونية التي تحدث للنساء باستمرار، فتزداد حدة الأعراض لدى بعضهن تزامنًا مع أعراض الدورة الشهرية.

  • الضغط النفسي: ويعد من الأسباب الرئيسة لزيادة حدة الأعراض.

ويوجد بعض العوامل المساعدة التي تزيد احتمالية التعرض للإصابة بالقولون العصبي:

  • العوامل الوراثية: فإن كان هناك تاريخ مرضي في العائلة للإصابة بالقولون العصبي، فمن المحتمل إصابة الأبناء أيضًا به.
  • النوع: النساء أكثر عرضة للإصابة؛ نتيجة التغيرات الهرمونية -كما أوضحنا سابقًا-.
  • الحالة الصحية: الإصابة بالأمراض العقلية والأرق والاكتئاب.  

هل القولونُ العصبي مرض نفسي؟

كثيرًا ما نتساءل: هل القولون العصبي مرض نفسي يسبب التوتر والأرق؟ أم العكس هو الصحيح؟ 

لمعرفة الإجابة؛ لا بد من التعرف إلى الجهاز العصبي المركزي المتحكم في كافة أعضاء الجسم.

ينقسم الجهاز العصبي المركزي إلى قسمين رئيسين، هما: 

  1. الجهاز العصبي الوِدي (السمبثاوي).
  2. الجهاز العصبي اللاوِدي (الباراسمبثاوي).

يتحكم الجهاز العصبي اللاودي في وظائف الجسم التالية: التبول، والتغوط، وتكون الدموع، وإفراز اللعاب… 

أي -بشكل عام- الوظائف التي يؤديها الجسم لممارسة أنشطة الحياة اليومية.

يحفز الضغط النفسي الجهاز العصبي الودي، وزيادة إفراز هرمونات عدة كالكورتيزول الذي يؤثر بشكل مباشر وغير مباشر في وظيفة الأمعاء، ويؤثر في كمية البكتيريا النافعة بها، بالإضافة إلى تأثيره في الخلايا المناعية التي تسمى الخلايا البدينة (mast cells)، والخلايا الليمفاوية، والناقلات العصبية المنتِجة. 

كل هذه العوامل تشترك في تنشيط جهاز المناعة الذي يتفاعل بشكل مبالغ فيه مع الأمعاء ووظيفتها ومع البكتريا النافعة بها.

وتؤدي هذه الاضطرابات العصبية إما إلى زيادة نشاط الأمعاء وحركتها فيعاني الشخص المغص والإسهال، أو تؤدي إلى تقليل النشاط والحركة فيعاني الإمساك والغازات والشعور بالامتلاء.

وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن معظم من يعانون القولون العصبي يتعرضون للضغط النفسي والإجهاد؛ اللذين يؤثران في الجهاز العصبي من جهة، وفي عاداتهم اليومية من جهة أخرى. 

فالبشر يختلفون في ردود أفعالهم عند تعرضهم للضغوط النفسية التي لا يستطيعون التعامل معها، فمنهم من يتجه للأكل بشراهة، ومنهم من يفقد الشهية، أو يسرف في شرب المنبهات التي تحتوي على كمية كبيرة من الكافيين المنبه للجهاز العصبي، أو يفرط في التدخين… 

وكل هذه التصرفات ترهق الجهاز الهضمي، وتحدث به اضطرابات القولون العصبي.

ونعود إلى سؤالنا مرة أخرى: هل القولون العصبي مرض نفسي؟ أم إنه مرض عضوي تحفزه الحالة النفسية السيئة؟ 

نعم هذا هو الأقرب، فهناك عوامل عضوية ووراثية وعوامل ما زالت مجهولة تُسببه، لكنَّ الضغط النفسي والإجهاد يزيدان الحالة سوءًا. 

ولكنْ من الجيد أن هناك بعض العادات التي يمكن اتباعها ليستقر الوضع ويقل الألم.

علاج القولونِ العصبي بدون أدوية

يتمكن الإنسان من تخفيف شعوره بالألم باتباع بعض العادات في حياته اليومية، مثل:

  • الاهتمام بتناول الأطعمة المحتوية على نسبة مرتفعة من الألياف، مثل: الفاكهة والخضروات والمكسرات والحبوب (في حال عدم وجود إسهال).
  • شرب لترَين من الماء يوميًّا، أي: ما يعادل 8 أكواب.
  • الاهتمام بممارسة الرياضة ثلاث مرات أسبوعيًّا على الأقل.
  • التوقف عن التدخين.
  • التقليل من تناول المنبهات والمياه الغازية والشوكولاتة.
  • تدوين المأكولات التي يتأثر بها القولون، والابتعاد عنها.
  • تجنب المأكولات الغنية بالدهون، والتوابل الحارة، والوجبات الجاهزة غير المفيدة.
  • الابتعاد عن مسببات القلق النفسي والإجهاد قدر الإمكان، وتعلم كيفية التعامل معها بهدوء؛ لتقليل استثارة الجهاز العصبي.
  • تجربة البروبيوتيكس (Probiotics) مدة شهر على الأقل. 
    وهي عبارة عن بكتيريا حية تساعد على إعادة توازن البكتيريا النافعة في المعدة والأمعاء، وتستخدم كمكمل غذائي، وفي حال الشعور بالتحسن يمكن المداومة عليها.

علاج القولونِ العصبي باستخدام الأدوية

في بعض الحالات، لا يجدي تغيير العادات اليومية نفعًا كبيرًا، وتظل معاناة الشخص قائمة، فلا بد في هذه الحالة من التدخل ببعض العلاجات الدوائية، مثل:

  • المكملات الغذائية المستخدمة في علاج الإمساك.
  • الملينات -في حال عدم التحسن على المكملات الغذائية-.
  • أدوية علاج الإسهال -في حال وجوده-.
  • مضادات الكولين التي تساعد على تهدئة تقلصات القولون العصبي وتقليل الإسهال. 
    ملحوظة: تسبب الإمساك في حال الإفراط في تناولها.

يصفها الطبيب لتخفيف الشعور بالاكتئاب، بالإضافة إلى أنها تقلل نشاط الخلايا العصبية المتحكمة في حركة الأمعاء.

  • مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية المستخدمة في علاج الاكتئاب. وقد لوحظت قدرتها على علاج الإمساك وتقليل آلام الجهاز الهضمي.

أخيرًا، يمكن القول إن القولون العصبي قد يتحول إلى صديق غير مزعج إن أحسنَّا التعامل معه!

بقلم د/ مروة عبد الرحمن 

المصدر
How Stress and Anxiety Can Aggravate IBS SymptomsImpact of psychological stress on irritable bowel syndromeProbioticsIrritable bowel syndromeIrritable Bowel Syndrome (IBS)
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى